الأحد، 26 سبتمبر 2010

رسالة قلب




تضئ شاشة الجوال في ظلام القاعة، كانت رسالتكِ:

" فخورةٌ به، أليس كذلك؟
لا تنسي إخباره بذلك"*

عندما انتهى العرض، كنت أنظر نحوه وهو يصعد الدرج بعرجه الخفيف جراء عملية ركبته قبل شهر.

في الواقع، لم أكن أرى سواه وسط الجموع









عندما توسط المنصة كنت أصفق بكل خلايا جسدي وليس بيديّ وحسب
أصفق وأصفق
وكانت رقبتي تطول و تطول حتى كاد رأسي أن يلامس السماء
و ودت الصراخ وقتها بأنه شقيقي.

أضطررتُ للخروج باكرا قبل أن ألتقيه.
وبينما كنتُ أقفُ بالصف في انتظار الباص، خابرته بالهاتف

لم يكن راضيا تماما، وكان ينظر للأخطاء بعدسة مكبرة.

أخبرته بأني رأيتُ كل شئ رائعا مثله
ولم أنسَ اخباره: بأنني فخورةٌ كثيرا
كثيرا جدا
لأني انتمي إليه.

وبينما كنت أهمّ بصعود الباص، تنبهتُ فجأة بأن صوتي كان مرتفعا
وكنتُ أصيح بشكلٍ لا يشبهني
وخُيّل إليّ بأن الجميع كان ينظر للـ"خبلة" أنا

هززتُ كتفيّ بلا مبالاة
وصعدتُ الباص
وأنا ابتسم

--

* كنتُ أنوي تصوير لقطات من العرض وإرسالها لكِ ولكن بطارية الجوال كانت ضعيفة.


غادة

السبت، 25 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 7





( 7 )


الوجوه الجديدة في هذه الحلقة : الفنانة الصاعدة بَعْـثَرَة ..,

عند أول وصولهم إلى منجم الفحم تجمع العبيد في صف واحد ينتظرون ما سوف تسفر لهم الأمور مع قائدة المنجم سما التي وضعت أصابعها الضخمة بين خصلات شعرها الذهبية وهي الخصلات الوحيدة المتبقية لها بعد عوامل التعرية التي اصابتها بفعل تسمم اشعاعي صادر بالقرب من المنجم والتي اخفتها بقبعة عسكرية ماعدا تلكم الخصلات. طلبت منهم الوقوف على رجل واحدة مع رفع اليدين إلى أعلى ، ما أن سمع أحمد علي هذه الأوامر بلع ريقه وحمد ربه أنه يعمل لدى أبو حسام الذي يعتبر ( من وجهة نظره ) ملاكاً رحيماً بالمقارنة مع هذه المتجبرة المتكبرة وعلم أن العبيد لن يمر يومهم على خير . مرت ساعاتان من وقوف العبيد بالطريقة التي أمرت بها سما وعندما وجدت أن الإعياء قد بدا على وجوههم الحزينة أمرت الحراس بإشعال الفحم فارتعب الجميع لا سيما الكابت izaq الذي تصبب العرق من جبينه المخضر بسبب عفن الخبز الذي بدأ ينتشر على بقية أجزاء جسمه فحاول أن يستدر عطف رئيسة المنجم بأن يرتمي عند رجليها كما فعل زهدي مع الإمبراطور ففعل ما جال في خاطره ولكن قبل أن يتسنى له أن يتكلم جاءته رفسة من أحد الحراس في خاصرته اليمنى ومن ثم اليسرى من قدم أخر وتوالت الركلات من جميع الاتجاهات و izaq يصرخ ويتلوى بدون فائدة تذكر ، وعندما هدأت حركته وخف أنينه وغاب عن الوعي جره الحراس وعلقوه من رجليه وأخذوا من جلده بواسطة حبالٍ من المسامير فكان يستيقظ من إغماءته ليعود إليها وهو يصرخ بكل ما يملك من قوة .
وبعد أن انتهى الحرس من تعذيبهم لـ izaq جروه بكل قسوة ورموه عند رجلي سما التي ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت له :
- هل كنت تريد شيئاً أيها العبد ؟
هز izaq رأسه بصعوبة نافياً إن كان يطلب شيئاً فأمرته بالوقوف بين زملاءه العبيد فأمتثل الكابتن صاحب الشعر الحرير لأوامر سيدته وقام مترنحاً من مكانه يحاول جاهداً الوقوف ولكنه سقط فما كان من سما إلا أن عالجته بسوطها ذو الثلاث شعب فانتفض izaq من مكانه وأسرع يجر الخطى حتى استطاع أن يقف على رجليه ما بين صديقيه الجديدين نسيم الذي شحب لونه حتى أصبح كرجل عجوز وما بين بحراوي الذي تغيرت ألوانه ونسي كل ما حوله .نظرت سما إليهم وصرخت بأعلى صوتها حتى اهتزت الأشجار القيبة منهم ومعها قلب أحمد علي الذي انسحب رويداً رويداً قبل أن تنسى نفسها وتنكل به هو الآخر ، وبعد صرختها الجبارة ابتسمت ابتسامة خفيفة :
- من يحاول أن يستبهم ويستغبي ويستعبط علينا سيكون جزاءه مثل هذا الغبي أو أكثر .
امتقع وجه izaq عندما أشارت إليه وحار في أمره هل يبتسم أم يطرق برأسه أرضاً أم يلوح بيده مرحباً أم يرفع عينيه جهة الأعلى كأن الأمر لا يعنيه ولكن كلمات سما الصاعقة أنسته ما جال في خاطره من حيرة :
- أنتم هنا عبيد .. تعملون من الصباح الباكر وحتى غروب الشمس ، لكم وجبة واحدة من الطعام ، النوم سيكون في الساعة السابعة والاستيقاظ في الرابعة ، محاولة الهرب حكمها الإعدام ، رفض الأوامر أو التلكؤ عنها حكمها الإعدام ، عدم الاستيقاظ قبل مجيء الحرس بفترة كافية مرتان حكمه الإعدام ، أي احتجاج على أمر صادر مني حكمه الإعدام . الاعتراض على أي أمر من حراسي معناه سجن منفرد لمدة يومان وبعدها إعدام . هل هناك أي سؤال ؟.
اهتزت الرؤوس نافية فابتسمت سما ابتسامتها المتوحشة وقالت :
- لنرى إن كنتم استوعبت الدرس جيداً .. أيها العبيد أمركم الآن أن تمشوا على طريق الجمر هذا الآن
امتقعت الوجوه واصفرت واحمرت واخضرت وازرقت ولكن قبل أن ينفذوا ما طلبته منهم سيدتهم الجديدة ارتفع صوت أزيز حاد بصوت مفاجئ فاخترق سهم لولبي فضي اللون كتف سما الأيمن فصرخت بأعلى صوتها فجفل الجميع وارتبك الحرس وتشتت انتباههم لا يعرفون ماذا يفعلون أو إلى أين يتجهون .
تلفتت سما يمنة وشمالاً فاستقرت عيناها جهة أشجار الغابة حيث لمع من بعيد ضوء خافت صادر من مرقاب Renad فأمرت طائفة من الحراس باصطحاب العبيد إلى عنابرهم بينما البقية باصطياد رامي السهم في الغابة القريبة .

كانت الأنظار متجهة كلها ناحية الجزء المشطور من الطائرة وقد بدأ الدخان المتبقي من الحريق في التلاشي ن كانت المشاعر متداخلة في بعضها البعض ما بين خوف وجزع فيما سيحدث وما بين غضب ثائر على الخدعة الكبرى ، حاولت الملكة غادة أن تستعيد سيطرة الموقف قبل أن يفوت الأوان ولكن أوامر A.M.A كانت أسرع من تفكيرها ، انطلقت الجياد تسبقها الرماح في اتجاه الأجساد المتعفنة والهزيلة فاحتار الجمع فيما يمكن عمله فأغمضت غادة عينيها مستسلمة لقدرها ، ولكن الصوت القادم من الخلف كان بمثابة أمل كبير :
- توقف يا A.M.A.. الأرواح الطيبة تأمرك بذلك .
ارتجف A.M.A لدى سماعه هذا الصوت المألوف ، بحث عن مصدر الصوت من بين الأجساد النحيلة فهاله ما رأى ، حاول أن يستعيد بذاكرته إن كان يعرف صاحب هذا الجسد المتعفن والذي يخرج الدود منه بصفة مستمرة ولكنه فشل :
- هل أعرفك .. يا هذا ؟
- هل نسيتني يا A.M.A .. ماذا هل اصبحت زعيم القبيلة الآن ونسيتني ؟
- من ... فاضل ... فاضل الجابر ؟
- هو أنا يا أخي الصغير .. اعتذر لعدم تمكني من احتضانك فما أصابني سينقل لك العدوى في حال لمسك .
- ولكن الساحر يقول أنكما ميتان .. اين هو ؟
- لا اعلم عنه شيئاً .. إنها قصة طويلة .. ولكن أعط جنودك أمر خفض الآسلحة .
- ولكننا نريد النار المقدسة .. هكذا أخبرنا ساحر القبيلة .
تنفست غادة الصعداء وعلمت أن هناك متسع كبير من الأمل فتدخلت في الحوار :
- هل تبحثون عن ناراً معينة أم نار مشتعلة ؟
نظر إليها A.M.A بكثير من الاستغراب :
- وهل تستطيعين اشعال النار .. ساحر قبيلة الشيروكي * لا يستطيع .
ابتسمت غادة ابتسامتها المعهودة وهي تنظر جهة فاضل الجابر بكثير من الامتنان :
- من هذه الناحية اطمئن فنحن نعرف الكثير والكثير .

خطت اشتباه خطواتها الواثقة باتجاه الإمبراطور المهيب والذي جلس على كرسيه مضمداً بالضمادات حول قفصه الصدري بأمر من الطبيب الجديد وهو يكاد يقفز من الشوق في انتظار التهام ما يمكن التهامه من الشكولاته ، وحالما وصلت اشتباه بالقرب من أبو حسام ابتسمت ابتسامة المنتصر وصفقت بكلتا يديها وأمرت الخدم بجلب الصندوق فأسرع الخدم بتلبية الطلب وماهي إلا لحظات والصندوق المثير بين يدي الإمبراطور .
ولكن وقبل أن يتجه الإمبراطور أبو حسام جهة الصندوق ليرتشف رشفة ويقضم قضمة ويبلع بلعة من الشكولانة التي يمني بها نفسها أياماً وليال ، طلب من جنديته المخلصة الاقتراب منه ، ابتسمت اشتباه منية نفسها بقبلة حانية على وجنتيها شكراً وعرفاناً أو منحها وسام الشجاعة الإمبرطوري أو أقلاً تربية على الكتف جزاء بما عملت ، ولكنها حالما وصلت طلب منها أن تفتح فمها ، خجلت اشتباه من هذا الطلب الغريب خاصة أن الإمبراطور سيطلع على أسنانها المنخورة والتي يقدر عددها بثلاثة أسنان متهالكة فحاولت التملص من هذا الطلب المحرج بإن ابتسمت إبتسامة باهتة ولكن الإمبراطور اصر على طلبه الغريب فما كان من الجندية المخلصة إلا أن امتثلت محرجة لأوامر سيدها .
ما أن فتحت اشتباه فمها حتى قرب أبو حسام منه وأخذ يتشمم بدقة ما يحتويه هذا الفم من روائح ، لحظة وكأنها صاعقة خاطفة كانت يده التي صفعت خد الجندية المذهولة مما يجري ، صفعة أعقبتها ركلة في الخاصرة تلتها رفسة على الوجه مما جعل الدماء تتدفق من خلال الأسنان والأنف . نظرت اشتباه جهة سيدها ومولاها الذي أحمر وجهه من الغضب :
- أيتها الخائنة .
حاولت اشتباه أن تلملم الكلمات ولكنها فشلت فتدخل سنابسي الهوى محاولاً تهدئة الأمر :
- ماذا حدث يا مولاي ؟
نظر إليه أبو حسام بكثير من الغضب لدرجة أن المهرج العجوز تراجع خطوات :
- أسالها .. ماذا فعلت بالشوكلاتة ؟
- ولكنك لم تنظر إلى الصندوق .. كيف عرفت ؟
- لقد شممت فمها .. الخائنة لقد تذوقت من الشكولاتة ولا اعرف كم من الكمية أخذت منه
حاولت أن تنطق بعض الجمل المبعثرة ولكنها فشلت :
- لحوس .. طاير .. على
- هل رأيت يا سنابسي الهوى هاهي تعترف... لحوس على الطاير
- كنت .خائفة أن يكون مسمماً من قبل المنبوذين
ضحك الإمبراطور ضحكته المجلجلة :
- بالفعل اضحكتني ... ( علينا هالحركات ) هل تظنين أنني غبي لأتناول شيئاً قبل أن أتأكد من سلامته .. لقد جهزت أحد المحكومين عليهم بالإعدام ليتذوق هذا اللحوس فهو ميت على كل حال سواء كان مسموماً أم غير مسموم .
سكت الإمبراطور بكمية من الغضب الثائر فغصت اشتباه بمرارتها وأيقنت مصيرها المحتوم :
- لو كان أحمد علي هنا لجعلته ( يراويك شغلك يا خائنة ) ولكن سأعلمك الأدب حتى يصل حارسي الأمين ... يا سنابسي الهوى
ارتبك مهرج الإمبراطور والذي لم يتشافى من جراحه عند سماع اسمه فتلعثم هو الأخر وحار فيما يجب عمله ولكنه لبى نداء سيده ومولاه ومعتمده ورجاه .
- نعم مولاي الإمبراطور .
- خذ هذه الخائنة برفقة الحرس إلى السجن الانفرادي حتى يصل حارسي الأمين ويرسلها بنفسه إلى منجم الفحم
حاولت اشتباه أن تستنجد بمن حولها أو ترتمي عند قدمي سيدها ولكنها فشلت في ذلك فقد ضاع صوتها وحل البلغم الكثيف مكانه وشلت قدرتها على الحركة فتشنجت عضلات وجهها وزاغت عيونها و أحولت فسلمت مصيرها واستسلمت له .

كان هو اليوم الأول لسماهر في تلقي دروسها الجديدة حول فنون الخدمة على يد معلمتها بَعْـثَرَة .., استطاعت المعلمة أن تفرض شخصيتها الجادة على التلميذة الجديدة فما أن وصلت متأخرة إلى خيمة التعليم حتى نظرت إليها شزراً وطلبت منها الوقوف عند باب الخيمة على رجل واحدة لمدة ساعة ، لم تتعود سماهر هذه المعاملة القاسية من قبل فرغم كسلها وحبها للنوم إلا أن معلميها في أكاديمية الطيران قسم الضيافة كانوا دائماً يعاملونها معاملة خاصة ( بسبب وضع والدها الاجتماعي كرجل أعمال فهي دخلت هذا المجال بالواسطة بينما كان معدلها في الثانوية لا يؤهلها للدخول في أي مجال في الجامعة ) ، لم تستطع سماهر إلا أن تستجيب لنظرات السيدة الأولى في مجال الضيافة والخدمة والإغراء الآمرة لها بهذا العقاب ، صمدت حوالي سبع دقائق من الوقوف على رجل واحدة وبعد ذلك بدأت العضلات تصاب بنوع من التشنج ، تصفد العرق البلوري حول جيدها ورقبتها ، رفعت يدها مقاطعة الدرس الذي تشرحه بَعْـثَرَة .., باسهاب ، نظرت إليها المعلمة قليلاً :
- ماذا ؟
- لا أقصد المقاطعة ... هل يمكن أن أبدل رجلي ؟ لأن ......
- لا
قالت جملتها ونظرت تجاه الجواري التلميذات وقالت :
- أين وصلنا ... نعم كنا نتكلم حول واجبات الجارية تجاه مخدومتها ...
- ولكني تعبت ولا أستطيع الصمود
قالت سماهر مقاطعة من جديد لشرح المعلمة التي بدأت تستشيط غضباً ، اقتربت منها قليلاً وابتسمت ابتسامة باهتة وشدت شعر تلميذتها ( الدلوعة ) بكل قوة حتى صرخت على أثره من شدة الألم :
- لا تستطيعين الصمود هه ؟
- لم أكن أقصد ...
- يا ترى لو كنت وقعت تحت رحمة أبو حسام الذي سيستعبدك بلا شك ويجعلك متعة له ولرجاله ويطلب منك خدمته طوال 24 ساعة ، ينتهي منك هو ويستلمك رجاله من بعده حتى ينتهي بك الأمر في المطبخ الإمبراطوري تصاحبك جميع الأمراض الجنسية المعدية .. ماذا كنت ستفعلين ؟ هل تصمدين ؟ لا تتكلمي عن الصمود بهذه الطريقة .. نفذي ما أمرك به وإلا سوف تندمين على مقاطعتي في حال تكرار ذلك .
ساعة كاملة استطاعت خلالها أن تصمد وهي واقفة على رجل واحدة ، بل أكثر من ذلك كانت تتفاعل مع معلمتها في المشاركات فقد كانت ترفع يدها كلما عرفت إجابة لسؤال ما . ابتسمت بَعْـثَرَة .., برضا عن طالبتها بعدما وجدتها استوعبت الدرس جيداً فطلبت منها أن ترخي عضلاتها قليلاً والمشي في الخيمة قليلاً ومن ثم الجلوس .

في المقابل كان jawad جالساً على الأريكة وحوله ثلاثة جواري يقمن بخدمته ، واحدة تدلك ظهره ، والثانية تسرح شعره ، والثالثة تجهز له رأس المعسل وتهف على النار كلما استدعت الحاجة مع ضحكات مملوءة بالغنج من هنا وهناك ، للحظات كثيرة كان jawad يقرص جلده بين لحظة وأخرى كلما سمع ضحكة أحداهن أو تحركت أمامه أخرى فقد ظن نفسه بلا شك في حلم أو أنه بسبب طيبة قلبه قد دخل الجنة ، ولكن على أي عمل ؟ ليته كان يتذكر ما جرى له فقد انمحت الصورة من ذاكرته حتى كاد أن ينسى اسمه وإن كانت هناك بعض الصورة المضيئة تأتي له وتختفي بسرعة ..
دخلت مساعدة القائدة العامة ريان لتجد ( سي السيد ) متربعاً على كرسيه الوثير فابتسمت ابتسامة متوحشة واطمأنت أن كل شيء يسير على ما يرام ، خرجت من الخيمة وتوجهت ناحية الخندق ، أدت الحارسة التحية لها بإجلال كبير فردت التحية بإيماءة منها وطلبت فتح البوابة لتطمئن على الوشق .
ما أن اقتربت ريان من القفص المقدس حتى زأر الوشق بصوته المبحوح وقفز ناحية القضبان يريد التهام فريسته ، جفلت الفارسة الشجاعة من هذا المنظر فجثت على رجليها تحية واحتراماً لهذا الحيوان المقدس .
- لا بأس عليك يا سيدي ، الأضحية سوف تكون جاهزة لك خلال اليومين القادمين فصبراً جميلاً
زأر الوشق كمن صبره قد نفذ فخشعت ريان لصوته المقدس .


يتبع




* قبيلة الشيروكي : قبيلة من سكان امريكا الأصليين

الخميس، 23 سبتمبر 2010

جزر الغمو ض- 6





الوجوده الجديدة في هذه الحلقة

مالك القلاف
سما
A.M.A
ميلاد

تحرك طابور العبيد ببطء شديد متجهاً إلى منجم الفحم وهم في حالة شديدة من الحزن والتعب والإحباط وخصوصاً نسيم المصدوم في صديق عمره والذي لم يتوقع منه هذا التصرف الأناني فدمعت عيناه وتشنج وجهه وأخذت بياض عيناه وسوادهما تدوران كالأرض حول الشمس ولكن بدون تركيز أو عقل واعٍ ، حتى سقط على الأرض فما كان من أحمد علي الحارس المتابع لهم إلا أن أسقط سوطه الطويل والمصنوع من الجلد الطبيعي على ظهر نسيم الذي لم يشعر بالألم بسبب مصابه النفسي ، أستمرالحارس الصلب بضرب الحلاق خائر القوى بدون رحمة بل كان يزداد قسوة كلما شعر بالصمت المطبق منه فثارت ثائرته وأزبد فمه ولمعت عينه اليسرى ببريق متوحش .
كان بحراوي متقوقعاً على نفسه في أفكاره وخيالاته بسبب فقدانه زوجته الحبيبة zamob والذي شعر بظلام سرمدي يحل على روحه ولكنه أفاق عندما سمع آهات أحمد علي المنتشية بضربه للحلاق المسكين الذي بدأ يفقد صوابه ويضحك ويبكي في آن واحد فما كان من العريس الجديد إلا أن تغلب على حزنه واستجمع شجاعته واندفع ناحية الحارس المتوحش وانقض عليه فسقطا أرضاً ، وقبل أن يتحرك بحراوي من مكانه عالجه الحارس بضربة من شماله سقط على أثرها العريس الجديد مغشياً عليه .

منجم الفحم الداخل فيه مفقود كما يقولون وإلى الآن لم يخرج منه أحد سوى الميتون ، وعلى ذكر الموت كانت هناك محاولة واحدة لم تتكرر في الهروب من هذا المنجم رجل اسمه مالك القلاف وذلك عن طريق إدعاءه الموت بعد أن استطاع أن يشرب محلولاً مكوناً من الفحم الحجري وبعض الأعشاب التي تنبت على أطراف المنجم مما جعله يصاب بشلل مؤقت ، وتم رميه في المزبلة على أنه ميت ولكن بعد ساعات اكتشف الحراس الخدعة ، حاولوا مطاردته ولكن مالك الذي اشتهر بالسرعة الفائقة وصل إلى جزيرة الثوار حيث انضم إليهم بدون صعوبة ، منذ هذه الحادثة أي رجل يموت أو يدعي الموت لابد أن تخترق السهام جميع أجزاء جسمه .

القائدة المسئول عن المنجم امرأة بغيضة المنظر ، ضخمة الجثة اسمها سما ، يرتعد الرجال عند ذكر أسمها ، اشتهرت بالقسوة البالغة وحدة الذكاء واللؤم ، ولذلك فقد كان أبو حسام خائفاً منها كثيراً رغم محاولاتها الحثيثة للزواج منه ، فامرأة مثلها لا يمكن الاطمئنان لها فعينها المسؤولة عن المنجم ، فما كان منها حالما تسلمت المسؤولية إلا أن نكلت بالمسؤول السابق للمنجم وعائلته أشد التنكيل ، كانت سما مثل اسمها ليس لها حدود في البطش .

الصواعق البرمودية ، صواعق لا مثيل لها ، تفوق قوتها مئات المرات صواعق الأرض ، ولكن ما يميزها هو تعدد ألوانها فمرة خضراء وأخرى زرقاء وهكذا مع بقية الألوان لدرجة أنه أصبح لكل لون مسمى في عرف الجزر البرمودية وإن اختلف بعضها في التسمية من جزيرة إلى أخرى . فالصواعق الخضراء تسمى (غشيش ) بسبب أن هذا النوع من الصواعق لا يحمل معه إلا الضوء والنار ولكن لا يصاحبه أي مطر فرؤيته لأول من يراه يظن أن المطر سوف يحل قريباً ولكن الصواعق تستمر في جنونها بدون فائدة ترتجي .
أما الصواعق البنفسجية – المحمرة فتسمى عند جزيرة الإمبراطور ( الحسام ) نسبة إلى إمبراطورها العظيم أبو حسام بينما في جزيرة الثوار فتسمى ( خراطة ) وهي تنسب أيضاً إلى أبوحسام بينما الأمازونيات فيطلقون على هذا النوع من الصواعق اسم ( الوشق ) رمز سيادتهم .

صواعق هذا الوقت من السنة تشتهر بلونها الأصفر ومعظم من في الجزر يتشاءمون منها بسبب لونها الأصفر الذي يدل على الموت عدا أهل جزيرة المنبوذين الذين يعشقون لونها فهي تذكرهم بلون أجسادهم الصفراء الذابلة وهاهي الآن قد تكون مفتاحاً لسر نجاتهم بعد سنين طويلة من الذل والهوان .
ضربت الصواعق الصفراء السماء بكل جبروت يصاحبها صوت الرعد المرعب ، كانت كثافة الصواعق كبيرة جداً ربما لم يعهدها أحد من قبل من قاطني برمودا أو ربما تخيل سكان جزيرة المنبوذين ذلك بسبب تعلقهم الشديد بما تقوله ملكتهم غادة . عموماً كانت العيون متجهة إلى أعلى الجبل تنتظر أن تضرب الصاعقة ذلك الجسد المشوه والغائب في عالم الغيبوبة ولم يلتفت الجميع لوقع الحوافر القادمة بحذر شديد إلا بعد أن وقفت على رؤوسهم . كانت مفاجأة مرعبة عندما نظرت ملكة المنبوذين إلى أصحاب الخيول البرية بدون سرج ، كانت نظراتهم المرعبة توحي بقدوم خطب جسيم .

تقدم كبيرهم بخطوات واثقة من فوق الجواد المخطط بألوان متداخلة بين بني وأبيض رغم كتلة السواد الكبيرة التي تحيط برقبته ، ظهرت ملامح الرجل الذي كان يشبه حصانه فقد صبغ وجهه بنفس الألوان ووضع فوق رأسه ريشة يزينها مخلب نسر . نظر الرجل المرعب تجاه المنبوذين نظرة ازدراء بكثير من الوحشية ، كانت هي المرة الأولى في حياة المنبوذين التي يرون فيها هؤلاء الرجال ولذلك فقد انكمش الجميع حول الملكة . من خلال هذه الحركة الغريزية قدر الرجل القائد أن هذه المرأة التي تشبه الساحرات هي ملكة أو قائدة القوم وبحركة سريعة وجه رمحه إليها حتى قارب ذقنها :
- أين كتلة النار ؟
ارتبكت غادة لدى سماع صوته والذي يشبه فحيح الأفعى ولكنها تمالكت نفسها وأجابت بكل هدوء ظاهر :
- لا أعلم عم تتحدث يا سيدي ؟
نظر إليها بعيونه الثاقبة كعيون النسر ليعلم مدى خداع هذه الساحرة :
- لا أحد يستطيع خداع A.M.A. أنتِ تعلمين ماذا أعني ، كتلة النار الساقطة من السماء ، كلنا رأيناها ، الأرواح الطيبة أخبرتنا عنها ، قولي لنا أين أخفيتم النار المقدسة وإلا قطعنا رقابكم في الحال .
حالما سمعت ملكة المنبوذين هذا التهديد الخطير ولمحها الرماح الطويلة والتي شهرها رجال A.M.A لاختراق صدورهم أخذ عقلها بما أوتي من حكمة وسرعة بديهة بالتفكير العميق بسرعة متناهية فابتسمت ابتسامتها العريضة مبينة أسنانها الصفراء المسودة المتفرقة :
- آه .. قصدك كتلة الحديد المشتعلة والتي سقطت من السماء مساء أمس . ما بها ؟
- أين هي ؟
- في الجهة الأخرى . ولكنها انطفأت .
- كاذبة
قال كلمته الأخيرة وهو يصر على أسنانه ناصعة البياض ثم أردف :
- لا يمكن أن تخطئ الأرواح الطيبة .
- إن كنت تريد أن ترى حقيقة ما أخبرك به فيسعدني ذلك .
- إن كنتِ تفكرين بخداع A.M.A فأنتِ تحلمين .
- ليس هناك أي خداع . سوف أرسل بعض من رجالي معكم وسيريكم الكتلة التي تتحدث عنها .
صمت A.M.A قليلاً وهو يفكر بكلام الساحرة ذات الوجه الأصفر والمصبوغ بألوان متعددة :
- لا ... سوف تذهبون جميعكم معنا .. أي خدعة منكم .. ستلاقون مصيراً أسوداً .
بلعت غادة ريقها بصعوبة ونظرت تجاه أعلى الجبل بحسرة كبيرة ، فهاهي الأقدار تقف حاجزاً في معرفة ما سوف يحصل للمنقذة الحلم ، مباشرة أمرت قومها بالاستعداد للرحيل ناحية بقايا الطائرة .


وعلى غير بعيد كان وجه ابوحسن مصفراً بدرجة أصفر فاقع من أثر الكرة التي رماها عليه فاضل الجابر .. شعر وكأنه بدأ يفقد شجاعته المعروفة عنه وما زاد من الطين بلة هو التعرق الشديد الذي أصابه على حين غرة فأصبح وكأنه قطعة قماش مغرورقة بالماء فشعر بالخوف الشديد وتيقن بالهلاك فأخذ يبكي وينتحب . لحظات قليلة وجسمه بدأ في الارتعاش والحمى وكميات كبيرة من المخاط واللعاب تسيل من فمه الكبير لحظات وابوحسن يسقط كما الجثة الهامدة .
نظر ابو قدس لأخية ومساعده وقد رفض أن يستوعب أن هذا الرجل صاحب الجثة الضخمة والأنف الكبير يموت كرعديد صغير فما كان منه إلا أن حزن حزناً شديداً فشق الجيوب وعفر الخدود ووضع وجهه في الرمال حزناً وخزياً على ما جرى وهو يفكر فيما سوف يقوله لملكتهم .


أخذت ~ زمردة ~ نفساً عميقاً ومسحت بعض الدموع المتطافرة بفعل تقشير البصل ثم عطست عطسة أطارت القشور المتناثرة فسقطت بجانب بتول التي كانت تنظر إليها ضاحكة تنتظرها كي تنتهي من التقشير لتلعب بها . تمنت ~ زمردة ~ ألا ينتهي التقشير إلا بعد أن تنام هذه الضخمة ولكن هيهات فقد كانت عيون بتول التي بدون رموش محملقة وبشدة في قشارة البصل رغم محاولات أمها همس 2007 لثنيها عن الجلوس هكذا وحضها على اللعب بالقرب إلا أن الصغيرة الضخمة أبت أن تتحرك من مكانها .
ساعات والبصل قد نفد فارتعبت ~ زمردة ~ لما قد يحصل وقد حصل ، تقدمت منها بتول وضمتها بشدة فكاد أن يغمى على الأولى من رائحة العرق النفاذ فحاولت الخلاص منها ولكن بدون فائدة . سمعت بتول أمها تناديها للنوم فأجبت بصوت جهوري :
- حسن .. سأخذ دبدوبي معي .
لم يكن الدبدوب سوى ~ زمردة ~ التي غصت وشهقت وذرفت الدموع وعلمت أن ليلتها لن تمر بخير وهاهي في حضن بتول تتجرع وتستنشق .

و بالقرب من المطبخ كانت هناك خيمة زرقاء تنتصب عالياً فوق ربوة صغيرة ، بداخل هذه الخيمة كانت زينب عبدالله مستغرقة في غيبوبتها بسبب الجرح الذي ألم بها أثناء العاصفة ، فجأة فتحت المضيفة الحسناء عينيها ،حاولت أن تستوعب المكان الذي هي فيه ولكن الصداع كان رهيباً ، شعرت أنها بحاجة لبعض الحبوب المسكنة ، طافت بعينيها نصف دورة فوجدت بعض الأغراض المتناثرة فوق بعضها البعض ، لمحت حقيبتها الصغيرة وعلى الفور تذكرت بعض الحبوب التي تحتفظ بها لوقت الحاجة .
سحبت زينب عبدالله نفسها بصعوبة جهة الحقيبة حتى استطاعت أن تلتقطها من تلة الأغراض المتناثرة . فتحت الحقيبة بلهفة ووجدت ضالتها من الأدوية المتنوعة وبدون ماء بلعت حبتين متتاليتين من الأسبرين . أغمضت عينيها قليلاً لتستجمع بعض من التركيز فيما جرى لها وأين هي بالضبط ، لحظة ما وتذكرت هاتفها المحمول وبالفعل وجدته في الجيب السفلي من الحقيبة ، ضغطت زر التشغيل حتى يتسنى لها الاتصال ولكن الجهاز لم يعمل . فتحت الغطاء الخارجي لتتأكد من وجود البطارية فقد كانت متيقنة أنها أعادت شحنه قبل إغلاقه عند بداية هذه الرحلة المشئومة ، وجدت البطارية في مكانها فاحتارت في أمرها . وفجأة أتاها ذلك الصوت الصادر من الجهة الأخرى من المكان :
- لا تتعبي نفسك كل الأدوات التي تعمل بالكهرباء لاتعمل هنا .
جفلت زينب عبدالله عند سماعها هذا الصوت ، كان معالج الامبراطور الذي كان جزاراً جالساً على كرسي في الجهة الأخرى من الخيمة واضعاً يديه تحت ذقنه في حالة تأمل فيما ستفعله المضيفة الحسناء ، رفع رأسه قليلاً حتى وضحت معالمه بفعل الضوء الصادر من الشموع المتناثرة :
- يالي من قليل الذوق .. حتى لم أعرفك بنفسي .. اسمي ميلاد وأنا هنا المعالج الرسمي لامبراطور هذه الجزيرة .
- أي جزيرة ؟
- برمودا.... جزر برمودا الخفية .. لا بد أنك سمعتي عن حوادث اختفاء لسفن وطائرات في مثلث الرعب .
- ماذا تعني ؟
- مرحباً بك في واقعك الجديد .
- ياله من خبر سيء .
- إليك الخبر الجيد إذن . لم تقولي لي اسمكِ .
- زينب عبدالله
- اسم جميل ..... زينب عبدالله أنتِ منذ اليوم أصبحت خادمة من خادمات الإمبراطور .
شهقت زينب عبدالله عند سماعها هذا الخبر وايقنت أن الأيام القادمة ستكون صعبة للغاية .

يتبع

الجمعة، 17 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 5








( 5 )


الوجود الجديدة في هذه الحلقة :
همس 2007
بتول محمد
أبو قدس
ابو حسن

كانت سماهر بين خيارين أحلاهما مر والمشكلة ألأكبر أن عليها الاختيار بسرعة وبدون تفكير فقد وقفت عند رأسها ريان تنتظر منها الإجابة لتقرر لها مصيرها المرتقب :
- ولكني لم أفهم من ذلك شيئاً .
نظرت إليها ريان بنفاذ صبر كمن تهم بلطمها مما اشعر المضيفة الحسناء بالرعب :
- ما الذي لم تفهميه بالضبط .. يبدو أنك من النوع الجميل – الغبي .
- عفواً ولكني لم أسمع بذات يوم عن جزيرتكم هذه ولا فريق المحاربات والآخر .....
- الجواري .
- الجواري .. أصبح جارية من ؟؟؟؟
- لا أحد سوانا نحن النساء..... تقومي بخدمتنا ورفاهيتنا نحن المحاربات
- لم افهم .
- لم تفهمي ماذا ؟ جارية وظيفتك الإنجاب والخدمة .
- أنجب من من ؟ وأنت ألم تقولي لي من قبل أنه لا يوجد رجال هنا ؟
- عقلك صغير . كيف يمكن لنا الاستمرار بدون أن نندثر إن لم نتكاثر . ولذلك فلابد من وجود رجل .
- رجل واحد فقط ؟
- حسب الظروف وحسب الصيد .
- الصيد !!!! ... تصطادون الرجال ؟
- أجل .. نصطادهم ونسوقهم كالبهائم ... نعلفهم وهم لا يعلمون أنه من بعد أن ننال مقصدنا منهم يقتلون .. بل يصبحون طعاماً لرمز سيادتنا وقوتنا ... الوشق .
هلعت سماهر عند سماعها هذه اللهجة الدموية من قبل محدثتها وجلست تفكر في دورها كجارية مهمتها الإنجاب وكذلك خدمة المحاربات اللاتي يدافعن عن الجزيرة من جيش المحاربين بقيادة أبو حسام أو جيش الثوار المتمرد أو الهجوم على كليهما للحصول على بعض الضحايا من الرجال .

شعب الأمازونيات السيادة فيه للمرأة وحدها ولكن التفرقة بين المحاربات والجواري واضح كضوء الشمس والأكثر من ذلك التفرقة في المعاملة بين الجواري أنفسهن فمن تخدم القائدة أزهار تنال رفاهية أكثر ممن تخدم المحاربات ومن تنجب بناتاً تنال رعاية خاصة عمن تنجب ذكوراً والتي تشعر بالخزي والعار بالإضافة للحزن الشديد الذي ينتابها لفقدها وليدها الذي يصبح طعاماً للسباع .
- ما قولك يا سماهر ؟
- أريد أن أصبح .... محاربة .
- سوف تخضعين لبعض الاختبارات الجسدية والنفسية لنرى مدى تأهلك لذلك .
- مثل ماذا ؟
- قدرتك على تحمل الجوع والعطش .
- من هذه الناحية اطمئني .. ماما وبابا دائما ينتابهما القهر من قلة أكلي .
- ماما وبابا في بيتكم أيتها المدللة .. هنا قد تقضين أياماً في الصحراء أو تحت التعذيب من أناس لا ترحم .. عليك أكل ما لا يمكن أكله .
بلعت سماهر ريقها بصعوبة عند سماعها الجملة الأخيرة :
- مثل ماذا ؟
- أي شيء .. سحالي ، عناكب ، حشرات وأفاعي .
بهت لونها أكثر وتصفد العرق من بشرتها الناعمة لتسقط على عنقها الزجاجي وتلعثمت قليلاً :
- هل لي أن أغير خياراتي ؟
- ماذا ؟
- تذكرت أني أعشق الأولاد .
- الأولاد ؟؟؟؟
- اقصد الأطفال .. وخصوصاً البنات .. ليتني أستطيع أنجاب طفلة جميلة
- الجمال لا يهمنا .. الجمال مقياس ذكوري نرفضه هنا .. لك ذلك إن شئت .
قالت جملتها الأخيرة وانصرفت تاركة إياها تتلحف أحزانها وتفكر في مصير طاقم الطائرة المفقود بعد أن يئست من نجاتها من هنا .

أخذ سنابسي الهوى بيد أبنته مع كل الآلام التي أصابته من جراء عملية الجلد جهة المطبخ الإمبراطوري حيث من المفترض أن تعمل هناك في قسم تقشير البصل . كانت يده ترتجف بشدة رغم محاولاته في أن يبقى هادئاً ومتوازناً وباشاً ، سقط على الأرض في أكثر من مرة على وجهه وفي كل مرة يحاول أن يقف ويمد يده تجاه أبنته لمساعدته على الوقوف ولكنها كانت تنظر في اتجاه معاكس ليده وكأنها لا تراه ، شعر بالحزن الشديد يتدفق من خلال قلبه المنكسر فيعود بالكرة محاولاً أن يقف ومع كل سقطاته وبعثرته إلا أنه في النهاية يقف ليصل في النهاية إلى المطبخ الإمبراطوري .

سنابسي الهوى هو اسم شهرة و لا أحد يعرف اسمه الحقيقي اكتسب اسمه من لون عينيه المحمرتين عند سماعه اسم سنابس فربط الآخرون اسم سنابس بعينيه فأصبح بعدها سنابسي الهوى ، جاء عن طريق سقوط طائرة في جزر الجماجم كالبقية ، وأخذ أسيراً في عهد الإمبراطور الأسبق وهناك بدأ عمله في المطبخ في قسم التقشير ولكن في لحظة ما تصارع مع الامبراطور وتفوق عليه وبذلك وحسب القانون يصبح هو الامبراطور ، ولكن يا فرحة ما تمت كما يقولون ماهي إلا أياماً ثلاثة وأبو حسام يطلب منه المنازلة الذي كاد أن ينهزم على يديه لولا سهم غادر من المحاربة الجديدة والقادمة من جزيرة الأمازونيات - اشتباه - أصابه في مكمن لتصبح يده مشلولة وهاهو الآن مهرج الامبراطور الخاص بعدما ضمن أبو حسام أنه لن تقوم له قائمة .

دخلا المطبخ فتعالى التصفيق من كل الجهات ، علت الدهشة وجه ~ زمردة ~ التي نظرت تجاه أبيها الناكس رأسه والذي لم تظهر أي سعادة على محياه فعلمت أن هذا التصفيق قد يكون أقرب للسخرية من أن يكون تشجيعاً أو حماساً . أبدت عدم اكتراثها لما يجري وانطلقا بين ممرات المطبخ حتى وصلا إلى قسم البصل حيث تقف أمرأة عجوز شمطاء بدينة ومترهلة ، نظرت إليهما بعينيها الكريمتين :
- هل هذه هي أبنتك يا سنابسي الهوى؟
- نعم يا ست همس 2007
نظرت مسئولة المطبخ تجاه ~ زمردة ~ بنظرة حادة رغم حولان العينين :
- اسمعي أيتها العاملة .. الأوامر هي الأوامر .. رفض أي أمر من قبل من هم أعلى منك رتبة ومنزلة ووظيفة معناها حرمان من طعام الغذاء والعشاء وسجن انفرادي مع مواصلة العمل داخل السجن لمدة أربعة أيام ، استمرار العصيان معناه الجلد بمقدار خمسين جلدة تضاعف في كل مرة . كلامي مفهوم .
لاذت ~ زمردة ~ بالصمت فنظرت إليها الست همس 2007 نظرة ثاقبة فعلمت أن هذه النوعية من السيدات العنيدات لا ينفع معهن غير الضرب والركل والرفس لكي يفهمن الأوامر ومباشرة صرخت بأعلى صوتها منادية ابنتها ضخمة الجثة :
- بتول .. بتوله .. بتاتتيلو .. بتولووووه بالثلاث واوات .. تعالي يا حبيبتي عندي لك لعبة جميلة
ومن بعد سمع الجميع وقع خطوات بتول الضخمة والتي يتزلزل منها المكان وتهتز منه الجدران ليطل عليهم وجه عبيط قبيح المنظر منتف الشعر ذو أنف ضخم وعينين تشبه عيني والدتها في الحول ، وقالت بصوتها ألأجش :
- أين هي اللعبة يا ماما ؟
أدركت ~ زمردة ~ الخطر الذي ينتظرها فرفعت يدها عند رأسها كمن يؤدي التحية :
- تمام يا أفندم .. الأوامر هي الأوامر .
ولكن الآوان قد فات فقد تعرفت بتول على لعبتها فجرتها من شعرها حتى سقطت على ألأرض تسبقها صرخاتها الحادة والتي تكسر الزجاج من حدته ولكن الفتاة الضخمة والبالغ عمرها عشرة سنوات لم تعرها أي اهتمام فهي مصابة بخلل في أذنيها .
أخذت بتول ~ زمردة ~ بقوة وجعلت تلعب بها كيفما شاءت مرة تلقيها على الأرض وتقوم بالقفز عليها مثل المصارعة الحرة ومرة تقوم بحملها إلى أعلى ومن ثم تسقطها أرضاً وهكذا دواليك ، ومازاد الأمر من صعوبة على الآنسة ~ زمردة ~ هو الضحكات المجلجلة في كل مكان والتصفيق الحاد الذي علا المكان عندها علمت لماذا كان الجميع يصفق ولماذا اطرق أبوها برأسه فتندمت أشد الندم فحاولت أن تستنجد بأبيها الذي خذلته من قبل ولكنها في قرارة نفسها تعلم بعدم استطاعته مساعدتها هذه المرة وفجأة توقفت بتول عن اللعب نظرت ~ زمردة ~ بدهشة فكان سنابسي الهوى واقفاً أمام الفتاة الضخمة وفي يده حلويات :
- ما رأيك يا بتول .. بتوله .. بتاتتيلو .. بتولووووه بالثلاث واوات أن تتركي هذه اللعبة وتأخذي هذا الملاس ؟
فرحت الفتاة الضخمة بهذه الهدية وتركت ~ زمردة ~ تسقط من يدها على الأرض . اقتربت منها الست همس 2007 بخطوات واثقة :
- والآن بعدما تعلمت معنى إطاعة الأوامر قومي من مكانك وقشري هذه الكمية من البصل
نظرت ~ زمردة ~ جهة البصل فهالها كميته فعلمت أن أمامها مشوار طويل من العذاب .

قبل أن يساقوا إلى منجم الفحم سقط زهدي بين رجلي أبو حسام الذي رفسه بقوة لكي يبعده عنه ولكن الطبيب البيطري تشبث برجليه رافضاً تركهما فاقترب الحراس وهم يلوحون بالسياط استعداداً لجلد العبد الجديد :
- اسمع مني كلمتي يا ... سيد الكل .
تعجب أبو حسام مرة أخرى عند سماعه الجملة ذاتها مرة أخرى وسأل نفسه عن السر الغريب والتصادف العجيب فعلم أن تلك الجارية ذات الفم الكبير والمسماة آلاء وهذا الرجل المتشبث به من طينة واحدة فسر في قرارة نفسه وقد قرر أن يطلق على نفسه هذا اللقب ولكن وجهه تجهم في وجه المتشبث برجله :
- ماذا تريد ؟ إن لم يكن أمراً ضرورياً فسوف تلقى حتفك .
رغم تمسكه برجلي أبو حسام إلا أنه لم يستطع إلا أن يتحسس رقبته بعد هذا التهديد فقال بجمل متبعثرة :
- ضلوعك .. استطيع .. علاجها ... المتكسرة
- غضب أبو حسام عند سماعه هذا الكلام :
- وما أدراك أنها متكسرة ؟ أنا لم أقل لأحد بذلك .
- رأيتك تترنح عندما تفاديت تلك العانس لحظة هجومها عليك ، وبحكم خبرتي كطبيب ...
- أنت طبيب ؟
ابتسم زهدي وعلم أن خطته قد نجحت ومبتغاه قد وصل إليه خاصة بعد سماعه من أحد الحراس عند نقل المضيفة زينب عبدالله أن المعالج الذي يقوم بمعالجتهم كان جزاراً قبل أن يمتهن هذه المهنة فابتسم قليلاً وقال :
- رغم أن جراحة العظام ليست من اختصاصي إلا أنني ... نعم .. طبيب .
استبشر أبو حسام كثيراً فنادى الحراس بفك القيود من رجلي الطبيب :
- ما أسمك يا دكتور ؟
- زهدي في خدمتك يا سيد الكل
- هل من أحد من معاونيك أو من يساعدك في مهمتك كطبيب للإمبراطور ؟
تلفت زهدي في طابور العبيد ووقعت عيناه على صديق عمره نسيم الذي كان ينظر إليه بأمل كبير ورجاء أن ينقذه من مصيره في منجم الفحم ولكن البيطري تجاهل نظراته والتفت ناحية سيده الجديد :
- لا يا مولاي الإمبراطور .. أنا لوحدي .. أريد ممرضات تساعدني على إتمام مهمتي الطبية على أحسن وجه .
- كم ممرضة تريد .
ابتسم الطبيب البيطري ابتسامة خفية وقال :
- لا أعلم يا مولاي العدد الفعلي ولكن لو سمحت لي أن اختارهن بنفسي، فالممرضة يجب عليها أن تكون بهيئة ومواصفات معينة .
- لك ذلك يا دكتور .

قبل أن يتحرك أبو حسام من مكانه لمتابعة اقتياد العبيد الجدد لمنجم الفحم ، اقتربت منه آلاء بحذر وخجل ، نظر إليها نظرة احتقار واشمئزاز بطرف عينه اليسرى :
- ماذا تريدين يا عجوز النحس ؟
- طلب بسيط يا سيد الكل ؟
- اذهبي لرئيسك المباشر سنابسي الهوى فهو من أصبح المسؤول عنك الآن .
- طلبي لا يستطيع إلا أنت تحقيقه .
- ماهو ؟
عندها ارتمت آلاء بقوة عند رجليه كما فعل زهدي :
- أريد أن اكون في خدمتك يا سيد الكل .
- ماذا ؟ أنتِ !!!!
- لن تستطيع من خادماتك اللاتي يقمن بخدمتك فعل ما أستطيع فعله .
ضحك أبو حسام وحاول تصور ما يمكن هذه العجوز المتصابية من فعله :
- وماذا تستطيعين ؟
- هل من خادماتك من قامت لوحدها بدون أمر منك أو تفكير في غسل قدميك بعد يوم من العناء والمشقة .
ذهل أبو حسام من هذه المعلومة التي لم تخطر بباله أبداً ونظر إلى عينيها فدهش من الطيبة الصادقة التي تشع من عينيها فاهتز على أثرها ولم يستطع الوقوف فقد تذكر أمه كيف كانت تعامل أبيه ، وكيف كان يقابلها بالجحود والنكران ، دمعت عيناه وقام من مكانه وهز رأسه موافقاً وانصرف .

تنفست غادة الصعداء عندما وجدت اشتباه ضالتها في أحد الصناديق المبعثرة في الجزء الخلفي من الطائرة والذي التهمت النار معظمه ، كان البحث عن علب الشوكلاتة أمراً مضنياً للجميع بسبب الدخان الأسود الذي كان ينطلق من الطائرة بكثافة مفرطة ولكن أوامر اشتباه كانت واضحة وصارمة ولا تتحمل الشفقة لهؤلاء المرضى وبعد وقت غير قصير عثر بعض الرجال على عدة صناديق فتحتها المقاتلة بكل لهفة حتى وجدت العلب المبتغاة وقد ساحت الحلوى منها ناحية قعر الصندوق فهلعت وأغلقت الصندوق بسرعة وأحكمت إغلاقه وطلبت من الرجال المنبوذين بحمله بسرعة على ظهر حصانها وانطلقت به جهة المياه الباردة لكي توقف عملية الانصهار والتي بلا شك سوف تجلب لها المزيد من الصفعات والركلات .

غادرت اشتباه على عجل ولكن قبل أن يلتقط المنبوذين وملكتهم الشهيق من بعد زفير فتحت عيونهم دهشة وهم يرون الملثمين واقفين أمامهم على جياد وحشية كأنهم جان انشقت الأرض وأظهرتهم بدون سابق إنذار .
تطلعت غادة إلى الفرسان الملثمين وميزت أحدهم جيداً وقالت :
- ما الذي أتى بك يا أبو قدس ؟؟ هل تبحث عن علب شوكلاتة أنت الآخر ؟
تدخل فاضل الجابر مجدداً وقال :
- قصدك شكولاتة ؟
- لا يهم
تنحنح قائد الثوار قليلاً ونظر بنظرته الغامضة والتي يشع منها وميض لونه أزرق ناحية ملكة المنبوذين :
- ماذا تفعل تلك المسترجلة عندكم ؟ لا تقولي علب الش.....
- الشكولاتة . قال فاضل الجابر
أشاح أبو قدس نظره عن المتحدث الطفيلي صاحب العيون الغائرة :
- لا يهم ... هل وصل بها حبها لسيدها أن تبحث عن هذه الحلوى في جزيرة المنبوذين ؟
هذه اللهجة الساخرة من قائد الثوار لم تعجب ملكة المنبوذين والتي شعرت بالإهانة ، ربما كانت من قبل تتغاضى عن ذلك ولكن شعورها بقرب الخلاص على يدي المخلصة المعلقة في أعلى الجبل في انتظار سطوع البرق ووميضه جعلها تقرر رد السخرية بسخرية مثلها :
- وأنت هل جاء بك ولاءك لمولاتك للبحث عن حلوى أخرى ؟
امتقع وجه أبو قدس ونظر تجاه مساعده ابوحسن والذي استل سيفه ليقطع رأس ( طويلة اللسان ) ولكن صاحب العيون الغائرة قطعت الطريق عليه :
- لو فكرت فيما أظنني أفكر أنك تنوي على فعله فمن سينقذك من الموت الأكيد ؟
ضحك ابو حسن هازئاً من فاضل الجابر النحيل والتي يكاد النسيم أن يقتلعه من مكانه :
- هل تقوى على مقاتلتي أيها (المتعضرط )
- أنا ؟ .... لا ..ولكن هل تستطيع قتال الذي بين يدي ؟
قال جملته وفتح يديه ليكشف عن يدٍ مصابة بمرض جلدي تسقط منه القلوب رعباً وتقززاً قتراجع ابو حسن بحصانه مذعوراً :
- ابتعد أيها الموبوء. وإلا أسقطتك بسهامي .
نظرت ملكة المنبوذين إليه بكل قسوة وقالت :
- وهل سهامك تكفينا جميعاً ؟
انفجر الموقف وأصبح واضحاً أن الكفة تميل لصالح من ! وكأن المنبوذين اكتشفوا للتو سلاحهم المفقود فتراجع الثوار بجيادهم للخلف فحاول قائدهم أن يسترجع زمام الأمور :
- أتينا للطائرة الساقطة بجواركم .
- وماذا تريد منها ؟
- الحديد منها يا جلالة الملكة .
ربما هي المرة الأولى التي ينادي فيها أحدهم من خارج الجزيرة غادة بهذا الاسم بدون سخرية فشعرت أنها علامة من علامات خلاصهم وأن الفرج أتٍ :
- وماذا تريدون من الحديد منها ؟
- لصنع السيوف والرماح .
- لتقتلوننا بها ؟
- لا يا مولاتي .. لمحاربة أبو حسام وأزلامه كما تعلمين .. انتم منذ زمن بعيد خارج دائرة الحرب هذه .
- قل لمولاتك .. نستطيع أن نعطيكم الحديد هنا .. ولكن بثمن ..
- بثمن ؟
- هي ملكنا ما دامت في جزيرتنا .. نحتاج لبعض الأطعمة والملابس الجديدة .. إن أردتم الحديد فخذوه ولكن بمقابل .. عد لمولاتك وقابلني غداً .
وكز أبو قدس حصانه وأمر جنوده بإتباعه إلى خارج الجزيرة . وقبل المغادرة رمى فاضل الجابر بكرة صغيرة على ظهر ابو حسن الذي تطلع إليه بغضب ووعد نفسه بجز رقبة هذا المتعضرط في أقرب فرصة .

يتبع

الأحد، 12 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 4






( 4 )
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
Renad
ازهار بريه
ريان

امتزجت صرخات الخوف مع ضحكات الهستيريا المجنونة في الجزيرة الإمبراطورية ، وجهز جلاد الموت أحمد علي سوطه الغليظ لينهال ضرباً على أجساد ضحاياه عندما يتلقى إشارة التعذيب من مولاه الإمبراطور أبو حسام . ولكن قبل الشروع في ذلك ارتمى سنابسي الهوى بين رجلي سيده وقبلها قبلة طويلة فنظر إليه أبو حسام نظرة غاضبة :
- ماذا تريد أيها المهبول ؟ منذ عرفتك ولم القى منك غير المصائب وأخرها أن تلك السمينة المخبولة تصبح أبنتك ... سوف أعاقبكما ومهما توسلت إلي لن ينفع ... مائتين جلدة لكل واحد منكما .
اصفر وجه ~ زمردة ~ عندما سمعت هذا الرقم المخيف ولكن سنابسي الهوى نظر إلى سيده بعينيه الحمراويتين :
- لا اطلب منك الصفح فنحن نستحق ذلك .
- ماذا تريد إذن ؟
- أتحمل عقابها .
- الأربعمائة جلدة ؟
أومأ سنابسي الهوى بانكسار فضحك على أثرها أبو حسام وقال لجلاده :
- اجلد كل واحد منهما أربعمائة جلدة .
عاود سنابسي الهوى وتمسك برجلي سيده :
- سوف أتحمل عقابها
نظر إليه أبو حسام مشدوهاً :
- تتحمل ثمانمائة جلدة ؟
- أجل
- لن تتحملها أيها الخرف .. ليس خوفاً عليك كما تتصور ولكن من الذي بعد موتك يطبخ لي شاي العصرية فلا يوجد غيرك في الوقت الحالي من يضبط الشاي والمعسل كما أريده .
- سوف أتحمل ذلك
قال جملته واتجه ناكساً رأسه تجاه الشجرة ومد يده طالباً من الحراس تقييده قبل أن يضاعف الإمبراطور عقابه .
نظرت ~ زمردة ~ تجاه أبيها مشدوهة بما فعل ولكنها زمت فمها وصرخت بأعلى صوتها :
- إن كنت ستظن أنك بعملك هذا ستجعلني أسامحك فأنت مخطئ .
لم يجبها والدها صاحب العيون الحمراء من شدة البكاء وأغمض عينيه وحالما شرع الجلاد بضربه بالسوط أطبق فمه بكل قوة لكي لا يتسنى لأحد أن يسمع أنينه .

انتهت الثمانمائة جلدة وقد سالت الدماء بغزارة من جلد الشيخ الكبير وعلى أثرها حمله الحراس ناحية الخيمة لتطبيبه من قبل ما يسمى بالمعالج .
أما ~ زمردة ~ التي صلبت في جذع شجرة فقد كانت تتأمل والدها المضروب بالسوط لكي يفديها من موت محقق بعد أن هجمت على أبو حسام في محاولة فاشلة لقتله ولولا توسل والدها للطاغية لكانت رأسها الآن يلعب به أطفال الجزيرة مثل كرة القدم الشهيرة . كم كانت تكره نفسها في هذه اللحظة ، رجل يمن عليها وليس أي رجل أنه الرجل الأكثر كرها وحقداً في حياتها ، نظرت من خلف نظارتها السميكة إلى صديقتها آلاء الجزعة والمنهارة و التي بدأت تستوعب ما يجري والمصلوبة بجانبها فحاولت أن تتلمس بأطراف أصابعها يد صديقتها لكي تهدئ من روعها ولكن الأخيرة أخذت تولول كالعجائز ولولا القيود لنثرت الشعور وشقت الجيوب ولطمت الخدود فاحمرت عيناها وسال اللعاب بغزارة من فمها الكبير مما أثار الاشمئزاز في عيني من يراها وخصوصاً أبو حسام الذي ما أن رآها حتى أشاح بعينيه عنها ولكن آلاء صرخت صرخة مدوية ومتوحشة في نفس الوقت أطاحت بقلوب الرجال وتوقف الجميع عن الرقص والفرح كما أمرهم الامبراطور ونظروا تجاهها .
أستجمع أبو حسام شجاعته بعد المفاجأة غير المتوقعة وأمر بإحضار السيدتين المصلوبتين ليتقصى عما سبب الصرخة فأحضروهما وهما في حالة يرثى لها وخصوصاً آلاء التي بدأت منهارة تماماً ، نظر إليها الإمبراطور الطاغية نظرة جبار متغطرس :
- ما وراءك يا امرأة ؟
- لا شيء يا سيد الكل ؟
تعجب أبو حسام عند سماعه هذه الجملة فلم يسبق لأحد أن ناداه بهذا الاسم من قبل فعلم أن الصرخة لم تكن احتجاجية ولكنها قد تكون استعطافية ، فقطب حاجبيه وقال :
- إذن لم كانت صرختك يا عجوز النحس ؟
نظرت إليه آلاء نظرة جزعة وأخذت تتلفت يمنة وشمالاً باحثة عما يخيفها :
- وزغ .. أجل أنا أخاف من الوزغ .. أموت ولا أراها
ضحك أبو حسام عند سماعه هذه الجملة ونظر في الجهة التي تم أخذ سنابسي الهوى إليها :
- لقد كسبت اليوم عضواً جديداً في فرقة المهرجين ...
تنحنح أحمد علي محتجاً :
- هل عفوت عنهما ؟
- بعد هذا المشهد الكوميدي من المهرجة الجديدة ما أسمك يا عجوز ؟
سقطت آلاء عند رجلي سيدها وقالت :
- آلاء يا سيد الكل .
- نعم .. آلاء ... أسم لا يدل على صاحبته .. المهم بعد هذا الذي قدمته لنا فقد قررت أن نعفو عنهما
ولكن سوف تعمل ابنة سنابسي الهوى في المطبخ الإمبراطوري ، قسم تقشير وتقطيع البصل وهذه العجوز مع المهرج سنابسي الهوى .
كادت ~ زمردة ~أن تصرخ بقوة محتجة على هذا القرار ولكن تذكرت والدها المسجي الآن على الفراش بفعل الثمانمائة جلدة فألجمت غضبها إلى حين .

بالقرب من منجم الفحم كانت هناك عينان تراقبان بواسطة المرقاب المقرب ما يجري هناك ، صاحبة العينين تدعى Renad، سماتها الوحشية تجعل من يراها يجفل لأول وهلة ، ظلت Renad تراقب الوضع وهي تسحب ببطء شديد أحد السهام الموجود في جعبتها الخلفية وبدون سابق إنذار وضعت السهم في القوس بسرعة متناهية ومباشرة وجهته إلى أعلى حيث مر في تلك اللحظة طائر صغير يحلق على بعد مرتفع . اخترق السهم صدر العصفور محدثاً صوتاً أشبه بالأزيز ، لحظة واحدة والعصفور المسكين بين يديها التي لم يتغير وضعها في مراقبة المنجم ، استمرت Renad في المراقبة بينما فمها يلوك رأس العصفور الصغير .

شعر jawad بصداع شديد يملأ رأسه بسبب الروائح الغريبة المنتشرة في كل مكان من حوله ، حاول أن يفتح عينيه ولكن الضوء الباهر جعله يتراجع عن ذلك وببطء شديد بدأ يتحسس المكان الذي هو فيه وهاله وجود ثلة من الفتيات الجميلات يحطن به ، ابتسم في وجههن وحاول أن ينهض ولكن أحداهن أمسكت بمعصمه برفق وقالت :
- مهلاً أيها الوسيم جراحك لم تبرأ بعد .
- أين أنا ؟
- في خيمتك ... ما اسمك أيها الوسيم ؟
حاول أن يتذكر اسمه ، ضغط على رأسه بشدة ، تلوح له بعض الذكريات من هنا وهناك كأنها طيف أو سراب ولكنها تتراجع فجأة بصورة مخزية :
- لا أتذكر .
ابتسمت الفتاة الأقرب إليه واقتربت منه بوجهها ورائحة العطر النفاذ تفوح منها :
- لا بأس أيها الوسيم ... أنا أدعى
ازهار بريه وهذه مساعدتي ريان
ابتسمت ريان ابتسامة عذبة في وجه المريض المبهوت مما يجري :
- مرحبا يا ......
- ليتني أتذكر يا جميلتي
- أممممم سوف اسميك .. ماذا أسميه ؟ نعم اسمك منذ الآن ..
- تذكرت أسمي jawad
ضحكت ريان ضحكة مجلجلة اهتز على أثرها قلب jawad ما بين عشق وخوف ، فهكذا نعيم لا يمكن أن يصدقه عاقل أو لا يمكن أن يتواجد حتى في عالم الأحلام ، تلفت في جميع أنحاء المقصورة واطلق العنان لبصره في ما خلف الباب المفتوح فلم يرى إلا فتيات جميلات يتهادين في خطواتهن ضاحكات مستبشرات . التفت إلى محدثته الجميلة ريان التي سلبت عقله وقال :
- لم تقولي لي يا جميلتي أين أنا بالضبط ؟ في الجنة ؟
ابتسمت الفتاة ابتسامة عريضة وشردت بفكرها قليلاً وقالت :
- لا .. أنت في جزيرة الأمازونيات .
- أماز .... ماذا ؟
- جزيرة تقطنها الفتيات فقط ؟
- والرجال ؟
- لا يوجد من بيننا رجل سواك .
قالت هذه الكلمة تصحبها ابتسامة ترجمها jawad بمعاني كثيرة فأطلق الخيال لنفسه وشرد وحلق حتى غاب عن الوعي .
حالما أغمض عينيه اتجهت ريان خارج المقصورة الفخمة إلى رئيستها ازهار وابتسمت ابتسامة ذات مغزى فبادلتها الأخيرة ذات الابتسامة وقالت :
- حضري الفتيات لاصطياد فريستهن الجديدة .
- مثل من ؟
- أي واحدة لديها الاستعداد .
- القادمة الجديدة ؟
- لم نتأكد من صلابتها بعد . أجلي البث في أمرها نخشى أن تكون مثل تلك الخائنة اشتباه
- وماذا عن الوشق ؟
- ليس الآن ... أطعموه ببعض الدجاج والبهائم حتى ننال مرادنا من الصيد الجديد .

عند المغيب كانت الشمس الأرجوانية تحاول التشبث بما لها من قوة وسطوة في البقاء ما يمكنها ولكن دائرة الزمن تأبى ذلك فتستسلم لإرادته القدرية فتختفى من وراء البحر الغامض الذي يحتوى على جزر عدة كل منها يحتوي على عوالم مختلفة ، في أحدى الجزر وبالذات في جزيرة المنبوذين اقترب الحصان الأبيض الذي تمتطيه اشتباه من المياه العميقة بعد تردد شديد ولكن وكزات من رجل صاحبته جعلته يسرع في المشي ومن ثم السباحة في المياه الباردة ، حالما لا مست المياه جسد الفارسة ارتعشت بشدة فكم كانت تكره البرودة ولكن مهمتها هذه تتطلب منها التغاضي عن المشاعر وعما تحب وتكره فحزمت أمرها بعد لحظة ضعف وتردد وعاودت وكز حصانها الجميل .

في الشطر الآخر من جزيرة المنبوذين كان القوم هناك يتحلقون حول شبح امرأة اعتبروها منقذتهم فأحاطوها بالعناية ومحاولة استغلال معرفتهم بعلم الأدوية التي تبرع فيه ملكتهم غادة لمعالجة الجروح والحروق في وجه المرأة الغامضة التي أصبحت مشوهة بشكل يلقي الرعب في قلب أشجع الشجعان ، كانت هي zamob ، العروس الجديدة والتي لم يمض على زواجها شهران . عندما ارتفعت الطائرة عند نهاية عبورها النفق كانت لوحدها في ذيل الطائرة المشتعل ، نظراتها الأخيرة قبل الدخول في عالم الغيبوبة كانت تتركز على زوجها بحراوي الذي بدأ يائساً من إنقاذها فاستسلمت لما هي فيه وأغمضت عيناها ولم تفتحها إلى الآن فقد دخلت عالم الغيبوبة المتواصل رغم محاولات المنبوذين المستمرة في إعادتها إلى وعيها بشتى الأساليب الممكنة من بخور الأعشاب الحنظلي إلى صفعات الوجه المتتالية بواسطة أعشاب البابونج المخلوط بدم السحالي والعناكب حتى استقر أمر ملكتهم على معالجتها بواسطة الصعقة الكهربائية عن طريق البروق المتتالية على الجزيرة بعد ساعات قليلة في مثل هذا الأيام فحملها بعضهم وربطها جيداً على سارية فوق قمة الجبل لتهب الرياح وتسقط صاعقة السماء عليها لعل وعسى أن تفيق هذه المخلصة .

بعد أن استقر القوم أسفل الجبل فوجئ الجميع بوجود اشتباه وهي تنظر إليهم نظرة شك وارتياب وخصوصاً بعد ارتباكهم جميعاً . نظرت الفارسة الصنديدة خريجة مدرسة الأمازونيات نحو ملكتهم غادة المحاطة ببعض المنبوذين والمصابين بمرض الجذام وفي مقدمتهم خادمها المخلص فاضل الجابر الذي بدا منظر عينيه الغائرتين مثيراً للرعب أكثر مما هو مثير للشفقة فتراجعت اشتباه قليلاً عندما نظرت إلى عينيه ولكنها لم تبد أي خوف ظاهري منهم وقالت بصوت حازم :
- ماذا تفعلون بالقرب من الجبل ؟
تلعثمت ملكة المنبوذين وهي تحاول مدارة ما حصل
- نستنشق الهواء .
- ولِمَ هنا ؟
- إنه وقت الغروب والحرارة تخف الآن .
- هل رأيت الطائرة الساقطة ؟
حالما نطقت اشتباه بهذه الجملة وضح الارتباك أكثر على وجوه المنبوذين فنظرت إليهم نظرة حادة وعلمت أن هناك ما يخفونه فشهرت سيفها الفولاذي في وجه الملكة حتى اقترب نصله من ذقنها :
- ماذا تخفين عزيزتي غادة ؟
- أقسم لك .... لا شيء .
- ماذا يوجد في أعلى الجبل إذن ؟
زاغت عينا الملكة وأدركت أن أمر المخلصة سوف يكشف إذا لم تنقذ ما يمكن إنقاذه :
- وأنتِ لم أتيت إلى هنا ؟
- للبحث عن ما تحتويه الطائرة .
- وماذا تحتويه ؟
- ما رأيك أنت ؟
- لا أعلم عما تتحدثين .
- الشوكلاتة .
- الشـ ... ماذا ؟
- الشوكلاتة
تدخل صاحب العيون الزائغة - فاضل الجابر - في الأمر لتصحح المعلومة :
- قصدك الشكولاتة .
نظرت إليه فارسة الأمازون بحدة وقالت :
- لا يهم .. اين هو ؟ هل هو في أعلى الجبل ؟
- تنفست غادة الصعداء داخل قرارة نفسها وقالت :
- ربما هو في الطائرة .
- وإن لم يوجد هناك ؟
- ماذا ؟
- لابد أنه في أعلى الجبل أنتم تعلمون أن سيدي أبو حسام يعشقه ولهذا أنتم أردتم اخفاءه عنه إن كان ذلك فابشروا بحرب لا قوة لكم فيها وبالفناء والثبور وعظائم الأمور .
بلعت الملكة ريقها بصعوبة وتحسست عنقها جيداًَ وتمنت في قرارها أن تجد هذه المعتوهة ما تبحث عنه لكيلا يفتضح أمرهم .




يتبع

الخميس، 9 سبتمبر 2010

الحلقة الأخيرة من حكايات سنابسية هل وجدت ؟

هناك الكثير ممن كان يتابع حلقات حكايات أعضاء منتدى سنابس في الجو والبحر واليابس ( والذي تم نشر معظم حلقاته في أحد المنتديات ) يتوجه بسؤاله لي إن كنت قد أكملت الحلقات أم لا
حقيقة الأمر نعم اكملتها للحلقة 40
وكان هذا هو نهاية الجزء الأول الذي أكملت فيه قصة عنيد السنابس وأخته العميدة ولكني لم انشر أي حلقة منذ توقفت وبالطبع هي غير قابلة للنشر أيضاً لأسباب مختلفة لاداعي لذكرها هنا

ما الذي جعلني أطرح الموضوع وأثير ذكريات لا تهم الكثير ممن يدخل مدونتي ( عجبتني كلمة الكثير :) )
الذي جعلني بذلك قيامي مؤخراً بحفظ ملفاتي وأوراقي في مكان استطيع الرجوع إليه وبينما كنت اتصفح الملفات وجدت الحكايات ، جلست فترة طويلة اقرأها ترافقني ابتسامة لما حدث للسلطان صافي الحزيز ووزيره ياسر والأمير زهدي وزيباج وعنيد السنابس وأخته العميدة والأهم من ذلك الأميرة صاحبة الظل الخفيف الأميرة مرح ( والتي حالما وضعت لها دور الأميرة العانس في القصة خاصمتني وانسحبت من المنتدى :) )

سوف اضع لكم مقطع من الحلقة 40
اتمنى أن ينال اعجابكم







في السلطنة وبعد رحيل الأمير زهدي كان اجتماعاً حافلاً في القصر السلطاني الذي كان من المقرر فيه تشكيل مجلس الوزراء في دورته الجديدة ، كان الوزير ياسر مرتبكاً بعض الشيء فعندما أخبره الأمير زهدي باختياره من ضمن المجلس شرع في أحلامه مجدداً في كونه رئيس الوزراء المقبل فأخذ يتمرن قبل الموعد على الخطبة الحماسية التي سوف يلقيها بهذه المناسبة .
أخذ يتطلع لوجوه الحاضرين لاحظ وجود سيدة ملثمة تبرق عينيها بشدة ولم يستغرب الأمر فوجود سيدة من ضمن الوزراء هو من توجهات الحكومة بعد الانفتاح السياسي التي تنتهجه بعد قضية الإرهاب وهو ما كان سيقترحه بعد تعيينه ، أين سيكون منصبها ؟ لايهم حتى وإن كانت وزيرة للخدم في القصر السلطاني . ابتسم الوزير وهو يتخيل تلك السيدة وهي لابسة ملابس الخدم وفوقها بشت الوزير .
تعالى صوت نفير الأبواق إذاناً بدخول السلطان صافي الحزيز الذي كان جالساً فوق كرسيه المتحرك تدفعه الأميرة MaRh ومن خلفها زوجها ليدر الذي تصالحت معه ، حالما وصل السلطان بالقرب من المنصة حاول الوقوف ليلقي كلمته إيذاناً بالبدء في الاحتفالية ولكنه عجز عن ذلك فقد ارتعشت ركبتاه بشكل واضح فتمسك بالمنصة حتى استطاع الوقوف ثم ابتسم ابتسامة عذبة :
- لم أزل قوياً ، فأنا باستطاعتي حمل جمل
ضحك وضحك معه الحضور ولكن حالما التقت عيناه بعيني أم هزار تذكر لحظتها أبو زهراء وهو يحمله إلى الطابق العلوي ، عاد الهم من جديد إلى نفسه وتغبن وانطفأ نور عينيه بعد أشعاعهما عندما تصالح مع أبنته التي وافقت على مضض من زواجه .
تنحنح وطلب من رئيس الوزراء الجديد أن يتقدم ليعلن اسماء الوزراء .
تطلع الجميع لبعضهم البعض وخاصة الوزير ياسر الذي استعد للوقوف ولكن كلمات السلطان عندما اعلن اسم أبو جواد السنبسي جعلته يتراخى وتزوغ عيناه رغم أن يده كإنسان آلي كانت تصفق بحرارة والوزير الشاب يتقدم بكل حماس محمر الوجه ،
تقدم أبو جواد السنبسي وقبل كتف السلطان ويده واعتلى المنصة وخطب خطبة مرتجلة وبسيطة عاهد فيها السلطان بأن يبذل كل جهده لجعل السلطنة في صفوف المدن المتقدمة خلال الخمسية القادمة . فتح أبو جواد السنبسي وقام بإعلان أسماء الوزراء واحداً واحداً وفي كل مرة يتقدم الوزير ويقدم التحيات ويلقى قسمه عندالسلطان والملأ الحضور . كان أبرز الوزراء المختارين وزير الخارجية والتي استلم حقيبتها الأمير زهدي الغائب في مهمة ديبلوماسية في جبال القارة والأميرة MaRh التي تولت حقيبة وزارة المرأة والمتدقدق الذي تولى حقيبة وزارة المال والأعمال وأم هزار مستشارة السلطان و التي أثارت الاستغراب في طريقة قسمها حيث جاءت بمعية معاذ 3 واعطته الورقة وقرأها على العلن .
شعر الوزير ياسر بالغبنة الشديدة وهو يرى خلو اسمه من القائمة وقد خلت المقاعد عداه ، فدمعت عيناه وأنشلت الجهة اليسرى من وجهه وعجز لسانه عن الحركة ، ولم يكن أحداً منتبهاً إليه إلا بعد أن اقترب رئيس المخابرات أبو عبدالله الذي جدد له منصبه من السلطان وهمس في أذن مولاه وكأن السلطان قد نسي وزيره المحبوب فتنحنح وطلب من أبو جواد السنبسي أن يسند مهمة إلى الوزير الحزين .
اعتدل أبو جواد السنبسي فوق المنصة :
- وأخيراً وليس أخراً .. الوزير ياسر الذي يتولى حقيبة تشريفات القصر السلطانية
شعر الوزير ياسر بأنه كان يتمنى لو تنشق الأرض وتبلعه على أن يسمع هذه الكلمات فنظر تجاه المستشارة بعيون دامعة وقام من مكانه وبطريقة آلية تلا القسم وأشاح بنظره عن السلطان الذي شعر بتأنيب الضمير لما فعله بوزيره المخلص .
قبل أن يغادر الوزير لينضم لبقية الوزراء لأخذ الصورة التذكارية استدعاه السلطان وربت على كتفه ومسح على رأسه فأجهش الاثنان بالبكاء مما فسرته الصحف على أنه عاطفة أبوية صادقة من قبل السلطان لأبنائه المواطنين ।


:)

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

جزر الغموض - 3








( 3 )


الوجوه الجديدة في هذه الحلقة
غادة
فاضل الجابر

فجأة لمحت~ زمردة ~ طيفه يظهر لها من بين ألوان قوس قزح المصطبغة مع لون السماء بينما كانت الطائرة تهوى ولا وقت لأن يكون لأحدهم فرصة لأن يتفكر أو يتأمل ، بقدر ما فوجئت بذلك بكثر ما شعرت بالكراهية الشديدة نحوه فربما كان هو السبب الأول لكرهها الرجال ، لن تنسى لحظة واحدة معاملته القاسية لوالدتها وضربه إياها بسبب أو بدون سبب ولن تنسى لحظة واحدة كيف تخلى عنهما في أكثر الأوقات حاجة له رغم توسلات والدتها له بالبقاء ولكنه رحل ببساطة مع صفعة على وجه الأم ونظرة حاقدة للابنة تلتها رفسة في الخاصرة ، كرهته وكرهت معرفتها إياه ، أوقات عصيبة من القهر والذل وهو يأتي إلى المنزل ثملاً بعد حفلاته الصاخبة مع أصدقاء السوء الذين يرافقهم ، وشتى أنواع العذاب يلحقه بعائلته وسرقاته غير المنتهية للنقود التي تدخره زوجته لمصاريف المنزل .
غادر ولم تعرف عنه شيء بعد ذلك ، ولم يلوح لها طيفه قبل الآن فقد كانت تكره سيرته من أعماق قلبها ولا تحب أن يذكرها أحداً لها ، وكم وبخت والدتها التي ماتت فيما بعد بالمرض الخبيث عندما تحن إليه أو تذكر بعض المواقف الضاحكة لهما .

أصبحت الطائرة تتجه بسرعة مهولة إلى البحر و izaq عاجز عن التحكم بها وقد انقطعت الكهرباء عنها بشكل غريب ومفاجئ فتيقن بالهلاك واستحالة النجاة إلا بمعجزة ولا يظنها سوف تأتي إليهم فتلفت مودعاً صديقه هاني بن محمد الذي بدأت هلوسته وجنونه في الظهور بشكل غريب حتى أنه قام من مكانه بصعوبة وأخذ قضيب معدني وأخذ يضرب النافذة بشدة ليكسرها ، حاول izaq أن يمنعه ولكن ميلان الطائرة وترنحها في الجو صعب الأمر عليه ولم يصل إليه إلا بعد أن تسرب الهواء العاصف إلى قمرة القيادة فاصطدم izaq بالجدار وأغمى عليه .

شعر jawad أنه ينجرف إلى مؤخرة الطائرة المشطور فحاول أن يتمسك بالمقعد الذي بجانبه ولكن يده انزلقت منه فنظر تجاه زهدي الذي كان بيده الشريط المطاطي فنظر إليه نظرة رجاء أن يمد إليه الحبل ولكن وربما بسبب الخوف والهلع الذي أنتاب الطبيب البيطري فقد عجزت يده أو أي جزء من جسمه الإتيان بحركة تدل على الرغبة بالمساعدة فأغمض عينيه ونكس رأسه .
أخذ الهواء المتدفق بقوة يجرف jawad إلى الخلف رغم أن الطائرة كانت تهوي للأسفل وكأن قوة مغناطيسية تجذبه ولم تفلح جميع محاولاته في التمسك بشيء ما فنظر بيأس تجاه الركاب الذين تشبثوا في مقاعدهم وأغمضوا عينوهم في انتظار النهاية المؤلمة .
انزلقت أصابع jawad من طرف الطائرة وطار في الهواء لحظة توقف الطائرة أو تعلقها بطريقة عجيبة في الهواء بشكل مفاجئ سقطت بعدها وانزلقت على صفحة الماء ثم اصطدمت برمال الشاطئ بقوة فتطايرت الشظايا الخارجية وتكسرت النوافذ وانقلبت رأساً على عقب .

فتحت زينب عبدالله عينيها بعد الصدمة المهولة فوجدت معظم الركاب في حالة إغماء إلا من البعض الذين أفاقوا وهم في حالة هستيرية بين البكاء والألم ، وجدوا أنفسهم في هذه الحالة المزرية وبعض الدماء تنزف منهم بشكل متقطع من الأنف أو الفم . حاولت الحراك ولكنها لم تستطع فالحزام الذي ربطته في لحظة استقرار الطائرة اللحظي منعها من الحركة وشد على خصرها بقوة فحاولت التخلص منه ولكنها لم تفلح ، انتابها شعور بالنعاس فاستسلمت له بدون مقاومة تذكر فاستغرقت في نوم عميق وقد بدأ رأسها ينزف من جديد .

كم من الزمن مضى ؟ أين هو الآن ؟ لم يستطع jawad أن يجيب على هذين السؤالين سوى الشعور بمزيد من الألم في جميع أنحاء جسمه وخاصة منطقة الوجه التي يشعر فيها بالحرارة الشديدة تكاد أن تسلخ وجهه ، حاول أن يتذكر ما بعد سقوطه من الطائرة ولكنه فشل في ذلك سوى تعلقه للحظات في وسط السماء بفعل قوى مجهولة بعد احتكاك شديد في الهواء جعل ملابسه تتمزق وربما تحترق ، أغمي عليه بعدها ولم يستيقظ إلا وهو على الرمال الناعمة التي أضافت لعذابه مزيداً من العذاب ، تلفت يمنة ويساراً ليستطلع المكان الذي هو فيه ولكن الرؤية رغم قوة الضوء لم تكن واضحة فعلى ما يبدو أن احتكاكه الشديد قد أثر على رؤيته البصرية فحاول أن يستسلم للنوم أو يتحرك من مكانه بعيداً عن أشعة الشمس الحارقة ولكنه فشل في ذلك فيبدو أن أحد رجليه أو كلاهما قد أصابهما الكسر وربما الشلل، لم يستطع أن يحدد بعد ، ولكن وفي لحظات المحاولة للخروج مما هو فيه سمع خطوات حذرة تقترب منه ، أصاخ السمع جيداً ولكن الحركة توقفت ، كل ما كان يخشاه ويخاف منه بل يرتعب منه أن تكون هذه الأصوات هي لبعض الكلاب أو الحيوانات المفترسة فأصابه الذعر لمجرد التفكير في ذلك .
اطمأن قليلاً عندما أستطاع أن يميز أن الخطوات هي لبشر لا لحيوان فحاول أن يستنجد ولكنه صوته خانه وكاد أن يصرخ بقوة عندما شعر أن يد أحدهم تجره بدون رحمة من يده على الرمال فانطلقت آهة بأنين مكتوم منه تخفي في داخلها صرخة عظيمة .

فتح izaq عينيه بصعوبة فحاول أن يلتفت بحثاً عن صديقه هاني بن محمد ولكنه فشل في ذلك فقد شعر بأن يديه ورجليه مقيدتين وهو ملقاً على بطنه فصرخ بقوة وهو يستنجد بمن حوله ولكن ركلة من اشتباه في خاصرته ألجمت الصرخة في مكانها فاغرورقت عيناه بالدموع بديلاً عن صرخته المتوحشة وحاول أن يستجمع شجاعته من جديد والتفت ناحية جهة الركلة ولكن قدم اشتباه كانت بالمرصاد حيث وضعتها على رأسه وهي تتكلم مع أحد الجنود :
- هل هناك المزيد منهم ؟
- هذا هو أخرهم .. يبدو أنه قبطان الطائرة ؟
- وحيداً في قمرة القيادة ؟
- على ما يبدو ذلك .. ولكن إحدى النوافذ كانت مهشمة .
- ربما بفعل السقوط .
قالت جملتها الأخيرة وأمرت الحراس بوضع القبطان في العربة مع بقية الأسرى ، حمله أحدهم بخفة والقاه وكأنه كيس قمامة في العربة فوقع على زهدي الذي بدأ يستيقظ لتوه وعندما شعر بحالته بدأ يبكي كطفل صغير منادياً أمه ( رحمها الله ) ويتأسف لأبنائه على تقصيره معهم وبحثه الدءوب عن المال والمتعة بدلاً من رعايتهم رغم نظرة الحزن في عيونهم كأنهم يتامى إلا أنه تغافل عن ذلك وانطلق وراء شهواته ، فأخذ يتذكر ماضيه الأسود ( من وجهة نظره ) ويعدد الأمور التي كان يجب أن يعملها وتأسف كثيراً أنه لم يحج لبيت الله رغم قدرته على ذلك وفضل السفر مع صديق السوء الذي معه في رحلة لم تكن بريئة إلى بلد الأحلام . فندم وعض شفاه الندم لحظة التقاء عيناه بعيني نسيم الذي كان يشعر بالشعور ذاته فكره صديقه هذا أشد الكره وتمنى لحظتها لو كان يمتلك آلة الزمن ليكفر عن خطيئته وقال في نفسه بصوت مسموع :
- رب أرجعون
وحاول أن يصرخ من جديد ولكن رجل ~ زمردة ~ التي بدأت لتوها في استيعاب ما يجري سدت فمه الممتلئ باللعاب من شدة البكاء ، أخذت ~ زمردة ~ تحاول أن تستنجد بصديقتها آلاء التي يبدو وكأنها مازالت مستغرقة في نومها ، عرفت ذلك من خلال صوت تنفسها الذي حفظته عن ظهر قلب طوال الرحلة المشئومة ، فغرقت في دوامة من التفكير في هذا الأمر الغريب .

جزيرة المنبوذين ، يقطنها من لا هوية له ومن لا إنتماء له فهو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، نبذهم الجميع سواء نظام أبو حسام أو الثوار فعزلوا في هذه الجزيرة وأقيمت الحراسة المشددة عليهم لكيلا يخرجوا من هذا المكان – السجن .
جريمة سكان الجزيرة متنوعة فمن مرض معدٍ إلى عدم القدرة على العمل بسب الإصابة أو المرض أو التقدم في السن ، جزيرة المبوذين هي جزيرة من لا جزيره له ، منفى محاط بأشجار الأثل والأعشاب البرية المتنوعة والتي وجدها بعض السكان محاولة أخيرة لشفاء بعض الأمراض المستعصية فانتشر بينهم الدجل والشعوذة والسحر .
عندما سقط الجزء الآخر من الطائرة هلعت ملكة المنبوذين غادة ، ( والتي انتخبها الشعب لحكمتها وبراعتها في فن الطب الشعبي والسحر والشعوذة وقراءة الحظ ) ، فرمت بحجارتها الصغيرة الملونة لتستجلب علم الغيب ومعرفة ماهية الجسم الساقط من السماء فزاغت عيناها ونظرت تجاه خادمها فاضل الجابر التي انتقل إليه الخوف وسألها :
- خيراً يا سيدتي الملكة ؟
- هلم بنا إلى الشاطئ فالأرواح تنبئني أن الخلاص قرب وقته .
انطلقت الملكة غادة ومعها حاشيتها إلى الجزء المشطور والذي ينطلق منه الدخان بكثافة وحالما وصلوا إلى هناك ظهر شبح من خلال الدخان يترنح فجثا الجميع للشبح الأسود وهم يهتفون :
- عاش مخلصنا القادم من السماء ، عاش الذي كنا ننتظره منذ سنين عديدة .

وصلت القافلة التي كانت تسير ببطء شديد نحو مركز القيادة وحالما توقف الجميع ترجلت اشتباه من حصانها وتقدمت نحو سيدها أبو حسام الذي أضاف عليه ضوء الشمس لحظة الغروب منظر بهي ومهيب وقبل أن تصل إليه التفت ناحية جلاد الموت أحمد علي الذي ابتسم تجاهها ابتسامة متوحشة أظهرت سنه الذهبي فبلعت ريقها بصعوبة بالغة وتقدمت إلى مولاها أبو حسام ومعها التحية بإجلال وتقدير :
- هاهم العبيد بين يدي سيدي .
نظر إليها أبو حسام وأخذ يلتفت وكأنه يبحث عن شيء ينتظره بفارغ الصبر :
- وأين هي علب الشوكلاتة ؟
- لم نجد شيئاً يا سيدي ، فلربما كانت في الجزء الأخر من الطائرة .
غضب أبو حسام لدى سماعه هذا النبأ المزعج فصفع أشتباه بكل ما أوتي من قوة :
- أنت تعلمين مدى حبي للشوكلاتة . كان عليك الذهاب للشطر الآخر والبحث عنها .
- الشطر الأخر كان سيسقط بالقرب من جزيرة المنبوذين .
- حتى ولو كان بالقرب من موقع الثوار . لقد فشلت في مهمتك .. كان عليَّ منذ البداية نفيك إلى المنجم
فوراً ما أن سمع أحمد علي هذا القرار حتى استل سيفه الفولاذي وأخرج قيوده مكشراً:
- هل تريد نفيها الآن يا مولاي أم حز رقبتها ؟
فوراً جثت اشتباه عند رجلي سيدها :
- لا يا سيدي .. أرجوك .. سوف انطلق الآن وبأقصى سرعة إلى المكان المحدد وأتيك بها .
قالت جملتها الأخيرة وحملت نفسها بسرعة رغم ترنحها من شدة الضربة قبل أن يعترض سيدها وركبت حصانها وانطلقت مسرعة لا تلوي على شيء .

أخذ أبو حسام يتنقل من بين الأسرى الذين وضعهم الحرس أمام ناظريه ليقرر مصيرهم فمر بجانب زينب عبدالله المصابة في رأسها والتي لا تكاد أن تفيق فسأل عن حالتها فأخبره جلاد الموت الذي وصله التقرير المفصل من قبل عما فيها :
- اذهب بها إلى المعالج واجعله يداويها فأنا أريدها أن تكون في خدمتي خلال أسبوع واحد على الأكثر .

تابع أبو حسام جولته من بين الركاب الذي يملأ صدورهم الرعب لرؤيتهم إياه ونظر شزراً للطبيب البيطري وهو ينظر إليه بنظرة استعطاف فلطمه على خده سقط أرضاً على أثرها . وأمر حراسه بأخذه إلى منجم الفحم وقبل أن ينفذ الحرس أمر سيدهم كان الأخير قد التفت للنائمة بجوار ~ زمردة ~ والتي ملأ شخيرها المكان فوكزها بعصاه حتى جفلت وهي لا تعلم عما يحدث هنا فنظرت إليه بنظرة بها الكثير من الكسل وعدم الشبع من النوم فتثاءبت بملء فمها مما أغضب أبو حسام لرؤيته لأسنانها المتفرقة وهم بلطمها ولكن ~ زمردة ~ الغاضبة داخل قرارة نفسها والتي طفح الكيل فيها مما تراه هجمت على أبو حسام بكل قوة تريد الفتك به ولكن الزعيم القوي والذي فوجئ بحركتها الشجاعة ابتعد بسرعة عنها فوقعت على وجهها في التراب وسقط هو أيضاً بعدما سمع بعضهم صوت طقطقة عظام الضلوع ، وسرعان ما عدلت نفسها وهمت بالهجوم لولا ذلك الصوت المبحوح الذي جاء من خلف رجال أبو حسام وهو يقول :
- ~ زمردة ~ ؟ .. كفي عن ذلك
هلعت ~ زمردة ~ لسماعها هذا الصوت المألوف ، التفت ناحيته وكانت الصدمة غير المتوقعة :
- أبي ؟
نظر أبو حسام جهة الرجل العجوز باستغراب شديد وهو يقول :
- هل هذه أبنتك يا .... سنابسي الهوى ؟


يتبع

الخميس، 2 سبتمبر 2010

إندثار: جزر الغموض - 2

إندثار: جزر الغموض - 2: "( 2 ) الوجود الجديدة في هذه الحلقة حسب الظهور اشتباه أبو حسام سنابسي الهوى أحمد علي آلاء كانت النيران تشتعل بصورة رهيبة في مؤخرة الط..."

جزر الغموض - 2






( 2 )


الوجود الجديدة في هذه الحلقة حسب الظهور
اشتباه
أبو حسام
سنابسي الهوى
أحمد علي
آلاء

كانت النيران تشتعل بصورة رهيبة في مؤخرة الطائرة وجانبها الأيسر وقد أصابها ضرر كبير وأصبحت تتمايل بحدة بسبب فقدانها لأحد الأجنحة مما زاد صعوبة الأمر على قبطان الطائرة izaq فأصبح لا يعرف كيف يتحكم بها وأيقن في قرارة نفسه بهلاكه ومن معه فتحسر على شبابه ، وتخيل وجه عائلته يكتنفها الحزن لفقدان الشاب عشريني العمر صاحب الشعر الناعم ، فلابد أن أمه سوف تلوم نفسها بعدم إصرارها على تزويجه من ابنة عمه التي رفضها بشدة ولذلك لن تراه في أبنائه فعض على شفاهه ندماً وشعر بالحب الجارف تجاه ابنة عمه وكذلك ابنة خالته وابنة خاله وبنات جيرانه وصديقات أخته الكبرى والوسطى وحتى الصغرى البالغ عمرها ثلاث سنوات ، وتخيل ابنة عمه عنده تلقيها خبر ( استشهاده ) لابد أنها سوف تنكس رأسها قليلاً و تقول وهي تمسح دموعها من عينيها :
- حوباتي ( يستاهل )

انتفض izaq وهو يشعر بأن الطائرة أصبحت أكثر اتزاناً ولم تعد تتمايل بتلك الصورة المجنونة فأخذ ينظر بذهول إلى السماء من جميع الاتجاهات وقد تحولت الغيوم والرياح السوداء إلى نفق مضيء بألوان قوس قزح والطائرة تنطلق فيه بسرعة رهيبة .
نظر الكابتن ناحية مساعده هاني بن محمد فوجده يكلم نفسه بطريقة غريبة فعلم أنه قد فقد عقله فأنب نفسه فلولا أنه انقاد لهواه وانصاع لرغباته في ممارسة جنونه وتحدي العاصفة التي خسر الجولة معها لما أصاب هذا المجنون الجنون .

بدأت اشتباه تتلوى أثر الركلة القوية في خاصرتها من قدم أبو حسام الذي كان ينظر إليها بقسوة بالغة ، ورغم كل التوسلات من قبلها بأن يعفو عنها تجابه من قبله بمزيد من الصفعات و الإهانات وأخيراً الركلات ، كان العجوز سنابسي الهوى ينظر إلى الفتاة بمزيج من التعاطف والشماتة فهو يعلم علماً تاماً مدى إخلاص هذه الجارية لسيدها ومدى حبها وعشقها إلى التراب الذي يمشي عليه ، إلا أن غرورها واعتدادها بنفسها كثيراً أوصلها إلا أن تعارض كل من لا يعجبها رأيه حتى وإن كان سيدها المتجبر و المتكبر أبو حسام الذي يملأ قلب كل من يسمع باسمه بالرعب والجزع والفزع والخوف .
فكر العجوز بأن يتدخل لينهي معاناتها ولكنه بعلمه بشخصية الإمبراطور في لحظات غضبه منعه من ذلك . نظر أبو حسام إليها من جديد فأصدر أوامره إلى أحمد علي أو جلاد الموت كما يحلو البعض أن يسميه بأن يأخذ هذه العاصية إلى منجم الفحم لتعمل فيه بقية حياتها ، صرخت اشتباه تطلب العفو والمغفرة والتوبة بعدم تكرار هذا الفعلة وأن يفعل بها ما يريد إلا أن تعمل في المنجم الذي كل من يدخل فيه مفقود وليس هناك من يخرج منه ليكون مولود ولكن لا فائدة ترتجى ، وقبل أن ينفذ أحمد علي أمر سيده أضيئت السماء بوميض تلاه نور ساطع يملأ السماء ، شهق سنابسي الهوى قائلاً :
- منذ سنوات طوال لم يحدث ذلك .
- لابد أن بوابة السماء فتحت من جديد ...
نظر تجاه جلاده بنظرة حازمة وقال :
- أجمع الرجال فوراً وانظر ماذا يحدث فلابد أن ضيوفاً جدد قادمون .
أومأ أحمد علي لسيده علامة الفهم وقبل أن يغادر تشبثت اشتباه قدمي سيدها قائلة :
- أرجوك يا سيدي دعني أكون معهم ، أنت تعلم مدى خبرتي في مثل هذه الأمور
- أنت ؟ لا يمكن أن يكون ذلك .
وجدها سنابسي الهوى فرصة للتدخل بعد أن رأى أن القائد بدأ متردداً قليلاً في رأيه :
- دعها تثبت لك إخلاصها من جديد ، وبعد أن تعود قرر في أمرها
نظرت اشتباه إلى المهرج العجوز نظرة شكر وعرفان فأردفت :
- نعم يا سيدي أفعل بي ما شئت فأنا طوع أمرك
- حسن .. بعدها سوف أقرر ماذا أفعل بك .. هيا أجمعي الرجال ,اتجهي لناحية بوابة السماء ولا تدعي الثوار يسبقوك في هذا .
لمعت عيناها من جديد بذلك الوميض كمن عادت إلى حياتها من بعد ممات :
- سوف أبذل كل جهدي لأن أتيك بهم

وما أن غادرت اشتباه ممتطية حصانها الأبيض حتى التفت أبو حسام نحو مهرجه :
- أنا لا أعلم لماذا تدافع عنها وتتعاطف معها رغم أنها هي من فعلت بك ذلك عندما رمتك بسهمها أثناء عراكنا على الزعامة .
وأشار إلى يده المعوقة ، فأجاب المهرج :
- كان بالخطأ فقد كان قصدها قتل ( الوزغة ) من على كتفك ولكنها أيضاً هي من حافظت على حياتي من بطشك عندما اشتد غضبك ذات يوم علي عندما سقطت بصقة من فمي على حذائك بطريق الخطأ
- لم أكن لأبطش بك لهذا السبب .. بل كان تخويفاً إليك لأضحك على شكل وجهك الذي يتحول من الأصفر إلى الأحمر إلى الأخضر وكأنه إشارة مرور في تلك البلاد .
- نعم يا مولاي أعلم ذلك .
- متى سوف تظهر ؟
- من ؟
- السفينة أو الطائرة .. لا أعلم
- بين لحظة أو أخرى .. حسب نوع النفق
نظر كلاً من أبو حسام و سنابسي الهوى نحو السماء المضيئة بألوان الطيف وكأنها تستعد للاحتفال بقدوم الوافد الجديد .

كان الجنود يتأملون الشفق المضيء من بوابة السماء عندما سمعوا صهيل الحصان ، وذعروا عندما وجدوا أن اشتباه تأمرهم بالاستعداد للانطلاق فأصابهم الإحباط الشديد بعدم معاقبة سيدهم لها ونفيها بعيداً عنهم . وما هي إلا لحظات والجنود واقفون أمام البحر ينتظرون القادم الجديد . أخذت اشتباه تحسب زاوية النفق المضيء وتطلعت إلى الجهة المحتملة لسقوط الجسم :
- هناك سوف يسقط الجسم ، هيا بنا .
أومأ الجنود بالإيجاب ووكزوا أحصنتهم وانطلقوا بأقصى سرعة حيث الهبوط المتوقع .

بعد دوران الطائرة العشوائي ورعب الركاب داخلها توقفت عن الدوران واستقرت حالتها بشكل غريب . سقط jawad على الأرض وتلاه كلاً من زهدي و صديقه الحلاق نسيم وهم يتألمون من جراء التخبط في الجدران والسقف ، نظر jawad جهة زينب عبد الله المتمسكة بالكرسي بشدة فاطمئن أنها مازالت على قيد الحياة فابتسم داخل قرارة نفسه فلابد أنها سوف تظهر له امتنانها لشجاعته ونبله وتضحيته من أجلها ولكن ذلك تبخر فحالما فتحت عينيها نظرت برعب في جميع الاتجاهات باحثة عن صديقتها سماهر التي كانت معلقة في السقف من ملابسها مشبوكة في قطعة معدنية فلم تعرف ماذا تفعل وقبل أن يتصرف أي من الركاب سقطت المضيفة ثلاثينية العمر سقطة مريعة على الأرض فانفشخ الوجه وسالت من انفها بعض الدماء ولكنها لم تنتبه في أثناء سقوطها أنها جذبت معها حزاماً مطاطياً تطاير معها أثناء تخبط الطائرة فالتف حول المفتاح الخاص ببوابة الطائرة الذي كان على وشك الفتح بسبب العاصفة وشدته و ماهي إلا لحظة واحدة بعد السقوط وقبل أن تستوعب ما يجري فتح باب الطائرة وموجة الهواء العاتية تخرج من الباب إلى الخارج جارفة معها سماهر التي حاولت أن تمسك بالشريط المطاطي دون جدوى فاستسلمت لمصيرها المحتوم وأغمضت عينيها ترافقها صرخة من زينب عبدالله وجميع الركاب .

لم تكن سماهر هي الضحية فقط لهذه الحادثة فقد تلاها الثلاثة الآخرون ولكن تصرف سريع من نسيم بعد أن أخرج موس الحلاقة ( الذي يحتفظ به دائماً كذكرى لأول حلقة حلقها في حياته ) وقطع به الشريط المطاطي المرتبط في الباب فتشبث جيداً بالقرب من الجدار وحاول إقفال الباب وهو متمسك جيداً بالشريط الذي لفه ببراعة على قاعدة أحد الكراسي ، وقبل أن تجرف العاصفة زميلاه المهددان بذلك ضغط بكلتا رجليه - ساعده على ذلك ميلان الطائرة - حتى استطاع إقفاله .

تعالى التصفيق في كل مكان على بطولة نسيم ماعدا ~ زمردة ~ التي زمت شفتيها من جديد على هذه البطولة المزيفة من وجهة نظرها وجال في فكرها أنها كانت تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك لولا بعض سنتيمترات قليلة من الشحوم التي تعيقها وتخجل من أن تظهر لو تحركت بحركات بهلوانية تجيدها عندما كانت صغيرة ، بالإضافة إلا أن الضحايا كانوا من الرجال ولو كانت المضيفة المسكينة فربما تجرأت أن تنقذها ولكن وبما أنها تكره جنس الرجال وتمقتهم فلا وجوب للتضحية إذن ودع هذا النسيم ابو المشارط يظن في نفسه ما يظن ، تطلعت ~ زمردة ~ بعد هذه الجولة في التفكير إلى صديقتها النائمة منذ بداية الرحلة الآنسة آلاء وتعجبت في قدرتها على مواصلة النوم من دون أن تستيقظ أو يرتفع لها طرف مع كل الذي حدث من أصوات وصراخ و ضوضاء وأحداث جعلت الطائرة تنقلب رأساً على عقب بدون أن تتغير وضعيتها حتى . ولولا أنها اقتربت منها وسمعت صوت تنفسها لظنت أنها ماتت ، فكرت قليلاً أن توقظها ولكنها تراجعت وبعد أن هدأت الطائرة واستقرت بأعجوبة هزتها قليلاً فتململت آلاء قليلاً وقالت :
- هل وصلنا ؟
- لا .. ولكن .....
- إذن أيقظيني عندما نصل .
وعادت للنوم من جديد ، فتعجبت ~ زمردة ~ أكثر وأكثر وعرفت أن رفيقتها في جمعية حقوق المرأة ضد اضطهاد الرجل WRAAPM( Women's Rights Association against the persecution of men ) و التي تترأسها ~ زمردة ~ بنفسها هي تحفة عجيبة لم ترى لها سابقة من قبل فابتسمت وحاولت أن تستغرق في حلمها وحربها على الرجل ولكن وجهها أكفهر عندما نظرت لـ jawad وهو ينظر إلى زينب عبد الله الحزينة على فراق صديقتها المخيف بكثير من الشفقة ففكرت أن تبطش به وبها لسماحها له بهذا وشعرت بالإهانة الشديدة والجريمة الكبرى في هذا العصر الذي يسمى عصر المرأة بدون منازع ، ولكن زينب عبدالله التي وضعت يديها على وجهها تحاول أن تستوعب الصدمة قامت من فورها لكي تؤدي واجبها نحو المسافرين فنظرت إلى خلف الطائرة فوجدت أن الدخان يتسرب فعلمت أن هناك مشكلة في ذيل الطائرة ولابد من أبعاد الركاب عنها ولكن كان معظم المسافرين قاموا من أماكنهم لرؤية منظر ألوان قوس قزح المنتشر حول الطائرة بشكل غريب وجميل في ذات الوقت .

من ضمن الذين قاموا العروس zamob والذي حاول زوجها بحراوي أن يمنعها من القيام بحجة عدم معرفة ما سوف يحدث ولكن فضولها تغلب على رأيه فقامت من فورها جهة نافذة إحدى المسافرات وقبل أن تصل إلى النافذة انقطعت الكهرباء فجأة وتوقف هدير المحركات وكذلك التكييف مما جعل الجميع يشعر بالاختناق والحرارة وقبل أن يتصرف أحدهم أو يستوعب ما يجري هبطت الطائرة بشكل حاد نحو الأسفل ومن ثم ارتفعت مما جعل الركاب الواقفين يسقطون أرضاً ويتدحرجون إلى مؤخرة السفينة في الظلام الحالك . سقط قلب بحراوي وصرخ بأعلى صوته منادياً زوجته ولكن الصراخ الصادر من المسافرين وخصوصاً ~ زمردة ~ ضيع صوته فحاول أن يقوم ولكن الاهتزازات الشديدة التي لحقت بالطائرة بعد ذلك حالت دون قيامه . حاول أن يبحث عنها بعينيه في الظلام بدون جدوى . ومع محاولاته ظهر صوت قرقعة اعقبه صوت انكسار حاد ارفقه اهتزاز شديد .وعندما حاول أن يقف من جديد نظر بهلع جهة zamob الخائفة والمر تعبة والتي ظهرت فجأة والنيران تحيطها بعد أن انشطرت الطائرة إلى نصفين . صرخ بحراوي بأعلى صوته وهو يرى زوجته ترحل عنه بعيداً في الجزء المشتعل من الطائرة .

بدأت الطائرة في الانحدار بسرعة رهيبة واختفت ألوان قوس قزح وظهرت السماء من جديد وإن كان لونها يميل إلى اللون البنفسجي . بالإضافة إلى البحر الممتد . حاول izaq أن يتحكم بالطائرة ولكن دون جدوى فهي ككائن ميت بعد أن انقطعت عنها الكهرباء .
نظر izaq إلى رفيقه ومساعده هاني بن محمد الذي لا يشعر بما حوله فتمنى لحظتها أن يكون مكانه . نظر من جديد ناحية السماء وهاله وهو يرى الطائرة متجهة نحو اليابسة والتي انشقت عن البحر بسرعة رهيبة .


يتبع

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

القمبار






كان " علي " في قمة انشغاله بجمع الأسماك ولم يلحظ تلبد السماء بالغيوم السوداء إلا بعد سقوط قطرات الماء على خصلات شعره ، فجاءه ذلك الصوت المرتجف

" السماء تمطر .. خلنا نمشي "

كان الصوت صادراً من أخيه الأكبر " محمد " الذي أعلن انتهاء القمبار، فحمل علي " الطبقة " (2) و " المشعل "(3) بينما حمل محمد " السحَّاب "(4) و أسرعا باتجاه " السِّيف "(5) ولكن سرعان ما هبت عليهم الريح الشديدة وانهمر المطر كالسيل الجارف قبل أن يقطعا نصف الطريق .. ولاحظ علي الهلع في وجه أخيه ولكنه لم يفاجأ بذلك فعلي يعرف بأن أخاه لا يجيد السباحة . فأصبحت المحاولة أكثر جدية للوصول إلى " السيف " والخروج من المنطقة .. التفت علي نحو أخيه فرآه منكمشاً على نفسه وتراجع بذعر عندما سطع البرق بنوره الباهر الذي ينتزع القلوب التي في الصدور .. تراجع خطوات وفجأة تهاوي إلى أسفل .. سقط في أحد الأخاديد الموجودة بكثرة في الشاطئ والمعروفة بـ " الخور " . خارت القوى وأصبح محمد يتخبط عشوائياً في كل الجهات وقد ترك " السحاب " يفلت من يده ، حاول علي أن يخفف من روع أخيه ولكن وبسبب ضخامة جسم محمد كانت المحاولة فاشلة فاتجهت أنظار علي باحثة عن " السحاب " عله يكون أداة طفو تساعد أخاه على السباحة والخروج من منطقة فأكتشف بأن التيار قد جرفه بعيدا. ، أصبحت القوى أكثر انهيارا وهاهو محمد .. محمد الفرح .. محمد العريس الجديد في مواجهة حادة مع البحر ، وعلي لا يستطيع أن ينقذ الفرح من الغرق .. منذ أيام كان العرس .. والآن هاهو يوشك أن يكون مأتم ، حاول علي في يأس شديد إنقاذ الفرح و أفكاره تتجه إلى تلك الليلة وهو يزف أخاه بفرح يكاد أن يكون هستيري فهو الفرحة الأولى في البيت ، كان في تلك اللحظة يضمه بشوق واضح وفرح غامر وهاهو الآن يضمه مرة أخرى بشوق واضح وحزن عميق . كان منذ البداية متخوفاً من رحلة القمبار هذه ، خاصة و أنها في أيام الشتاء الباردة والمشهورة بتقلبات الطقس الحادة ، ومع إصرار أخيه على إقامة حفل شواء عائلي بمناسبة زواجه وافق علي على ذلك مع وضع الشروط القاسية

" مرتك هي .. اللي تشوي "

وبالطبع وافق محمد على مضض مع وعد منه بمساعدتها إن سمحت له الشروط القاسية . وهاهو الآن يحتاج من يساعده على تخطي هذه الأزمة ، وقد بدت عيناه الغائرتان إلى الداخل ذابلة وبدا عليه الاستسلام لأمواج البحر رغم المحاولات المستميتة من علي لجعله في أعلى السطح من المياه ..
" أرجوك اصمد .. ما بقى إلا القليل "
قالها علي في لحظة يأس شديدة ، وعندما وجد حركته قد همدت أخذ رأسه وضمه إلى صدره ومسح على خصلات شعره المبلولة وأطلق صوته الحنون مغنياً

" يامعيريس عين الله تراك …. القمر والنجوم تمشي وراك "

تراءى لعلي في تلك اللحظة أنه يرى الشاطئ وأبوه وأمه وزوجة أخيه وجميع الأهل ينتظرون على " السيف " وكأنهم يستعدون للزفاف . فنكس رأسه مرة أخرى وأكمل الأغنية .




المصطلحات :

(1 ) القمبار : "بنطق القاف جيم المصرية " طريقة لصيد الأسماك في بعض مناطق الخليج .وتتم هذه الطريقة أثناء الليل حيث تهدأ حركة الأسماك الساحلية .
(2 ) الطبقة : مكونة من الأسلاك المتشابكة بشكل هندسي على شكل قبة مفتوحة من الأعلى بفتحة صغيرة ومن الأسفل بحجم القاعدة . ومن اسمها يتضح بأنها تستخدم لتطبق على السمكة وهي في حالة سكون وتستخدم الفتحة العليا لمد اليد للقبض على السمكة .
(3 ) المشعل أو الشعلة : ويستخدم للإنارة ويتكون من أنبوب ذو مقبض مملء بالوقود ( الكيروسين ) وفتيلة مثبتة بواسطة التمر .
(4 ) السحَّاب : صفيحة معدنية بها فتحة مربعة الشكل من أعلى وتجر بواسطة الحبل وتوضع الأسماك التي اصطيدت أثناء القمبار في السحاب
(5 ) السِّيف : الشاطئ