
( 14 )
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
~Lossello~
في الطريق العام المتصل بالبحر وقف حسن علي مع جنوده يتجهزون لخوض المياه الضحلة التي تصلهم بجزيرة المنبوذين ، كانت المياه باردة في هذا الوقت من السنة وكم كان يكره برودة المياه فأخذ يعد نفسه نفسياً بتجاهل هذه المشاعر مع أنه أحتاط لهذا الأمر بلبس الملابس الجلدية الكثيفة على جميع أنحاء جسمه عدا الوجه وتغليفها بصوف الخروف رغم بطلان هذه الفكرة كما أكد الجميع من حوله خاصة أن الصوف سوف يتشرب الماء ويكون أكثر برودة ولكنه كالعادة أصر على رأيه . وقبل أن يعطي الإشارة لجنوده بخوض المياه خرج من بين الأشجار الكثيفة والمحيطة بهم رجلاً يترنح في مسيره تجاههم .
ذعر حسن علي من رؤية الرجل الذي يتقدم نحوه بشكل مخصوص وهو يرفع يديه إليه كأنه يستنجد فيه فلم يعرف ما يفعل . كان ذلك هو ابو حسن الذي تشوه شكله وأصبح مسخاً بعد تعرضه لمادة غريبة في جزيرة المنبوذين ، جميع من عرفهم في معسكر الثوار ظنوا أنه ميت الآن ، ربما فكر في الانتحار ولكن رؤية أبنه حسن يتقدم جموع الجيش متجهاً إلى جزيرة المنبوذين ربما أحيت الأمل في نفسه بأن أبنه سوف يتعرف عليه بالفطرة ، وربما كان الخوف على حسن أن يصيبه ما أصابه .
تقدم ابو حسن فذعر الجنود وهم يرون السائل المخاطي الذي يفرزه جسم المسخ المتقدم نحوهم فارتبكوا حتى وهم يسددون سهامهم تجاهه .
صرخ حسن علي بذعر واضح :
- توقف .. توقف .. يا جنود .. هلموا إلى قائدكم ممثل الملكة أحموني يا ناس ..
في لحظة كان الجميع متفرقون كلٌ في اتجاه مختلف إلا أن ماضي اطلق شبكته الليفية تجاه المسخ مما جعله يتوقف عن الحركة ويسقط أرضاً ، حاول ابو حسن أن يتخلص من الشبكة إلا أنها كانت تلتصق فيه أكثر وأكثر ، تقدم ماضي :
- لا تحاول أيها المسخ فهذه الشبكة مصنوعة من الليف الطبيعي وهي علامة تجارية خاصة بنا .
نظر ابو حسن إلى ماضي بعينيه الحزينتين فهو يعلم أمر الشبكة خاصة أنه هو من أبتكرها ، جفل الجندي الذي كان قائداً ذات يوم عندما تعرف على عيني ابو حسن شل لسانه ولم يعرف ما يقول .
تقدم حسن علي بكل ثقة عندما رأى أن الموقف أصبح تحت السيطرة :
- أمممم ، يبدو أنه أحد المنبوذين فر هارباً من الجزيرة
حاول ابو حسن الكلام ولكن صوته خرج كهمهمة بحروف غير مفهومة ، صرخ حسن علي في جنوده الذين عادوا إلى مواقعهم بعد أن عادت الطمأنينة إلى نفوسهم الهلعة :
- هيا سددوا سهامكم نحو هذا المسخ واجعلوه عبرة لمن لا يعتبر ولا تنسوا أن تمثلوا به بدون رحمة أو شفقة .
ما أن سمع ابو حسن كلمات ابنه حتى كاد أن يغمى عليه وتذكر في لحظتها زوجته رقعة بياض وهي تدافع عنه عندما يهم بضربه بسبب سوء سلوكه وهو يقول لها :
- لن يكون موتي إلا على يدي هذا الدلوعة ، سوف تفسدينه بتدليله بهذه الطريقة ، دعيني اضربه ضرباً مبرحاً لا ينساه طوال عمره .
- بل سيكون سنداً لك وستثبت الأيام هذا القول .
فكر أبو حسن في السند وهو يأمر رجاله بتسديد السهام نحوه والتمثيل به بعد موته وربما ذهب به الأمر أن يستفيد من كمية المخاط الدهني الذي يفرزه جسمه في ايقاد النار له ولرجاله في شرب المعسل .
توقفت الأفكار المتضاربة لدى ابو حسن عندما سمع صوت الرجل العتيق في الجندية ماضي :
- اقترح عليك يا حسن .. أقصد أيها القائد العام المبجل الذي يشتهر عنه بنفاذ البصيرة والرؤية العاجلة والآنية بأن تأسر هذا المسخ لحين معرفة ما وراءه .
أخذ حسن علي يفكر ملياً في مقدمة ماضي في الكلام هل كان توقيراً أم سخرية فهز رأسه :
- لا .. لا أظنه سيكون مفيداً لنا
توجه بندائه ناحية رجاله :
استعدوا يا شباب للقضاء على هذا المسخ العجيب وقد جاءتني فكرة بعد أن نسلخ جلده على أن نستفيد من مخاطه الدهني في اشعال الفحم لنشرب رأس معسل قبل أن نتوجه إلى جزيرة المنبوذين
استبشر الرجال وسددوا سهامهم ناحية المسخ الذي امتقع لونه من الأخضر الفاتح إلى اللون البرتقالي ولكن ماضي عاد من جديد ووقف معترضاً صوب السهام وحاول أن يتصنع الهدوء :
- ماذا يا حسن .. أقصد يا حضرة القائد المبجل والحكيم وصاحب بعد النظر في أن لو كان هذا الرجل هارباً من جزيرة المنبوذين ومطلوب بأي ثمن . ألن يختصر علينا الوقتفي المفاوضات وترتفع اسهمك لدى ملكة الثوار ؟
ما أن سمع حسن علي كلمة الملكة حتى شطح به الخيال وتخيل الملكة نبع وهي تتقدم نحوه شاكرة له حسن صنيعه ومعجبة بحكمته ومهارته وتعرض عليه أن يتعطف عليها ويقبل بالزواج منها ليصبح هو ملك الثوار بدون منازع والكل بما فيهم عمه البغيض ابو قدس تحت أمرته .
هز رأسه موافقاً :
- هيا احملوه على أحد الجياد لنسلمه لملكتهم الموقرة .
اشمأز الرجال وهم يحملون ابو حسن بسبب الكميات الهائلة من المخاط الذي يفرزه جسمه فوضعوه بغير روية مما خرجت من صدره آهة مكتومة يشوبها الكثير من الحزن و الأسى . أطرق ماضي رأسه وأخذ يفكر بعيني المسخ المألوفة .
بطريقة لم يتصورها izaq ولم تدخل في حساباته العقلية والمنطقية انشقت الأرض فجأة بعدما تمتمت ذاكرة الرمل ببضع كلمات غير مفهومة وكأنها بوابة الكهف السري لعصابة الأربعين حرامي ، لم يكن يستطيع المشي بسبب السهم المغروس في باطن قدمه ولكن يد سديم الذي ظهر وجهها الأخر وكان ذكورياً فجاً كانت أقوى من أن يفكر في التوقف ولو لحظة واحدة ، شعر بالتعب الشديد والإحباط وأخذ يفكر في وجه سديم الغريب فنصفه أمرأة والنصف الأخر رجل ، حاول أن يستوعب المنظر ولكن بدون فائدة ولم يكن يجرؤ على أن ينظر في تفصيلات جسمه/ ها هل ينطبق عليه ما ينطبق على الوجه أم لا إضافة إلى الشعر فالنصف الأنثوي كان طويلاً أملساً بينما الجانب الذكوري والذي لم يره في أول لقاء لأنها كانت تعطيه الجانب الأخر فقد كان مجعداً ، تذكر كم كان يفتخر بشعره الحريري الذي أصبح نقمة عليه في هذا العالم الغريب فهاهو أخر المطاف أصبح يساق من شعره مرة من ذاكرة الرمل ونهاية بـ المرأة – الرجل سديم .
أخذت ذاكرة الرمل في فتح البوابات الخشبية لأختها وأسيرها الجديد في ممر ضيق لا يكفي لمرور أثنين ، كان جدار الممر ممتلئ بالطحالب الخضراء مما يدل على وجوده بالقرب من النهر ، السلالم الحجرية والتي كانت تؤدي إلى الأسفل رطبة ولزجة مما جعل izaq في أكثر من مرة يتعرض للسقوط ليظل معلقاً من شعره بدون رحمة من المقاتلة الشرسة . في النهاية وصل الجميع إلى بهو ضخم ما يميزه رائحته الكريهة والتي تشبه رائحة المجاري : في جميع أنحاء البهو كانت الأقفاص الممتلئة بالبشر معلقة في السقف يحيطها الحرس من كل مكان حاملين سياطهم الجلدية والتي لا تتوقف عن لهب الجلود بقدر الإمكان . بلع izaq ريقه بصعوبة وهو يرى النتيجة الحتمية لوجوده في هذا المكان المخيف ، من هؤلاء ؟ ماذا يعملون تحت الأرض ؟ ماهي مهمتهم ؟ هل هم الثوار الذين سمع عنهم ؟ أسئلة ليست لها نهاية وبدون أجوبة ومازالت سديم ممسكة بشعره مستمرة في تقدمها محترقة الصفوف المزدحمة تتبعها ذاكرة الرمل بدون هوادة ، في النهاية توقفت سديم أمام بوابة من الحديد المطلي بالنحاس والمطعم بخشب السنديان وهمست في أذن الحارس الضخم ببضع كلمات الذي فتح البوابة ودخل للحظات ليأذن لهم بالدخول .
كان المكان بارداً بعكس البهو والشموع منتشرة في كل مكان ، أخذت الدهشة تعلو وجه izaq وهو يرى الفخامة موزعة بجمال وتنسيق ، توقف الجميع وجثت كلاً من سديم و ذاكرة الرمل أمام الكرسي الضخم الهائل في الطول تطلع إلى أعلى وهاله ما رأى فلم يكن يتصور بحياته أن يرى منظراً هكذا فقد كان من يجلس على العرش أشبه بالمسخ من كونه إنسان فهو رجل بثلاثة أعين اثنتان بشكل طبيعي والثالثة في منطقة الجبهة بينما يغطي الشعر كل ما يمكن تخيله من جسده حتى الفم الذي يمتلئ بالشعر من بين الأسنان . وكزت سديم izaq طالبة منه بالركوع لـ ~Lossello~ .
كانت الكلمات الصادرة من ~Lossello~ تبعث بالخوف فصوته الخشن كأنه حشرة ماكينة أصابها العطب :
- من هذا ؟
- هارب من منجم الفحم على ما يبدو .
- هل وجدتِ Renad ؟
- لا ، منذ اختفاءها في الغابة ولم نسمع عنها خبراً .
- حذرتها أكثر من مرة ، الانتقام يحتاج إلى صبر .
- هل أبعث كتيبة من الحرس للبحث عنها .
- لا .. هذا سيؤدي لكشفنا في الوقت الحالي .. نحن نحتاج لمزيد من السرية
- وهذا
- ما به ؟ لماذا جئت به إلى هنا ؟ لماذا لم تضعيه مع بقية المساجين الجدد ؟
- كنت أظن أنه يحتاج إلى قرار في تعيين المكان المناسب له خاصة بعد موجة الوباء التي أصابت المساجين .
- دعيه في مكان معزول ليفحص وبعد ذلك قرري أين مكانه بدون الرجوع إلي .
في الطرف الأخر ما بين جزيرة الإمبراطور وجزيرة الأمازونيات رفع jawad رأسه من الماء بهلع واضح وهو يتلفت بحثاً عن سماهر فقد جرفه التيار الشديد إلى مكان مجهول ، أخرج الماء الذي بلعه بعد أن كاد أن يغرق في الدوامة المخيفة ، كان الظلام شديداً في فوهة الجرف ولذلك لم يستطيع أن يجد سماهر المصابة بسهم الأمازونيات في صدرها ، اقترب من الشاطئ والظلام قد ساد المكان ، وقف متعثراً لا يعرف كيف يتصرف هل يصرخ بأعلى صوته منادياً الفتاة التي أنقذته من جزيرة المتوحشات حسب تعبيره أم يقف بكل صمت وينصرف لحاله ، قرر أن يغامر وليكن ما يكون صرخ بأعلى صوته منادياً في كل اتجاه ولكن بدون فائدة ، أخذ يجول المكان الذي فيه فعلم أنه لا فائدة من البحث في هذا الوقت المظلم ، حاول أن يجد مكاناً يضع جسمه المرتعش فيه عله يجد دفئاً في مغارة أو بين الحجارة أو بين أوراق الشجر المتناثرة ، تعثر فجأة بجسم دافئ ، استبشر خيراً فقد تكون هي سماهر ، سمع صوت تنفس مما يدل على أن الشخص الملقى على قيد الحياة ومما جعله يتجه باليقين على أنها سماهر صوت أنين صادر منها دلاله الألم ، تحسس جسدها فوجده مغطى بالدم والوحل فأخذ يفتش عن شي ما ليوقف النزيف المستمر في المنطقة العلوية من الصدر ولم يجد إلا بعض النباتات النهرية فأخذها على عجل ووضعها فوق الجرح لعل الدماء تتوقف ، على ضوء القمر الخافت أستطاع jawad التعرف على شخصية الفتاة فقد كانت شخصاً أخر غير من كان يتمنى ، شعر بالإحباط الشديد ولكن ذلك لم يفتر من عزمه في حجم المسئولية الملقاة عليه لإنقاذها .
اقترب يوسف آل ابريه بغضب من عاشق المسرح وبيده ورقة :
- ماهذا يا عاشق المسرح ؟
- ماذا ؟ مجرد إعلان .
- ولكنك بذلك وكأنك تنشئ مؤتمراً خاصاً دوننا .
- هون عليك الأمر سيدي الحاكم . قبل كل شي ء ماذا تشرب
قالها وهو يصفق منادياً الموظفة :
- عزيزتي
- شبيك لبيك مولاي ( آشك المسره )
- ياعيني على الكلمات التي مثل العسل .. دائماً تشعريني بالعبث حتى في أوقات الجد، أحضري بعض النبيذ للحاكم المبجل .
- لا أشرب في وقت العمل
- لك ذلك .. احضري له بعض من العصير ( اللسبيشل ) والذي يشتهر به كازينونا .
ابتسمت الموظقة بغنج واضح :
- سوف يعجبه مذاقه بكل تأكيد
أشاح يوسف آل ابريه نظره عن الموظفة الحسناء :
- لم تجاوب على سؤالي يا آشك المسره .. أقصد يا عاشق المسرح
ضحك عاشق المسرح من قلبه :
- لم تخرج من لسانك بمثل غنجها .. ماذا تلمح ؟
- دعك من تلميحاتك السخيفة
- كل ما في الأمر أنني سوف اجعل الرؤساء يلتقون في مؤتمر أخر بعيداً عن السياسة ، ربما الحب يقربهم أكثر من السياسة .
- ولكن ...
- ماذا ؟
- نحن جزيرة محايدة .. لسنا جمعية خيرية
- ولكن ما تفعله من مؤتمرات هو لتقريب وجهات النظر ... أليس كذلك ؟
- أجل
- وهو ما يفعله مؤتمر الحب .. بين العذرية واللا عذرية .
- لا أظن أن قصدك هذه العبارات الجوفاء .. كل ما يهمك هو تسديد ضربة بعد إقصاءك من اللجنة العليا ... لحسن حظك أن أول الوفود والمتمثل بملكة الأمازونيات على وشك الوصول ولذلك فأنا مشغول عن تهريجك ولكن سيكون لنا كلاماً أخر .
قالها وغادر المكان غاضباً تحفه نظرات عاشق المسرح الذي ابتسم قائلاً :
- سنرى
دخلت زينب عبدالله الخيمة الإمبراطورية والتي تحول إسمها إلى الخيمة الخليفية ومعها ثلة من الرجال الخائفين ، دهش زهدي من دخولها المفاجئ ولم يعرف ما يجري :
- ماذا هنالك يا عزيزتي ؟
ابتسمت المضيفة الحسناء ابتسامة واسعة :
- هؤلاء الرجال من الموهوبين في الرسم وقد جئت بهم ليرسموك .
- يرسموني ؟
- بورتريه .
- لماذا .
- منذ الآن سوف يتم تعليق صورك في كل مكان في الشارع في الأزقة في المنازل في المحلات .. لن يبقى مكاناً واحداً إلا وصورة الخليفة المعظم زهدي تزينه .
ابتسم زهدي وعلم أن هذه الحسناء داهية لا يشق لها غبار وإن لم يفعل ما يمكن فلربما تنقلب عليه فأخذ يفكر بسرعة :
- هل تعلمين ما ينقص الخليفة يا عزيزتي ؟
نظرت إليه بعمق كمن تحاول استكشاف ما يفكر فيه :
- ماذا ؟
- زوجة .
- هل تريد مني أن أبحث لك عن زوجة ؟
- ولماذا تبحثين وهي موجودة أمامي ؟
- ولكني غير موافقة .
اتسعت عينا زهدي وعلم أن شراً سيصيبه :
- ترفضين الزواج بي ؟
- لم أقل أني ارفض .
استراح زهدي قليلاً وعلم أن شروطاً في طريقها إليه :
- ما هي شروطك ؟
- لن اكون مجرد زوجة . بل شريكة في الحكم لي ما لك .
بدون تفكير أجاب زهدي :
- موافق ... عما قريب سأنشر خبر زواج الخليفة وأمرهم بتعليق صورة الخليفة وزوجته في كل مكان بالجزيرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق