الخميس، 2 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 2






( 2 )


الوجود الجديدة في هذه الحلقة حسب الظهور
اشتباه
أبو حسام
سنابسي الهوى
أحمد علي
آلاء

كانت النيران تشتعل بصورة رهيبة في مؤخرة الطائرة وجانبها الأيسر وقد أصابها ضرر كبير وأصبحت تتمايل بحدة بسبب فقدانها لأحد الأجنحة مما زاد صعوبة الأمر على قبطان الطائرة izaq فأصبح لا يعرف كيف يتحكم بها وأيقن في قرارة نفسه بهلاكه ومن معه فتحسر على شبابه ، وتخيل وجه عائلته يكتنفها الحزن لفقدان الشاب عشريني العمر صاحب الشعر الناعم ، فلابد أن أمه سوف تلوم نفسها بعدم إصرارها على تزويجه من ابنة عمه التي رفضها بشدة ولذلك لن تراه في أبنائه فعض على شفاهه ندماً وشعر بالحب الجارف تجاه ابنة عمه وكذلك ابنة خالته وابنة خاله وبنات جيرانه وصديقات أخته الكبرى والوسطى وحتى الصغرى البالغ عمرها ثلاث سنوات ، وتخيل ابنة عمه عنده تلقيها خبر ( استشهاده ) لابد أنها سوف تنكس رأسها قليلاً و تقول وهي تمسح دموعها من عينيها :
- حوباتي ( يستاهل )

انتفض izaq وهو يشعر بأن الطائرة أصبحت أكثر اتزاناً ولم تعد تتمايل بتلك الصورة المجنونة فأخذ ينظر بذهول إلى السماء من جميع الاتجاهات وقد تحولت الغيوم والرياح السوداء إلى نفق مضيء بألوان قوس قزح والطائرة تنطلق فيه بسرعة رهيبة .
نظر الكابتن ناحية مساعده هاني بن محمد فوجده يكلم نفسه بطريقة غريبة فعلم أنه قد فقد عقله فأنب نفسه فلولا أنه انقاد لهواه وانصاع لرغباته في ممارسة جنونه وتحدي العاصفة التي خسر الجولة معها لما أصاب هذا المجنون الجنون .

بدأت اشتباه تتلوى أثر الركلة القوية في خاصرتها من قدم أبو حسام الذي كان ينظر إليها بقسوة بالغة ، ورغم كل التوسلات من قبلها بأن يعفو عنها تجابه من قبله بمزيد من الصفعات و الإهانات وأخيراً الركلات ، كان العجوز سنابسي الهوى ينظر إلى الفتاة بمزيج من التعاطف والشماتة فهو يعلم علماً تاماً مدى إخلاص هذه الجارية لسيدها ومدى حبها وعشقها إلى التراب الذي يمشي عليه ، إلا أن غرورها واعتدادها بنفسها كثيراً أوصلها إلا أن تعارض كل من لا يعجبها رأيه حتى وإن كان سيدها المتجبر و المتكبر أبو حسام الذي يملأ قلب كل من يسمع باسمه بالرعب والجزع والفزع والخوف .
فكر العجوز بأن يتدخل لينهي معاناتها ولكنه بعلمه بشخصية الإمبراطور في لحظات غضبه منعه من ذلك . نظر أبو حسام إليها من جديد فأصدر أوامره إلى أحمد علي أو جلاد الموت كما يحلو البعض أن يسميه بأن يأخذ هذه العاصية إلى منجم الفحم لتعمل فيه بقية حياتها ، صرخت اشتباه تطلب العفو والمغفرة والتوبة بعدم تكرار هذا الفعلة وأن يفعل بها ما يريد إلا أن تعمل في المنجم الذي كل من يدخل فيه مفقود وليس هناك من يخرج منه ليكون مولود ولكن لا فائدة ترتجى ، وقبل أن ينفذ أحمد علي أمر سيده أضيئت السماء بوميض تلاه نور ساطع يملأ السماء ، شهق سنابسي الهوى قائلاً :
- منذ سنوات طوال لم يحدث ذلك .
- لابد أن بوابة السماء فتحت من جديد ...
نظر تجاه جلاده بنظرة حازمة وقال :
- أجمع الرجال فوراً وانظر ماذا يحدث فلابد أن ضيوفاً جدد قادمون .
أومأ أحمد علي لسيده علامة الفهم وقبل أن يغادر تشبثت اشتباه قدمي سيدها قائلة :
- أرجوك يا سيدي دعني أكون معهم ، أنت تعلم مدى خبرتي في مثل هذه الأمور
- أنت ؟ لا يمكن أن يكون ذلك .
وجدها سنابسي الهوى فرصة للتدخل بعد أن رأى أن القائد بدأ متردداً قليلاً في رأيه :
- دعها تثبت لك إخلاصها من جديد ، وبعد أن تعود قرر في أمرها
نظرت اشتباه إلى المهرج العجوز نظرة شكر وعرفان فأردفت :
- نعم يا سيدي أفعل بي ما شئت فأنا طوع أمرك
- حسن .. بعدها سوف أقرر ماذا أفعل بك .. هيا أجمعي الرجال ,اتجهي لناحية بوابة السماء ولا تدعي الثوار يسبقوك في هذا .
لمعت عيناها من جديد بذلك الوميض كمن عادت إلى حياتها من بعد ممات :
- سوف أبذل كل جهدي لأن أتيك بهم

وما أن غادرت اشتباه ممتطية حصانها الأبيض حتى التفت أبو حسام نحو مهرجه :
- أنا لا أعلم لماذا تدافع عنها وتتعاطف معها رغم أنها هي من فعلت بك ذلك عندما رمتك بسهمها أثناء عراكنا على الزعامة .
وأشار إلى يده المعوقة ، فأجاب المهرج :
- كان بالخطأ فقد كان قصدها قتل ( الوزغة ) من على كتفك ولكنها أيضاً هي من حافظت على حياتي من بطشك عندما اشتد غضبك ذات يوم علي عندما سقطت بصقة من فمي على حذائك بطريق الخطأ
- لم أكن لأبطش بك لهذا السبب .. بل كان تخويفاً إليك لأضحك على شكل وجهك الذي يتحول من الأصفر إلى الأحمر إلى الأخضر وكأنه إشارة مرور في تلك البلاد .
- نعم يا مولاي أعلم ذلك .
- متى سوف تظهر ؟
- من ؟
- السفينة أو الطائرة .. لا أعلم
- بين لحظة أو أخرى .. حسب نوع النفق
نظر كلاً من أبو حسام و سنابسي الهوى نحو السماء المضيئة بألوان الطيف وكأنها تستعد للاحتفال بقدوم الوافد الجديد .

كان الجنود يتأملون الشفق المضيء من بوابة السماء عندما سمعوا صهيل الحصان ، وذعروا عندما وجدوا أن اشتباه تأمرهم بالاستعداد للانطلاق فأصابهم الإحباط الشديد بعدم معاقبة سيدهم لها ونفيها بعيداً عنهم . وما هي إلا لحظات والجنود واقفون أمام البحر ينتظرون القادم الجديد . أخذت اشتباه تحسب زاوية النفق المضيء وتطلعت إلى الجهة المحتملة لسقوط الجسم :
- هناك سوف يسقط الجسم ، هيا بنا .
أومأ الجنود بالإيجاب ووكزوا أحصنتهم وانطلقوا بأقصى سرعة حيث الهبوط المتوقع .

بعد دوران الطائرة العشوائي ورعب الركاب داخلها توقفت عن الدوران واستقرت حالتها بشكل غريب . سقط jawad على الأرض وتلاه كلاً من زهدي و صديقه الحلاق نسيم وهم يتألمون من جراء التخبط في الجدران والسقف ، نظر jawad جهة زينب عبد الله المتمسكة بالكرسي بشدة فاطمئن أنها مازالت على قيد الحياة فابتسم داخل قرارة نفسه فلابد أنها سوف تظهر له امتنانها لشجاعته ونبله وتضحيته من أجلها ولكن ذلك تبخر فحالما فتحت عينيها نظرت برعب في جميع الاتجاهات باحثة عن صديقتها سماهر التي كانت معلقة في السقف من ملابسها مشبوكة في قطعة معدنية فلم تعرف ماذا تفعل وقبل أن يتصرف أي من الركاب سقطت المضيفة ثلاثينية العمر سقطة مريعة على الأرض فانفشخ الوجه وسالت من انفها بعض الدماء ولكنها لم تنتبه في أثناء سقوطها أنها جذبت معها حزاماً مطاطياً تطاير معها أثناء تخبط الطائرة فالتف حول المفتاح الخاص ببوابة الطائرة الذي كان على وشك الفتح بسبب العاصفة وشدته و ماهي إلا لحظة واحدة بعد السقوط وقبل أن تستوعب ما يجري فتح باب الطائرة وموجة الهواء العاتية تخرج من الباب إلى الخارج جارفة معها سماهر التي حاولت أن تمسك بالشريط المطاطي دون جدوى فاستسلمت لمصيرها المحتوم وأغمضت عينيها ترافقها صرخة من زينب عبدالله وجميع الركاب .

لم تكن سماهر هي الضحية فقط لهذه الحادثة فقد تلاها الثلاثة الآخرون ولكن تصرف سريع من نسيم بعد أن أخرج موس الحلاقة ( الذي يحتفظ به دائماً كذكرى لأول حلقة حلقها في حياته ) وقطع به الشريط المطاطي المرتبط في الباب فتشبث جيداً بالقرب من الجدار وحاول إقفال الباب وهو متمسك جيداً بالشريط الذي لفه ببراعة على قاعدة أحد الكراسي ، وقبل أن تجرف العاصفة زميلاه المهددان بذلك ضغط بكلتا رجليه - ساعده على ذلك ميلان الطائرة - حتى استطاع إقفاله .

تعالى التصفيق في كل مكان على بطولة نسيم ماعدا ~ زمردة ~ التي زمت شفتيها من جديد على هذه البطولة المزيفة من وجهة نظرها وجال في فكرها أنها كانت تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك لولا بعض سنتيمترات قليلة من الشحوم التي تعيقها وتخجل من أن تظهر لو تحركت بحركات بهلوانية تجيدها عندما كانت صغيرة ، بالإضافة إلا أن الضحايا كانوا من الرجال ولو كانت المضيفة المسكينة فربما تجرأت أن تنقذها ولكن وبما أنها تكره جنس الرجال وتمقتهم فلا وجوب للتضحية إذن ودع هذا النسيم ابو المشارط يظن في نفسه ما يظن ، تطلعت ~ زمردة ~ بعد هذه الجولة في التفكير إلى صديقتها النائمة منذ بداية الرحلة الآنسة آلاء وتعجبت في قدرتها على مواصلة النوم من دون أن تستيقظ أو يرتفع لها طرف مع كل الذي حدث من أصوات وصراخ و ضوضاء وأحداث جعلت الطائرة تنقلب رأساً على عقب بدون أن تتغير وضعيتها حتى . ولولا أنها اقتربت منها وسمعت صوت تنفسها لظنت أنها ماتت ، فكرت قليلاً أن توقظها ولكنها تراجعت وبعد أن هدأت الطائرة واستقرت بأعجوبة هزتها قليلاً فتململت آلاء قليلاً وقالت :
- هل وصلنا ؟
- لا .. ولكن .....
- إذن أيقظيني عندما نصل .
وعادت للنوم من جديد ، فتعجبت ~ زمردة ~ أكثر وأكثر وعرفت أن رفيقتها في جمعية حقوق المرأة ضد اضطهاد الرجل WRAAPM( Women's Rights Association against the persecution of men ) و التي تترأسها ~ زمردة ~ بنفسها هي تحفة عجيبة لم ترى لها سابقة من قبل فابتسمت وحاولت أن تستغرق في حلمها وحربها على الرجل ولكن وجهها أكفهر عندما نظرت لـ jawad وهو ينظر إلى زينب عبد الله الحزينة على فراق صديقتها المخيف بكثير من الشفقة ففكرت أن تبطش به وبها لسماحها له بهذا وشعرت بالإهانة الشديدة والجريمة الكبرى في هذا العصر الذي يسمى عصر المرأة بدون منازع ، ولكن زينب عبدالله التي وضعت يديها على وجهها تحاول أن تستوعب الصدمة قامت من فورها لكي تؤدي واجبها نحو المسافرين فنظرت إلى خلف الطائرة فوجدت أن الدخان يتسرب فعلمت أن هناك مشكلة في ذيل الطائرة ولابد من أبعاد الركاب عنها ولكن كان معظم المسافرين قاموا من أماكنهم لرؤية منظر ألوان قوس قزح المنتشر حول الطائرة بشكل غريب وجميل في ذات الوقت .

من ضمن الذين قاموا العروس zamob والذي حاول زوجها بحراوي أن يمنعها من القيام بحجة عدم معرفة ما سوف يحدث ولكن فضولها تغلب على رأيه فقامت من فورها جهة نافذة إحدى المسافرات وقبل أن تصل إلى النافذة انقطعت الكهرباء فجأة وتوقف هدير المحركات وكذلك التكييف مما جعل الجميع يشعر بالاختناق والحرارة وقبل أن يتصرف أحدهم أو يستوعب ما يجري هبطت الطائرة بشكل حاد نحو الأسفل ومن ثم ارتفعت مما جعل الركاب الواقفين يسقطون أرضاً ويتدحرجون إلى مؤخرة السفينة في الظلام الحالك . سقط قلب بحراوي وصرخ بأعلى صوته منادياً زوجته ولكن الصراخ الصادر من المسافرين وخصوصاً ~ زمردة ~ ضيع صوته فحاول أن يقوم ولكن الاهتزازات الشديدة التي لحقت بالطائرة بعد ذلك حالت دون قيامه . حاول أن يبحث عنها بعينيه في الظلام بدون جدوى . ومع محاولاته ظهر صوت قرقعة اعقبه صوت انكسار حاد ارفقه اهتزاز شديد .وعندما حاول أن يقف من جديد نظر بهلع جهة zamob الخائفة والمر تعبة والتي ظهرت فجأة والنيران تحيطها بعد أن انشطرت الطائرة إلى نصفين . صرخ بحراوي بأعلى صوته وهو يرى زوجته ترحل عنه بعيداً في الجزء المشتعل من الطائرة .

بدأت الطائرة في الانحدار بسرعة رهيبة واختفت ألوان قوس قزح وظهرت السماء من جديد وإن كان لونها يميل إلى اللون البنفسجي . بالإضافة إلى البحر الممتد . حاول izaq أن يتحكم بالطائرة ولكن دون جدوى فهي ككائن ميت بعد أن انقطعت عنها الكهرباء .
نظر izaq إلى رفيقه ومساعده هاني بن محمد الذي لا يشعر بما حوله فتمنى لحظتها أن يكون مكانه . نظر من جديد ناحية السماء وهاله وهو يرى الطائرة متجهة نحو اليابسة والتي انشقت عن البحر بسرعة رهيبة .


يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق