الأحد، 12 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 4






( 4 )
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
Renad
ازهار بريه
ريان

امتزجت صرخات الخوف مع ضحكات الهستيريا المجنونة في الجزيرة الإمبراطورية ، وجهز جلاد الموت أحمد علي سوطه الغليظ لينهال ضرباً على أجساد ضحاياه عندما يتلقى إشارة التعذيب من مولاه الإمبراطور أبو حسام . ولكن قبل الشروع في ذلك ارتمى سنابسي الهوى بين رجلي سيده وقبلها قبلة طويلة فنظر إليه أبو حسام نظرة غاضبة :
- ماذا تريد أيها المهبول ؟ منذ عرفتك ولم القى منك غير المصائب وأخرها أن تلك السمينة المخبولة تصبح أبنتك ... سوف أعاقبكما ومهما توسلت إلي لن ينفع ... مائتين جلدة لكل واحد منكما .
اصفر وجه ~ زمردة ~ عندما سمعت هذا الرقم المخيف ولكن سنابسي الهوى نظر إلى سيده بعينيه الحمراويتين :
- لا اطلب منك الصفح فنحن نستحق ذلك .
- ماذا تريد إذن ؟
- أتحمل عقابها .
- الأربعمائة جلدة ؟
أومأ سنابسي الهوى بانكسار فضحك على أثرها أبو حسام وقال لجلاده :
- اجلد كل واحد منهما أربعمائة جلدة .
عاود سنابسي الهوى وتمسك برجلي سيده :
- سوف أتحمل عقابها
نظر إليه أبو حسام مشدوهاً :
- تتحمل ثمانمائة جلدة ؟
- أجل
- لن تتحملها أيها الخرف .. ليس خوفاً عليك كما تتصور ولكن من الذي بعد موتك يطبخ لي شاي العصرية فلا يوجد غيرك في الوقت الحالي من يضبط الشاي والمعسل كما أريده .
- سوف أتحمل ذلك
قال جملته واتجه ناكساً رأسه تجاه الشجرة ومد يده طالباً من الحراس تقييده قبل أن يضاعف الإمبراطور عقابه .
نظرت ~ زمردة ~ تجاه أبيها مشدوهة بما فعل ولكنها زمت فمها وصرخت بأعلى صوتها :
- إن كنت ستظن أنك بعملك هذا ستجعلني أسامحك فأنت مخطئ .
لم يجبها والدها صاحب العيون الحمراء من شدة البكاء وأغمض عينيه وحالما شرع الجلاد بضربه بالسوط أطبق فمه بكل قوة لكي لا يتسنى لأحد أن يسمع أنينه .

انتهت الثمانمائة جلدة وقد سالت الدماء بغزارة من جلد الشيخ الكبير وعلى أثرها حمله الحراس ناحية الخيمة لتطبيبه من قبل ما يسمى بالمعالج .
أما ~ زمردة ~ التي صلبت في جذع شجرة فقد كانت تتأمل والدها المضروب بالسوط لكي يفديها من موت محقق بعد أن هجمت على أبو حسام في محاولة فاشلة لقتله ولولا توسل والدها للطاغية لكانت رأسها الآن يلعب به أطفال الجزيرة مثل كرة القدم الشهيرة . كم كانت تكره نفسها في هذه اللحظة ، رجل يمن عليها وليس أي رجل أنه الرجل الأكثر كرها وحقداً في حياتها ، نظرت من خلف نظارتها السميكة إلى صديقتها آلاء الجزعة والمنهارة و التي بدأت تستوعب ما يجري والمصلوبة بجانبها فحاولت أن تتلمس بأطراف أصابعها يد صديقتها لكي تهدئ من روعها ولكن الأخيرة أخذت تولول كالعجائز ولولا القيود لنثرت الشعور وشقت الجيوب ولطمت الخدود فاحمرت عيناها وسال اللعاب بغزارة من فمها الكبير مما أثار الاشمئزاز في عيني من يراها وخصوصاً أبو حسام الذي ما أن رآها حتى أشاح بعينيه عنها ولكن آلاء صرخت صرخة مدوية ومتوحشة في نفس الوقت أطاحت بقلوب الرجال وتوقف الجميع عن الرقص والفرح كما أمرهم الامبراطور ونظروا تجاهها .
أستجمع أبو حسام شجاعته بعد المفاجأة غير المتوقعة وأمر بإحضار السيدتين المصلوبتين ليتقصى عما سبب الصرخة فأحضروهما وهما في حالة يرثى لها وخصوصاً آلاء التي بدأت منهارة تماماً ، نظر إليها الإمبراطور الطاغية نظرة جبار متغطرس :
- ما وراءك يا امرأة ؟
- لا شيء يا سيد الكل ؟
تعجب أبو حسام عند سماعه هذه الجملة فلم يسبق لأحد أن ناداه بهذا الاسم من قبل فعلم أن الصرخة لم تكن احتجاجية ولكنها قد تكون استعطافية ، فقطب حاجبيه وقال :
- إذن لم كانت صرختك يا عجوز النحس ؟
نظرت إليه آلاء نظرة جزعة وأخذت تتلفت يمنة وشمالاً باحثة عما يخيفها :
- وزغ .. أجل أنا أخاف من الوزغ .. أموت ولا أراها
ضحك أبو حسام عند سماعه هذه الجملة ونظر في الجهة التي تم أخذ سنابسي الهوى إليها :
- لقد كسبت اليوم عضواً جديداً في فرقة المهرجين ...
تنحنح أحمد علي محتجاً :
- هل عفوت عنهما ؟
- بعد هذا المشهد الكوميدي من المهرجة الجديدة ما أسمك يا عجوز ؟
سقطت آلاء عند رجلي سيدها وقالت :
- آلاء يا سيد الكل .
- نعم .. آلاء ... أسم لا يدل على صاحبته .. المهم بعد هذا الذي قدمته لنا فقد قررت أن نعفو عنهما
ولكن سوف تعمل ابنة سنابسي الهوى في المطبخ الإمبراطوري ، قسم تقشير وتقطيع البصل وهذه العجوز مع المهرج سنابسي الهوى .
كادت ~ زمردة ~أن تصرخ بقوة محتجة على هذا القرار ولكن تذكرت والدها المسجي الآن على الفراش بفعل الثمانمائة جلدة فألجمت غضبها إلى حين .

بالقرب من منجم الفحم كانت هناك عينان تراقبان بواسطة المرقاب المقرب ما يجري هناك ، صاحبة العينين تدعى Renad، سماتها الوحشية تجعل من يراها يجفل لأول وهلة ، ظلت Renad تراقب الوضع وهي تسحب ببطء شديد أحد السهام الموجود في جعبتها الخلفية وبدون سابق إنذار وضعت السهم في القوس بسرعة متناهية ومباشرة وجهته إلى أعلى حيث مر في تلك اللحظة طائر صغير يحلق على بعد مرتفع . اخترق السهم صدر العصفور محدثاً صوتاً أشبه بالأزيز ، لحظة واحدة والعصفور المسكين بين يديها التي لم يتغير وضعها في مراقبة المنجم ، استمرت Renad في المراقبة بينما فمها يلوك رأس العصفور الصغير .

شعر jawad بصداع شديد يملأ رأسه بسبب الروائح الغريبة المنتشرة في كل مكان من حوله ، حاول أن يفتح عينيه ولكن الضوء الباهر جعله يتراجع عن ذلك وببطء شديد بدأ يتحسس المكان الذي هو فيه وهاله وجود ثلة من الفتيات الجميلات يحطن به ، ابتسم في وجههن وحاول أن ينهض ولكن أحداهن أمسكت بمعصمه برفق وقالت :
- مهلاً أيها الوسيم جراحك لم تبرأ بعد .
- أين أنا ؟
- في خيمتك ... ما اسمك أيها الوسيم ؟
حاول أن يتذكر اسمه ، ضغط على رأسه بشدة ، تلوح له بعض الذكريات من هنا وهناك كأنها طيف أو سراب ولكنها تتراجع فجأة بصورة مخزية :
- لا أتذكر .
ابتسمت الفتاة الأقرب إليه واقتربت منه بوجهها ورائحة العطر النفاذ تفوح منها :
- لا بأس أيها الوسيم ... أنا أدعى
ازهار بريه وهذه مساعدتي ريان
ابتسمت ريان ابتسامة عذبة في وجه المريض المبهوت مما يجري :
- مرحبا يا ......
- ليتني أتذكر يا جميلتي
- أممممم سوف اسميك .. ماذا أسميه ؟ نعم اسمك منذ الآن ..
- تذكرت أسمي jawad
ضحكت ريان ضحكة مجلجلة اهتز على أثرها قلب jawad ما بين عشق وخوف ، فهكذا نعيم لا يمكن أن يصدقه عاقل أو لا يمكن أن يتواجد حتى في عالم الأحلام ، تلفت في جميع أنحاء المقصورة واطلق العنان لبصره في ما خلف الباب المفتوح فلم يرى إلا فتيات جميلات يتهادين في خطواتهن ضاحكات مستبشرات . التفت إلى محدثته الجميلة ريان التي سلبت عقله وقال :
- لم تقولي لي يا جميلتي أين أنا بالضبط ؟ في الجنة ؟
ابتسمت الفتاة ابتسامة عريضة وشردت بفكرها قليلاً وقالت :
- لا .. أنت في جزيرة الأمازونيات .
- أماز .... ماذا ؟
- جزيرة تقطنها الفتيات فقط ؟
- والرجال ؟
- لا يوجد من بيننا رجل سواك .
قالت هذه الكلمة تصحبها ابتسامة ترجمها jawad بمعاني كثيرة فأطلق الخيال لنفسه وشرد وحلق حتى غاب عن الوعي .
حالما أغمض عينيه اتجهت ريان خارج المقصورة الفخمة إلى رئيستها ازهار وابتسمت ابتسامة ذات مغزى فبادلتها الأخيرة ذات الابتسامة وقالت :
- حضري الفتيات لاصطياد فريستهن الجديدة .
- مثل من ؟
- أي واحدة لديها الاستعداد .
- القادمة الجديدة ؟
- لم نتأكد من صلابتها بعد . أجلي البث في أمرها نخشى أن تكون مثل تلك الخائنة اشتباه
- وماذا عن الوشق ؟
- ليس الآن ... أطعموه ببعض الدجاج والبهائم حتى ننال مرادنا من الصيد الجديد .

عند المغيب كانت الشمس الأرجوانية تحاول التشبث بما لها من قوة وسطوة في البقاء ما يمكنها ولكن دائرة الزمن تأبى ذلك فتستسلم لإرادته القدرية فتختفى من وراء البحر الغامض الذي يحتوى على جزر عدة كل منها يحتوي على عوالم مختلفة ، في أحدى الجزر وبالذات في جزيرة المنبوذين اقترب الحصان الأبيض الذي تمتطيه اشتباه من المياه العميقة بعد تردد شديد ولكن وكزات من رجل صاحبته جعلته يسرع في المشي ومن ثم السباحة في المياه الباردة ، حالما لا مست المياه جسد الفارسة ارتعشت بشدة فكم كانت تكره البرودة ولكن مهمتها هذه تتطلب منها التغاضي عن المشاعر وعما تحب وتكره فحزمت أمرها بعد لحظة ضعف وتردد وعاودت وكز حصانها الجميل .

في الشطر الآخر من جزيرة المنبوذين كان القوم هناك يتحلقون حول شبح امرأة اعتبروها منقذتهم فأحاطوها بالعناية ومحاولة استغلال معرفتهم بعلم الأدوية التي تبرع فيه ملكتهم غادة لمعالجة الجروح والحروق في وجه المرأة الغامضة التي أصبحت مشوهة بشكل يلقي الرعب في قلب أشجع الشجعان ، كانت هي zamob ، العروس الجديدة والتي لم يمض على زواجها شهران . عندما ارتفعت الطائرة عند نهاية عبورها النفق كانت لوحدها في ذيل الطائرة المشتعل ، نظراتها الأخيرة قبل الدخول في عالم الغيبوبة كانت تتركز على زوجها بحراوي الذي بدأ يائساً من إنقاذها فاستسلمت لما هي فيه وأغمضت عيناها ولم تفتحها إلى الآن فقد دخلت عالم الغيبوبة المتواصل رغم محاولات المنبوذين المستمرة في إعادتها إلى وعيها بشتى الأساليب الممكنة من بخور الأعشاب الحنظلي إلى صفعات الوجه المتتالية بواسطة أعشاب البابونج المخلوط بدم السحالي والعناكب حتى استقر أمر ملكتهم على معالجتها بواسطة الصعقة الكهربائية عن طريق البروق المتتالية على الجزيرة بعد ساعات قليلة في مثل هذا الأيام فحملها بعضهم وربطها جيداً على سارية فوق قمة الجبل لتهب الرياح وتسقط صاعقة السماء عليها لعل وعسى أن تفيق هذه المخلصة .

بعد أن استقر القوم أسفل الجبل فوجئ الجميع بوجود اشتباه وهي تنظر إليهم نظرة شك وارتياب وخصوصاً بعد ارتباكهم جميعاً . نظرت الفارسة الصنديدة خريجة مدرسة الأمازونيات نحو ملكتهم غادة المحاطة ببعض المنبوذين والمصابين بمرض الجذام وفي مقدمتهم خادمها المخلص فاضل الجابر الذي بدا منظر عينيه الغائرتين مثيراً للرعب أكثر مما هو مثير للشفقة فتراجعت اشتباه قليلاً عندما نظرت إلى عينيه ولكنها لم تبد أي خوف ظاهري منهم وقالت بصوت حازم :
- ماذا تفعلون بالقرب من الجبل ؟
تلعثمت ملكة المنبوذين وهي تحاول مدارة ما حصل
- نستنشق الهواء .
- ولِمَ هنا ؟
- إنه وقت الغروب والحرارة تخف الآن .
- هل رأيت الطائرة الساقطة ؟
حالما نطقت اشتباه بهذه الجملة وضح الارتباك أكثر على وجوه المنبوذين فنظرت إليهم نظرة حادة وعلمت أن هناك ما يخفونه فشهرت سيفها الفولاذي في وجه الملكة حتى اقترب نصله من ذقنها :
- ماذا تخفين عزيزتي غادة ؟
- أقسم لك .... لا شيء .
- ماذا يوجد في أعلى الجبل إذن ؟
زاغت عينا الملكة وأدركت أن أمر المخلصة سوف يكشف إذا لم تنقذ ما يمكن إنقاذه :
- وأنتِ لم أتيت إلى هنا ؟
- للبحث عن ما تحتويه الطائرة .
- وماذا تحتويه ؟
- ما رأيك أنت ؟
- لا أعلم عما تتحدثين .
- الشوكلاتة .
- الشـ ... ماذا ؟
- الشوكلاتة
تدخل صاحب العيون الزائغة - فاضل الجابر - في الأمر لتصحح المعلومة :
- قصدك الشكولاتة .
نظرت إليه فارسة الأمازون بحدة وقالت :
- لا يهم .. اين هو ؟ هل هو في أعلى الجبل ؟
- تنفست غادة الصعداء داخل قرارة نفسها وقالت :
- ربما هو في الطائرة .
- وإن لم يوجد هناك ؟
- ماذا ؟
- لابد أنه في أعلى الجبل أنتم تعلمون أن سيدي أبو حسام يعشقه ولهذا أنتم أردتم اخفاءه عنه إن كان ذلك فابشروا بحرب لا قوة لكم فيها وبالفناء والثبور وعظائم الأمور .
بلعت الملكة ريقها بصعوبة وتحسست عنقها جيداًَ وتمنت في قرارها أن تجد هذه المعتوهة ما تبحث عنه لكيلا يفتضح أمرهم .




يتبع

هناك تعليق واحد:

  1. شكراً نورا
    وجودك ها هنا شرف لي يا سيدتي
    سعيد بمتابعتك

    ردحذف