كان " علي " في قمة انشغاله بجمع الأسماك ولم يلحظ تلبد السماء بالغيوم السوداء إلا بعد سقوط قطرات الماء على خصلات شعره ، فجاءه ذلك الصوت المرتجف
" السماء تمطر .. خلنا نمشي "
كان الصوت صادراً من أخيه الأكبر " محمد " الذي أعلن انتهاء القمبار، فحمل علي " الطبقة " (2) و " المشعل "(3) بينما حمل محمد " السحَّاب "(4) و أسرعا باتجاه " السِّيف "(5) ولكن سرعان ما هبت عليهم الريح الشديدة وانهمر المطر كالسيل الجارف قبل أن يقطعا نصف الطريق .. ولاحظ علي الهلع في وجه أخيه ولكنه لم يفاجأ بذلك فعلي يعرف بأن أخاه لا يجيد السباحة . فأصبحت المحاولة أكثر جدية للوصول إلى " السيف " والخروج من المنطقة .. التفت علي نحو أخيه فرآه منكمشاً على نفسه وتراجع بذعر عندما سطع البرق بنوره الباهر الذي ينتزع القلوب التي في الصدور .. تراجع خطوات وفجأة تهاوي إلى أسفل .. سقط في أحد الأخاديد الموجودة بكثرة في الشاطئ والمعروفة بـ " الخور " . خارت القوى وأصبح محمد يتخبط عشوائياً في كل الجهات وقد ترك " السحاب " يفلت من يده ، حاول علي أن يخفف من روع أخيه ولكن وبسبب ضخامة جسم محمد كانت المحاولة فاشلة فاتجهت أنظار علي باحثة عن " السحاب " عله يكون أداة طفو تساعد أخاه على السباحة والخروج من منطقة فأكتشف بأن التيار قد جرفه بعيدا. ، أصبحت القوى أكثر انهيارا وهاهو محمد .. محمد الفرح .. محمد العريس الجديد في مواجهة حادة مع البحر ، وعلي لا يستطيع أن ينقذ الفرح من الغرق .. منذ أيام كان العرس .. والآن هاهو يوشك أن يكون مأتم ، حاول علي في يأس شديد إنقاذ الفرح و أفكاره تتجه إلى تلك الليلة وهو يزف أخاه بفرح يكاد أن يكون هستيري فهو الفرحة الأولى في البيت ، كان في تلك اللحظة يضمه بشوق واضح وفرح غامر وهاهو الآن يضمه مرة أخرى بشوق واضح وحزن عميق . كان منذ البداية متخوفاً من رحلة القمبار هذه ، خاصة و أنها في أيام الشتاء الباردة والمشهورة بتقلبات الطقس الحادة ، ومع إصرار أخيه على إقامة حفل شواء عائلي بمناسبة زواجه وافق علي على ذلك مع وضع الشروط القاسية
" مرتك هي .. اللي تشوي "
وبالطبع وافق محمد على مضض مع وعد منه بمساعدتها إن سمحت له الشروط القاسية . وهاهو الآن يحتاج من يساعده على تخطي هذه الأزمة ، وقد بدت عيناه الغائرتان إلى الداخل ذابلة وبدا عليه الاستسلام لأمواج البحر رغم المحاولات المستميتة من علي لجعله في أعلى السطح من المياه ..
" أرجوك اصمد .. ما بقى إلا القليل "
قالها علي في لحظة يأس شديدة ، وعندما وجد حركته قد همدت أخذ رأسه وضمه إلى صدره ومسح على خصلات شعره المبلولة وأطلق صوته الحنون مغنياً
" يامعيريس عين الله تراك …. القمر والنجوم تمشي وراك "
تراءى لعلي في تلك اللحظة أنه يرى الشاطئ وأبوه وأمه وزوجة أخيه وجميع الأهل ينتظرون على " السيف " وكأنهم يستعدون للزفاف . فنكس رأسه مرة أخرى وأكمل الأغنية .
المصطلحات :
(1 ) القمبار : "بنطق القاف جيم المصرية " طريقة لصيد الأسماك في بعض مناطق الخليج .وتتم هذه الطريقة أثناء الليل حيث تهدأ حركة الأسماك الساحلية .
(2 ) الطبقة : مكونة من الأسلاك المتشابكة بشكل هندسي على شكل قبة مفتوحة من الأعلى بفتحة صغيرة ومن الأسفل بحجم القاعدة . ومن اسمها يتضح بأنها تستخدم لتطبق على السمكة وهي في حالة سكون وتستخدم الفتحة العليا لمد اليد للقبض على السمكة .
(3 ) المشعل أو الشعلة : ويستخدم للإنارة ويتكون من أنبوب ذو مقبض مملء بالوقود ( الكيروسين ) وفتيلة مثبتة بواسطة التمر .
(4 ) السحَّاب : صفيحة معدنية بها فتحة مربعة الشكل من أعلى وتجر بواسطة الحبل وتوضع الأسماك التي اصطيدت أثناء القمبار في السحاب
(5 ) السِّيف : الشاطئ
دائما مبدع ابو علي تسلم ايدك وقصة مؤثرة جداًَ
ردحذفمرحبا بك في مدونتي
ردحذفسوف اقيم لك احتفالاً خاصاً جعفر فأنت المعلق الأول
ماذا تطلب ؟ عشاء ، فطور ، غذاء ؟
سيارة .... الخ ؟