الاثنين، 1 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 11





الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :

حسن علي
ماضي

اقترب ابو قدس من المجموعات المسلحة فاصطفوا جميعاً في صف واحد على شكل سبعة دلالة على مقدمة الرمح و الذي اشتق اسم المجموعة منه . صرخت مجموعة الرماح بأعلى صوت مرحبة بالقائد العام أبو قدس ، ترجل القائد وأخذ يبحث بعينيه الباردتين عن قائد المجموعة حسن علي ( أبن المرحوم ابو حسن ) بدون أدنى فائدة ، هز رأسه حسرة وأستدعى أحد الجنود :
- أذهب ونادي على حسن علي .
- ولكنه في الحمام يا سيدي .
قالها الجندي بارتباك واضح مما جعل أبو قدس يبتسم ابتسامة صفراء تحولت إلى الغضب الواضح في عينيه :
- أذهب إلى ( العشة ) وستجده هناك يشرب المعسل ويلعب البلوت . قل له عمك أبو قدس يطلبك في الحال
رفع الجندي يده إلى أعلى دلالة الطاعة وهم بالانصراف ولكن أبو قدس استوقفه :
- طبعاً حالما يعلم هذا المغفل أنني موجود سيركض حافياً بدون شعور منه .. لا تنسى أن تحمل نعاله الزنوبا وراءه .
- سوف افعل يا سيدي
الكل يتساءل عن سر تمسك حسن علي بالنعال الزنوبا وردي اللون ومع أنه تدرج في المناصب العليا في الجيش الثوري بسبب واسطة عمه أبو قدس ووالده مساعد القائد العام السابق أبو حسن إلا انه كان يرفض ارتداء الحذاء الأسود ثقيل الوزن ويفضل مكانه النعال الزنوبا حتى لو أدى ذلك إلى أن ينال العقاب من قائده المباشر حينها ، تكهنات كثيرة حول السبب الرئيسي فمنهم من قال أن أمه هي التي أوصته عليه ففيه ريحة المرحوم والدها والذي ورثته منه أباً عن جد أبو جد أبو جد أبو جد اللي خلفوه ومنهم من قال أن النعال هي أول علقة نالها في حياته بسبب محبوبته التي رآها ذات يوم في إحدى الأسواق فتعلق قلبه بها فما كان ردة فعلها بعد أن وجدته يلاحقها في كل مكان كالأبله إلا أن أخرجت نعال زنوبا اشترته لاستخدامها الشخصي داخل المنزل وأخذت في تسطيره حتى تعبت وهو ما زال يضحك من الدهشة فيئست منه ورمت النعال على وجهه وانصرفت .
أقاويل كثيرة قيلت عليه وعلى النعال الوردي ولكن تبقى حقيقة واحدة أن حسن علي لا ينام ليله إلا وهو محتضن عشقه لدرجة أنه ذات يوم جلس من نومه ولم يجده بجواره فقامت قيامته وأخذ يدور في أنحاء الغرفة كالمجنون بحثاً عنه وعندما لم يجده أخذ يدور في أنحاء الحوش ومن ثم عند الجيران وأخذ ينوح ويلطم على خده ويعفر التراب على وجهه حتى أشفق عليه صديقه الذي أخذه من عنده وهو نائم كمقلب ولكن حسن علي لم يعتبر الأمر مزحة فأخذ سكين وهم بطعن صديق طفولته ولولا المعجزة بظهور أبو قدس فجأة كمن انشقت الأرض عنه لكان الصديق في خبر كان ، لحظتها تحول اللون الأحمر القاني في عينيه إلى لون اصفر دلالة الخوف والرعب .
قصته مع عمه قصة أخرى لا يعرفها أحد ، ولكن الثابت أن عمه له مهابة في قلبه وحب وطاعة لا يكنها هذا الإنسان إلا إياه ولا أحد سواه حتى والده قبل موته كان لا يضع له حساباً مثل عمه وأما أمه العجوز والتي كانت دائماً تغدق عليه بالحنان والحب وتلبي طلباته السخيفة أحياناً ( كـ أمايوه .. ابغى اشرب ماي ) فتزحف على بطنها أو متكئة على رجليها المبتورتين حتى تصل إلى ما يطلبه منها وهو يلعب مع رفاق السوء أو يتناول الحشيش و الأفيون مع لعبة البلوت التي أدمن عليها .

وصل الجندي إلى العشة وكما كان متوقعاً فقد جلس حسن علي متربعاً ومتوسطاً المحيطين به يلعب لعبته المفضلة و ( لي ) المعسل في فمه ، نظر حسن علي إلى الجندي بنظرة احتقار وفكر في تهزئته وإذلاله فلابد أن قدومه لسبب سخيف كتناوش ما بين الجنود أو أن أحدهم يريد الذهاب إلى الحمام :
- ماذا تريد يا ماضي ؟ ألم أنبهك أن تقف عريفاً على الجنود لا يتحرك أحدهم من المكان ، والجندي المؤدب هو الذي تسمح له بالذهاب إلى الحمام .
تلعثم ماضي وبلع ريقه وزادت صعوبة تنفسه ( فهو مشهور بمرض الربو ) وزاغت عيناه عندما نظر إلى عيني قائده المباشر :
- تمام يا أفندم ... كل شيء تمام والنظافة من الإيمان
- ما بك كأنك ( تقط خيط وخيط ) هل هناك طارئ يجعلك تأتي لي في هذه اللحظة أيها المزعج .. أقسم إن كان أمراً سخيفاً لأصلبنك كما كنت تفعل بي سابقاً عندما كنت قائدي المباشر
بلع ماضي ريقه وتحسس رقبته وهو يتذكر ما كان يفعله به عندما كان رئيسه ولولا الواسطات والمحسوبيات والفساد الإداري في الفترات الأخيرة والتي طغت على معسكر الثوار لكان هذا المدعي بنفسه من الهالكين :
- العفو يا حضرة القائد .
- لا .. لم أعلمك هكذا . عليك أن تقول بالحرف الواحد ما علمتك إياه
- نعم ... العفو يا مولاي القائد المعظم الذي يشرفني أن يرفسني و يبصق على وجهي وكأنه ماء ورد .. يا سيدي لم أتي إلى هنا إلا لأمر ضروري .
- ما هو يا ماضي ؟
- عمك أبو قدس يطلبك في الحال .
ما أن سمع حسن علي هذا الاسم حتى تغيرت ملامحه وتبدل حاله من عملاق متجبر إلى قزم صغير يرثى لحاله :
- ولماذا لم تقل ذلك من البداية
وقبل أن يبرر ماضي كان حسن علي يركض حافياً كما توقع عمه بذلك لا يلوي على شيء .وحالما وصل إلى مكان الجنود توقف عند عمه يلهث وهو زائغ النظرات :
- هل هذا ما وصيته عليك يا حسنوه .
تلعثم القائد الشاب وزاغت عيناه :
- كان مجرد قسط من الراحة .
- قسط من الراحة ؟؟؟
زمجر أبو قدس وهو يقول هذه الكلمات الخارجة من بين أسنانه :
- والله لولا أنني وعدت أمك العجوز أن لا أبرحك ضرباً بعد ضربي الأخير لك لكنت الآن في عداد الأموات لاحقاً بوالدك لذي يتعذب في قبره بسببك . ولولا أني أخشى من شماتة الأعداء والمنافسين لصلبتك على جذوع الأشجار عقاباً وردعاً لأمثالك . أسمع يا حسنوه .
حاول حسن علي الانتصاب عندما سمع اسمه فبان جسمه مشوهاً بسبب وجود كرش صغيرة في كل الجوانب :
- نعم سيدي
- - غداً تأخذ سريتك وتتجه إلى جزيرة المنبوذين ، ستقابل ملكتهم أظنك تذكر اسمها
- أجل اسمها ... اسمها على ما اظن أم السادة .
لم يتمالك أبو قدس نفسه من ضربه على قفاه من شدة الغضب :
- اسمها غادة يا مغفل
- نعم غادة كنت أريد قول ذلك
- وماذا ستفعل عندما تقابل أم السادة ؟ أقصد غادة
- اسلمهم الصناديق وأعود ادراجي .
عاد أبو قدس إلى صفعه على قفاه من جديد :
- هل ترانا جمعية خيرية ؟
- لم أقصد ذلك ... دعني أتذكر .. آه نعم تذكرت نعطيهم الصناديق ونطلب منهم أن يعطونا شيء .. بصراحة نسيت ما هو الشيء
- الحديد .. الحديد يا حسنوه .. لا اعلم كيف استطيع أن أثق بك .. يبدو أنني سوف أسند المهمة لماضي .
ما أن سمع حسن علي هذه الجملة حتى أصفر وجهه وعرف أن نهايته قد أقتربت فجثا على ركبتيه وقبل قدم عمه :
- أعدك أنني لن أنسى بعد اليوم .. اعطني فرصة .. أرجوك
قال كلمته الأخيرة وشرع في ذرف الدموع بشكل هستيري حتى رق قلب أبو قدس من جديد فرفعه وأخذه إلى حضنه وقبله قبلة أبوية :
- يا حسونه يا ولدي أنت تعرف المصاعب التي نواجهها ونحن في مرحلة حرجة تحتاج إلى تركيز كامل فأبعد عنك الفكر بالبلوت والمعسل وخذ الأمر بشكل جدي . هيا اذهب إلى جنودك واطلب منهم الاستعداد للرحيل في الفجر .


وقفت غادة بين الشموع المشتعلة وهي ترتعد بشدة مما أوقع الفزع في قلب مساعدها المخلص فاضل الجابر الذي اخذ الدود يتقافز من عينيه وأسنانه تبعاً للحالة المفزعة التي يمر بها وهو يرى مليكته بهذه الحالة المرعبة التي لم يرها من قبل ومع حذره من أن تنتقل العدوى لمليكته إلا أنه حاول أن يمسكها من يدها ولكن ملكة المنبوذين نهرته على فعلته:
- لماذا فعلت ذلك ؟
- ماذا فعلت أيتها الملكة المبجلة ؟
- قطعت الوحي عني .
- وحي
- بمخلصتنا
- هل اتصلت بك روحياً
- نعم ... ولكنها لم تكمل كلامها فحالما أمسكت يدي حتى انقطع الاتصال بيننا
نظر فاضل الجابر إلى ملكته بكثير من الخشوع والتبجيل والحسرة والندم :
- وماذا قالت لك مخلصتنا .
- ستعود
- ألم تمت ؟
- كيف تموت التي على يديها خلاصنا .. هكذا تقول الأساطير .
- ومتى ستعود .
- حالما تسنح لها الفرصة وترى تفانينا في ولائنا تجاهها .
- وكيف نثبت لها تفانينا ؟
- أخبرتني بيوم مولدها .
- وماذا نفعل ؟
- اذهب الآن وبشر الشعب العظيم بقرب الخلاص فمخلصتنا ستكون بجانبنا في اللملمات الصعبة .
- هل ستعاودين الاتصال بها .
- كلما استطعت .. لا تضيع الكلام اذهب واجمع شعب المنبوذين في الحال لأبشرهم بنفسي .


أخذت zamob نفساً عميقاً قبل أن تغمر وجهها في الماء البارد ، أزالت بعض بقايا اللحم المتفحم من وجهها الذي لم تستطيع التعرف على ملامحه فأخذت تنتحب بصمت خيفة أن يلفت صوتها انتباه الحيوانات في هذا المكان المجهول والمخيف فالظلام بدأ ينتشر في المكان وهي تشعر بالوحدة المخيفة ، حاولت أن تتذكر ماذا حدث لها وكيف وصلت إلى هذا المكان ولكنها عجزت عن ذلك ، كانت هناك أصواتاً تزن في أذانها ، أصوات لا تستطيع حتى تحديد لغتها ولكنها كانت متداخلة ، خائفة ، مرعوبة ، ومفعمة بالأمل البعيد ، شعرت بالانتماء إليها رغم خوفها ، أحست أنها تنتمي لها وإن لم تكن رأتها من قبل . غطست وجهها في الماء وشعرت بحرقة النار تملأ خدودها التي كانت في ذات يوم بلون الورد ، كان سقوطها من أعلى الجبل أمراً مريعاً وكادت أن تلقى حتفها لولا كتلة ألشجار الكثيفة والتي خففت من حدة سقوطها بشكل أشبه بالمعجزة . ، رفعت رأسها وهي تشهق بقوة كمن تعرضت لعملية اختناق حادة ،لم تكن المشكلة الوحيدة التي تعاني منها العروس الجديدة هو احتراق الوجه وبعض بقايا الجسم وإنما حتى الرؤية كانت شبه ضبابية بسبب تعرض قرنية العين للحرارة الشديدة مما جعل لون العينين يتحول من اللون العسلي إلى اللون الأزرق الباهت المخضر ، بالطبع هي لم تكن رأت عيناها بهذه الصورة الجديدة ولكن حسب معرفتها من خلال دراستها الطبية استنتجت ما وصل إليه حالها ، رفعت الحجر الحاد وأخذت بنزع قطع الشوك التي غرست في أنحاء متفرقة من جسدها .



ترجلت سما من على حصانها الأصهب ووقفت شامخة تنظر بإمعان تجاه الأشجار الكثيفة في الغابة الصغيرة محاولة أن تصطاد بنظرها ما يريب ، تنفست بعمق وابتسمت ابتسامتها المتوحشة وتقدمت بثبات واضح مخترقة وسط الغابة مستشعرة وجود Renad خلف الكتل المتشابكة ويدها تقبض بشدة على جعبة الأسلحة التي في حزامها .
كان الصمت مطبقاً في الغابة ولا يسمع غير خطوات سما الهادئة ، وصلت إلى جدول صغير التقطت حصاة ورمتها بلطف في المياه الجارية ، تلفتت يمنة ويساراً باحثة ما بين الأشجار العالية :
- Renad
نادت بهدوء تشوبه ابتسامة ساخرة .
- أين أنتِ يا صغيرتي ؟ هيا اظهري نفسك ، ليس هناك سوانا . الجنود ذهبوا إلى المنجم ، هل تعلمين لماذا كانوا معي ؟ كانوا سيشعلون النار في الغابة من جميع الاتجاهات بحيث لايكون لديك مخرج . ولكني صرفتهم . أظن أننا نستطيع أن نتفاهم .
الصمت المطبق يجعل المرء يشعر بالتوتر الشديد خاصة عندما يعلم أن هناك من يراقبه ولكن هذه الحالة لم تكن تنطبق على سما . اخرجت من جيبها لفافة حشيش وأشعلتها وأخذت نفساً عميقاً منها وأخرجت الدخان بشكل حلقات .
- ألا تشعرين بالرغبة في معرفة ما حدث لأهلك ؟
عاد ت إلى ابتسامتها من جديد :
- ليتك كنت هناك ، ليتك سمعت والدتك ماذا كانت تقول عنك .................
لم تكمل كلامها فقد سمعت أزيزاً يمر بمحاذاتها ، وبسرعة متناهية أبعدت رأسها عن السهم المعدني الذي اخترق الهواء بكل قوة ليستقر في جذع الشجرة ، وبسرعة متناهية أخرجت من جيبها كرة معدنية ألقتها في جهة مصدر السهم لتنفجر بعد لحظات من رميها لتسقط الشجرة ومن عليها . اقتربت من الشجرة الساقطة ولم تجد شيئاً :
- آه يبدو أنك تمرنت جيداً للقاء اليوم ، أصبحت أكثر سرعة وأكثر خفة ، لا يغرنك السهم الذي أصاب كتفي عند المنجم ، كبوة حصان كما يقولون ، ولكني اعترف ببراعتك ، هل أنتِ خائفة ؟ لماذا لا تظهرين نفسك ، حسناً لن العب معك العاب نارية فقط اظهري نفسك ، كلي أذان صاغية لك ولطلباتك .
سهم أخر يرتفع أزيزه ويستقر بجوارها، وقبل أن تتحرك هذه المرة وجدت Renad واقفة أمامها وهي تصوب سهمها ناحيتها :
- حركة واحدة وسهمي في صدرك أيها الجبانة .
ابتسمت سما ورفعت يدها دلالة الاستسلام .
- كما قلت لك جئت في سلام .
- أين والدي
- في أمان .
- كاذبة
قالتها بصوت مرتفع وغاضب وهي تطلق سهمها تجاه صدرها ، ولكن المرأة الضخمة تحاشت سهمها بكل مرونة وأخرجت من حزامها نجمة معدنية صوبتها تجاه المقاتلة الشرسة فأصابت يدها مما جعل القوس يسقط من يدها ، وقبل أن تتحرك كانت سكيناً حادة تستقر في يدها لتثبتها في الشجرة .
- أوه يا عزيزتي ، مازلت تحتاجين إلى المران أكثر من هذا ، ولكن للأسف فات الأوان .. بكل بساطة لا وقت لدي اضيعه معك .. سوف تموتين
قالتها بكل برود وأخرجت كرة البارود ولكن رجل Renad الخاطفة كانت أسرع هذه المرة فسقطت سما على وجهها وتسقط معها الكرة المتفجرة ، ثوان قليلة وصوت الانفجار يهز الغابة الصغيرة .
تقدمت سما بخطوات متعثرة ناحية الشجرة الساقطة لتبحث عن أثر لـ Renad ولكن كان الدخان كثيفاً إضافة لبداية حلول الظلام ، تفحصت حزامها وأخرجت سكينها الحادة واستعدت للبحث عن المقاتلة الشرسة ، ولكن صوت دوي قادم من المنجم جعلها تتراجع خطوات لتقفل راجعة للمنجم فقد كانت إشارة من الجنود إليها تحثها على الرجوع بسرعة لأمر هام وضروري .


ما أن حل الظلام حتى خرجت سماهر من خيمتها وهي تحمل كيساً بين يديها تتبعها جارية أخرى ، خطت خطوات واسعة متجهة إلى خيمة jawad ولكن الصوت الأنثوي الحازم الذي جاء من خلفها جعلها تتوقف ، التفتت بكل هدوء مصطنع :
- نعم سيدتي ريان بماذا أخدمك ؟
- إلى أين أنت متجهة ؟
- إلى jawad .
- لم ؟
- لأداء مهمتي . أليست الأوامر الموجهة لي أن استخلص منه ما يمكن استخلاصه حتى يتحقق الهدف ؟
- أجل ، ولكن في هذه الساعة ؟
- هل هناك ساعات معينة ومحددة ؟
- لا
- هل أستطيع أن اذهب إليه الآن ،فقد وعدته بإمتاعه متعة لن ينساها مدى عمره ، حتى وهو في فم الوشق العظيم
قالت جملتها وهي تبتسم ابتسامة عريضة مما جعل ريان تتحير إن كانت سماهر صادقة في كلامها أم هو مجرد خداع :
- ولماذا هذه الجارية معك ؟
- ما الغرابة في ذلك ؟
- لم تجيبي على سؤالي لماذا الجارية معك ؟
- لأنها تجيد المساج والتدليك وفنون الهمز واللمز
نظرت مساعدة القائدة بشك مريب إليها ولكن وجدت كلامها معقولاً لحد ما فأشارت لهما بالانصراف ، حالما خطت ريان مبتعدة حتى تنفست سماهر الصعداء وانطلقت إلى الخيمة حيث كان jawad ينتظرها بفارغ الصبر ، حالما دخلتا نظر jawad إلى الجارية المرافقة فوجدها قريبة من مواصفاته من حيث البنية والشكل فابتسم ابتسامة عريضة تجاها:
- بهذه المناسبة السعيدة وتعرفنا على بعضنا ما رأيك أن نشرب نخب التعارف .
- ألا تود أن ادلك ظهرك
- بعد الاحتفال .. بعد الاحتفال .
قالها وهو يعطيها كأساً من شراب الرمان المعطر وحالما شربته الجارية حتى وقعت على الأرض بسبب البنج وعلى الفور قامت سماهر بخلع ملابس الجارية بعد أن طلبت من jawad أن يدير ظهره ففعل ما أمرته به المضيفة الحسناء على مضض ومباشرة وبعد أن غطتها بالبطانية اعطته ملابسها :
- البس بسرعة
قام بتنفيذ الأوامر بسرعة متناهية وهو يتحرق شوقاً ليرى ما يجري خلفه :
- هل كل شيء جاهز ؟
- الملابس في خيمتي .
- لماذا لم تحضريها معك ؟
- وأين سنبدل ؟
- معك حق هيا بنا .
مباشرة خرجت الجاريتان من خيمة jawad واتجهتا قبل أن تلحظهما عيون ريان ومن معها ، وعلى الفور بدلا ملابسهما بملابس الجنديات وخرجا من الجهة الخلفية من الخيمة كي لا يلحظهما أحد .

كانت الحارستان تنظران بذهول شديد تجاه الجنديتان القادمتان لبوابة المعسكر ، شهرت الحارسة الأقرب رمحها ناحية الجواد البني :
- إلى أين أيتها الجندية ؟
- لدينا أوامر بالخروج من المعسكر .
- في هذا الوقت ، أنت تعلمين أن هذا الأمر ممنوع
تدخل jawad بعد أن رقق صوته :
- قولي ذلك لمساعدة القائدة .
- ولماذا أقول لها ها هي قادمة
التفت الاثنان ناحية ما أشارت إليه الحارسة فهالهما منظر ريان وهي قادمة نحوهما والشرر يخرج من عينيها فارتعبت سماهر وعلمت أن نهايتهما قد حانت ولكن jawad رفس الحارسة بقوة ووكز الحصان الذي صهل بفعل الوكز وانطلق الجوادان بأقصى سرعة . لحظات وصفارات الإنذار تعلو معسكر الأمازونيات وثلة من الجنديات في أثر الهاربين .


أخذ أبو حسام يحاول أن يرى ما يفعله الطبيب البيطري بمكتبه الإمبراطوري ولكن بدون فائدة فقد كان الجبس عائقاً صلباً فأخذ ينادي عليه ولكن زهدي لم يعره أي أهتمام وهو يبحث في الأدراج لعله يجد ما يبحث عنه ، استمر أبو حسام بالمنادة حتى ارتفع صوته من شدة الغضب فتوقف زهدي عن البحث واتجه ناحية الإمبراطور المسجي على السرير والمربوط بالحبال والحديد :
- ماذا يا أبو حسام .. أرى صوتك قد ارتفع .
- ماذا تريد من مكتبي .
- إن كان يهمك الأمر فأنا أبحث عن هذا .
أظهر زهدي الختم الإمبراطوري فأحمرت عينا أبو حسام وعلم أنه وقع في مكدية لا يمكن الخلاص منها فحاول أن يصرخ ولكنه قبل أن يفعل قام زهدي إدخال قطعة قماش في الفتحة الصغيرة :
- لا تخف يا أبو حسام .. لن يدوم حالك أكثر من هذا .
في هذه اللحظة دخلت زينب عبدالله واقتربت بخفة ودلال من الطبيب وهمست في إذنه :
- أظنني وجدت لك هذا .
وأخرجت نبتة طويلة من جيبها ، ابتسم زهدي ونظر ناحية ابو حسام :
- أظنك تعرفت إلى نبتة الخشخاش يا عزيزي أبو حسام
قالها وخرج برفقة زينب عبدالله بعد أن ختم الأوراق بالختم الإمبراطوري واتجها إلى الخطة الثانية حيث كان أحمد علي يراقب آلاء وهي تتجه إلى السجن الذي تتواجد فيه اشتباه ، حالما وصلت إلى زنزانتها وقفت مبتسمة :
- سيدي يسلم عليك يا اشتباه .
- سيدك ؟
- أبو حسام .. هو من بعثني إليك وطلب مني أن اعطيك عشائك لهذه الليلة .
قبل أن ترتسم على اشتباه أي ملامح للاستغراب ظهر أحمد علي من الفراغ وأمسك بيد آلاء بقوة :
- ماذا تفعلين هنا أيتها الخائنة ؟
نظرت آلاء إلى أحمد علي وقد ارتعبت أشد الرعب من هذه المفاجأة غير المتوقعة ولكنها هدأت نفسها فقد كانت تعلم أنها تنفذ أمر الإمبراطور الذي أبلغه إياها طبيبه الخاص :
- أنفذ أمر الإمبراطور .
أخذ أحمد علي الصحن وكبه على الأرض فظهرت رسالة كانت مخبئة بداخله فأصفر وجه الخادمة وعلمت أن في الأمر مكيدة ، تقدم سنابسي الهوى الذي كان يراقب الأمر من قرب والتقط الرسالة وأخذ في قراءتها :
- هذا يثبت كلام الطبيب .
زاعت عيناها وعلمت أن نهايتها قد قربت فأخذت بالنحيب :
- اقسم لكم إني بريئة .
من الخلف سمع الجميع ضحكات زهدي الذي كان برفقته زينب عبدالله :
- كل المجرمين يقولون ذلك .
التفت زهدي ناحية أحمد علي واعطاه الخطاب :
- هذا أمر من الإمبراطور بنقل هذه الخائنة وهذه السجينة لمنجم الفحم في الحال .
بلع أحمد علي ريقه وهو يتصور سما المرعبة :
- الآن ؟
- لن تذهب يا أحمد علي فأنت وسنابسي الهوى لديكما مهمة أخرى وإنما سيذهب بهما الحراس الآخرون .
كانت ملامح الشك تسيطر على وجه سنابسي الهوى وهو يرى الأحداث الأخيرة ولكن زهدي لم يهمله لشكه وظنونه فأخرج ورقة أخرى
- هذا أمر من الإمبراطور بتعيينكما سفراء الإمبراطور في المؤتمر الذي سيقام في جزيرة الحشاشين .
ما أن سمع سنابسي الهوى هذا الخبر حتى جالت صور الحسناوات في الكابريهات والكازينوهات والمسارح التي اشتهرت بهاجزيرة الحشاشين فقفز من مكانه فرحاً ونسى شكوكه وظنونه وعلم أن هذا الطبيب هو فأل خير عليه :
- متى نستطيع الرحيل ؟
- منذ الليلة عليكما الرحيل .

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق