( 7 )
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة : الفنانة الصاعدة بَعْـثَرَة ..,
عند أول وصولهم إلى منجم الفحم تجمع العبيد في صف واحد ينتظرون ما سوف تسفر لهم الأمور مع قائدة المنجم سما التي وضعت أصابعها الضخمة بين خصلات شعرها الذهبية وهي الخصلات الوحيدة المتبقية لها بعد عوامل التعرية التي اصابتها بفعل تسمم اشعاعي صادر بالقرب من المنجم والتي اخفتها بقبعة عسكرية ماعدا تلكم الخصلات. طلبت منهم الوقوف على رجل واحدة مع رفع اليدين إلى أعلى ، ما أن سمع أحمد علي هذه الأوامر بلع ريقه وحمد ربه أنه يعمل لدى أبو حسام الذي يعتبر ( من وجهة نظره ) ملاكاً رحيماً بالمقارنة مع هذه المتجبرة المتكبرة وعلم أن العبيد لن يمر يومهم على خير . مرت ساعاتان من وقوف العبيد بالطريقة التي أمرت بها سما وعندما وجدت أن الإعياء قد بدا على وجوههم الحزينة أمرت الحراس بإشعال الفحم فارتعب الجميع لا سيما الكابت izaq الذي تصبب العرق من جبينه المخضر بسبب عفن الخبز الذي بدأ ينتشر على بقية أجزاء جسمه فحاول أن يستدر عطف رئيسة المنجم بأن يرتمي عند رجليها كما فعل زهدي مع الإمبراطور ففعل ما جال في خاطره ولكن قبل أن يتسنى له أن يتكلم جاءته رفسة من أحد الحراس في خاصرته اليمنى ومن ثم اليسرى من قدم أخر وتوالت الركلات من جميع الاتجاهات و izaq يصرخ ويتلوى بدون فائدة تذكر ، وعندما هدأت حركته وخف أنينه وغاب عن الوعي جره الحراس وعلقوه من رجليه وأخذوا من جلده بواسطة حبالٍ من المسامير فكان يستيقظ من إغماءته ليعود إليها وهو يصرخ بكل ما يملك من قوة .
وبعد أن انتهى الحرس من تعذيبهم لـ izaq جروه بكل قسوة ورموه عند رجلي سما التي ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت له :
- هل كنت تريد شيئاً أيها العبد ؟
هز izaq رأسه بصعوبة نافياً إن كان يطلب شيئاً فأمرته بالوقوف بين زملاءه العبيد فأمتثل الكابتن صاحب الشعر الحرير لأوامر سيدته وقام مترنحاً من مكانه يحاول جاهداً الوقوف ولكنه سقط فما كان من سما إلا أن عالجته بسوطها ذو الثلاث شعب فانتفض izaq من مكانه وأسرع يجر الخطى حتى استطاع أن يقف على رجليه ما بين صديقيه الجديدين نسيم الذي شحب لونه حتى أصبح كرجل عجوز وما بين بحراوي الذي تغيرت ألوانه ونسي كل ما حوله .نظرت سما إليهم وصرخت بأعلى صوتها حتى اهتزت الأشجار القيبة منهم ومعها قلب أحمد علي الذي انسحب رويداً رويداً قبل أن تنسى نفسها وتنكل به هو الآخر ، وبعد صرختها الجبارة ابتسمت ابتسامة خفيفة :
- من يحاول أن يستبهم ويستغبي ويستعبط علينا سيكون جزاءه مثل هذا الغبي أو أكثر .
امتقع وجه izaq عندما أشارت إليه وحار في أمره هل يبتسم أم يطرق برأسه أرضاً أم يلوح بيده مرحباً أم يرفع عينيه جهة الأعلى كأن الأمر لا يعنيه ولكن كلمات سما الصاعقة أنسته ما جال في خاطره من حيرة :
- أنتم هنا عبيد .. تعملون من الصباح الباكر وحتى غروب الشمس ، لكم وجبة واحدة من الطعام ، النوم سيكون في الساعة السابعة والاستيقاظ في الرابعة ، محاولة الهرب حكمها الإعدام ، رفض الأوامر أو التلكؤ عنها حكمها الإعدام ، عدم الاستيقاظ قبل مجيء الحرس بفترة كافية مرتان حكمه الإعدام ، أي احتجاج على أمر صادر مني حكمه الإعدام . الاعتراض على أي أمر من حراسي معناه سجن منفرد لمدة يومان وبعدها إعدام . هل هناك أي سؤال ؟.
اهتزت الرؤوس نافية فابتسمت سما ابتسامتها المتوحشة وقالت :
- لنرى إن كنتم استوعبت الدرس جيداً .. أيها العبيد أمركم الآن أن تمشوا على طريق الجمر هذا الآن
امتقعت الوجوه واصفرت واحمرت واخضرت وازرقت ولكن قبل أن ينفذوا ما طلبته منهم سيدتهم الجديدة ارتفع صوت أزيز حاد بصوت مفاجئ فاخترق سهم لولبي فضي اللون كتف سما الأيمن فصرخت بأعلى صوتها فجفل الجميع وارتبك الحرس وتشتت انتباههم لا يعرفون ماذا يفعلون أو إلى أين يتجهون .
تلفتت سما يمنة وشمالاً فاستقرت عيناها جهة أشجار الغابة حيث لمع من بعيد ضوء خافت صادر من مرقاب Renad فأمرت طائفة من الحراس باصطحاب العبيد إلى عنابرهم بينما البقية باصطياد رامي السهم في الغابة القريبة .
كانت الأنظار متجهة كلها ناحية الجزء المشطور من الطائرة وقد بدأ الدخان المتبقي من الحريق في التلاشي ن كانت المشاعر متداخلة في بعضها البعض ما بين خوف وجزع فيما سيحدث وما بين غضب ثائر على الخدعة الكبرى ، حاولت الملكة غادة أن تستعيد سيطرة الموقف قبل أن يفوت الأوان ولكن أوامر A.M.A كانت أسرع من تفكيرها ، انطلقت الجياد تسبقها الرماح في اتجاه الأجساد المتعفنة والهزيلة فاحتار الجمع فيما يمكن عمله فأغمضت غادة عينيها مستسلمة لقدرها ، ولكن الصوت القادم من الخلف كان بمثابة أمل كبير :
- توقف يا A.M.A.. الأرواح الطيبة تأمرك بذلك .
ارتجف A.M.A لدى سماعه هذا الصوت المألوف ، بحث عن مصدر الصوت من بين الأجساد النحيلة فهاله ما رأى ، حاول أن يستعيد بذاكرته إن كان يعرف صاحب هذا الجسد المتعفن والذي يخرج الدود منه بصفة مستمرة ولكنه فشل :
- هل أعرفك .. يا هذا ؟
- هل نسيتني يا A.M.A .. ماذا هل اصبحت زعيم القبيلة الآن ونسيتني ؟
- من ... فاضل ... فاضل الجابر ؟
- هو أنا يا أخي الصغير .. اعتذر لعدم تمكني من احتضانك فما أصابني سينقل لك العدوى في حال لمسك .
- ولكن الساحر يقول أنكما ميتان .. اين هو ؟
- لا اعلم عنه شيئاً .. إنها قصة طويلة .. ولكن أعط جنودك أمر خفض الآسلحة .
- ولكننا نريد النار المقدسة .. هكذا أخبرنا ساحر القبيلة .
تنفست غادة الصعداء وعلمت أن هناك متسع كبير من الأمل فتدخلت في الحوار :
- هل تبحثون عن ناراً معينة أم نار مشتعلة ؟
نظر إليها A.M.A بكثير من الاستغراب :
- وهل تستطيعين اشعال النار .. ساحر قبيلة الشيروكي * لا يستطيع .
ابتسمت غادة ابتسامتها المعهودة وهي تنظر جهة فاضل الجابر بكثير من الامتنان :
- من هذه الناحية اطمئن فنحن نعرف الكثير والكثير .
خطت اشتباه خطواتها الواثقة باتجاه الإمبراطور المهيب والذي جلس على كرسيه مضمداً بالضمادات حول قفصه الصدري بأمر من الطبيب الجديد وهو يكاد يقفز من الشوق في انتظار التهام ما يمكن التهامه من الشكولاته ، وحالما وصلت اشتباه بالقرب من أبو حسام ابتسمت ابتسامة المنتصر وصفقت بكلتا يديها وأمرت الخدم بجلب الصندوق فأسرع الخدم بتلبية الطلب وماهي إلا لحظات والصندوق المثير بين يدي الإمبراطور .
ولكن وقبل أن يتجه الإمبراطور أبو حسام جهة الصندوق ليرتشف رشفة ويقضم قضمة ويبلع بلعة من الشكولانة التي يمني بها نفسها أياماً وليال ، طلب من جنديته المخلصة الاقتراب منه ، ابتسمت اشتباه منية نفسها بقبلة حانية على وجنتيها شكراً وعرفاناً أو منحها وسام الشجاعة الإمبرطوري أو أقلاً تربية على الكتف جزاء بما عملت ، ولكنها حالما وصلت طلب منها أن تفتح فمها ، خجلت اشتباه من هذا الطلب الغريب خاصة أن الإمبراطور سيطلع على أسنانها المنخورة والتي يقدر عددها بثلاثة أسنان متهالكة فحاولت التملص من هذا الطلب المحرج بإن ابتسمت إبتسامة باهتة ولكن الإمبراطور اصر على طلبه الغريب فما كان من الجندية المخلصة إلا أن امتثلت محرجة لأوامر سيدها .
ما أن فتحت اشتباه فمها حتى قرب أبو حسام منه وأخذ يتشمم بدقة ما يحتويه هذا الفم من روائح ، لحظة وكأنها صاعقة خاطفة كانت يده التي صفعت خد الجندية المذهولة مما يجري ، صفعة أعقبتها ركلة في الخاصرة تلتها رفسة على الوجه مما جعل الدماء تتدفق من خلال الأسنان والأنف . نظرت اشتباه جهة سيدها ومولاها الذي أحمر وجهه من الغضب :
- أيتها الخائنة .
حاولت اشتباه أن تلملم الكلمات ولكنها فشلت فتدخل سنابسي الهوى محاولاً تهدئة الأمر :
- ماذا حدث يا مولاي ؟
نظر إليه أبو حسام بكثير من الغضب لدرجة أن المهرج العجوز تراجع خطوات :
- أسالها .. ماذا فعلت بالشوكلاتة ؟
- ولكنك لم تنظر إلى الصندوق .. كيف عرفت ؟
- لقد شممت فمها .. الخائنة لقد تذوقت من الشكولاتة ولا اعرف كم من الكمية أخذت منه
حاولت أن تنطق بعض الجمل المبعثرة ولكنها فشلت :
- لحوس .. طاير .. على
- هل رأيت يا سنابسي الهوى هاهي تعترف... لحوس على الطاير
- كنت .خائفة أن يكون مسمماً من قبل المنبوذين
ضحك الإمبراطور ضحكته المجلجلة :
- بالفعل اضحكتني ... ( علينا هالحركات ) هل تظنين أنني غبي لأتناول شيئاً قبل أن أتأكد من سلامته .. لقد جهزت أحد المحكومين عليهم بالإعدام ليتذوق هذا اللحوس فهو ميت على كل حال سواء كان مسموماً أم غير مسموم .
سكت الإمبراطور بكمية من الغضب الثائر فغصت اشتباه بمرارتها وأيقنت مصيرها المحتوم :
- لو كان أحمد علي هنا لجعلته ( يراويك شغلك يا خائنة ) ولكن سأعلمك الأدب حتى يصل حارسي الأمين ... يا سنابسي الهوى
ارتبك مهرج الإمبراطور والذي لم يتشافى من جراحه عند سماع اسمه فتلعثم هو الأخر وحار فيما يجب عمله ولكنه لبى نداء سيده ومولاه ومعتمده ورجاه .
- نعم مولاي الإمبراطور .
- خذ هذه الخائنة برفقة الحرس إلى السجن الانفرادي حتى يصل حارسي الأمين ويرسلها بنفسه إلى منجم الفحم
حاولت اشتباه أن تستنجد بمن حولها أو ترتمي عند قدمي سيدها ولكنها فشلت في ذلك فقد ضاع صوتها وحل البلغم الكثيف مكانه وشلت قدرتها على الحركة فتشنجت عضلات وجهها وزاغت عيونها و أحولت فسلمت مصيرها واستسلمت له .
كان هو اليوم الأول لسماهر في تلقي دروسها الجديدة حول فنون الخدمة على يد معلمتها بَعْـثَرَة .., استطاعت المعلمة أن تفرض شخصيتها الجادة على التلميذة الجديدة فما أن وصلت متأخرة إلى خيمة التعليم حتى نظرت إليها شزراً وطلبت منها الوقوف عند باب الخيمة على رجل واحدة لمدة ساعة ، لم تتعود سماهر هذه المعاملة القاسية من قبل فرغم كسلها وحبها للنوم إلا أن معلميها في أكاديمية الطيران قسم الضيافة كانوا دائماً يعاملونها معاملة خاصة ( بسبب وضع والدها الاجتماعي كرجل أعمال فهي دخلت هذا المجال بالواسطة بينما كان معدلها في الثانوية لا يؤهلها للدخول في أي مجال في الجامعة ) ، لم تستطع سماهر إلا أن تستجيب لنظرات السيدة الأولى في مجال الضيافة والخدمة والإغراء الآمرة لها بهذا العقاب ، صمدت حوالي سبع دقائق من الوقوف على رجل واحدة وبعد ذلك بدأت العضلات تصاب بنوع من التشنج ، تصفد العرق البلوري حول جيدها ورقبتها ، رفعت يدها مقاطعة الدرس الذي تشرحه بَعْـثَرَة .., باسهاب ، نظرت إليها المعلمة قليلاً :
- ماذا ؟
- لا أقصد المقاطعة ... هل يمكن أن أبدل رجلي ؟ لأن ......
- لا
قالت جملتها ونظرت تجاه الجواري التلميذات وقالت :
- أين وصلنا ... نعم كنا نتكلم حول واجبات الجارية تجاه مخدومتها ...
- ولكني تعبت ولا أستطيع الصمود
قالت سماهر مقاطعة من جديد لشرح المعلمة التي بدأت تستشيط غضباً ، اقتربت منها قليلاً وابتسمت ابتسامة باهتة وشدت شعر تلميذتها ( الدلوعة ) بكل قوة حتى صرخت على أثره من شدة الألم :
- لا تستطيعين الصمود هه ؟
- لم أكن أقصد ...
- يا ترى لو كنت وقعت تحت رحمة أبو حسام الذي سيستعبدك بلا شك ويجعلك متعة له ولرجاله ويطلب منك خدمته طوال 24 ساعة ، ينتهي منك هو ويستلمك رجاله من بعده حتى ينتهي بك الأمر في المطبخ الإمبراطوري تصاحبك جميع الأمراض الجنسية المعدية .. ماذا كنت ستفعلين ؟ هل تصمدين ؟ لا تتكلمي عن الصمود بهذه الطريقة .. نفذي ما أمرك به وإلا سوف تندمين على مقاطعتي في حال تكرار ذلك .
ساعة كاملة استطاعت خلالها أن تصمد وهي واقفة على رجل واحدة ، بل أكثر من ذلك كانت تتفاعل مع معلمتها في المشاركات فقد كانت ترفع يدها كلما عرفت إجابة لسؤال ما . ابتسمت بَعْـثَرَة .., برضا عن طالبتها بعدما وجدتها استوعبت الدرس جيداً فطلبت منها أن ترخي عضلاتها قليلاً والمشي في الخيمة قليلاً ومن ثم الجلوس .
في المقابل كان jawad جالساً على الأريكة وحوله ثلاثة جواري يقمن بخدمته ، واحدة تدلك ظهره ، والثانية تسرح شعره ، والثالثة تجهز له رأس المعسل وتهف على النار كلما استدعت الحاجة مع ضحكات مملوءة بالغنج من هنا وهناك ، للحظات كثيرة كان jawad يقرص جلده بين لحظة وأخرى كلما سمع ضحكة أحداهن أو تحركت أمامه أخرى فقد ظن نفسه بلا شك في حلم أو أنه بسبب طيبة قلبه قد دخل الجنة ، ولكن على أي عمل ؟ ليته كان يتذكر ما جرى له فقد انمحت الصورة من ذاكرته حتى كاد أن ينسى اسمه وإن كانت هناك بعض الصورة المضيئة تأتي له وتختفي بسرعة ..
دخلت مساعدة القائدة العامة ريان لتجد ( سي السيد ) متربعاً على كرسيه الوثير فابتسمت ابتسامة متوحشة واطمأنت أن كل شيء يسير على ما يرام ، خرجت من الخيمة وتوجهت ناحية الخندق ، أدت الحارسة التحية لها بإجلال كبير فردت التحية بإيماءة منها وطلبت فتح البوابة لتطمئن على الوشق .
ما أن اقتربت ريان من القفص المقدس حتى زأر الوشق بصوته المبحوح وقفز ناحية القضبان يريد التهام فريسته ، جفلت الفارسة الشجاعة من هذا المنظر فجثت على رجليها تحية واحتراماً لهذا الحيوان المقدس .
- لا بأس عليك يا سيدي ، الأضحية سوف تكون جاهزة لك خلال اليومين القادمين فصبراً جميلاً
زأر الوشق كمن صبره قد نفذ فخشعت ريان لصوته المقدس .
يتبع
* قبيلة الشيروكي : قبيلة من سكان امريكا الأصليين
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة : الفنانة الصاعدة بَعْـثَرَة ..,
عند أول وصولهم إلى منجم الفحم تجمع العبيد في صف واحد ينتظرون ما سوف تسفر لهم الأمور مع قائدة المنجم سما التي وضعت أصابعها الضخمة بين خصلات شعرها الذهبية وهي الخصلات الوحيدة المتبقية لها بعد عوامل التعرية التي اصابتها بفعل تسمم اشعاعي صادر بالقرب من المنجم والتي اخفتها بقبعة عسكرية ماعدا تلكم الخصلات. طلبت منهم الوقوف على رجل واحدة مع رفع اليدين إلى أعلى ، ما أن سمع أحمد علي هذه الأوامر بلع ريقه وحمد ربه أنه يعمل لدى أبو حسام الذي يعتبر ( من وجهة نظره ) ملاكاً رحيماً بالمقارنة مع هذه المتجبرة المتكبرة وعلم أن العبيد لن يمر يومهم على خير . مرت ساعاتان من وقوف العبيد بالطريقة التي أمرت بها سما وعندما وجدت أن الإعياء قد بدا على وجوههم الحزينة أمرت الحراس بإشعال الفحم فارتعب الجميع لا سيما الكابت izaq الذي تصبب العرق من جبينه المخضر بسبب عفن الخبز الذي بدأ ينتشر على بقية أجزاء جسمه فحاول أن يستدر عطف رئيسة المنجم بأن يرتمي عند رجليها كما فعل زهدي مع الإمبراطور ففعل ما جال في خاطره ولكن قبل أن يتسنى له أن يتكلم جاءته رفسة من أحد الحراس في خاصرته اليمنى ومن ثم اليسرى من قدم أخر وتوالت الركلات من جميع الاتجاهات و izaq يصرخ ويتلوى بدون فائدة تذكر ، وعندما هدأت حركته وخف أنينه وغاب عن الوعي جره الحراس وعلقوه من رجليه وأخذوا من جلده بواسطة حبالٍ من المسامير فكان يستيقظ من إغماءته ليعود إليها وهو يصرخ بكل ما يملك من قوة .
وبعد أن انتهى الحرس من تعذيبهم لـ izaq جروه بكل قسوة ورموه عند رجلي سما التي ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت له :
- هل كنت تريد شيئاً أيها العبد ؟
هز izaq رأسه بصعوبة نافياً إن كان يطلب شيئاً فأمرته بالوقوف بين زملاءه العبيد فأمتثل الكابتن صاحب الشعر الحرير لأوامر سيدته وقام مترنحاً من مكانه يحاول جاهداً الوقوف ولكنه سقط فما كان من سما إلا أن عالجته بسوطها ذو الثلاث شعب فانتفض izaq من مكانه وأسرع يجر الخطى حتى استطاع أن يقف على رجليه ما بين صديقيه الجديدين نسيم الذي شحب لونه حتى أصبح كرجل عجوز وما بين بحراوي الذي تغيرت ألوانه ونسي كل ما حوله .نظرت سما إليهم وصرخت بأعلى صوتها حتى اهتزت الأشجار القيبة منهم ومعها قلب أحمد علي الذي انسحب رويداً رويداً قبل أن تنسى نفسها وتنكل به هو الآخر ، وبعد صرختها الجبارة ابتسمت ابتسامة خفيفة :
- من يحاول أن يستبهم ويستغبي ويستعبط علينا سيكون جزاءه مثل هذا الغبي أو أكثر .
امتقع وجه izaq عندما أشارت إليه وحار في أمره هل يبتسم أم يطرق برأسه أرضاً أم يلوح بيده مرحباً أم يرفع عينيه جهة الأعلى كأن الأمر لا يعنيه ولكن كلمات سما الصاعقة أنسته ما جال في خاطره من حيرة :
- أنتم هنا عبيد .. تعملون من الصباح الباكر وحتى غروب الشمس ، لكم وجبة واحدة من الطعام ، النوم سيكون في الساعة السابعة والاستيقاظ في الرابعة ، محاولة الهرب حكمها الإعدام ، رفض الأوامر أو التلكؤ عنها حكمها الإعدام ، عدم الاستيقاظ قبل مجيء الحرس بفترة كافية مرتان حكمه الإعدام ، أي احتجاج على أمر صادر مني حكمه الإعدام . الاعتراض على أي أمر من حراسي معناه سجن منفرد لمدة يومان وبعدها إعدام . هل هناك أي سؤال ؟.
اهتزت الرؤوس نافية فابتسمت سما ابتسامتها المتوحشة وقالت :
- لنرى إن كنتم استوعبت الدرس جيداً .. أيها العبيد أمركم الآن أن تمشوا على طريق الجمر هذا الآن
امتقعت الوجوه واصفرت واحمرت واخضرت وازرقت ولكن قبل أن ينفذوا ما طلبته منهم سيدتهم الجديدة ارتفع صوت أزيز حاد بصوت مفاجئ فاخترق سهم لولبي فضي اللون كتف سما الأيمن فصرخت بأعلى صوتها فجفل الجميع وارتبك الحرس وتشتت انتباههم لا يعرفون ماذا يفعلون أو إلى أين يتجهون .
تلفتت سما يمنة وشمالاً فاستقرت عيناها جهة أشجار الغابة حيث لمع من بعيد ضوء خافت صادر من مرقاب Renad فأمرت طائفة من الحراس باصطحاب العبيد إلى عنابرهم بينما البقية باصطياد رامي السهم في الغابة القريبة .
كانت الأنظار متجهة كلها ناحية الجزء المشطور من الطائرة وقد بدأ الدخان المتبقي من الحريق في التلاشي ن كانت المشاعر متداخلة في بعضها البعض ما بين خوف وجزع فيما سيحدث وما بين غضب ثائر على الخدعة الكبرى ، حاولت الملكة غادة أن تستعيد سيطرة الموقف قبل أن يفوت الأوان ولكن أوامر A.M.A كانت أسرع من تفكيرها ، انطلقت الجياد تسبقها الرماح في اتجاه الأجساد المتعفنة والهزيلة فاحتار الجمع فيما يمكن عمله فأغمضت غادة عينيها مستسلمة لقدرها ، ولكن الصوت القادم من الخلف كان بمثابة أمل كبير :
- توقف يا A.M.A.. الأرواح الطيبة تأمرك بذلك .
ارتجف A.M.A لدى سماعه هذا الصوت المألوف ، بحث عن مصدر الصوت من بين الأجساد النحيلة فهاله ما رأى ، حاول أن يستعيد بذاكرته إن كان يعرف صاحب هذا الجسد المتعفن والذي يخرج الدود منه بصفة مستمرة ولكنه فشل :
- هل أعرفك .. يا هذا ؟
- هل نسيتني يا A.M.A .. ماذا هل اصبحت زعيم القبيلة الآن ونسيتني ؟
- من ... فاضل ... فاضل الجابر ؟
- هو أنا يا أخي الصغير .. اعتذر لعدم تمكني من احتضانك فما أصابني سينقل لك العدوى في حال لمسك .
- ولكن الساحر يقول أنكما ميتان .. اين هو ؟
- لا اعلم عنه شيئاً .. إنها قصة طويلة .. ولكن أعط جنودك أمر خفض الآسلحة .
- ولكننا نريد النار المقدسة .. هكذا أخبرنا ساحر القبيلة .
تنفست غادة الصعداء وعلمت أن هناك متسع كبير من الأمل فتدخلت في الحوار :
- هل تبحثون عن ناراً معينة أم نار مشتعلة ؟
نظر إليها A.M.A بكثير من الاستغراب :
- وهل تستطيعين اشعال النار .. ساحر قبيلة الشيروكي * لا يستطيع .
ابتسمت غادة ابتسامتها المعهودة وهي تنظر جهة فاضل الجابر بكثير من الامتنان :
- من هذه الناحية اطمئن فنحن نعرف الكثير والكثير .
خطت اشتباه خطواتها الواثقة باتجاه الإمبراطور المهيب والذي جلس على كرسيه مضمداً بالضمادات حول قفصه الصدري بأمر من الطبيب الجديد وهو يكاد يقفز من الشوق في انتظار التهام ما يمكن التهامه من الشكولاته ، وحالما وصلت اشتباه بالقرب من أبو حسام ابتسمت ابتسامة المنتصر وصفقت بكلتا يديها وأمرت الخدم بجلب الصندوق فأسرع الخدم بتلبية الطلب وماهي إلا لحظات والصندوق المثير بين يدي الإمبراطور .
ولكن وقبل أن يتجه الإمبراطور أبو حسام جهة الصندوق ليرتشف رشفة ويقضم قضمة ويبلع بلعة من الشكولانة التي يمني بها نفسها أياماً وليال ، طلب من جنديته المخلصة الاقتراب منه ، ابتسمت اشتباه منية نفسها بقبلة حانية على وجنتيها شكراً وعرفاناً أو منحها وسام الشجاعة الإمبرطوري أو أقلاً تربية على الكتف جزاء بما عملت ، ولكنها حالما وصلت طلب منها أن تفتح فمها ، خجلت اشتباه من هذا الطلب الغريب خاصة أن الإمبراطور سيطلع على أسنانها المنخورة والتي يقدر عددها بثلاثة أسنان متهالكة فحاولت التملص من هذا الطلب المحرج بإن ابتسمت إبتسامة باهتة ولكن الإمبراطور اصر على طلبه الغريب فما كان من الجندية المخلصة إلا أن امتثلت محرجة لأوامر سيدها .
ما أن فتحت اشتباه فمها حتى قرب أبو حسام منه وأخذ يتشمم بدقة ما يحتويه هذا الفم من روائح ، لحظة وكأنها صاعقة خاطفة كانت يده التي صفعت خد الجندية المذهولة مما يجري ، صفعة أعقبتها ركلة في الخاصرة تلتها رفسة على الوجه مما جعل الدماء تتدفق من خلال الأسنان والأنف . نظرت اشتباه جهة سيدها ومولاها الذي أحمر وجهه من الغضب :
- أيتها الخائنة .
حاولت اشتباه أن تلملم الكلمات ولكنها فشلت فتدخل سنابسي الهوى محاولاً تهدئة الأمر :
- ماذا حدث يا مولاي ؟
نظر إليه أبو حسام بكثير من الغضب لدرجة أن المهرج العجوز تراجع خطوات :
- أسالها .. ماذا فعلت بالشوكلاتة ؟
- ولكنك لم تنظر إلى الصندوق .. كيف عرفت ؟
- لقد شممت فمها .. الخائنة لقد تذوقت من الشكولاتة ولا اعرف كم من الكمية أخذت منه
حاولت أن تنطق بعض الجمل المبعثرة ولكنها فشلت :
- لحوس .. طاير .. على
- هل رأيت يا سنابسي الهوى هاهي تعترف... لحوس على الطاير
- كنت .خائفة أن يكون مسمماً من قبل المنبوذين
ضحك الإمبراطور ضحكته المجلجلة :
- بالفعل اضحكتني ... ( علينا هالحركات ) هل تظنين أنني غبي لأتناول شيئاً قبل أن أتأكد من سلامته .. لقد جهزت أحد المحكومين عليهم بالإعدام ليتذوق هذا اللحوس فهو ميت على كل حال سواء كان مسموماً أم غير مسموم .
سكت الإمبراطور بكمية من الغضب الثائر فغصت اشتباه بمرارتها وأيقنت مصيرها المحتوم :
- لو كان أحمد علي هنا لجعلته ( يراويك شغلك يا خائنة ) ولكن سأعلمك الأدب حتى يصل حارسي الأمين ... يا سنابسي الهوى
ارتبك مهرج الإمبراطور والذي لم يتشافى من جراحه عند سماع اسمه فتلعثم هو الأخر وحار فيما يجب عمله ولكنه لبى نداء سيده ومولاه ومعتمده ورجاه .
- نعم مولاي الإمبراطور .
- خذ هذه الخائنة برفقة الحرس إلى السجن الانفرادي حتى يصل حارسي الأمين ويرسلها بنفسه إلى منجم الفحم
حاولت اشتباه أن تستنجد بمن حولها أو ترتمي عند قدمي سيدها ولكنها فشلت في ذلك فقد ضاع صوتها وحل البلغم الكثيف مكانه وشلت قدرتها على الحركة فتشنجت عضلات وجهها وزاغت عيونها و أحولت فسلمت مصيرها واستسلمت له .
كان هو اليوم الأول لسماهر في تلقي دروسها الجديدة حول فنون الخدمة على يد معلمتها بَعْـثَرَة .., استطاعت المعلمة أن تفرض شخصيتها الجادة على التلميذة الجديدة فما أن وصلت متأخرة إلى خيمة التعليم حتى نظرت إليها شزراً وطلبت منها الوقوف عند باب الخيمة على رجل واحدة لمدة ساعة ، لم تتعود سماهر هذه المعاملة القاسية من قبل فرغم كسلها وحبها للنوم إلا أن معلميها في أكاديمية الطيران قسم الضيافة كانوا دائماً يعاملونها معاملة خاصة ( بسبب وضع والدها الاجتماعي كرجل أعمال فهي دخلت هذا المجال بالواسطة بينما كان معدلها في الثانوية لا يؤهلها للدخول في أي مجال في الجامعة ) ، لم تستطع سماهر إلا أن تستجيب لنظرات السيدة الأولى في مجال الضيافة والخدمة والإغراء الآمرة لها بهذا العقاب ، صمدت حوالي سبع دقائق من الوقوف على رجل واحدة وبعد ذلك بدأت العضلات تصاب بنوع من التشنج ، تصفد العرق البلوري حول جيدها ورقبتها ، رفعت يدها مقاطعة الدرس الذي تشرحه بَعْـثَرَة .., باسهاب ، نظرت إليها المعلمة قليلاً :
- ماذا ؟
- لا أقصد المقاطعة ... هل يمكن أن أبدل رجلي ؟ لأن ......
- لا
قالت جملتها ونظرت تجاه الجواري التلميذات وقالت :
- أين وصلنا ... نعم كنا نتكلم حول واجبات الجارية تجاه مخدومتها ...
- ولكني تعبت ولا أستطيع الصمود
قالت سماهر مقاطعة من جديد لشرح المعلمة التي بدأت تستشيط غضباً ، اقتربت منها قليلاً وابتسمت ابتسامة باهتة وشدت شعر تلميذتها ( الدلوعة ) بكل قوة حتى صرخت على أثره من شدة الألم :
- لا تستطيعين الصمود هه ؟
- لم أكن أقصد ...
- يا ترى لو كنت وقعت تحت رحمة أبو حسام الذي سيستعبدك بلا شك ويجعلك متعة له ولرجاله ويطلب منك خدمته طوال 24 ساعة ، ينتهي منك هو ويستلمك رجاله من بعده حتى ينتهي بك الأمر في المطبخ الإمبراطوري تصاحبك جميع الأمراض الجنسية المعدية .. ماذا كنت ستفعلين ؟ هل تصمدين ؟ لا تتكلمي عن الصمود بهذه الطريقة .. نفذي ما أمرك به وإلا سوف تندمين على مقاطعتي في حال تكرار ذلك .
ساعة كاملة استطاعت خلالها أن تصمد وهي واقفة على رجل واحدة ، بل أكثر من ذلك كانت تتفاعل مع معلمتها في المشاركات فقد كانت ترفع يدها كلما عرفت إجابة لسؤال ما . ابتسمت بَعْـثَرَة .., برضا عن طالبتها بعدما وجدتها استوعبت الدرس جيداً فطلبت منها أن ترخي عضلاتها قليلاً والمشي في الخيمة قليلاً ومن ثم الجلوس .
في المقابل كان jawad جالساً على الأريكة وحوله ثلاثة جواري يقمن بخدمته ، واحدة تدلك ظهره ، والثانية تسرح شعره ، والثالثة تجهز له رأس المعسل وتهف على النار كلما استدعت الحاجة مع ضحكات مملوءة بالغنج من هنا وهناك ، للحظات كثيرة كان jawad يقرص جلده بين لحظة وأخرى كلما سمع ضحكة أحداهن أو تحركت أمامه أخرى فقد ظن نفسه بلا شك في حلم أو أنه بسبب طيبة قلبه قد دخل الجنة ، ولكن على أي عمل ؟ ليته كان يتذكر ما جرى له فقد انمحت الصورة من ذاكرته حتى كاد أن ينسى اسمه وإن كانت هناك بعض الصورة المضيئة تأتي له وتختفي بسرعة ..
دخلت مساعدة القائدة العامة ريان لتجد ( سي السيد ) متربعاً على كرسيه الوثير فابتسمت ابتسامة متوحشة واطمأنت أن كل شيء يسير على ما يرام ، خرجت من الخيمة وتوجهت ناحية الخندق ، أدت الحارسة التحية لها بإجلال كبير فردت التحية بإيماءة منها وطلبت فتح البوابة لتطمئن على الوشق .
ما أن اقتربت ريان من القفص المقدس حتى زأر الوشق بصوته المبحوح وقفز ناحية القضبان يريد التهام فريسته ، جفلت الفارسة الشجاعة من هذا المنظر فجثت على رجليها تحية واحتراماً لهذا الحيوان المقدس .
- لا بأس عليك يا سيدي ، الأضحية سوف تكون جاهزة لك خلال اليومين القادمين فصبراً جميلاً
زأر الوشق كمن صبره قد نفذ فخشعت ريان لصوته المقدس .
يتبع
* قبيلة الشيروكي : قبيلة من سكان امريكا الأصليين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق