السبت، 27 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 16







( 16 )


الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
Hayat
Coffee Aroma
سلامة جعفر



فتحت Renad عينيها بصعوبة بالغة ، ولكنها حالما فعلت ذلك كانت ردة فعلها الغريزية سريعة جداً مما جعل jawad القابع بجانبها يجفل من مكانه ويسقط أرضاً وهو ينظر للمريضة المصابة التي استيقظت للتو قد قفزت مثل الجرادة واستقرت في أعلى الشجرة وهي تنظر إليه بوحشية مما جعله يصاب بالرعب المزدوج تارة من عينيها ذات البريق الذي خيل إليه أن لونه أخضر مشع وتارة أخرى من طريقة قفزها العجيبة واستقرارها على جذع الشجرة كعنكبوت متوحش يستعد لينقض على فريسته .
أخذ كل منهما ينظر إلى الأخر في انتظار أن يبدأ أحدهما بحركة ما ، في الأوضاع العادية كان jawad سيتفهم ردة فعلها وسوف يحاول جاهداً طمأنتها تجاه شخصه ولكن طريقة تسلقها الشجرة وقفزتها العالية جعله يشعر وكأنها مسخ أقرب من أن تكون إنساناً فلذلك كان هو من يحتاج للطمأنة أكثر من أي شخص أخر فلربما تكون هذه المسخة إن صح التعبير من آكلات اللحوم وهاهي تنظر إليه بكل وحشية في انتظار أن يغفل لكي تنقض عليه وتلتهمه .
- هل أنت من حراس المنجم ؟
بادرته بالسؤال الممزوج بالريبة المتوحشة ، كان سؤالاً مبهماً بالنسبة إليه فلم يكن سمع بهذا الاسم من قبل .
- وهل أنتِ من الأمازونيات ؟
- إذن أنت من الحراس !
- لم أسمع بهكذا اسم من قبل .
- كاذب
قالتها بوحشية ، مما جعله يتراجع في استعداد لتلقي انقضاضها عليه ولكن ذلك لم يحدث :
- من حقك تصديق ما شئت فواضح أنك من الأمازونيات المتوحشات وعار عليك بعد إنقاذي لك من موت محقق أن تفكري بقتلي .
قالها وهو يتراجع خطوات استعداداً للهرب ولكن Renad التي بدأت في النزف مجدداً سقطت من أعلى الشجرة على وجهها واستقرت على الأرض بدون أدنى حركة . شعر jawad بوجود خطب ما ولكنه شعر بالقلق في أن يكون ذلك فخاً لاصطياده مثلما يفعل الثعلب بإدعائه الموت لكي يقتنص الدجاجات . قرر أن يغامر فلربما تكون هذه المتوحشة في خطر حقيقي فأقترب منها وهاله ما رأى .


دخلت Hayat هائجة على غادة المختلية على نفسها في غرفتها المنعزلة ، وبدون أن تنظر تجاه أبنتها الثائرة وكأنها تعرف سبب الغضب الذي ينتابها :
- هل تعرفين يا أمي ماهو أقسى جزء في الحياة ؟
رغم سؤالها الواضح إلا أن غادة فضلت الصمت المطبق وكأنها في حالة تأمل أو اتصال روحاني . ولكن Hayat لم تكن تنتظر إجابة :
- عندما يكون المقربين والذي من المفترض أنهم يشاطرونك المشكلة هم أنفسهم المشكلة .
وبما أن الجملة غير مفهومة وبما أن ملكة المنبوذين وكأنها لا تستمتع لما تقوله فقد صرت على أسنانها :
-هل تعلمين أنهم ينادونني بأم الشناغب .
فتحت غادة تجاه أبنتها وتأملت في الزوائد الخارجة من الذقن بشكل بارز وملفت للنظر ، حاولت أن تبتسم مخففة لمعاناتها ولكنها أحجمت عن هذا الأمر لكيلا تفسره خطأ بأنها متضامنة معهم في ما اتجهوا إليه :
- سنرى مدى هذه السخرية عندما يعلمون أنه تم اختيارك عضو في مجلس الوزراء ونائبة وولية عهد الملكة .
فتحت Hayat عينيها غير مصدقة لما تسمع وحارت فيما تقوله وأخذت تفكر في هذه القرارات الجديدة والمفاجئة بدون أن تتوصل إلى فهم ما يجري .
أحد الأسباب التي جعلت غادة ترسل فاضل الجابر في مهمته الجديدة إلى جزيرة الحشاشين هو عملية نقل السلطات الجديدة بسلاسة وبدون معارضة إلى أبنتها Hayat ، فمن المعروف أن فاضل هو مساعد الملكة والمرشح الأقوى لخلافتها على العرش في حال وفاتها وربما كانت غادة مقتنعة بعض الشيء بمساعدها لإدراكها بعدم أهمية المنصب في ظل الاستخفاف من قبل الجزر الأخرى بهم فالمركز لا يهش ولا ينش كما يقال . ولكن بعد التطورات الأخيرة وظهور المنقذة المنتظرة واختفاءها من جديد والشعور العارم الذي أنتاب كل من في جزيرة المنبوذين بأن الفرج قد حان والمظلومية التي يعاني منها المنبوذين سوف تزول بعد أن لاح الأمل في وجود منقذتهم التي بلا شك سوف تظهر من جديد كما قالت لهم ملكتهم وعرافتهم غادة . كل هذه العوامل النفسية جعلتها تعيد حساباتها فلا يمكن بحال أن يذهب الملك لعائلة أخرى أو لأشخاص خارج دائرة عائلة الملكة غادة . ولذلك فكان أول فكرة خطرت على بالها إرسال فاضل والمقربين منه إلى مهمة بعيدة لا يرجع منها إلا والأمور الخلافية مستقرة على أبنتها . صحيح أن ابنتها تعاني من قلة الخبرة الحياتية والتهور والطيش وعدم الحكمة في التعاطي مع الأمور الحياتية وسرعة الاستفزاز مع أقل مؤثر خارجي مما يجعلها في موقف المدان لا المدين فردة فعلها غير المتوقعة تسبب إحراجاً كلياً لها ولوالدتها فذات مرة أقترب أحد الأطفال الصغار منها وهو يحمل في يده صرصوراً صغيراً اصطاده بالقرب من مجرى النفايات في أقصى الجزيرة ، كان الطفل فرحاً بصيده الثمين وهو ينادي أن ينظروا إلى صيده الثمين وإلى شناغيبه الطويلة التي تبلغ أضعاف حجمه ، من سوء حظ الفتى أن أول من عرض عليه صيده كانت Hayat التي شعرت في قرارة نفسها أن الأمر متعمد في محاولة لنيل من شخصيتها وكرامتها فما كان منها إلا أن وجهت لكمة خاطفة لذقن الصبي طيرته عشرات الأمتار ليسقط على وجهه وقبل أن يتسنى له أن يستوعب الأمر أو أن يبدأ في البكاء كانت Hayat على رأسه وبها حبل رقيق لتضعه على رقبته في محاولة لخنقه ولولا تدخل الرجال هناك لكان الفتى في خبر كان ، حالة من الهستيريا أصابتها مع كلمات بذيئة في حق الصبي يرافقها بصاق ممزوج بالكراهية ذات اللون الأخضر . كان موقف غادة من هذه الحادثة التي تكررت في السابق أن أطرقت رأسها واعتذرت لأم الفتى على ما فعلته أبنتها الحمقاء على حسب تعبيرها .
استفاقت غادة على صوت الحارس يخبرها بقدوم وفد جزيرة الثوار فعدلت هندامها وطلبت من ابنتها مرافقتها لمقابلة الوفد .

كان حسن علي في مقدمة الجيش وبجانبه مساعده ماضي الذي وقف متحفزاً لأي طارئ قد يصدر من المنبوذين ، نظرت غادة تجاههم بكل وقار رغم الشحوب والعيون الغائرة ، تقدمت خطوات ناحيتهم بينما تراجع حسن علي خطوات موازية تبعه تابعيه على منواله ، كان الموقف متفجراً بالحذر والشك والريبة كل فريق تجاه الأخر ، تنحنح ماضي ووكز قائده بمرفقه لينبهه بأخذ المبادرة ، جفل حسن علي من وكزة مساعده وكأنه استيقظ للتو من كابوس مرعب ، لاحظت غادة ضعف شخصية القائد المبعوث وعلمت بإمكانية التلاعب به وتسيير الأمور كما تشتهي إن هي أحسنت اللعب :
- هل أحضرتم ما طلبنا أيها القائد ؟
أراد حسن علي التحدث ولكن وكزة أخرى من ماضي جعلته يلتفت إليه مستفهماً وبصوت غير مسموع وضع ماضي فمه بالقرب من أذنه . ابتسم حسن علي ابتسامة الواثق :
- قبل أن نتناول هذا الموضوع أيتها الملكة أم السادة .. اقصد صاحبة السعادة .
وشوش ماضي في أذن سيده :
- اقصد الملكة المبجلة غادة أود أن .....
حار حسن علي فيما يجب قوله فرغم أنه تدرب كيراً على يدي مساعده قبل الوصول إلى هنا فيما يجب قوله إلا أن رؤية المنبوذين أول مرة جعله يصاب بالرعب والفوبيا من الأماكن كثيرة الشجر التي تذكره بالأشباح كما هم من يحيطون به من جميع الجهات وما زاد الأمر من صعوبة نظرات الفتاة (Hayat ) الواقفة بجوار الملكة إليه والتي كانت بمجملها تشبه نظرات الأفعى عندما تهم بالانقضاض على فريستها ، تلعثم وارتبك وكأنه جمل صحراء قد برك فحار فيما يجب قوله فما بالك عن فعله فزاغت عيناه والتفت ساقاه وهدلت شفتاه فأراد أن يقول أهٍ أه إلا أن ماضي تدارك الأمر وقال :
- قبل أن نستعرض ما جئنا به ، باسم القائد حسن علي وباسم من معه نقدم لكم هدية عنواناً لحسن النوايا ما بيننا .
لاحت ملامح التفكير على محيا ملكة المنبوذين وهي تفكر في نوعية الهدية المزمع تقديمها إليهم فخافت أن تكون مكيدة أو أن نهايتهم على سيوفهم قد حانت والفشخرة التي كانوا عليها لم تمر مرور الكرام في معسكر الثوار ، فبلعت ريقها وضمت يديها إلى عنقها وحاولت الثبات وكتمت الآهات :
- ما وراءكم ؟
صفق ماضي للحراس وأمرهم بإحضار المسخ الذي وجدوه قبل الولوج في الجزيرة ، فأتي به الحراس فزاغت عينا الملكة وهي ترى المسخ لأول مرة وكادت أن تستفسر عن كنهته ونوعيته وخلاصته فأرجأت الحديث بحكمة :
- هذا يا مولاتي الملكة يبدو أنه أحد رعاياكم ، وجدناه بالقرب من الجزيرة فأيقنا أنه هارب منكم لربما لسرقة سرقها أو جريمة ارتكبها .
بالطبع لم يكن أحد من أولئك ، فهي تعرف رعاياها جيداً وهذا المسخ لأول مرة تراه في حياتها فما هي قصته بالضبط ؟ ، نظرت إلى عينيه فهالها أن وجدت نظرات الرعب تتملك صاحبها وكأنه يخشى شيئاً ما فكانت همهمته أقرب للعواء والنحيب منه للصوت البشري الكئيب ، ولكنها عندما نظرت مجداً لعينيه أوشكت على معرفته وتذكرت ما فعله فاضل الجابر بمساعد قائد الثوار عندما حضرت الكتيبة قبل أيام فتيقنت بمعرفته فابتسمت بهدوء شديد :
- نعم هو أحد مواطني الجزيرة ، هارب من عندنا وخيراً فعلتم عندما أمسكتم به .
ما أن نطقت غادة بتلكم الكلمات حتى زاغت عينا أبو حسن الذي أصبح مسخاً وارتجفت أوصاله وغاب في حالة من الهذيان فسقط أرضاً وتلحف ببعض التراب وبالمخاط بعضاً ، فحاول أن يجثو عند رجلي أبنه فلربما يعرفه ويعطف على حاله ويضمه إلى صدره ولربما يجد علاجاً له من هذا المرض المزمن الغريب العجيب ، ولكن الاشمئزاز الذي بان على محيا ولده كان عنواناً واضحاً باستحالة ما فكر فيه فسلم أمره للواقع ووقف قائماً وسار بانكسار مقيد اليدين والرجلين حيث أستقبله رجال الجزيرة واقتادوه إلى جهة غير معلومة . ابتسمت ملكة المنبوذين حتى بانت أسنانها الغريبة :
- ها قد قبلنا هديتكم ، وعرفنا حسن نيتكم وماذا بعد ؟
قرر حسن بعد أن هدأ من روعه أن يكون هو المتحدث الرسمي :
- مولاتي الملكة ... أين هي بقايا الحديد ؟
- سيصطحبكم رجالي إليها بعد قليل ، هل أحضرتم ما اتفقنا عليه ؟
- بالتأكيد يا مولاتي
صفق حسن فاحضر الرجال عشرة صناديق كبيرة ، فأمرت الملكة رجالها بفتح الصناديق فوجدت في داخلها ثياب وأدوية وبعض الحاجيات والمستلزمات التي كان المنبوذين في حاجة إليها ، ابتسمت غادة ابتسامة رضا وأشارت لرجالها باصطحاب حسن علي ورجاله لبقايا الطائرة .
قبل أن يغادر حسن علي التفت للوراء قليلاً فوجد أن Hayat ترمقه بنظارتها النارية فتعثر في مشيه وقام على عجل وأكمل مسيره .


أخذت بتول محمد تبحث بين الحشائش عن ما يسد رمقها فقد أخذ الجوع منها كل مأخذ ، فهي منذ يومين كاملين وهي تجوب الغابة باحثة عن رائحة لحم أو فاكهة بدون جدوى فلجأت لأكل الحشائش والأعشاب البرية وبعض القواقع والحلزونات المتناثرة حتى انقرضت عن بكرة أبيها .فعاد الجوع ينهشها من جديد فاحتارت فيما يجب عمله ، كانت بتول تتبع غريزتها البدائية في طرق العيش فتفكيرها المحدود الناجم عن صغر سنها ووجود خلل في بعض الأنشطة الدماغية الذي عطل بعض المهارات والقدرات لديها وكذلك الخلل في غدتها النخامية والذي سبب في نمو حجمها بشكل مضاعف ومبالغ فيه حتى أن من يراها يظن أن عمرها أضعاف ما هي عليه الآن . كانت بتول محمد أمل أمها همس 2007 قبل أن تولد فعندما هدد والدها والدتها بالزواج عليها نصحتها إحدى جاراتها بربطه ، ظنت همس 2007 أن الربط يكمن في الطبوب والتعاطيف ولكن الجارة وضحت لها أن الربط يكمن في إنجاب ذرية ويا حبذا لو كان غلاماً كي يفرح فيه والده ويرفع مكانة زوجته في قلبه ، وبالفعل عملت همس 2007 كل ما يجب عليه لكي تحصل على مرادها من أعشاب طبية طبيعية وغير طبيعية حتى وصل الأمر لدم السحالي الممزوج بلعاب العناكب . وفي نهاية الأمر حصل الحمل ففرحت الزوجة وعندما نصحتها جارتها بأخذ بعض الأدوية المجربة لضمان عدم سقوط الحمل وتنشئة الجنين نشأة صحية أقبلت على ذلك رغم الثمن الباهظ الذي طلبته الجارة العزيزة . مع كل ألام الحمل ونوباته الغريبة والشديدة إلا أن الجارة كانت تطمئنها أن هذا الأمر طبيعي وما عليها إلا أن تشرب من الدواء الفلاني أو العلاني وهات يا فلوس . ومر الشهر التاسع بدون أن تنجب همس 2007 فشكت في نفسها واحتمالية موت الجنين ولكن حركته المستمرة والعشوائية والرفسات والطعنات يسكت مخاوفها ، هذا ما أكده طبيب الإمبراطور ميلاد في كل مرة تراجعه فيه حتى وصل الحمل إلى الشهر الثامن عشر عندها قرر ميلاد بعد تردد شديد أن يجري عملية قيصرية ( وإن كانت هي المرة الأولى التي يجرب فيها هذا الأمر فكما هو معروف كان قصاباً قبل أن يعينه أبو حسام طبيباً إمبراطورياً ولهذه قصة سوف نستعرضها فيما بعد ) ، وبالفعل تمت العملية بنجاح وأنجبت همس 2007 بنتاً ضخمة الحجم ( كان وزنها عند الولادة يبلغ 23,64 كيلو جرام ) مشوهة الوجه مما سبب إغماءة سريعة لوالدها وكلما استفاق منها عاد إليها من جديد كلما تذكر الأمر واستمر الحال على ما هو عليه لمدة شهر بأكمله اختفى بعدها في ظروف مجهولة فحزنت همس 2007 ورثت حالها وكرهت نفسها كثيراً وقررت أن تنتقم من جارتها الذي جلبت لها الخزي والعار فلو كانت وافقت على أن يتزوج عليها زوجها لما أصابها ما أصابها ولكن الجارة التي استشعرت الخطر التي هي فيه هاجرت إلى جزيرة الثوار وطلبت اللجوء السياسي .
كبرت بتول محمد بسرعة مقارنة بأقرانها وعندما حاولت أمها إلحاقها بالمدارس الإمبراطورية تم رفضها بحجة أو أخرى ، مرة بحجة ضخامة جسمها والذي يبدو للوهلة الأولى أن صاحبته يجب إلحاقها في مدارس محو الأمية لمن هي فوق سن الثلاثين وما فوق ، ومرة بحجة تبدو واهية للعيان رغم أهميتها وهي عدم قدرة بتول محمد نطق الحروف بشكل صحيح وعدم قدرتها على تمييز الألوان بسبب أنها لا ترى إلا ثلاثة ألوان فقط الأسود والأبيض والرمادي وما عدا ذلك فهو يندرج من ضمنهم . أما بالنسبة للسمع فقد فوجئت والدتها بقدرتها الغريبة على التقاط الموجات فوق الصوتية لدرجة سماعها دبيب النمل والأصوات البعيدة على مسافة بعيدة جداً لا يستطيع الإنسان العادي من التقاطها ولكن ذلك لم يشفع لها في دخول المدرسة .
شعرت همس 2007 بالحزن الشديد والغم العميق ينتاباها وهي ترى فلذة كبدها تتدهور حالتها بهذا الشكل المرعب إلى أن جاء اليوم الذي تعرضت فيه لحادثة جعلتها تفخر بحال أبنتها وتقتنع بما هي عليه وذلك في ( يوم الصرعة ) كما هو مؤرخ في تاريخ الجزر والذي يحكي عن قدوم مصارع اشتهر بعنفه وبطشه ولم يكن أحد لا من جزيرة الثوار ولا الإمبراطور ولا حتى الأمازونيات من يقوى على مواجهته فقد كان يصول ويجول حيثما أراد بدون أن يعترضه أحد إلا أن جاء اليوم الذي حل فيه في جزيرة الإمبراطور فقام أبو حسام الذي كان للتو ممسكاً بزمام الحكم بمواجهته بعسكره لكي يفرض هيبة الحكومة الجديدة ولكن الجيش مني بالفشل والهزيمة النكراء فدخل المصارع قصر الإمبراطور وأخذ في تدميره حتى شعر بالجوع فدخل المطبخ الإمبراطوري حيث كانت همس 2007 مختبئة في الخزانة خوفاً وهلعاً ، فأخذ المصارع يلتهم الدجاج المشوي والخرفان المحشية ، فسمع صوت تنفس العحوز ففتح باب الخزنة فوجدها هناك فقبض على عنقها وهم بخنقها فصدرت منها بحة وغصة ونفضة فسمعتها ابنتها التي كانت تلعب بالدمى في إحدى الحدائق على مسافة 3 كيلو متر فقفزت قفزتها العملاقة وماهي إلا برهة قصيرة والمصارع العملاق وكأنه دمية صغيرة مهطلة بين يدي بتول فصرعته ونفضته وترفست في مصارينه فارتفع شأن همس 2007 وعينت رئيسة المطبخ الإمبراطوري منذ ذاك الحين .

أطل الوزغ برأسه من الحفرة وهو مطمئناً لحياة بعيدة عن المخاطر بعدما نجا بعمره من موت محقق ( راجع الحلقة السابقة ) فمط جسمه وهز ذيله وبلع ريقه وتمطق وجهز نفسه ليوم سعيد وفي الخيال قد حلق . وأدار رأسه يمنة ويساراً ليريح مفاصل الرقبة قبل أن يبدأ يومه ولكن وكما يقولون يا فرحة لم تدم فقد وجد تلك العينان الوحشية تراقبانه بكل نهم وجوع فعرف صاحبتهما فشل عن الحركة وعجز عن الهرب بعدما تيقن أن الأمان في هذه الجزيرة ضرب من المحال . لحظات وقد وجد نفسه بين أصابع بتول الثخينة فاستسلم لقدره وأغمض عينيه . وقبل أن تقدم بتول على قضمه وهرسه وبلعه حانت منها التفاتة بعدما سمعت صوتاً لوقع أقدام غزال قريب فسال لعابها وكشرت عن أسنانها المتفرقة وعلمت أنها بصدد وجبة غنية بدلاً من هذا الهزيل فنظرت إليه باشمئزاز وأطلقت سراحه متوعدة إياه إن وقع في يديها مرة أخرى فلا محالة أن نهايته ستكون قاصمة :
- الفالفة فابته
لم يصدق الوزغ عينيه وهو يرى نفسه بمأمن من جديد فعاد إلى حفرته وقد قرر الرحيل عن هذه الجزيرة ما أمكن فكلم زوجته وعياله بما حدث له فهلعوا وبكوا وانتحبوا على ما آل إليه أمرهم .

تقدمت بتول محمد خطوات حذرة من الغزال الذي كان منشغلاً في أكل الحشائش ، ولكنه بعد قليل أستطاع أن يشم رائحة عرق نفاذة فعلم أن خطراً قد أصبح على مقربة منه فحاول أن يلوذ بالفرار ولكنه وجد في لمح البصر نفسه أمام بتول وقد مدت إليه يديها مرحبة به بمقدمه العزيز ، فاحتضنته وقبلته ما بين رقبته وعينيه وبعد ذلك لحسته ومسدته وقبل أن تقدم على كسر رقبته وجدت نفسها أمام رجل متوحش ضخم الجثة وكان ينظر إليها بكل وحشية بعدما تعدت على صيده .
كان ذلك هو الناي الحزين الذي جهز نفسه لخوض معركة شرسة وقد علم من هيئة خصمه أن المعركة لن تكون سهلة . أطلق كل من بتول محمد والناي الحزين صرخات اهتزت على أثرها أشجار الغابة وهاجرت الطيور في غير موعد الهجرة في فزع وخوف وكأن البراكين قد انفجرت والزلازل قد وقعت على أثر هجوم المتوحشين بعضهما على بعض .

حاول أبو حسام أن يستوعب ما يجري فحاول تحريك أطرافه فعجز عن ذلك وتذكر الجبس الذي وقع في مكيدته فقرر أن يصرخ ولكن قطعة القماش المغروسة في فمه حالت دون ذلك ، ولكن ما كان يحيره أنه كان واقفاً مستنداً على جدار وليس في خيمته الإمبراطورية مما يعني أنه قد يكون في السجن أو في مكان أخر غير المقصورة الفخمة فكره نفسه عندما انصاع بغباء لأوامر طبيبه زهدي الذي بلا شك قد أعد العدة ليحل محله . كانت المشكلة أن في كون الجبس عائقاً له في الالتفات ليرى ما حوله فلم يكن أمام إلا جداراً طينياً مشوباً بالطحالب والفضلات والفحم . الفحم ؟ أخذ يفكر في قرارة نفسه :
- مهلاً الفحم .. هذا يعني .....
لم يتسنى له تكملة ما يفكر فيه فقد سمع الباب يفتح وغمر الضوء المكان وكان ما يخاف منه قد تمثل له بشخصية سما المخيفة التي كانت تنظر إليه وابتسامتها العريضة تشق وجهها :
- أخيراً استيقظت ! أراهن بعشرة دنانير إمبراطورية ذهبية بأن من خلف قناع الجبس هذا ما هو إلا أنت يا عزيزي أبو حسام .

لم يتبق إلا يومان وينطلق مؤتمر القمة في جزيرة الحشاشين والعمل على إنجاحه على قدم وساق ، كان الجميع على أهبة الاستعداد ، إعلام الجزيرة أفرد مساحة واسعة لهذا المؤتمر فقد أفرد في صفحات جرائده تحليلات ونقاشات حول النقاط المزمع طرحها في جدول أعمال المؤتمر ، إضافة للشركات السياحية التي اجتهدت في وضع برامج سياحية لضيوف الجزيرة الذين توافدوا على الجزيرة قبل فترة كافية ليستمتعوا بجمال الجزيرة الخلاب من شلالات وبراكين خامدة وسواحل ذات الرمال الذهبية وغيرها من مغريات الجزيرة التي أصبحت حلم كل من يقطن في جزر الغموض إما مواطناً أو مقيماً أو حتى زائراً .
المطاعم لها السبق في الاستعداد بفضل رجلها الأول Aziz والذي كانت له بصمات واضحة في رقيها وجعلها في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال فقد أستطاع دمج الحضارات وثقافات الشعوب ما قبل القدوم في مطاعمه الناجحة فمن الهريس والعصيدة والتبولة والهمبورجر حتى تحت القدر والبيتزا وصولاً إلى أطباق المعكرونة التي أشتهر بها والتي فاقت شهرتها أرجاء المعمورة ماعدا قبيلة الشيروكي المعزولة عن عالم الجزر .
تقدمت Coffee Aroma ناحية زوجها وهو منشغل في عمل وليمة العشاء التي سوف تقيمها ملكة الأمازونيات أزهار بريه كعادة سنوية يقيمها ضيوف الجزيرة في محاولات لبعض المكاسب السياسية والعلاقات الدبلوماسية :
- هذا الطبق لأول مرة أراه .. ما اسمه ؟
نظر إليها Aziz بكل فخر وقد فل شاربه الغليظ على طريقة الأتراك :
- بالفعل هو طبق لأول مرة اصنعه ، فقد تعلمته عن طريق جدتي التي تعلمته عن جدتها عن حدة أبيها عن جدة أمها عن جدة جدة جدة أبو اللي خلفوها واسمه مطبوخ الكرورو ولكني استبدلت أزهار الرمان ذات الطعم المر بقشور البرتقال ذات الرائحة العطرية إضافة لبعض البهارات الهندية الأصل والتي استطعت زراعتها في أطراف الجزيرة حيث المناخ المشابه لهناك على ما سمعت من جدتي التي قالت لها جدتها عن جدة أبيها
- عن جدة امها عن جدة جدة جدة أبو اللي خلفوها . اعلم ذلك فقد سمعت هذه الأسطوانة عشرات المرات ، ولكن لم هذا الطبق بالذات وأنت تقول أول مرة تصنعه .. ألا تخشى الفشل ؟
أحمر وجه Aziz وكاد أن يلطمها على خدها :
- فشل .. هذه إهانة فأنا منذ عملت بهذه المهنة لم أفشل ولا مرة
ارتبكت Coffee Aroma وعلمت أن شراً مستطيراً سيلم بها إن لم تصلح الوضع فـ Aziz يصبح رجلاً أحمق لا يفرق بين صغير أاو كبير ولا حبيباً ولا غريب في لحظات الغضب :
- كان قصدي يا زوجي الحبيب ... لِمَ هذا التوقيت الآن .. فأنت من المعروف عنك دقة الملاحظة ودراسة الأمور من جميع جوانبها .
ابتسم الطباخ ذو الشوارب الغليظة :
- نعم معك حق يا زوجتي الحبيبة ، ولكن هذا كان بطلب من يوسف آل بريه .
- يوسف ! ولكني اعلم أن العشاء للسيدة أزهار فما دخل هذا بهذا ؟
النفت Aziz يمنة ويساراً وكأنه يخشى أن يسمعه أحد :
- ما لا تعلمينه ولا يعلمه غيرك إلا قليل فإن أزهار هي شقيقة يوسف .
- هذه المتفرعنة والمسترجلة وآكلة الرجال هي أخت هذا الشاعر الرقيق والرئيس المحبوب .. لا أصدق هذا .
- اخفضي صوتك يا امرأة .. فهذا الأمر سر كما ذكرت لك ولا يريد السيد يوسف أن يعلمه أحد كي لا يؤثر على سيرته وخاصة أن الانتخابات الرئاسية قادمة . ولولا ثقته بي لما باح لي هذا الأمر .
- آها .. فهمت .. ولماذا مطبوخ السرورو هذا ؟
- اسمه كرورو أيتها الجاهلة .. هي طبخة يحبها من هو متحدر من سنابس كثيراً في الزمن السابق ولكنها انقرضت أو قل تناولها في هذا الزمن .. وبما أن ضيوف السيدة أزهار بريه فيهم من هو أصله من سنابس كسنابسي الهوى وأحمد علي موفدان الإمبراطور أبو حسام فقد أحبت أن تعمل لهما مفاجأة .
أومأت Coffee Aroma برأسها علامة للفهم وابتسمت ابتسامة عريضة لهذه المعلومات الخطيرة :
- تذكري أيتها الثرثارة أن هذا سر .. لا يجب أن يذاع .. مفهوم ؟
وضعت Coffee Aroma يدها على فمها دلالة على كتمان السر مهما كان الثمن .


أفاق izaq من كابوس مرعب ومخيف لدرجة أن عيناه من شدة الخوف قد جحظت وتغرغرت وبان من نتوء في أرنبة الأنف بما يسمى ( الضبضوب ) فأصبح حاله يشبه شخصية بينكيو الشهيرة فأخذ يتلمس النتوء بشيء من الانزعاج وقد بدأ في التلفت في عدة جهات لعله يميز المكان الذي هو فيه بعدما ألقته سديم في هذا المكان العفن . كان الظلام في المكان حالكاً لدرجة الاسوداد ولم يشفع له بقع الضوء المتناثرة هنا وهناك ، بعد برهة قصيرة بدت عيناه تتعودان الظلام فألف المكان وبانت تفاصيله قليلاً فجال ببصره أنحاءه حتى وقعتا على شبح جاثم على ركبتيه وشفتاه تمتم بكلمات غير مسموعة ، شعر إنه يعرف تلك الهيئة جيداً ، بل كان متأكداً من معرفته لهذا الشبح ، رفع كتلة القيد الثقيلة وزحف على ركبتيه ويديه إلى أن وصل إليه :
- هاني .. هاني بن محمد .. يا صديقي .
ولكن هاني لم يلتفت إليه وظل ملازماً على همهمته بدون أدنى مشاعر قد يبادلها صديقه القديم .
مد يده يتحسس وجه صديق الطفولة فهاله كثافة شعر الوجه فقد كان يملأ جميع جوانبه وكأنه رجل كهف أشعث أغبر فامتلأ قلبه بالحزن على رفيق مشواره في عالم الطيران وأخذ يتذكر لحظات الفرح والحزن اللاتي عاشاها ، كم كان صديقه يمثل قلباً حنوناً يضمه كلما رسب في مادة وما أكثرها من لحظات وكم كان هاني يبرر لأبو izaq أو يزور الشهادات لكي يقنعه بتفوق أبنه المزعوم ، كم مرة كادت كلية الطيران أن تفصله بسبب هذه المشاكل التي يفتعلها ويتحمل نتائجها المسكين هاني .
- ماذا فعلوا بك ؟ ماذا حدث لك .
- هو هكذا قبل أن يصل إلى هنا .
حالما سمع izaq هذه الجملة الصادرة من الجهة الخلفية من المكان حتى جفل في مكانه وارتعش وصب العرق وانخرش فحاول أن يتراجع خوات غريزية ولكنه فشل :
- المصيبة لم يعد إلى صوابه إلا مرات قليلة وهي أقل من أصابع اليد يعود بعدها لنوبات الهذيان الغريب .
كل ما كان يخشاه izaq أن يكون صاحب هذا الصوت الناعم الذي يشبه الفحيح أن يكون صادراً من سديم صاحبة الوجهين أو ذاكرة الرمل :
- من أنت ؟
وكأن الصوت لم يسمع السؤال ، أو ربما تجاهله ، فترة صمت قصيرة وكأنها الدهر للكابتن الشاب :
- من الغريب أنه لم يمت إلى الآن ، لا يأكل ولا يشرب ولا حتى يقضي حوائجه الإنسانية المعروفة ، حتى أننا ظنناه من المسوخ .
- المسوخ ؟؟ !!!
هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها izaq هذا الاسم وقد بدا شاذاً على مسامعه :
- ماذا تعني بهذا الاسم ؟
وكالعادة لم يجب الصوت على السؤال ، فترة صمت قصيرة وأكمل حديثه :
- أظن أن هذا هو السبب الذي جعل ~Lossello~ لا يقتله فقد ظنه مسخاً والقانون يمنع قتل كل مسخي .
- قانون ؟ عن ماذا تتحدث ؟
- أراك تتحدث معي بشكل ذكوري !
قالتها بغضب فأضاءت عيناها في الظلام مما أدخل الرعب إلى قلب الكابتن الشاب صاحب الشعر الحرير فبكى على نفسه واصفر وجهه :
- لم يكن قصدي يا سيدتي .. أنا أسف .. أقدم اعتذاري .
انطفأت العينان بعدما هدأت صاحبتهما :
- أنا izaq .
- أعلم ، كنت قائد الطائرة التي جاءت ، وهذا هاني بن محمد .. مساعدك وصديق طفولتك ، وقد هربت من منجم الفحم مع أثنين أحدهما أسمه بحراوي الذي فقد زوجته والثاني اسمه نسيم وهو يعمل حلاقاً قبل قدومه .
تعجب izaq بكم المعلومات التي تعلمها هذه المجهولة رغم يقينه أنه لم يتكلم مع أحد بها الخصوص .
- لا يهم إن قلت هذه المعلومات لأحد أم لا .. فأنا لدي قدرة قراءة الأفكار .. ولهذا تراني سجينة معك هنا .
وقبل أن ينطق بكلمة أو يحر بجواب :
- أوه نسيت أن اعرفك بنفسي .... اسمي سلامة ... سلامة جعفر



يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق