الخميس، 23 سبتمبر 2010

جزر الغمو ض- 6





الوجوده الجديدة في هذه الحلقة

مالك القلاف
سما
A.M.A
ميلاد

تحرك طابور العبيد ببطء شديد متجهاً إلى منجم الفحم وهم في حالة شديدة من الحزن والتعب والإحباط وخصوصاً نسيم المصدوم في صديق عمره والذي لم يتوقع منه هذا التصرف الأناني فدمعت عيناه وتشنج وجهه وأخذت بياض عيناه وسوادهما تدوران كالأرض حول الشمس ولكن بدون تركيز أو عقل واعٍ ، حتى سقط على الأرض فما كان من أحمد علي الحارس المتابع لهم إلا أن أسقط سوطه الطويل والمصنوع من الجلد الطبيعي على ظهر نسيم الذي لم يشعر بالألم بسبب مصابه النفسي ، أستمرالحارس الصلب بضرب الحلاق خائر القوى بدون رحمة بل كان يزداد قسوة كلما شعر بالصمت المطبق منه فثارت ثائرته وأزبد فمه ولمعت عينه اليسرى ببريق متوحش .
كان بحراوي متقوقعاً على نفسه في أفكاره وخيالاته بسبب فقدانه زوجته الحبيبة zamob والذي شعر بظلام سرمدي يحل على روحه ولكنه أفاق عندما سمع آهات أحمد علي المنتشية بضربه للحلاق المسكين الذي بدأ يفقد صوابه ويضحك ويبكي في آن واحد فما كان من العريس الجديد إلا أن تغلب على حزنه واستجمع شجاعته واندفع ناحية الحارس المتوحش وانقض عليه فسقطا أرضاً ، وقبل أن يتحرك بحراوي من مكانه عالجه الحارس بضربة من شماله سقط على أثرها العريس الجديد مغشياً عليه .

منجم الفحم الداخل فيه مفقود كما يقولون وإلى الآن لم يخرج منه أحد سوى الميتون ، وعلى ذكر الموت كانت هناك محاولة واحدة لم تتكرر في الهروب من هذا المنجم رجل اسمه مالك القلاف وذلك عن طريق إدعاءه الموت بعد أن استطاع أن يشرب محلولاً مكوناً من الفحم الحجري وبعض الأعشاب التي تنبت على أطراف المنجم مما جعله يصاب بشلل مؤقت ، وتم رميه في المزبلة على أنه ميت ولكن بعد ساعات اكتشف الحراس الخدعة ، حاولوا مطاردته ولكن مالك الذي اشتهر بالسرعة الفائقة وصل إلى جزيرة الثوار حيث انضم إليهم بدون صعوبة ، منذ هذه الحادثة أي رجل يموت أو يدعي الموت لابد أن تخترق السهام جميع أجزاء جسمه .

القائدة المسئول عن المنجم امرأة بغيضة المنظر ، ضخمة الجثة اسمها سما ، يرتعد الرجال عند ذكر أسمها ، اشتهرت بالقسوة البالغة وحدة الذكاء واللؤم ، ولذلك فقد كان أبو حسام خائفاً منها كثيراً رغم محاولاتها الحثيثة للزواج منه ، فامرأة مثلها لا يمكن الاطمئنان لها فعينها المسؤولة عن المنجم ، فما كان منها حالما تسلمت المسؤولية إلا أن نكلت بالمسؤول السابق للمنجم وعائلته أشد التنكيل ، كانت سما مثل اسمها ليس لها حدود في البطش .

الصواعق البرمودية ، صواعق لا مثيل لها ، تفوق قوتها مئات المرات صواعق الأرض ، ولكن ما يميزها هو تعدد ألوانها فمرة خضراء وأخرى زرقاء وهكذا مع بقية الألوان لدرجة أنه أصبح لكل لون مسمى في عرف الجزر البرمودية وإن اختلف بعضها في التسمية من جزيرة إلى أخرى . فالصواعق الخضراء تسمى (غشيش ) بسبب أن هذا النوع من الصواعق لا يحمل معه إلا الضوء والنار ولكن لا يصاحبه أي مطر فرؤيته لأول من يراه يظن أن المطر سوف يحل قريباً ولكن الصواعق تستمر في جنونها بدون فائدة ترتجي .
أما الصواعق البنفسجية – المحمرة فتسمى عند جزيرة الإمبراطور ( الحسام ) نسبة إلى إمبراطورها العظيم أبو حسام بينما في جزيرة الثوار فتسمى ( خراطة ) وهي تنسب أيضاً إلى أبوحسام بينما الأمازونيات فيطلقون على هذا النوع من الصواعق اسم ( الوشق ) رمز سيادتهم .

صواعق هذا الوقت من السنة تشتهر بلونها الأصفر ومعظم من في الجزر يتشاءمون منها بسبب لونها الأصفر الذي يدل على الموت عدا أهل جزيرة المنبوذين الذين يعشقون لونها فهي تذكرهم بلون أجسادهم الصفراء الذابلة وهاهي الآن قد تكون مفتاحاً لسر نجاتهم بعد سنين طويلة من الذل والهوان .
ضربت الصواعق الصفراء السماء بكل جبروت يصاحبها صوت الرعد المرعب ، كانت كثافة الصواعق كبيرة جداً ربما لم يعهدها أحد من قبل من قاطني برمودا أو ربما تخيل سكان جزيرة المنبوذين ذلك بسبب تعلقهم الشديد بما تقوله ملكتهم غادة . عموماً كانت العيون متجهة إلى أعلى الجبل تنتظر أن تضرب الصاعقة ذلك الجسد المشوه والغائب في عالم الغيبوبة ولم يلتفت الجميع لوقع الحوافر القادمة بحذر شديد إلا بعد أن وقفت على رؤوسهم . كانت مفاجأة مرعبة عندما نظرت ملكة المنبوذين إلى أصحاب الخيول البرية بدون سرج ، كانت نظراتهم المرعبة توحي بقدوم خطب جسيم .

تقدم كبيرهم بخطوات واثقة من فوق الجواد المخطط بألوان متداخلة بين بني وأبيض رغم كتلة السواد الكبيرة التي تحيط برقبته ، ظهرت ملامح الرجل الذي كان يشبه حصانه فقد صبغ وجهه بنفس الألوان ووضع فوق رأسه ريشة يزينها مخلب نسر . نظر الرجل المرعب تجاه المنبوذين نظرة ازدراء بكثير من الوحشية ، كانت هي المرة الأولى في حياة المنبوذين التي يرون فيها هؤلاء الرجال ولذلك فقد انكمش الجميع حول الملكة . من خلال هذه الحركة الغريزية قدر الرجل القائد أن هذه المرأة التي تشبه الساحرات هي ملكة أو قائدة القوم وبحركة سريعة وجه رمحه إليها حتى قارب ذقنها :
- أين كتلة النار ؟
ارتبكت غادة لدى سماع صوته والذي يشبه فحيح الأفعى ولكنها تمالكت نفسها وأجابت بكل هدوء ظاهر :
- لا أعلم عم تتحدث يا سيدي ؟
نظر إليها بعيونه الثاقبة كعيون النسر ليعلم مدى خداع هذه الساحرة :
- لا أحد يستطيع خداع A.M.A. أنتِ تعلمين ماذا أعني ، كتلة النار الساقطة من السماء ، كلنا رأيناها ، الأرواح الطيبة أخبرتنا عنها ، قولي لنا أين أخفيتم النار المقدسة وإلا قطعنا رقابكم في الحال .
حالما سمعت ملكة المنبوذين هذا التهديد الخطير ولمحها الرماح الطويلة والتي شهرها رجال A.M.A لاختراق صدورهم أخذ عقلها بما أوتي من حكمة وسرعة بديهة بالتفكير العميق بسرعة متناهية فابتسمت ابتسامتها العريضة مبينة أسنانها الصفراء المسودة المتفرقة :
- آه .. قصدك كتلة الحديد المشتعلة والتي سقطت من السماء مساء أمس . ما بها ؟
- أين هي ؟
- في الجهة الأخرى . ولكنها انطفأت .
- كاذبة
قال كلمته الأخيرة وهو يصر على أسنانه ناصعة البياض ثم أردف :
- لا يمكن أن تخطئ الأرواح الطيبة .
- إن كنت تريد أن ترى حقيقة ما أخبرك به فيسعدني ذلك .
- إن كنتِ تفكرين بخداع A.M.A فأنتِ تحلمين .
- ليس هناك أي خداع . سوف أرسل بعض من رجالي معكم وسيريكم الكتلة التي تتحدث عنها .
صمت A.M.A قليلاً وهو يفكر بكلام الساحرة ذات الوجه الأصفر والمصبوغ بألوان متعددة :
- لا ... سوف تذهبون جميعكم معنا .. أي خدعة منكم .. ستلاقون مصيراً أسوداً .
بلعت غادة ريقها بصعوبة ونظرت تجاه أعلى الجبل بحسرة كبيرة ، فهاهي الأقدار تقف حاجزاً في معرفة ما سوف يحصل للمنقذة الحلم ، مباشرة أمرت قومها بالاستعداد للرحيل ناحية بقايا الطائرة .


وعلى غير بعيد كان وجه ابوحسن مصفراً بدرجة أصفر فاقع من أثر الكرة التي رماها عليه فاضل الجابر .. شعر وكأنه بدأ يفقد شجاعته المعروفة عنه وما زاد من الطين بلة هو التعرق الشديد الذي أصابه على حين غرة فأصبح وكأنه قطعة قماش مغرورقة بالماء فشعر بالخوف الشديد وتيقن بالهلاك فأخذ يبكي وينتحب . لحظات قليلة وجسمه بدأ في الارتعاش والحمى وكميات كبيرة من المخاط واللعاب تسيل من فمه الكبير لحظات وابوحسن يسقط كما الجثة الهامدة .
نظر ابو قدس لأخية ومساعده وقد رفض أن يستوعب أن هذا الرجل صاحب الجثة الضخمة والأنف الكبير يموت كرعديد صغير فما كان منه إلا أن حزن حزناً شديداً فشق الجيوب وعفر الخدود ووضع وجهه في الرمال حزناً وخزياً على ما جرى وهو يفكر فيما سوف يقوله لملكتهم .


أخذت ~ زمردة ~ نفساً عميقاً ومسحت بعض الدموع المتطافرة بفعل تقشير البصل ثم عطست عطسة أطارت القشور المتناثرة فسقطت بجانب بتول التي كانت تنظر إليها ضاحكة تنتظرها كي تنتهي من التقشير لتلعب بها . تمنت ~ زمردة ~ ألا ينتهي التقشير إلا بعد أن تنام هذه الضخمة ولكن هيهات فقد كانت عيون بتول التي بدون رموش محملقة وبشدة في قشارة البصل رغم محاولات أمها همس 2007 لثنيها عن الجلوس هكذا وحضها على اللعب بالقرب إلا أن الصغيرة الضخمة أبت أن تتحرك من مكانها .
ساعات والبصل قد نفد فارتعبت ~ زمردة ~ لما قد يحصل وقد حصل ، تقدمت منها بتول وضمتها بشدة فكاد أن يغمى على الأولى من رائحة العرق النفاذ فحاولت الخلاص منها ولكن بدون فائدة . سمعت بتول أمها تناديها للنوم فأجبت بصوت جهوري :
- حسن .. سأخذ دبدوبي معي .
لم يكن الدبدوب سوى ~ زمردة ~ التي غصت وشهقت وذرفت الدموع وعلمت أن ليلتها لن تمر بخير وهاهي في حضن بتول تتجرع وتستنشق .

و بالقرب من المطبخ كانت هناك خيمة زرقاء تنتصب عالياً فوق ربوة صغيرة ، بداخل هذه الخيمة كانت زينب عبدالله مستغرقة في غيبوبتها بسبب الجرح الذي ألم بها أثناء العاصفة ، فجأة فتحت المضيفة الحسناء عينيها ،حاولت أن تستوعب المكان الذي هي فيه ولكن الصداع كان رهيباً ، شعرت أنها بحاجة لبعض الحبوب المسكنة ، طافت بعينيها نصف دورة فوجدت بعض الأغراض المتناثرة فوق بعضها البعض ، لمحت حقيبتها الصغيرة وعلى الفور تذكرت بعض الحبوب التي تحتفظ بها لوقت الحاجة .
سحبت زينب عبدالله نفسها بصعوبة جهة الحقيبة حتى استطاعت أن تلتقطها من تلة الأغراض المتناثرة . فتحت الحقيبة بلهفة ووجدت ضالتها من الأدوية المتنوعة وبدون ماء بلعت حبتين متتاليتين من الأسبرين . أغمضت عينيها قليلاً لتستجمع بعض من التركيز فيما جرى لها وأين هي بالضبط ، لحظة ما وتذكرت هاتفها المحمول وبالفعل وجدته في الجيب السفلي من الحقيبة ، ضغطت زر التشغيل حتى يتسنى لها الاتصال ولكن الجهاز لم يعمل . فتحت الغطاء الخارجي لتتأكد من وجود البطارية فقد كانت متيقنة أنها أعادت شحنه قبل إغلاقه عند بداية هذه الرحلة المشئومة ، وجدت البطارية في مكانها فاحتارت في أمرها . وفجأة أتاها ذلك الصوت الصادر من الجهة الأخرى من المكان :
- لا تتعبي نفسك كل الأدوات التي تعمل بالكهرباء لاتعمل هنا .
جفلت زينب عبدالله عند سماعها هذا الصوت ، كان معالج الامبراطور الذي كان جزاراً جالساً على كرسي في الجهة الأخرى من الخيمة واضعاً يديه تحت ذقنه في حالة تأمل فيما ستفعله المضيفة الحسناء ، رفع رأسه قليلاً حتى وضحت معالمه بفعل الضوء الصادر من الشموع المتناثرة :
- يالي من قليل الذوق .. حتى لم أعرفك بنفسي .. اسمي ميلاد وأنا هنا المعالج الرسمي لامبراطور هذه الجزيرة .
- أي جزيرة ؟
- برمودا.... جزر برمودا الخفية .. لا بد أنك سمعتي عن حوادث اختفاء لسفن وطائرات في مثلث الرعب .
- ماذا تعني ؟
- مرحباً بك في واقعك الجديد .
- ياله من خبر سيء .
- إليك الخبر الجيد إذن . لم تقولي لي اسمكِ .
- زينب عبدالله
- اسم جميل ..... زينب عبدالله أنتِ منذ اليوم أصبحت خادمة من خادمات الإمبراطور .
شهقت زينب عبدالله عند سماعها هذا الخبر وايقنت أن الأيام القادمة ستكون صعبة للغاية .

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق