الخميس، 28 أكتوبر 2010

جزر الغموض - 10


( 10 )

كان المنظر باعثاً للضحك أكثر منه رثاء لمنظر شخص مريض ولكن سنابسي الهوى لم يستطيع أن يظهر ضحكته الشهيرة كمهرج عجوز أمام سيده ومولاه بسبب علمه بما قد يحصل لو ظهرت تلك الابتسامة وفسرت بتفسير يليق بقطع الرقاب ، كان أبو حسام مغطى بالجبس الأبيض من راسه إلى أخمص قدميه ولم تظهر منه إلا عينيه وفمه وفتحة للتنفس .
نظر أبو حسام من خلال فتحات الجبس لمهرجه العجوز :
- اسمع يا عجوز النحس هذا الخبر لن يسمع به أحد غير ثلاثتنا والخادمة ست آلاء ، سوف تكون ممثلي في المجلس البرلماني تنقل لي الصورة بما يحصل وتنقل لهم أوامري .... مفهوم ؟
- بالطبع يا مولاي الإمبراطور ، سوف انفذ ما تقول بالحرف الواحد .
- جيد .
نظر الإمبراطور ناحية طبيبه الخاص :
- والآن أيها الطبيب ؟
نظر إليه زهدي كمن يحاول التفكير في هذا الأمر الجلل :
- سوف ننقلك إلى السرير بعد بضع تشطيبات فثقل الجبس سوف يؤثر على عمودك الفقري ولذلك وجب عليك عدم الحركة ليل نهار .
- وماذا عن الطعام ؟ الحمام ؟ !!!!
- لن تتناول طوال هذه الفترة إلا السوائل لضمان ألا يخرج من جسمك إلا البول فقط وسوف نمد لك قصبة طويلة لمدك بالعصيرات والماء والشوربة الباردة .
- وماذا عن المعسل والجراك ؟
- هل هذا وقته يا مولاي ؟ نحن في غمار موضوع أهم من المعسل والجراك .
شعر أبو حسام بالحنق فقد شعر أنه تعرض لمقلب كبير بسبب هذه الإصابة فشعر بالحنق والكره :
- ليس هناك ما هو أهم من المعسل والجراك أيها الطبيب مفهوم ؟
ارتبك زهدي وشعر بخطورة الموقف :
- بالطبع يا مولاي .. سوف نمد لك ( لي ) خاص لهذه المسألة الضرورية .
تنفس أبو حسام بعمق وأغمض عينيه ليتسنى للطبيب أن يبنى على وجهه مجسم الجبس ، فأخذ زهدي يتفنن في وضع الجبس تارة يزيد الكتلة من هنا ويطلب من الإمبراطور الوقوف ويسأله إن كان يشعر بثقل أكثر في جهة ما فعندما يشير إليه بثقل في الجهة اليمنى من رأسه يقوم بوضع كميات كبيرة من الجبس في الجهة اليسرى ويطلب منه الوقوف مجدداً ويسأله السؤال ذاته حتى وصل الإمبراطور لمرحلة أنه لا يستطيع رفع نفسه عندها طلب من الطبيب أن يستلقي على السرير بعد أن اكتمل بناء الجبس من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين :
- كم ستطول مدة الجبيرة يا دكتور ؟
ابتسم زهدي قليلاً :
- ربما شهر أو أربعين يوماً .
- ماذا ، هل تظنني قادراً على احتمال الحكة طوال هذه المدة ؟
- الحكة أم الشلل يا مولاي
سكت أبو حسام محاولاً اقناع نفسه بمدى صواب الفكرة ونظر ناحية مهرجه الخاص سنابسي الهوى :
- ألم يأتي أحمد علي من مهمته ؟
- حتى الآن يا مولاي
- لماذا تأخر فأنا أحتاجه .
- انت تعلم وعورة طريق المنجم .
- اسمع يا دكتور كما اتفقنا ، عليكما بإبلاغ جميع الجنود والرعية بإني معتكف لا أريد إزعاجي من أي طرف كان .
تنحنح سنابسي الهوى:
- وماذا عن الطعام والخادمات اللاتي يقمن بخدمتك ؟
- احضر الطعام بنفسك وأما الخدم .... ماذا ترى يا دكتور خاصة أنني لابد أن احتاج تصفيف شعري أو ادخال عصا رفيعة داخل الجبس اللعين لازالة الحكة ؟
- يؤجل كل موضوع حتى يستقر الجبس على ما هو يا مولاي ، أما بالنسبة لشعرك فلا تخف فسوف يغطيك الجبس ولن يكون مكاناً حتى للمشط . وانصحك بعد المخالفة فمخالفة واحدة منك تخليني من أي مسئولية تجاه تصرف أحمق من قبلك .
نظر أبو حسام بدهشة ناحية طبيبه فهي المرة الأولى التي يتكلم معه أحد ما بهذه الطريقة ويصفه بالحمق ، حاول أن يستوعب ذلك الأمر بدون فائدة ولكنه قرر أن يتغاضى عن الإهانة فقد يكون في كلامه حق فهو الآمر والناهي .
- يا سنابسي الهوى
- لبيك مولاي
- لا تدع أي خادمة مهما علا شأنها وقربها مني أن تدخل علي وأنا بهذه الحالة ، اصدر أوامراً للحرس بعدم دخول أي كان مقر اعتكافي عداك أنت والطبيب
- أمرك يا مولاي
وكأنه تذكر أمراً مهماً :
- استثني آلاء من ذلك فهي تدخل كما تشاء .
شعر زهدي بالخطر العظيم الذي سيقابل مخططه إن لم يتخلص من العجوز الشمطاء بأسرع ما يمكن .


كان واضحاً نظرات الهلع والفزع التي صدرت من عيون jawad وسماهر عندما التقت لأول مرة ، ابتسمت ريان قليلاً في محاولة لاستنتاج ما يمكن استنتاجه :
- هل تعرفان بعضكما ؟
تلعثم jawad قليلاً ولكنه تدارك الموقف عندما شعر بما ترمي إليه المحاربة الجميلة ، ابتسم ابتسامة حاول بقدر ما يستطيع أن تقنعها بالخجل الذي ينتابه :
- كأني رأيت هذا الجمال من قبل ولكن أين ؟؟؟.
عادت ريان وابتسمت ثم التفتت إلى سماهر :
- وأنت يا جميلتي ، هل هو منظر الرجل الفحل ما جعلك تجزعين ؟
زاغت عينا سماهر قليلاً وادركت كم هي مفضوحة نظراتها إن لم تستخدم سعة حيلتها التي اشتهرت بها أيام الثانوية مع معلماتها فتصنعت الخجل واحمرار الوجه :
- لا تحرجيني اكثر من ذلك يا ستي .
اقتربت من أذنها وهمست بغنج :
- ارجوك لا تقولي له هذا . متشوقة لأكون بين احضانه ولكنها طبيعة الأنثى يتمنعن وهن راغبات .
حالما سمعت ريان هذه الجملة الحقيرة ( من وجهة نظرها ) ، ابتسمت ابتسامة مصطنعة شقت وجهها الجميل واقتربت من أذن سماهر هامسة في أذنها كفحيح الأفعى :
- يتمنعن هذه في بيتكم يا دلوعة ماما و بابا ، هنا لا ترغبين بشيء إلا ارضاء سيدك الوشق أيتها التافهة .
اصفر وجه سماهر عندما سمعت سياط لسانها وسلاطته ولكنها ابتسمت ابتسامة واسعة وأومأت برأسها دلالة الطاعة واقتربت من jawad المبهوت واستندت على كتفه بكل غنج :
- ماذا يا سيدتي هل ستجلسين هنا معنا تراقبين ما يفعله المحبون ؟
نظرت ريان إليها بعمق محاولة أن تستشف ما ترمي إليه هذه الدلوعة ، ابتسمت ابتسامة عريضة كعادتها :
- وهل هذا معقول أن اقف حاجزاً ما بين المحبين ؟ عن إذنكما
حالما خرجت مساعدة القائدة العتيدة من باب الخيمة والتي اوصت بمضاعفة الحراسة حول خيمة الفحل الجديد حتى انزوت سماهر على نفسها وتقوقعت وأجهشت بالبكاء ، ارتبك jawad ولم يعرف ما يفعله ، اقترب منها في محاولة للتخفيف من حدة الخوف الذي ينتابهما وربت على كتف المضيفة الحسناء التي ظهرت خصلات بيضاء في شعرها بسبب الهم والغم :
- لابأس عليك لا بأس .
- أنت لا تعلم ماهو المصير الذي ينتظرك ؟
- اعلم .
نظرت إليه سماهر وقد توقفت عن النحيب الصامت :
- تعرف ماذا سوف يفعل بك بعد أن أنتهي منك ؟
- أجل ... الحيوان المتوحش ، لقد رأيت كل شيء ليلة البارحة . علينا أن نهرب من هنا
- ولكن كيف ؟ ألم تسمعها وهي تطلب زيادة الحراسة حول الخيمة ؟


نظرت همس 2007 بعيونها المحولة تجاه ~ زمردة ~ بغضب واضح :
- هل هذا ما توصلت إليه ؟ ألم اعطك التعليمات من قبل
نظرت إليها ~ زمردة ~ بتحدٍ واضح :
- إللي في خيلك اركبيه ياست همس 2007 ، لست العاملة الوحيدة في مطبخك ، أما أن اكون كل شيء طبخ ونفخ وكنس وفرم ... مستحيل .. كفاية تقطيع بصلك الامبراطوري .
- هل تستهترين بتقطيع البصل الإمبراطوري ؟
شعرت ~ زمردة ~ بمغص في بطنها حالما سمعت هذه الجملة وتخيلت ماذا سوف يحل بها وقبل تصرخ المرأة العجوز قالت ~ زمردة ~
- ماذا هل ستنادين بتولتي الحلوة ؟
نظرت همس 2007 إليها بحولان حاد وكأنها تتأمل قاع التنور القريب وفي ذات الوقت جهة السكاكين الحادة مما جعل ~ زمردة ~ تحتار في ايهما تنظر إليه ثم ابتسمت العجوز :
- هل تظنين أن بتول هي سلاحي الوحيد هنا ؟؟؟ بتولوووه ذات الثلاث واوات لا شيء أمام سلاحي السري ، فهل لديك الاستعداد التام أن تتحملي عواقب مخالفتك للتعليمات .
بلعت ~ زمردة ~ ريقها وايقنت بجدية ما تقوله العجوز وحملت صينية البصل المقطع واتجهت به للخارج لكي تغسله في جدول الماء الصغير والقريب من المطبخ .
كانت الصينية ثقيلة جداً على ~ زمردة ~ وكادت أن تقسط أثناء المشي أكثر من مرة ولكنها تحاملت على نفسها واستمرت في المشي حتى وصلت بقرب الجدول الصغير ، تعثرت وسقطت الصينية وتناثر البصل في كل مكان وسقطت معها نظارتها السميكة ، أخذت ~ زمردة ~ تتحس المكان بحثاً عن نظارتها غير شاعرة بعيون وحشية تراقبها من خلف السياج المغطى بورق الشجر الكثيف.
في لحظة شعرت ~ زمردة ~ بخطوات خفيفة وحذرة وسريعة تأتي تجاهها فخمنت أنه أحد الحراس جاء يتحرش بها كما حدث لها أول أمس عندما غسلت البصل لأول مرة في هذا المكان ،ولكن اليد ذات الشعر الكثيف والتي استقرت على كتفها الأيسر جعلتها تتأكد خطأ ما اتجهت إليه ، ربما هو نظرها الضعيف وربما هو سرعة صاحب اليد كثيفة الشعر ما جعلها غير قادرة على تمييز ملامحه . لحظات قصيرة ولم يكن عند الجدول إلا صينية وحولها قطع البصل ونظارة سميكة .


كان بحراوي ينظر من خلف القضبان لمسيرة الجنود وهم متجهون نحو الغابة الصغيرة بقيادة سما فعلم أن المنجم حراسته ضئيلة بقدر قد يسمح لهم بالهرب إن استغلوا الفرصة بشكل صحيح ، نظر ناحية الكابتن izaq الذي بدأ شاحب الوجه غائر العينين اشيب الشعر وخفيفه ، فالهموم على هذا الشاب العشريني أكبر من قدرته على التحمل فقد كان من ذو نعومة اظفاره مدللاً من والديه ولم يتعرض لمتاعب الزمان وغدره إلا الآن والآن فقط .
- هيه .. يا كابتن ..
نظر إليه الكابتن izaq بشيء من عدم المبالاة . ولكن نسيم القريب أيضاً من باب السجن والذي لاحظ حركة الجنود اقترب من بحراوي ونظر إليه بنظرة كمن يعرف فيما يفكر :
- هل لديك طريقة للهرب ؟
ما أن سمع izaq بكلمة هرب حتى عادت أوصاله للحياة وعاد الشعر الأبيض يصطبغ تدريجياً بالأسود وشعره المتساقط يرتفع تدريجياً من الأرض ليستقر على صلعته :
- ماذا قلتم ؟ هرب ؟ هل سنهرب من هذا المكان ؟
نظر إليه بحراوي بقدر كبير من الغضب :
- ما رأيك أيضاً أن تخبر الحارس بأننا سوف نهرب ؟ هل من الممكن أن اطلب منك إخفاض صوتك .
اطبق izaq على فمه في انتظار التعليمات من بحراوي :
- هل تستطيع إدعاء المرض ؟
هز izaq رأسه نافياً فماكان من بحراوي إلا أن ضربه بقبضة يده على خده الأيمن بقوة بالغة فصرخ izaq من الألم صرخة مفزعة ولم يتوانى بحراوي عن ذلك فقط بل عالجه بركلة في خاصرته اليسرى مما جعل الصراخ اقرب للنحيب منه للعواء .
اقترب الحارس بقليل من الحذر :
- ماذا تفعلان ؟
ولكن بحراوي استمر في ضرب izaq بكل قسوة والأخير يصرخ ويتلوى محاولاً فهم ما يجري ، اقترب الحارس شاهراً رمحه من خلال القضبان :
- إن لم تتوقفا عن فعل ذلك فسوف اسقط عليكما عذاباً لم ولن تريا مثله ... و
وقبل أن يكمل الحارس كلامه أطبق نسيم على رقبته وأخرج مشرطه الخاص وذبحه بسرعة متناهية . توقف بحراوي عن ضرب izaq ومباشرة امسك بجثة الحارس قبل أن يتهاوى وبحث في جيوبه حتى وجد مفتاح السجن ،
تفاجأ الحرس قليلو العدد بفتح بوابة السجن وخروج العشرات من العبيد كموج هادر وبصوت أقرب للرعد ، حاول الحرس ايقافهم ولكن كل تلك المحاولات فشلت أمام مدهم المرهب .

كانت سما تقترب من الغابة عندما سمعت صوت الحرس المفزوعة فعلمت أن هناك خطب ما بالقرب من المنجم فندمت على ذلك فأمرت جميع الجنود بالتوجه نحو المنجم وحل المشكلة أما هي فسوف تتولى بنفسها مسألة Renad


حاول أن يتذكر ما جرى ولكنه فشل ، شعر بيديه مكبلتين بفعل التراب ، استجمع قوته وحرر يده حتى استطاع أن يحفر إلى أعلى ليحرر جسده وهو يتساءل عما جرى له وأين رفاقه ، تذكر رعبه الشديد من ذلك المنبوذ فاضل الجابر وأخذ يتذكر الوخزة التي أصابته في عنقه والتي سقط على أثرها في النهر الصغير ذو الرائحة الغريبة قبل أن يخرج من جزيرة المنبوذين ، بعد ذلك لا شيء يتذكره غير الظلام ، ما يشعره بالغرابة أنه يعلم أنه تحت باطن الأرض ولكنه ومنذ استيقاظه لا يشعر بالاختناق بل يشعر أنه يتنفس من جميع أنحاء جسده وكميات كبيرة من المخاط تحيطه . هذا الشعور أصابه بالفزع فلا شك أنه أصيب بنوع من الجراثيم أو الفطريات التي جعلته مثل المنبوذين بمعنى أن الجندي المحارب وأحد أذرع الملكة نبع المقربين والمشهور باسم ابو حسن اصبح الآن أحد المنبوذين . حالما تحرر من قبره نظر في صفحة الماء وعلم أنه حياته السابقة قد ولى عهدها .


وأخيراً وصل أحمد علي للمعسكر الإمبراطوري ومباشرة اتجه إلى خيمة الإمبراطور أبو حسام وهو متشوق للقاء سيده ومولاه ومعتمده ورجاه فلابد من وجود ضحايا جدد لقطع رقابهم أو ارسالهم للمنجم رغم أنه يتمنى في داخل نفسه ألا يعود لتلك المتوحشة في الوقت القريب .
قبل أن يصل إلى الخيمة سمع صوتاً يناديه من بعيد ، التفت جهة الصوت وكان الطبيب المتحذلق هو من يناديه ، قطب جبينه حالما رأى زهدي وأيقن بمصيبة في داخل نفسه :
- جئت في الوقت المناسب يا أحمد علي
- ماذا ؟
تطلع زهدي بعمق جهة الجلاد وأخذ يتلفت بحذر في جميع الاتجاهات :
- مؤامرة
تطلع أحمد علي جهة الطبيب بشيء من الاستغراب :
- ماذا تقصد ؟
- هناك من يريد النيل من حياة أبو حسام إن لم نتصرف بسرعة .
- من هو ؟
- قصدك من هي ؟


يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق