السبت، 27 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 16







( 16 )


الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
Hayat
Coffee Aroma
سلامة جعفر



فتحت Renad عينيها بصعوبة بالغة ، ولكنها حالما فعلت ذلك كانت ردة فعلها الغريزية سريعة جداً مما جعل jawad القابع بجانبها يجفل من مكانه ويسقط أرضاً وهو ينظر للمريضة المصابة التي استيقظت للتو قد قفزت مثل الجرادة واستقرت في أعلى الشجرة وهي تنظر إليه بوحشية مما جعله يصاب بالرعب المزدوج تارة من عينيها ذات البريق الذي خيل إليه أن لونه أخضر مشع وتارة أخرى من طريقة قفزها العجيبة واستقرارها على جذع الشجرة كعنكبوت متوحش يستعد لينقض على فريسته .
أخذ كل منهما ينظر إلى الأخر في انتظار أن يبدأ أحدهما بحركة ما ، في الأوضاع العادية كان jawad سيتفهم ردة فعلها وسوف يحاول جاهداً طمأنتها تجاه شخصه ولكن طريقة تسلقها الشجرة وقفزتها العالية جعله يشعر وكأنها مسخ أقرب من أن تكون إنساناً فلذلك كان هو من يحتاج للطمأنة أكثر من أي شخص أخر فلربما تكون هذه المسخة إن صح التعبير من آكلات اللحوم وهاهي تنظر إليه بكل وحشية في انتظار أن يغفل لكي تنقض عليه وتلتهمه .
- هل أنت من حراس المنجم ؟
بادرته بالسؤال الممزوج بالريبة المتوحشة ، كان سؤالاً مبهماً بالنسبة إليه فلم يكن سمع بهذا الاسم من قبل .
- وهل أنتِ من الأمازونيات ؟
- إذن أنت من الحراس !
- لم أسمع بهكذا اسم من قبل .
- كاذب
قالتها بوحشية ، مما جعله يتراجع في استعداد لتلقي انقضاضها عليه ولكن ذلك لم يحدث :
- من حقك تصديق ما شئت فواضح أنك من الأمازونيات المتوحشات وعار عليك بعد إنقاذي لك من موت محقق أن تفكري بقتلي .
قالها وهو يتراجع خطوات استعداداً للهرب ولكن Renad التي بدأت في النزف مجدداً سقطت من أعلى الشجرة على وجهها واستقرت على الأرض بدون أدنى حركة . شعر jawad بوجود خطب ما ولكنه شعر بالقلق في أن يكون ذلك فخاً لاصطياده مثلما يفعل الثعلب بإدعائه الموت لكي يقتنص الدجاجات . قرر أن يغامر فلربما تكون هذه المتوحشة في خطر حقيقي فأقترب منها وهاله ما رأى .


دخلت Hayat هائجة على غادة المختلية على نفسها في غرفتها المنعزلة ، وبدون أن تنظر تجاه أبنتها الثائرة وكأنها تعرف سبب الغضب الذي ينتابها :
- هل تعرفين يا أمي ماهو أقسى جزء في الحياة ؟
رغم سؤالها الواضح إلا أن غادة فضلت الصمت المطبق وكأنها في حالة تأمل أو اتصال روحاني . ولكن Hayat لم تكن تنتظر إجابة :
- عندما يكون المقربين والذي من المفترض أنهم يشاطرونك المشكلة هم أنفسهم المشكلة .
وبما أن الجملة غير مفهومة وبما أن ملكة المنبوذين وكأنها لا تستمتع لما تقوله فقد صرت على أسنانها :
-هل تعلمين أنهم ينادونني بأم الشناغب .
فتحت غادة تجاه أبنتها وتأملت في الزوائد الخارجة من الذقن بشكل بارز وملفت للنظر ، حاولت أن تبتسم مخففة لمعاناتها ولكنها أحجمت عن هذا الأمر لكيلا تفسره خطأ بأنها متضامنة معهم في ما اتجهوا إليه :
- سنرى مدى هذه السخرية عندما يعلمون أنه تم اختيارك عضو في مجلس الوزراء ونائبة وولية عهد الملكة .
فتحت Hayat عينيها غير مصدقة لما تسمع وحارت فيما تقوله وأخذت تفكر في هذه القرارات الجديدة والمفاجئة بدون أن تتوصل إلى فهم ما يجري .
أحد الأسباب التي جعلت غادة ترسل فاضل الجابر في مهمته الجديدة إلى جزيرة الحشاشين هو عملية نقل السلطات الجديدة بسلاسة وبدون معارضة إلى أبنتها Hayat ، فمن المعروف أن فاضل هو مساعد الملكة والمرشح الأقوى لخلافتها على العرش في حال وفاتها وربما كانت غادة مقتنعة بعض الشيء بمساعدها لإدراكها بعدم أهمية المنصب في ظل الاستخفاف من قبل الجزر الأخرى بهم فالمركز لا يهش ولا ينش كما يقال . ولكن بعد التطورات الأخيرة وظهور المنقذة المنتظرة واختفاءها من جديد والشعور العارم الذي أنتاب كل من في جزيرة المنبوذين بأن الفرج قد حان والمظلومية التي يعاني منها المنبوذين سوف تزول بعد أن لاح الأمل في وجود منقذتهم التي بلا شك سوف تظهر من جديد كما قالت لهم ملكتهم وعرافتهم غادة . كل هذه العوامل النفسية جعلتها تعيد حساباتها فلا يمكن بحال أن يذهب الملك لعائلة أخرى أو لأشخاص خارج دائرة عائلة الملكة غادة . ولذلك فكان أول فكرة خطرت على بالها إرسال فاضل والمقربين منه إلى مهمة بعيدة لا يرجع منها إلا والأمور الخلافية مستقرة على أبنتها . صحيح أن ابنتها تعاني من قلة الخبرة الحياتية والتهور والطيش وعدم الحكمة في التعاطي مع الأمور الحياتية وسرعة الاستفزاز مع أقل مؤثر خارجي مما يجعلها في موقف المدان لا المدين فردة فعلها غير المتوقعة تسبب إحراجاً كلياً لها ولوالدتها فذات مرة أقترب أحد الأطفال الصغار منها وهو يحمل في يده صرصوراً صغيراً اصطاده بالقرب من مجرى النفايات في أقصى الجزيرة ، كان الطفل فرحاً بصيده الثمين وهو ينادي أن ينظروا إلى صيده الثمين وإلى شناغيبه الطويلة التي تبلغ أضعاف حجمه ، من سوء حظ الفتى أن أول من عرض عليه صيده كانت Hayat التي شعرت في قرارة نفسها أن الأمر متعمد في محاولة لنيل من شخصيتها وكرامتها فما كان منها إلا أن وجهت لكمة خاطفة لذقن الصبي طيرته عشرات الأمتار ليسقط على وجهه وقبل أن يتسنى له أن يستوعب الأمر أو أن يبدأ في البكاء كانت Hayat على رأسه وبها حبل رقيق لتضعه على رقبته في محاولة لخنقه ولولا تدخل الرجال هناك لكان الفتى في خبر كان ، حالة من الهستيريا أصابتها مع كلمات بذيئة في حق الصبي يرافقها بصاق ممزوج بالكراهية ذات اللون الأخضر . كان موقف غادة من هذه الحادثة التي تكررت في السابق أن أطرقت رأسها واعتذرت لأم الفتى على ما فعلته أبنتها الحمقاء على حسب تعبيرها .
استفاقت غادة على صوت الحارس يخبرها بقدوم وفد جزيرة الثوار فعدلت هندامها وطلبت من ابنتها مرافقتها لمقابلة الوفد .

كان حسن علي في مقدمة الجيش وبجانبه مساعده ماضي الذي وقف متحفزاً لأي طارئ قد يصدر من المنبوذين ، نظرت غادة تجاههم بكل وقار رغم الشحوب والعيون الغائرة ، تقدمت خطوات ناحيتهم بينما تراجع حسن علي خطوات موازية تبعه تابعيه على منواله ، كان الموقف متفجراً بالحذر والشك والريبة كل فريق تجاه الأخر ، تنحنح ماضي ووكز قائده بمرفقه لينبهه بأخذ المبادرة ، جفل حسن علي من وكزة مساعده وكأنه استيقظ للتو من كابوس مرعب ، لاحظت غادة ضعف شخصية القائد المبعوث وعلمت بإمكانية التلاعب به وتسيير الأمور كما تشتهي إن هي أحسنت اللعب :
- هل أحضرتم ما طلبنا أيها القائد ؟
أراد حسن علي التحدث ولكن وكزة أخرى من ماضي جعلته يلتفت إليه مستفهماً وبصوت غير مسموع وضع ماضي فمه بالقرب من أذنه . ابتسم حسن علي ابتسامة الواثق :
- قبل أن نتناول هذا الموضوع أيتها الملكة أم السادة .. اقصد صاحبة السعادة .
وشوش ماضي في أذن سيده :
- اقصد الملكة المبجلة غادة أود أن .....
حار حسن علي فيما يجب قوله فرغم أنه تدرب كيراً على يدي مساعده قبل الوصول إلى هنا فيما يجب قوله إلا أن رؤية المنبوذين أول مرة جعله يصاب بالرعب والفوبيا من الأماكن كثيرة الشجر التي تذكره بالأشباح كما هم من يحيطون به من جميع الجهات وما زاد الأمر من صعوبة نظرات الفتاة (Hayat ) الواقفة بجوار الملكة إليه والتي كانت بمجملها تشبه نظرات الأفعى عندما تهم بالانقضاض على فريستها ، تلعثم وارتبك وكأنه جمل صحراء قد برك فحار فيما يجب قوله فما بالك عن فعله فزاغت عيناه والتفت ساقاه وهدلت شفتاه فأراد أن يقول أهٍ أه إلا أن ماضي تدارك الأمر وقال :
- قبل أن نستعرض ما جئنا به ، باسم القائد حسن علي وباسم من معه نقدم لكم هدية عنواناً لحسن النوايا ما بيننا .
لاحت ملامح التفكير على محيا ملكة المنبوذين وهي تفكر في نوعية الهدية المزمع تقديمها إليهم فخافت أن تكون مكيدة أو أن نهايتهم على سيوفهم قد حانت والفشخرة التي كانوا عليها لم تمر مرور الكرام في معسكر الثوار ، فبلعت ريقها وضمت يديها إلى عنقها وحاولت الثبات وكتمت الآهات :
- ما وراءكم ؟
صفق ماضي للحراس وأمرهم بإحضار المسخ الذي وجدوه قبل الولوج في الجزيرة ، فأتي به الحراس فزاغت عينا الملكة وهي ترى المسخ لأول مرة وكادت أن تستفسر عن كنهته ونوعيته وخلاصته فأرجأت الحديث بحكمة :
- هذا يا مولاتي الملكة يبدو أنه أحد رعاياكم ، وجدناه بالقرب من الجزيرة فأيقنا أنه هارب منكم لربما لسرقة سرقها أو جريمة ارتكبها .
بالطبع لم يكن أحد من أولئك ، فهي تعرف رعاياها جيداً وهذا المسخ لأول مرة تراه في حياتها فما هي قصته بالضبط ؟ ، نظرت إلى عينيه فهالها أن وجدت نظرات الرعب تتملك صاحبها وكأنه يخشى شيئاً ما فكانت همهمته أقرب للعواء والنحيب منه للصوت البشري الكئيب ، ولكنها عندما نظرت مجداً لعينيه أوشكت على معرفته وتذكرت ما فعله فاضل الجابر بمساعد قائد الثوار عندما حضرت الكتيبة قبل أيام فتيقنت بمعرفته فابتسمت بهدوء شديد :
- نعم هو أحد مواطني الجزيرة ، هارب من عندنا وخيراً فعلتم عندما أمسكتم به .
ما أن نطقت غادة بتلكم الكلمات حتى زاغت عينا أبو حسن الذي أصبح مسخاً وارتجفت أوصاله وغاب في حالة من الهذيان فسقط أرضاً وتلحف ببعض التراب وبالمخاط بعضاً ، فحاول أن يجثو عند رجلي أبنه فلربما يعرفه ويعطف على حاله ويضمه إلى صدره ولربما يجد علاجاً له من هذا المرض المزمن الغريب العجيب ، ولكن الاشمئزاز الذي بان على محيا ولده كان عنواناً واضحاً باستحالة ما فكر فيه فسلم أمره للواقع ووقف قائماً وسار بانكسار مقيد اليدين والرجلين حيث أستقبله رجال الجزيرة واقتادوه إلى جهة غير معلومة . ابتسمت ملكة المنبوذين حتى بانت أسنانها الغريبة :
- ها قد قبلنا هديتكم ، وعرفنا حسن نيتكم وماذا بعد ؟
قرر حسن بعد أن هدأ من روعه أن يكون هو المتحدث الرسمي :
- مولاتي الملكة ... أين هي بقايا الحديد ؟
- سيصطحبكم رجالي إليها بعد قليل ، هل أحضرتم ما اتفقنا عليه ؟
- بالتأكيد يا مولاتي
صفق حسن فاحضر الرجال عشرة صناديق كبيرة ، فأمرت الملكة رجالها بفتح الصناديق فوجدت في داخلها ثياب وأدوية وبعض الحاجيات والمستلزمات التي كان المنبوذين في حاجة إليها ، ابتسمت غادة ابتسامة رضا وأشارت لرجالها باصطحاب حسن علي ورجاله لبقايا الطائرة .
قبل أن يغادر حسن علي التفت للوراء قليلاً فوجد أن Hayat ترمقه بنظارتها النارية فتعثر في مشيه وقام على عجل وأكمل مسيره .


أخذت بتول محمد تبحث بين الحشائش عن ما يسد رمقها فقد أخذ الجوع منها كل مأخذ ، فهي منذ يومين كاملين وهي تجوب الغابة باحثة عن رائحة لحم أو فاكهة بدون جدوى فلجأت لأكل الحشائش والأعشاب البرية وبعض القواقع والحلزونات المتناثرة حتى انقرضت عن بكرة أبيها .فعاد الجوع ينهشها من جديد فاحتارت فيما يجب عمله ، كانت بتول تتبع غريزتها البدائية في طرق العيش فتفكيرها المحدود الناجم عن صغر سنها ووجود خلل في بعض الأنشطة الدماغية الذي عطل بعض المهارات والقدرات لديها وكذلك الخلل في غدتها النخامية والذي سبب في نمو حجمها بشكل مضاعف ومبالغ فيه حتى أن من يراها يظن أن عمرها أضعاف ما هي عليه الآن . كانت بتول محمد أمل أمها همس 2007 قبل أن تولد فعندما هدد والدها والدتها بالزواج عليها نصحتها إحدى جاراتها بربطه ، ظنت همس 2007 أن الربط يكمن في الطبوب والتعاطيف ولكن الجارة وضحت لها أن الربط يكمن في إنجاب ذرية ويا حبذا لو كان غلاماً كي يفرح فيه والده ويرفع مكانة زوجته في قلبه ، وبالفعل عملت همس 2007 كل ما يجب عليه لكي تحصل على مرادها من أعشاب طبية طبيعية وغير طبيعية حتى وصل الأمر لدم السحالي الممزوج بلعاب العناكب . وفي نهاية الأمر حصل الحمل ففرحت الزوجة وعندما نصحتها جارتها بأخذ بعض الأدوية المجربة لضمان عدم سقوط الحمل وتنشئة الجنين نشأة صحية أقبلت على ذلك رغم الثمن الباهظ الذي طلبته الجارة العزيزة . مع كل ألام الحمل ونوباته الغريبة والشديدة إلا أن الجارة كانت تطمئنها أن هذا الأمر طبيعي وما عليها إلا أن تشرب من الدواء الفلاني أو العلاني وهات يا فلوس . ومر الشهر التاسع بدون أن تنجب همس 2007 فشكت في نفسها واحتمالية موت الجنين ولكن حركته المستمرة والعشوائية والرفسات والطعنات يسكت مخاوفها ، هذا ما أكده طبيب الإمبراطور ميلاد في كل مرة تراجعه فيه حتى وصل الحمل إلى الشهر الثامن عشر عندها قرر ميلاد بعد تردد شديد أن يجري عملية قيصرية ( وإن كانت هي المرة الأولى التي يجرب فيها هذا الأمر فكما هو معروف كان قصاباً قبل أن يعينه أبو حسام طبيباً إمبراطورياً ولهذه قصة سوف نستعرضها فيما بعد ) ، وبالفعل تمت العملية بنجاح وأنجبت همس 2007 بنتاً ضخمة الحجم ( كان وزنها عند الولادة يبلغ 23,64 كيلو جرام ) مشوهة الوجه مما سبب إغماءة سريعة لوالدها وكلما استفاق منها عاد إليها من جديد كلما تذكر الأمر واستمر الحال على ما هو عليه لمدة شهر بأكمله اختفى بعدها في ظروف مجهولة فحزنت همس 2007 ورثت حالها وكرهت نفسها كثيراً وقررت أن تنتقم من جارتها الذي جلبت لها الخزي والعار فلو كانت وافقت على أن يتزوج عليها زوجها لما أصابها ما أصابها ولكن الجارة التي استشعرت الخطر التي هي فيه هاجرت إلى جزيرة الثوار وطلبت اللجوء السياسي .
كبرت بتول محمد بسرعة مقارنة بأقرانها وعندما حاولت أمها إلحاقها بالمدارس الإمبراطورية تم رفضها بحجة أو أخرى ، مرة بحجة ضخامة جسمها والذي يبدو للوهلة الأولى أن صاحبته يجب إلحاقها في مدارس محو الأمية لمن هي فوق سن الثلاثين وما فوق ، ومرة بحجة تبدو واهية للعيان رغم أهميتها وهي عدم قدرة بتول محمد نطق الحروف بشكل صحيح وعدم قدرتها على تمييز الألوان بسبب أنها لا ترى إلا ثلاثة ألوان فقط الأسود والأبيض والرمادي وما عدا ذلك فهو يندرج من ضمنهم . أما بالنسبة للسمع فقد فوجئت والدتها بقدرتها الغريبة على التقاط الموجات فوق الصوتية لدرجة سماعها دبيب النمل والأصوات البعيدة على مسافة بعيدة جداً لا يستطيع الإنسان العادي من التقاطها ولكن ذلك لم يشفع لها في دخول المدرسة .
شعرت همس 2007 بالحزن الشديد والغم العميق ينتاباها وهي ترى فلذة كبدها تتدهور حالتها بهذا الشكل المرعب إلى أن جاء اليوم الذي تعرضت فيه لحادثة جعلتها تفخر بحال أبنتها وتقتنع بما هي عليه وذلك في ( يوم الصرعة ) كما هو مؤرخ في تاريخ الجزر والذي يحكي عن قدوم مصارع اشتهر بعنفه وبطشه ولم يكن أحد لا من جزيرة الثوار ولا الإمبراطور ولا حتى الأمازونيات من يقوى على مواجهته فقد كان يصول ويجول حيثما أراد بدون أن يعترضه أحد إلا أن جاء اليوم الذي حل فيه في جزيرة الإمبراطور فقام أبو حسام الذي كان للتو ممسكاً بزمام الحكم بمواجهته بعسكره لكي يفرض هيبة الحكومة الجديدة ولكن الجيش مني بالفشل والهزيمة النكراء فدخل المصارع قصر الإمبراطور وأخذ في تدميره حتى شعر بالجوع فدخل المطبخ الإمبراطوري حيث كانت همس 2007 مختبئة في الخزانة خوفاً وهلعاً ، فأخذ المصارع يلتهم الدجاج المشوي والخرفان المحشية ، فسمع صوت تنفس العحوز ففتح باب الخزنة فوجدها هناك فقبض على عنقها وهم بخنقها فصدرت منها بحة وغصة ونفضة فسمعتها ابنتها التي كانت تلعب بالدمى في إحدى الحدائق على مسافة 3 كيلو متر فقفزت قفزتها العملاقة وماهي إلا برهة قصيرة والمصارع العملاق وكأنه دمية صغيرة مهطلة بين يدي بتول فصرعته ونفضته وترفست في مصارينه فارتفع شأن همس 2007 وعينت رئيسة المطبخ الإمبراطوري منذ ذاك الحين .

أطل الوزغ برأسه من الحفرة وهو مطمئناً لحياة بعيدة عن المخاطر بعدما نجا بعمره من موت محقق ( راجع الحلقة السابقة ) فمط جسمه وهز ذيله وبلع ريقه وتمطق وجهز نفسه ليوم سعيد وفي الخيال قد حلق . وأدار رأسه يمنة ويساراً ليريح مفاصل الرقبة قبل أن يبدأ يومه ولكن وكما يقولون يا فرحة لم تدم فقد وجد تلك العينان الوحشية تراقبانه بكل نهم وجوع فعرف صاحبتهما فشل عن الحركة وعجز عن الهرب بعدما تيقن أن الأمان في هذه الجزيرة ضرب من المحال . لحظات وقد وجد نفسه بين أصابع بتول الثخينة فاستسلم لقدره وأغمض عينيه . وقبل أن تقدم بتول على قضمه وهرسه وبلعه حانت منها التفاتة بعدما سمعت صوتاً لوقع أقدام غزال قريب فسال لعابها وكشرت عن أسنانها المتفرقة وعلمت أنها بصدد وجبة غنية بدلاً من هذا الهزيل فنظرت إليه باشمئزاز وأطلقت سراحه متوعدة إياه إن وقع في يديها مرة أخرى فلا محالة أن نهايته ستكون قاصمة :
- الفالفة فابته
لم يصدق الوزغ عينيه وهو يرى نفسه بمأمن من جديد فعاد إلى حفرته وقد قرر الرحيل عن هذه الجزيرة ما أمكن فكلم زوجته وعياله بما حدث له فهلعوا وبكوا وانتحبوا على ما آل إليه أمرهم .

تقدمت بتول محمد خطوات حذرة من الغزال الذي كان منشغلاً في أكل الحشائش ، ولكنه بعد قليل أستطاع أن يشم رائحة عرق نفاذة فعلم أن خطراً قد أصبح على مقربة منه فحاول أن يلوذ بالفرار ولكنه وجد في لمح البصر نفسه أمام بتول وقد مدت إليه يديها مرحبة به بمقدمه العزيز ، فاحتضنته وقبلته ما بين رقبته وعينيه وبعد ذلك لحسته ومسدته وقبل أن تقدم على كسر رقبته وجدت نفسها أمام رجل متوحش ضخم الجثة وكان ينظر إليها بكل وحشية بعدما تعدت على صيده .
كان ذلك هو الناي الحزين الذي جهز نفسه لخوض معركة شرسة وقد علم من هيئة خصمه أن المعركة لن تكون سهلة . أطلق كل من بتول محمد والناي الحزين صرخات اهتزت على أثرها أشجار الغابة وهاجرت الطيور في غير موعد الهجرة في فزع وخوف وكأن البراكين قد انفجرت والزلازل قد وقعت على أثر هجوم المتوحشين بعضهما على بعض .

حاول أبو حسام أن يستوعب ما يجري فحاول تحريك أطرافه فعجز عن ذلك وتذكر الجبس الذي وقع في مكيدته فقرر أن يصرخ ولكن قطعة القماش المغروسة في فمه حالت دون ذلك ، ولكن ما كان يحيره أنه كان واقفاً مستنداً على جدار وليس في خيمته الإمبراطورية مما يعني أنه قد يكون في السجن أو في مكان أخر غير المقصورة الفخمة فكره نفسه عندما انصاع بغباء لأوامر طبيبه زهدي الذي بلا شك قد أعد العدة ليحل محله . كانت المشكلة أن في كون الجبس عائقاً له في الالتفات ليرى ما حوله فلم يكن أمام إلا جداراً طينياً مشوباً بالطحالب والفضلات والفحم . الفحم ؟ أخذ يفكر في قرارة نفسه :
- مهلاً الفحم .. هذا يعني .....
لم يتسنى له تكملة ما يفكر فيه فقد سمع الباب يفتح وغمر الضوء المكان وكان ما يخاف منه قد تمثل له بشخصية سما المخيفة التي كانت تنظر إليه وابتسامتها العريضة تشق وجهها :
- أخيراً استيقظت ! أراهن بعشرة دنانير إمبراطورية ذهبية بأن من خلف قناع الجبس هذا ما هو إلا أنت يا عزيزي أبو حسام .

لم يتبق إلا يومان وينطلق مؤتمر القمة في جزيرة الحشاشين والعمل على إنجاحه على قدم وساق ، كان الجميع على أهبة الاستعداد ، إعلام الجزيرة أفرد مساحة واسعة لهذا المؤتمر فقد أفرد في صفحات جرائده تحليلات ونقاشات حول النقاط المزمع طرحها في جدول أعمال المؤتمر ، إضافة للشركات السياحية التي اجتهدت في وضع برامج سياحية لضيوف الجزيرة الذين توافدوا على الجزيرة قبل فترة كافية ليستمتعوا بجمال الجزيرة الخلاب من شلالات وبراكين خامدة وسواحل ذات الرمال الذهبية وغيرها من مغريات الجزيرة التي أصبحت حلم كل من يقطن في جزر الغموض إما مواطناً أو مقيماً أو حتى زائراً .
المطاعم لها السبق في الاستعداد بفضل رجلها الأول Aziz والذي كانت له بصمات واضحة في رقيها وجعلها في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال فقد أستطاع دمج الحضارات وثقافات الشعوب ما قبل القدوم في مطاعمه الناجحة فمن الهريس والعصيدة والتبولة والهمبورجر حتى تحت القدر والبيتزا وصولاً إلى أطباق المعكرونة التي أشتهر بها والتي فاقت شهرتها أرجاء المعمورة ماعدا قبيلة الشيروكي المعزولة عن عالم الجزر .
تقدمت Coffee Aroma ناحية زوجها وهو منشغل في عمل وليمة العشاء التي سوف تقيمها ملكة الأمازونيات أزهار بريه كعادة سنوية يقيمها ضيوف الجزيرة في محاولات لبعض المكاسب السياسية والعلاقات الدبلوماسية :
- هذا الطبق لأول مرة أراه .. ما اسمه ؟
نظر إليها Aziz بكل فخر وقد فل شاربه الغليظ على طريقة الأتراك :
- بالفعل هو طبق لأول مرة اصنعه ، فقد تعلمته عن طريق جدتي التي تعلمته عن جدتها عن حدة أبيها عن جدة أمها عن جدة جدة جدة أبو اللي خلفوها واسمه مطبوخ الكرورو ولكني استبدلت أزهار الرمان ذات الطعم المر بقشور البرتقال ذات الرائحة العطرية إضافة لبعض البهارات الهندية الأصل والتي استطعت زراعتها في أطراف الجزيرة حيث المناخ المشابه لهناك على ما سمعت من جدتي التي قالت لها جدتها عن جدة أبيها
- عن جدة امها عن جدة جدة جدة أبو اللي خلفوها . اعلم ذلك فقد سمعت هذه الأسطوانة عشرات المرات ، ولكن لم هذا الطبق بالذات وأنت تقول أول مرة تصنعه .. ألا تخشى الفشل ؟
أحمر وجه Aziz وكاد أن يلطمها على خدها :
- فشل .. هذه إهانة فأنا منذ عملت بهذه المهنة لم أفشل ولا مرة
ارتبكت Coffee Aroma وعلمت أن شراً مستطيراً سيلم بها إن لم تصلح الوضع فـ Aziz يصبح رجلاً أحمق لا يفرق بين صغير أاو كبير ولا حبيباً ولا غريب في لحظات الغضب :
- كان قصدي يا زوجي الحبيب ... لِمَ هذا التوقيت الآن .. فأنت من المعروف عنك دقة الملاحظة ودراسة الأمور من جميع جوانبها .
ابتسم الطباخ ذو الشوارب الغليظة :
- نعم معك حق يا زوجتي الحبيبة ، ولكن هذا كان بطلب من يوسف آل بريه .
- يوسف ! ولكني اعلم أن العشاء للسيدة أزهار فما دخل هذا بهذا ؟
النفت Aziz يمنة ويساراً وكأنه يخشى أن يسمعه أحد :
- ما لا تعلمينه ولا يعلمه غيرك إلا قليل فإن أزهار هي شقيقة يوسف .
- هذه المتفرعنة والمسترجلة وآكلة الرجال هي أخت هذا الشاعر الرقيق والرئيس المحبوب .. لا أصدق هذا .
- اخفضي صوتك يا امرأة .. فهذا الأمر سر كما ذكرت لك ولا يريد السيد يوسف أن يعلمه أحد كي لا يؤثر على سيرته وخاصة أن الانتخابات الرئاسية قادمة . ولولا ثقته بي لما باح لي هذا الأمر .
- آها .. فهمت .. ولماذا مطبوخ السرورو هذا ؟
- اسمه كرورو أيتها الجاهلة .. هي طبخة يحبها من هو متحدر من سنابس كثيراً في الزمن السابق ولكنها انقرضت أو قل تناولها في هذا الزمن .. وبما أن ضيوف السيدة أزهار بريه فيهم من هو أصله من سنابس كسنابسي الهوى وأحمد علي موفدان الإمبراطور أبو حسام فقد أحبت أن تعمل لهما مفاجأة .
أومأت Coffee Aroma برأسها علامة للفهم وابتسمت ابتسامة عريضة لهذه المعلومات الخطيرة :
- تذكري أيتها الثرثارة أن هذا سر .. لا يجب أن يذاع .. مفهوم ؟
وضعت Coffee Aroma يدها على فمها دلالة على كتمان السر مهما كان الثمن .


أفاق izaq من كابوس مرعب ومخيف لدرجة أن عيناه من شدة الخوف قد جحظت وتغرغرت وبان من نتوء في أرنبة الأنف بما يسمى ( الضبضوب ) فأصبح حاله يشبه شخصية بينكيو الشهيرة فأخذ يتلمس النتوء بشيء من الانزعاج وقد بدأ في التلفت في عدة جهات لعله يميز المكان الذي هو فيه بعدما ألقته سديم في هذا المكان العفن . كان الظلام في المكان حالكاً لدرجة الاسوداد ولم يشفع له بقع الضوء المتناثرة هنا وهناك ، بعد برهة قصيرة بدت عيناه تتعودان الظلام فألف المكان وبانت تفاصيله قليلاً فجال ببصره أنحاءه حتى وقعتا على شبح جاثم على ركبتيه وشفتاه تمتم بكلمات غير مسموعة ، شعر إنه يعرف تلك الهيئة جيداً ، بل كان متأكداً من معرفته لهذا الشبح ، رفع كتلة القيد الثقيلة وزحف على ركبتيه ويديه إلى أن وصل إليه :
- هاني .. هاني بن محمد .. يا صديقي .
ولكن هاني لم يلتفت إليه وظل ملازماً على همهمته بدون أدنى مشاعر قد يبادلها صديقه القديم .
مد يده يتحسس وجه صديق الطفولة فهاله كثافة شعر الوجه فقد كان يملأ جميع جوانبه وكأنه رجل كهف أشعث أغبر فامتلأ قلبه بالحزن على رفيق مشواره في عالم الطيران وأخذ يتذكر لحظات الفرح والحزن اللاتي عاشاها ، كم كان صديقه يمثل قلباً حنوناً يضمه كلما رسب في مادة وما أكثرها من لحظات وكم كان هاني يبرر لأبو izaq أو يزور الشهادات لكي يقنعه بتفوق أبنه المزعوم ، كم مرة كادت كلية الطيران أن تفصله بسبب هذه المشاكل التي يفتعلها ويتحمل نتائجها المسكين هاني .
- ماذا فعلوا بك ؟ ماذا حدث لك .
- هو هكذا قبل أن يصل إلى هنا .
حالما سمع izaq هذه الجملة الصادرة من الجهة الخلفية من المكان حتى جفل في مكانه وارتعش وصب العرق وانخرش فحاول أن يتراجع خوات غريزية ولكنه فشل :
- المصيبة لم يعد إلى صوابه إلا مرات قليلة وهي أقل من أصابع اليد يعود بعدها لنوبات الهذيان الغريب .
كل ما كان يخشاه izaq أن يكون صاحب هذا الصوت الناعم الذي يشبه الفحيح أن يكون صادراً من سديم صاحبة الوجهين أو ذاكرة الرمل :
- من أنت ؟
وكأن الصوت لم يسمع السؤال ، أو ربما تجاهله ، فترة صمت قصيرة وكأنها الدهر للكابتن الشاب :
- من الغريب أنه لم يمت إلى الآن ، لا يأكل ولا يشرب ولا حتى يقضي حوائجه الإنسانية المعروفة ، حتى أننا ظنناه من المسوخ .
- المسوخ ؟؟ !!!
هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها izaq هذا الاسم وقد بدا شاذاً على مسامعه :
- ماذا تعني بهذا الاسم ؟
وكالعادة لم يجب الصوت على السؤال ، فترة صمت قصيرة وأكمل حديثه :
- أظن أن هذا هو السبب الذي جعل ~Lossello~ لا يقتله فقد ظنه مسخاً والقانون يمنع قتل كل مسخي .
- قانون ؟ عن ماذا تتحدث ؟
- أراك تتحدث معي بشكل ذكوري !
قالتها بغضب فأضاءت عيناها في الظلام مما أدخل الرعب إلى قلب الكابتن الشاب صاحب الشعر الحرير فبكى على نفسه واصفر وجهه :
- لم يكن قصدي يا سيدتي .. أنا أسف .. أقدم اعتذاري .
انطفأت العينان بعدما هدأت صاحبتهما :
- أنا izaq .
- أعلم ، كنت قائد الطائرة التي جاءت ، وهذا هاني بن محمد .. مساعدك وصديق طفولتك ، وقد هربت من منجم الفحم مع أثنين أحدهما أسمه بحراوي الذي فقد زوجته والثاني اسمه نسيم وهو يعمل حلاقاً قبل قدومه .
تعجب izaq بكم المعلومات التي تعلمها هذه المجهولة رغم يقينه أنه لم يتكلم مع أحد بها الخصوص .
- لا يهم إن قلت هذه المعلومات لأحد أم لا .. فأنا لدي قدرة قراءة الأفكار .. ولهذا تراني سجينة معك هنا .
وقبل أن ينطق بكلمة أو يحر بجواب :
- أوه نسيت أن اعرفك بنفسي .... اسمي سلامة ... سلامة جعفر



يتبع

الخميس، 25 نوفمبر 2010

إضاءة





إضاءة


لن أكون في الصفوف الخلفية ولا الأمامية ليس حباً في الظهور كما سيظن البعض ولكن لأن المقاعد ضاقت بالمتفرجين فلم يتبقى لي إلا خشبة المسرح المقدسة .
من أنا ؟
كما قيل سابقاً سؤال صعب للغاية ، وما يزيد صعوبته هو تلك الهالة التي يحب البعض منا أن يتمناها فيه .
من أين أبدأ ؟
من مهند المعرف الأول لي في عالم النت مروراً بالسموأل لأصل إلى yaser حتى أقرر بأن اسمي الحقيقي هو ما يجب أن يكون عليه - رغم لحظات أندم فيها على هكذا قرار .

من أنا ؟ صياغة صعبة في السؤال تجعلني أحاول فك طلاسم الخمسة الحروف المكونة منه إضافة لعلامة الاستفهام وأعيد شقلبة الكلمتين لتصبح أنا من ؟
هل هو ذلك المسرحي الفاشل في التمثيل البارع في الكتابة المبدع في الإخراج كما قال لي أحدهم ذات مرة ؟ أم هو النهم في القراءة لدرجة أن إحداهن فتحت فاها عندما علمت أن 1300 صفحة من الورق تم قراءتها خلال ثلاثة أيام من قبله ويطلب المزيد . أم هو ذلك الشخص المشاغب المتمرد المتفلسف (كما نعتني أحدهم لأحدهم بعد مناقشة في أحد المواضيع ) الهادئ المؤدب البسيط ( كما قالت إحداهن أن بساطتي تقلق ) - المتناقض في ذات الوقت ؟
أظن أنا من ؟ أو من أنا ؟ ستكون عملية مستحيلة في كل الأحوال ومتعسرة .
ربما أجيب على أني إنسان يكره الاقتباسات ويكره حفظ أسماء الكتاب والمفكرين إلا ما ندر أي ما يعلق في ذاكرتي غصباً .
اشعر بالتبعية والعبودية في حال اقتباسي لمقطع قاله أحدهم ولم احفظ من الأسماء إلا صموئيل بيكت لا حباً فيه ولا حباً في المسرح ولكن كيدا في محبي هذه الهواية الغريبة كما حدث مع المتحذلقين من أعضاء نادي القصة في النادي الأدبي

كان يا ما كان
بعد عرض مسرحية مريم ( عرض الدمام ) طلب أعضاء النادي الأدبي الاجتماع معي ، وضعت يدي على قلبي وقلت خير اللهم خير وجلست في جلسة دائرية ليشعر المرء أنه محاصر من جميع الاتجاهات .
وبدأ أحدهم قائلاً المسرح كما وصفه فلان الفلاني ... نظر في اتجاهي سائلاً تعرفه ؟ هززت رأسي نافياً فابتسم ابتسامة رضا وأكمل جملته ليعقب أخر باقتباس لكاتب أخر يتبعه سؤال في حال معرفتي بهذا الكاتب لأهز رأسي مرة أخرى بالنفي لتستمر دائرة المقتبسين يتبعه السؤال المعتاد ، وأنا أتحين الفرصة لأنقض عليهم وبالفعل جاءتني على طبق ذهب عندما سألني أحدهم :
- إن كانت مريم وطن فماذا تعني السفينة ؟
أطلقت تنهيدة طويلة وقلت :
- أيه الله يرحمك يا صموئيل بيكت ......... اكيد تعرفوا من هو صموئيل بيكت ؟
هز الجميع رؤوسهم إيجاباً مع جحوظ في العين يترقبون ماذا سوف أقول لهم :
- ذات يوم وبعد أن ظهرت مسرحية ( في انتظار جودو ) للكاتب العالمي الكبير صموئيل بيكت ظهرت عشرات الاراء حول ماهية جودو هذا ( المسرحية تتحدث عن أثنان ينتظران رجل اسمه جودو ولكنه لا يأتي ) فمنهم قال أنه الله ( من كلمة God ) أو المسيح المنتظر وووووو وبالفعل سأله النقاد ماذا يعني بجودو فقال أنه لا يعلم صراحة ماذا يعني جودو ولو كان يعلم لذكر ذلك .
شعروا في لحظة ما بالإفلاس ولكن تدارك أحدهم الأمر وقال صحيح وكما قال الكاتب الفلاني .........

حكاية صموئيل بيكت تعود لمسرحية الأمل ( الضوء الأسود ) عندما قدمتها لمسرح الجامعة من ضمن نصوص أخرى لكي تمثل ، اجتمع معي الدكتور علي الكبيسي وهو يسألني ماذا تقصد بالنبتة ؟ حاولت أن أشرح له أن النبتة رمز عليه كمشاهد أن يفهمه لا أن أشرح له ولكن الدكتور لم يقتنع إلى أن دخل علينا دكتور اسمه احمد الزغبي ليحكي لنا قصة صموئيل بيكت المذكورة التي أصبحت استخدمها في كل مناسبة عويصة فيما بعد .

ثنائيات أزهار سوف اضعها في قالب أخر واتكلم عن ثنائيات بشكل مختلف مادام الموضوع يسمح لي بالتمرد

في المنتدى عضوين اعتبرهما ملح المنتدى :
عاشق البحر ( أبو حسام ) وأحمد علي ( أبو حسين )

كاتبتين أحب أن اقرأ لهما بدون أن أعقب
أزهار بريه ، نبع

عضوين افتقد وجودهما وأتمنى أن يعودا
حسن أحمد ، علي عيسى آل حسن ( والدي )

قسمين أحب أن أطلع على كل جديد فيه
خلاخل وأساور ، فوانيس

شاعرين يعتبران الأفضل في المنتدى
فاضل الجابر ، مؤيد أحمد

كاتبين لهما حضور مميز
مالك القلاف ، علي عبدالله

كاتبتين مقلتين رغم ما لديهما
بتول محمد ، ريان

عضوتين أشعر بتوأمتهما
ليتشيا ، أزهار بريه

اثنان في المنتدى احب أن أجالسهما
غادة ، مالك القلاف ( حيث تبدأ معهما السالفة ولا تنتهي )

مفرد لم اضعه في الثنائيات
الأستاذ يوسف بريه ، تضيع معه التصنيفات
شاعر وموسوعة

إظلام


جزء من موضوع ( المسرح إياه للمبدعة أزهار آل بريه )


http://sanabsi.com/forum/showthread.php?t=267&page=4

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 15






( 15 )

الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
عبدالله الخميس



فتحت سماهر عينيها بصعوبة بالغة فقد كانت أشعة الشمس حارقة بمعنى الكلمة ، شعرت بالألم الشديد يتخلل جسدها من كل الجهات ، حاولت تحريك يديها فعجزت عن فعل ذلك ، رغم الصورة الضبابية إلا أنها استطاعت أن تتبين ملامح الحبال التي تقيد يديها، تذكرت في لحظتها أنها وقعت مجدداً في قبضة الأمازونيات ، أحست بالرعب الشديد يتملكها وهي تتخيل نفسها لقمة سانحة للوشق العظيم .
سمعت خطوات تقترب منها ، حاولت رفع رأسها إلى أعلى لمعرفة من القادم ولكنها عجزت فالحبال المضروبة بالأوتاد تجرها إلى الأرض من شعرها ومن رقبتها .
- هل استيقظتِ أيتها الخائنة ؟
كان هو صوت ريان الممتزج بالسخرية المقذعة . اقتربت منها وأطلت بوجهها الناعم والذي لا يبين مدى الوحشية الذي تمتلكه صاحبته .
- لابد أنكِ تتساءلين أين أنتِ ؟ وما هو مصيرك بعد فعلتك الشنعاء !
تلعثمت سماهر قليلاً وحاولت استجماع ذاكرتها وبقايا تفكيرها .
- تحت التهديد يا مولاتي .
- مولاتك ؟ تحت التهديد إذن ، أضحكتني يا سمورة ، وبمناسبة الضحك فسوف أضع عليك الكثير من الملح ، لا تفهميني خطأ صحيح الملح سيحرق الكثير من جروحك وسوف يسبب لك ألماً مبرحاً ، إلا أنه سوف يبعد الغربان عنك والطيور الجارحة ، سمعت أمي تقول ذلك .
قالت كلمتها وأمرت الحارسات بإلقاء سطل الملح عليها وغادرت بعدها وهي تسمع صراخ سماهر يمزق المكان .

نظرت سما بعجب صريح ناحية الرجل المحمول والمغطى بالجبس من رأسه إلى أخمص قدميه ولم تستوعب الأمر حتى بعد أن حدثها الحارس المرافق عدة مرات في محاولة لنقل الصورة كما نقلها له خليفة الإمبراطور ، وبعد أن وجد أن مديرة المنجم لم تستوعب الأمر أطلق تنهيدة طويلة :
- لا أستطيع أن أشرح أكثر من ذلك ، هذه هي الأوامر من قبل الجهات العليا وما علينا إلا التنفيذ ، وقعي هنا من فضلك .
قال جملته وهو يخرج ورقة مصنوعة من نبات البردي ، استشاطت سما غضباً :
- لن أوقع حتى تفهمني من هذا الرجل أريد جميع المعلومات عنه : أسمه ، عمره ، عنوانه السابق ، عنوانه الحالي ، حالته الاجتماعية ، تهمه ، الأمراض الجنسية المعدية وغير المعدية .
- كل ما أعرفه عنه أنه مصاب بمرض معدٍ ولذلك فقد تم تجبسيه ، وما أعلمه أيضاً أنه متهم بتهمة خطيرة وهي محاولة اغتيال الإمبراطور ، في حال رفضك استلامه فسوف اضطر للرجوع وإخبار الإمبراطور بما حصل ليتخذ اللازم .
أخذت سما تفكر في الأمر وعلمت أنها لن تجد نتيجة من حوار الطرشان هذا مع شخص لا يعلم شيئاً ولذلك فالأفضل تقصيها عن حقيقة الأمر بنفسها فأمرت الحرس بإدخال الرجل المجبس إلى زنزانة خاصة لا تتوفر فيها أدنى سبل العيش ، وبعد أن انتهت من تعليماتها نظرت تجاه كل من اشتباه و آلاء اللتان يبدو أنهما في حالة صدمة عاطفية أصابتهما بالهستيريا الصامتة . أخذت تنظر تجاه الأخيرة بغرابة فهذه هي المرة الأولى التي ترى فيها أنثى بهذا الحجم وفي ذات الوقت مهزوزة الشخصية ، فقد كانت آلاء تقضم أظافر يديها ورجليها مما ينم عن عقد نفسية داخلية مضطرمة ومتأججة ومشتعلة تكاد أن تنفجر فسارعت سما ( التي كانت قبل قدومها لمثلث برمودا متخصصة في علم النفس قسم السلوكيات العدائية والمتلازمة الانفعالية ) بحل هذه المشكلة البسيطة والتي من الممكن أن تتفاقم في حال تركها بالقيام بالرفس والركل والتنكيل بآلاء المسكينة التي شل لسانها من جراء هذا التصرف الأحمق ( حسب وجهة نظرها ) وبدت يديها في التشنج العنيف رغم أن رفسات سما المتتالية لم تكن تسمح لها بأكثر من ذلك . وبعد أن انتهت مسئولة المنجم من إشباع ساديتها أخذت تلهث بقوة بصوت يشبه الخوار وهي تنظر بشرر ناحية اشتباه التي اصفر وجهها وأصابع رجلها اليمنى فحاولت أن تزحف ولكن سما التي اشتهرت بمهارة ضبط النفس السريع ابتسمت ابتسامة صفراء شامتة :
- يبدو أنه تم التنكيل بك من قبل من أخلصتي له ! لو كنت مكانك لندمت أشد الندم عندما سددت سهامي ناحية المهرج العجوز سنابسي الهوى لترجح كفة هذا الخائن . أنظري ماذا حل بك الآن ؟
بلعت اشتباه ريقها بصعوبة وحارت في الجواب المفترض ولكن سما التي فضت ورقة البردي لتعرف تهمة كل منهما جعلها تتوقف لمعرفة ما ستقوله هذه الديكتاتورية المتجبرة :
- اممم آلاء هذا هو اسمك أيتها السمينة ... الخيانة العظمى والمؤامرة مع الأعداء والمتمثل في الخائنة اشتباه لإسقاط نظام الحكم وتهريب الأسلحة والتعاطي مع مخابرات أجنبية .. يبدو أنك خطيرة من حيث لا أعلم يا ... آلاء ، أما أنتِ يا اشتباه لم تحدد الصحيفة تهمتك بالضبط لتصبحي خائنة ، ماهي تهمتك بالضبط .
- الشوكلاتة .
ضحكت سما من بطنها بقوة شديدة فقد فهمت ما يجري :
- بالفعل إمبراطورنا غبي ، يضحي بإخلاصك من أجل قطعة شوكلاتة .. ياللعار ، ألم أقل لكِ تعالي معي لنحكم هذا المكان ومن ثم نسيطر على الجزيرة ولكنك فضلته ، تستحقين ما أصابك .
ما أن انتهت سما من موعظتها الشامتة حتى صرخت بأعلى صوتها منادية الحراس الذين وقعت قلوبهم ناحية الأرض وجفلت أفكارها وطارت في السماء .
- خذوا هاتين الاثنتين وضعوهما في أسوأ زنزانة لدينا ولا تطعموهما إلا مرة كل ثلاثة أيام وبالخبز الجاف فقط .
علمت كل من آلاء واشتباه أن نهايتهما قد قربت ووداعاً لأي أمل قد انتابهما قبل ذلك .


توقف كل من بحراوي ونسيم عن ركضهما المتواصل وهما أمام كائن مرعب متفحم الشكل غير واضح المعالم ومنتوف الشعر ، تراجعا خطوات حذرة وقد قررا أن يلوذا بالفرار حالما تبدر من هذا الكائن الغريب أي علامة بالهجوم ، ولكن بحراوي شعر بشعور غريب ينتابه وهو يتأمل الكائن المنكسر والذي كان ينظر إليه بمزيج من الدهشة والخوف والأمل :
- نحن لسنا أعداء ولا نريد شراً بأحد
هكذا قال بحراوي ليجس الموقف الذي من الممكن أن يتخذه الكائن وكانت مفاجأتهما عندما نطقت zamob التي تقف في مواجهة زوجها بدون أن يعرفها :
- وأنا أيضاً لا أنوي شراً .
- أنتِ إنسان ؟
قالها نسيم بشيء من الاستغراب ، نظرت إليه zamob بعمق وقد تذكرته فهو من ركاب الطائرة ، كادت أن تقفز فرحاً وتعلن عن نفسها ولكن هيئتها ومنظرها القبيح جعلها تعيد حساباتها وتتبرأ من نفسها :
- أسمي زمزم .( وتعني الميتة العائدة للحياة في بعض اللغات الإفريقية القديمة )
- اسم غريب ، وأنا بحراوي وهذا صديقي نسيم ، سقطت طائرتنا هنا وقبض علينا رجال الإمبراطور أبو حسام لاشك أنك تعرفينه .
هزت zamob رأسها نافية معرفتها به .
- لست من قاطني هذه الجزيرة .
تطلع بحراوي جهتها وقد تذكر زوجته zamob وسقوطها في طائرة تحترق فأخذ بالربط بينهما :
- هل تعنين أنك جديدة هنا مثلنا ؟
شعرت zamob بما يرمي إليه زوجها السابق فعادت بهز رأسها نافية رغم الألم المبرح الذي ينتابها جراء هذه العملية بسبب تهتك الأنسجة العضلية :
- لا ولكني كنت قاطنة في جزيرة أخرى .. قريبة من هنا .
- هل هم أناس طيبون مثلك ؟
قالها نسيم بشيء من الأمل ، فشعرت zamob بالمأزق وحارت في أمرها فتدخل بحراوي :
- ربما لا تريد أن تفصح لنا ولو كانت مرتاحة هناك لما وجدتها هنا .
- خسارة هذا يقلل احتمالية نجاتنا .
التفت بحراوي جهة المشوهة :
- هل كان لديك وجهة معينة ؟
- لا .. كانت هائمة على وجهي .
- نحن نبحث عن مكان آمن ، فهل لديك أي مقترح .
هزت رأسها مجدداً وقد شعرت بالتعب الشديد فجلست تلتقط أنفاسها ، عندها تحرك بحراوي ونسيم لمغادرة المكان ، تطلعت إليهما بحزن وهما يبتعدان عنها فأجهشت بالبكاء .


غمس حسن علي نعاله الزنوبا وردي اللون في الوحل وأخذ يتشممه جيداً مع علامات الاستغراب والدهشة في محيا الجنود من تصرف قائدهم ولا سيما ماضي الذي شعر أن هذا الصبي يتلاعب بهم ليشعرهم بأهميته ، بعد أن انتهى من التشمم قرب النعال لأذنيه وكأنه يستمع لما يقوله ، ضرب ماضي على وجهه وشعر بالمصيبة التي سوف تحل بهم إن استمر هذا الغر في ألعابه الصبيانية .
- هل وجدت شيئاً أيها الغـ... أقصد القائد ؟
- لحظة سمعتك تنطق الغـ وليس القـ ماذا كنت تريد أن تقول ؟
ضحك ماضي بحرج :
- هل نسيت يا حضرة الغائد إن أصلي من سيهات ونحن هناك ننطق القاف غين .
- يبدو أنك حنيت لأصلك ... ما أفعله ليس من شأنك فهذا اختصاصي الجديد الذي تعلمته في الآونة الأخيرة والذي تظن أنني كنت أقضيه في لعب الورق والقمار .
- وماهو هذا الاختصاص ؟
- علم الحفر .
- قصدك الأثر
- الأمر سيان .
- وهل أخبرك نعالك الزنوبا أمراً ؟
أحمر وجه حسن علي وشعر بالإهانة الشديدة فانتفض من مكانه واستل سيفه
- هذا ليس مجرد نعال زنوبا .. هذا شووي ..هذا الذي لن تفهمه ولاغيرك .. فإن قلت هذه الكلمة مجدداً قطعت لسانك .. ما أسمه ؟
تلعثم ماضي وعلم أن نهايته قد شارفت :
- شووي طال عمرك
نظر حسن علي إليه وقد أحمرت عيناه :
- هل هذا الذي علمتك إياه ؟
- اسف طال عمرك ... أسمه شووي يا حضرة القائد المبجل والرئيس المحنك الذي لا يدخر جهداً في سبيل رفعة الثوار ويقضي على كل من يريد شراً بهم من أمثالي ولذلك فأنا أقترح عليك أن ترفسني وتضربني كف على وجهي وقرصة في خدي .
ابتسم حسن علي وطبطب على كتف ماضي الذي تشنج وجهه ورقبته وفخده الأيسر :
- عفية عليك يا ماضي ... ماذا كنت تسأل ؟ آه .. هل أخبرني شووي أين مكان مدينة المنبوذين .. لحظة
قالها وقرب النعال مجدداً من أذنه ثم همس له ببضع كلمات ثم ضحك وكأنما سمع نكتة :
- يقول شووي أنه من ذلك الاتجاه
قالها وهو يشير تجاه الغرب ، ولكن ماضي الذي ما زالت الإهانات تتملكه ولكنه لم يستطع الصبر على ترهات حسن علي وخزعبلاته :
- ولكن ... يا حضرة القائد هذه الجهة هي جهة البحر فكيف نعود أدراجنا ؟
وقبل أن ينطق حسن علي جاء أحد الجنود مهرولاً :
- سيدي القائد .. لقد وجدنا قرية المنبوذين .
بانت علامات الترقب في وجهي كل من حسن علي وماضي فنطق ماضي وهو يترقب إحراج حسن علي :
- أين ؟ في أي جهة ؟
- هناك في الغرب

كانت حالة بتول محمد النفسية وصلت لأقصى درجة التعقيد فبعد أن انقرضت قطط الجزيرة جاء دور وزغ الجزيرة التي بدأت في التناقص فزادت أعداد الحشرات التي كان وزغ الجزيرة يقتات عليها بشكل غير مسبوق فضجت الناس وهم يفسرون الأمر بغضب من السماء عليهم بسبب سوء سلوكهم وأخلاقياتهم التي انحدرت إلى أسفل السافلين ، فهب الوعاظ إلى منابرهم يعظون الناس ويذكرونهم بالأمم السابقة التي ابتليت بالفيضانات والتسونامي والحيوانات الضارية والحشرات القاتلة وهذه الظاهرة هي بداية النهاية ولذلك وجب عليهم دفع الصدقات وتقديم القرابين والنذور ليحل عليهم الرضا بدلاً من السخط .
أخذت بتول محمد وزغ من ذيله وهي تتأمله في محاولة للإفلات من يده بدون فائدة ترجى وكأنه علم بمصيره الأسود وأخذت تغمزه بأصابعها الضخمة وترعصه وتعصره وتصرعه وقربته من فمها الضخم لتنهي مأساته وقبل أن تقدم على فعلتها دخلت عليها أمها العجوز همس 2007 فنهرتها عما تفعل فما أن سمعت بتول محمد نهر أمها لها حتى أصابها السعار فكشرت أنيابها وأصاب عينيها الجحوظ وقفز الشعر من يديها كالإبر الصينية ، تراجعت همس 2007 وعلمت أن عقدة أبنتها في ازدياد فأخرجت عروسة صغيرة وابتسمت ابتسامة رقيقة مع ترقيق في الصوت :
- أنظري ماذا أحضرت لك يا بتولتي .. يا بتوله .. يا بتوووله بثلاث واوات عروسة
ما أن سمعت بتول كلمة عروسة التي ذكرتها بدبدوبتها ~ زمردة ~ حتى تشنجت وهجمت على اللعبة الصغيرة وقامت بتمزيقها بيديها وأسنانها وقد أفلتت الوزغ من يدها والذي هرب لأقرب مخباً في الأرض ليحذر أقرانه من العذاب الذي ينتظرهم إن ظهروا على السطح .
نظرت همس 2007 تجاه أبنتها بخوف وهي تحاول أن تجد طريقة مناسبة لتهدئتها :
- آه اعلم ماذا تريدين ، ملاس .. أليس كذلك ؟
ما أن سمعت كلمة ملاس حتى تذكرت دبدوبتها ~ زمردة ~ مجدداً فأخذت تضرب رأسها في الجدار حتى تصدع فخشيت الأم من تهدم البيت على رؤوسهم فحاولت تهدئة أبنتها فما كان من الأخيرة إلا أن ضربتها بكوعها فسقطت أرضاً وأخذت همس 2007 تحبو على ركبتيها إلى الخارج هرباً من الوحش الذي سكن أبنتها ولكن بتول محمد الذي بدأ التسعر يتمكن منها أخذت في تتبع أمها في محاولة للقضاء عليها وما أن أطلت برأسها للخارج حتى سقطت الشباك والحبال عليها من جميع الجهات وعشرات الرجال الأشداء حولها وهم يحاولون تثبيتها إلى الأرض / نظرت همس 2007 إلى أبنتها بحزن :
- أسفة يا أبنتي هذه هي الطريقة الوحيدة .. لقد وعدوني بأنهم سوف يحسنون معاملتك في مشفى الإمبراطور للأمراض العقلية .
ما أن سمعت بتول محمد هذا الكلام حتى انتفضت وقطعت الشباك وضربت الرجال الذين تساقطوا من جميع الجهات الأصلية والفرعية وولت هاربة نحو الغابة تؤازرها صيحات أمها الثكلى .


وغير ذات بعيد وقف الخليفة زهدي ينظر بتعجب ناحية أطفال يحملون سلالاً صغيرة وهم يركضون على رجلٍ واحدة متجهين جهة النهر
كان بجوار الخليفة مساعده الجديد عبدالله الخميس والذي كان يشغل في السابق منصب جنرال في جيش الأحتياط والذي ببداهته علم ما سيؤول له الأمر لو عارض الخليفة في خيمة الاجتماعات فأخذ يهتف بالروح والدم لينقذ نفسه ويتزلف إليه لعله يجد الفرصة السانحة في اعتلاء المراتب التي كان محروماً منها في عهد الإمبراطور الغابر أبو حسام ، وهذا ما حصل عليه .
نظر إليه الخليفة وأشار تجاه الصبية :
- ماذا يفعل أولئك الصبية ؟
ابتسم المساعد بثقة :
- إنها الجوحلة يا مولاي ؟
وعندما رأى عدم علامات الفهم على محيا الخليفة أردف :
- تقليد قديم جداً منذ عصر الأجداد نمارسه بالقفز على رجل واحدة لنصل إلى النهر ونرمي بعدها السلة التي تحوي بعض الأزهار البرية والتي جاء بها الأجداد من وطننا الأم في مياه النهر كتعويذة لجلب الحظ ونعود لديارنا .
- وهذا التقليد متى ؟
- يوم في السنة ويصادف هذا اليوم .
- وفي أي يوم نحن.
- نحن لدينا تسمية مختلفة عما لديكم في الوطن وسنواتنا تؤرخ حسب قدوم أول الوافدين إلى هنا وسطرهم تاريخ الجزر ، فنحن الآن في شهر kin key في اليوم التاسع عشر وهو يوم وصول الوفد الأول في تاريخ الجزيرة .
ابتسم زهدي ابتسامة من يفكر :
- يا عبدالله الخميس اصدر فورماناً خليفياً يأمر بتحويل تقليد الجوحلة إلى مهرجان يعم الجزيرة بأكملها وسوف يكون مهرجاناً تراثياً – ثقافياً – ترفيهياً وركز على ترفيهياً كثيراً فنحن بحاجة إلى سيولة لتمويل الجيش .
أدى عبدالله الخميس التحية العسكرية واتجه إلى تنفيذ أوامر مولاه الخليفة .


في جزيرة الحشاشين كان عاشق المسرح في قاعة الاحتفالات ينظر تجاه ملكة الأمازونيات والوفد المرافق لها بينما كانت أزهار بريه تتجاهله تماماً وكأنها لا تراه وتركز نظرها على خشبة المسرح التي امتلأت بالراقصين والراقصات في اوبريت افتتاح لقاء القمة .
جال بنظره إلى الموجودين فقد كان حاكم الجزيرة يوسف آل ابريه وعلى يمنيه سنابسي الهوى وأحمد علي و على يساره ملكة الثوار نبع وبجوارها مستشارها مالك القلاف وعلى غير بعيد كانت ملكة الأمازونيات جالسة وهم يتابعون فقرات الحفل بانسجام تام .
بعد برهة صغيرة قامت ملكة الأمازونيات متعذرة بالذهاب إلى دورة المياه وطلبت من مرافقاتها بالمكوث في أمكانهن فلا سبب يدعوهن لذلك فـ :
- الدنيا أمان.
قام عاشق المسرح من فوره متعذراً بشرب سيجارة حشيش فقد أصابه الصداع بسبب صوت الموسيقى ، لم يشك أحد إلى أين كان متجهاً فقد كان الجميع منشغلاً بالفقرات الاستعراضية الكبيرة والمثيرة ، وما أن وصلت ملكة الأمازونيات عند باب دورة المياه حتى انعطفت قليلاً بعد أن اطمأنت أن لا أحد يراها وأتجهت إلى السلالم حيث كان عاشق المسرح في انتظارها وما أن التقيا حتى أقبل عليها وقبل جبينها ويديها فذرفت الدمع واحتضنته وقبلته في نحره ومسدت شعره :
- وحشتني يا بعد طوايفي
- وأنتِ كذلك يا أمي . هل استقررت على قربانك الجديد . ارشح أربعة أولهم حاكمنا يوسف فأنا أكرهه كره العمى ، وذلك المهرج العجوز سنابسي الهوى ومرافقه أحمد علي وأخيراً مساعد ملكة الثوار مالك القلاف فمن تختارين
ابتسمت الملكة وعادت إلى تمسيد شعر أبنها متخللة بأصابعها بكل حنان :
- أريد فحلاً قوياً وضخماً ليكون غذاء الوشق الدسم ، أظنني سوف أختار أحمد علي



يتبع

الأحد، 21 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 14





( 14 )

الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :
~Lossello~

في الطريق العام المتصل بالبحر وقف حسن علي مع جنوده يتجهزون لخوض المياه الضحلة التي تصلهم بجزيرة المنبوذين ، كانت المياه باردة في هذا الوقت من السنة وكم كان يكره برودة المياه فأخذ يعد نفسه نفسياً بتجاهل هذه المشاعر مع أنه أحتاط لهذا الأمر بلبس الملابس الجلدية الكثيفة على جميع أنحاء جسمه عدا الوجه وتغليفها بصوف الخروف رغم بطلان هذه الفكرة كما أكد الجميع من حوله خاصة أن الصوف سوف يتشرب الماء ويكون أكثر برودة ولكنه كالعادة أصر على رأيه . وقبل أن يعطي الإشارة لجنوده بخوض المياه خرج من بين الأشجار الكثيفة والمحيطة بهم رجلاً يترنح في مسيره تجاههم .
ذعر حسن علي من رؤية الرجل الذي يتقدم نحوه بشكل مخصوص وهو يرفع يديه إليه كأنه يستنجد فيه فلم يعرف ما يفعل . كان ذلك هو ابو حسن الذي تشوه شكله وأصبح مسخاً بعد تعرضه لمادة غريبة في جزيرة المنبوذين ، جميع من عرفهم في معسكر الثوار ظنوا أنه ميت الآن ، ربما فكر في الانتحار ولكن رؤية أبنه حسن يتقدم جموع الجيش متجهاً إلى جزيرة المنبوذين ربما أحيت الأمل في نفسه بأن أبنه سوف يتعرف عليه بالفطرة ، وربما كان الخوف على حسن أن يصيبه ما أصابه .
تقدم ابو حسن فذعر الجنود وهم يرون السائل المخاطي الذي يفرزه جسم المسخ المتقدم نحوهم فارتبكوا حتى وهم يسددون سهامهم تجاهه .
صرخ حسن علي بذعر واضح :
- توقف .. توقف .. يا جنود .. هلموا إلى قائدكم ممثل الملكة أحموني يا ناس ..
في لحظة كان الجميع متفرقون كلٌ في اتجاه مختلف إلا أن ماضي اطلق شبكته الليفية تجاه المسخ مما جعله يتوقف عن الحركة ويسقط أرضاً ، حاول ابو حسن أن يتخلص من الشبكة إلا أنها كانت تلتصق فيه أكثر وأكثر ، تقدم ماضي :
- لا تحاول أيها المسخ فهذه الشبكة مصنوعة من الليف الطبيعي وهي علامة تجارية خاصة بنا .
نظر ابو حسن إلى ماضي بعينيه الحزينتين فهو يعلم أمر الشبكة خاصة أنه هو من أبتكرها ، جفل الجندي الذي كان قائداً ذات يوم عندما تعرف على عيني ابو حسن شل لسانه ولم يعرف ما يقول .
تقدم حسن علي بكل ثقة عندما رأى أن الموقف أصبح تحت السيطرة :
- أمممم ، يبدو أنه أحد المنبوذين فر هارباً من الجزيرة
حاول ابو حسن الكلام ولكن صوته خرج كهمهمة بحروف غير مفهومة ، صرخ حسن علي في جنوده الذين عادوا إلى مواقعهم بعد أن عادت الطمأنينة إلى نفوسهم الهلعة :
- هيا سددوا سهامكم نحو هذا المسخ واجعلوه عبرة لمن لا يعتبر ولا تنسوا أن تمثلوا به بدون رحمة أو شفقة .
ما أن سمع ابو حسن كلمات ابنه حتى كاد أن يغمى عليه وتذكر في لحظتها زوجته رقعة بياض وهي تدافع عنه عندما يهم بضربه بسبب سوء سلوكه وهو يقول لها :
- لن يكون موتي إلا على يدي هذا الدلوعة ، سوف تفسدينه بتدليله بهذه الطريقة ، دعيني اضربه ضرباً مبرحاً لا ينساه طوال عمره .
- بل سيكون سنداً لك وستثبت الأيام هذا القول .
فكر أبو حسن في السند وهو يأمر رجاله بتسديد السهام نحوه والتمثيل به بعد موته وربما ذهب به الأمر أن يستفيد من كمية المخاط الدهني الذي يفرزه جسمه في ايقاد النار له ولرجاله في شرب المعسل .
توقفت الأفكار المتضاربة لدى ابو حسن عندما سمع صوت الرجل العتيق في الجندية ماضي :
- اقترح عليك يا حسن .. أقصد أيها القائد العام المبجل الذي يشتهر عنه بنفاذ البصيرة والرؤية العاجلة والآنية بأن تأسر هذا المسخ لحين معرفة ما وراءه .
أخذ حسن علي يفكر ملياً في مقدمة ماضي في الكلام هل كان توقيراً أم سخرية فهز رأسه :
- لا .. لا أظنه سيكون مفيداً لنا
توجه بندائه ناحية رجاله :
استعدوا يا شباب للقضاء على هذا المسخ العجيب وقد جاءتني فكرة بعد أن نسلخ جلده على أن نستفيد من مخاطه الدهني في اشعال الفحم لنشرب رأس معسل قبل أن نتوجه إلى جزيرة المنبوذين
استبشر الرجال وسددوا سهامهم ناحية المسخ الذي امتقع لونه من الأخضر الفاتح إلى اللون البرتقالي ولكن ماضي عاد من جديد ووقف معترضاً صوب السهام وحاول أن يتصنع الهدوء :
- ماذا يا حسن .. أقصد يا حضرة القائد المبجل والحكيم وصاحب بعد النظر في أن لو كان هذا الرجل هارباً من جزيرة المنبوذين ومطلوب بأي ثمن . ألن يختصر علينا الوقتفي المفاوضات وترتفع اسهمك لدى ملكة الثوار ؟
ما أن سمع حسن علي كلمة الملكة حتى شطح به الخيال وتخيل الملكة نبع وهي تتقدم نحوه شاكرة له حسن صنيعه ومعجبة بحكمته ومهارته وتعرض عليه أن يتعطف عليها ويقبل بالزواج منها ليصبح هو ملك الثوار بدون منازع والكل بما فيهم عمه البغيض ابو قدس تحت أمرته .
هز رأسه موافقاً :
- هيا احملوه على أحد الجياد لنسلمه لملكتهم الموقرة .
اشمأز الرجال وهم يحملون ابو حسن بسبب الكميات الهائلة من المخاط الذي يفرزه جسمه فوضعوه بغير روية مما خرجت من صدره آهة مكتومة يشوبها الكثير من الحزن و الأسى . أطرق ماضي رأسه وأخذ يفكر بعيني المسخ المألوفة .




بطريقة لم يتصورها izaq ولم تدخل في حساباته العقلية والمنطقية انشقت الأرض فجأة بعدما تمتمت ذاكرة الرمل ببضع كلمات غير مفهومة وكأنها بوابة الكهف السري لعصابة الأربعين حرامي ، لم يكن يستطيع المشي بسبب السهم المغروس في باطن قدمه ولكن يد سديم الذي ظهر وجهها الأخر وكان ذكورياً فجاً كانت أقوى من أن يفكر في التوقف ولو لحظة واحدة ، شعر بالتعب الشديد والإحباط وأخذ يفكر في وجه سديم الغريب فنصفه أمرأة والنصف الأخر رجل ، حاول أن يستوعب المنظر ولكن بدون فائدة ولم يكن يجرؤ على أن ينظر في تفصيلات جسمه/ ها هل ينطبق عليه ما ينطبق على الوجه أم لا إضافة إلى الشعر فالنصف الأنثوي كان طويلاً أملساً بينما الجانب الذكوري والذي لم يره في أول لقاء لأنها كانت تعطيه الجانب الأخر فقد كان مجعداً ، تذكر كم كان يفتخر بشعره الحريري الذي أصبح نقمة عليه في هذا العالم الغريب فهاهو أخر المطاف أصبح يساق من شعره مرة من ذاكرة الرمل ونهاية بـ المرأة – الرجل سديم .
أخذت ذاكرة الرمل في فتح البوابات الخشبية لأختها وأسيرها الجديد في ممر ضيق لا يكفي لمرور أثنين ، كان جدار الممر ممتلئ بالطحالب الخضراء مما يدل على وجوده بالقرب من النهر ، السلالم الحجرية والتي كانت تؤدي إلى الأسفل رطبة ولزجة مما جعل izaq في أكثر من مرة يتعرض للسقوط ليظل معلقاً من شعره بدون رحمة من المقاتلة الشرسة . في النهاية وصل الجميع إلى بهو ضخم ما يميزه رائحته الكريهة والتي تشبه رائحة المجاري : في جميع أنحاء البهو كانت الأقفاص الممتلئة بالبشر معلقة في السقف يحيطها الحرس من كل مكان حاملين سياطهم الجلدية والتي لا تتوقف عن لهب الجلود بقدر الإمكان . بلع izaq ريقه بصعوبة وهو يرى النتيجة الحتمية لوجوده في هذا المكان المخيف ، من هؤلاء ؟ ماذا يعملون تحت الأرض ؟ ماهي مهمتهم ؟ هل هم الثوار الذين سمع عنهم ؟ أسئلة ليست لها نهاية وبدون أجوبة ومازالت سديم ممسكة بشعره مستمرة في تقدمها محترقة الصفوف المزدحمة تتبعها ذاكرة الرمل بدون هوادة ، في النهاية توقفت سديم أمام بوابة من الحديد المطلي بالنحاس والمطعم بخشب السنديان وهمست في أذن الحارس الضخم ببضع كلمات الذي فتح البوابة ودخل للحظات ليأذن لهم بالدخول .
كان المكان بارداً بعكس البهو والشموع منتشرة في كل مكان ، أخذت الدهشة تعلو وجه izaq وهو يرى الفخامة موزعة بجمال وتنسيق ، توقف الجميع وجثت كلاً من سديم و ذاكرة الرمل أمام الكرسي الضخم الهائل في الطول تطلع إلى أعلى وهاله ما رأى فلم يكن يتصور بحياته أن يرى منظراً هكذا فقد كان من يجلس على العرش أشبه بالمسخ من كونه إنسان فهو رجل بثلاثة أعين اثنتان بشكل طبيعي والثالثة في منطقة الجبهة بينما يغطي الشعر كل ما يمكن تخيله من جسده حتى الفم الذي يمتلئ بالشعر من بين الأسنان . وكزت سديم izaq طالبة منه بالركوع لـ ~Lossello~ .
كانت الكلمات الصادرة من ~Lossello~ تبعث بالخوف فصوته الخشن كأنه حشرة ماكينة أصابها العطب :
- من هذا ؟
- هارب من منجم الفحم على ما يبدو .
- هل وجدتِ Renad ؟
- لا ، منذ اختفاءها في الغابة ولم نسمع عنها خبراً .
- حذرتها أكثر من مرة ، الانتقام يحتاج إلى صبر .
- هل أبعث كتيبة من الحرس للبحث عنها .
- لا .. هذا سيؤدي لكشفنا في الوقت الحالي .. نحن نحتاج لمزيد من السرية
- وهذا
- ما به ؟ لماذا جئت به إلى هنا ؟ لماذا لم تضعيه مع بقية المساجين الجدد ؟
- كنت أظن أنه يحتاج إلى قرار في تعيين المكان المناسب له خاصة بعد موجة الوباء التي أصابت المساجين .
- دعيه في مكان معزول ليفحص وبعد ذلك قرري أين مكانه بدون الرجوع إلي .


في الطرف الأخر ما بين جزيرة الإمبراطور وجزيرة الأمازونيات رفع jawad رأسه من الماء بهلع واضح وهو يتلفت بحثاً عن سماهر فقد جرفه التيار الشديد إلى مكان مجهول ، أخرج الماء الذي بلعه بعد أن كاد أن يغرق في الدوامة المخيفة ، كان الظلام شديداً في فوهة الجرف ولذلك لم يستطيع أن يجد سماهر المصابة بسهم الأمازونيات في صدرها ، اقترب من الشاطئ والظلام قد ساد المكان ، وقف متعثراً لا يعرف كيف يتصرف هل يصرخ بأعلى صوته منادياً الفتاة التي أنقذته من جزيرة المتوحشات حسب تعبيره أم يقف بكل صمت وينصرف لحاله ، قرر أن يغامر وليكن ما يكون صرخ بأعلى صوته منادياً في كل اتجاه ولكن بدون فائدة ، أخذ يجول المكان الذي فيه فعلم أنه لا فائدة من البحث في هذا الوقت المظلم ، حاول أن يجد مكاناً يضع جسمه المرتعش فيه عله يجد دفئاً في مغارة أو بين الحجارة أو بين أوراق الشجر المتناثرة ، تعثر فجأة بجسم دافئ ، استبشر خيراً فقد تكون هي سماهر ، سمع صوت تنفس مما يدل على أن الشخص الملقى على قيد الحياة ومما جعله يتجه باليقين على أنها سماهر صوت أنين صادر منها دلاله الألم ، تحسس جسدها فوجده مغطى بالدم والوحل فأخذ يفتش عن شي ما ليوقف النزيف المستمر في المنطقة العلوية من الصدر ولم يجد إلا بعض النباتات النهرية فأخذها على عجل ووضعها فوق الجرح لعل الدماء تتوقف ، على ضوء القمر الخافت أستطاع jawad التعرف على شخصية الفتاة فقد كانت شخصاً أخر غير من كان يتمنى ، شعر بالإحباط الشديد ولكن ذلك لم يفتر من عزمه في حجم المسئولية الملقاة عليه لإنقاذها .

اقترب يوسف آل ابريه بغضب من عاشق المسرح وبيده ورقة :
- ماهذا يا عاشق المسرح ؟
- ماذا ؟ مجرد إعلان .
- ولكنك بذلك وكأنك تنشئ مؤتمراً خاصاً دوننا .
- هون عليك الأمر سيدي الحاكم . قبل كل شي ء ماذا تشرب
قالها وهو يصفق منادياً الموظفة :
- عزيزتي
- شبيك لبيك مولاي ( آشك المسره )
- ياعيني على الكلمات التي مثل العسل .. دائماً تشعريني بالعبث حتى في أوقات الجد، أحضري بعض النبيذ للحاكم المبجل .
- لا أشرب في وقت العمل
- لك ذلك .. احضري له بعض من العصير ( اللسبيشل ) والذي يشتهر به كازينونا .
ابتسمت الموظقة بغنج واضح :
- سوف يعجبه مذاقه بكل تأكيد
أشاح يوسف آل ابريه نظره عن الموظفة الحسناء :
- لم تجاوب على سؤالي يا آشك المسره .. أقصد يا عاشق المسرح
ضحك عاشق المسرح من قلبه :
- لم تخرج من لسانك بمثل غنجها .. ماذا تلمح ؟
- دعك من تلميحاتك السخيفة
- كل ما في الأمر أنني سوف اجعل الرؤساء يلتقون في مؤتمر أخر بعيداً عن السياسة ، ربما الحب يقربهم أكثر من السياسة .
- ولكن ...
- ماذا ؟
- نحن جزيرة محايدة .. لسنا جمعية خيرية
- ولكن ما تفعله من مؤتمرات هو لتقريب وجهات النظر ... أليس كذلك ؟
- أجل
- وهو ما يفعله مؤتمر الحب .. بين العذرية واللا عذرية .
- لا أظن أن قصدك هذه العبارات الجوفاء .. كل ما يهمك هو تسديد ضربة بعد إقصاءك من اللجنة العليا ... لحسن حظك أن أول الوفود والمتمثل بملكة الأمازونيات على وشك الوصول ولذلك فأنا مشغول عن تهريجك ولكن سيكون لنا كلاماً أخر .
قالها وغادر المكان غاضباً تحفه نظرات عاشق المسرح الذي ابتسم قائلاً :
- سنرى


دخلت زينب عبدالله الخيمة الإمبراطورية والتي تحول إسمها إلى الخيمة الخليفية ومعها ثلة من الرجال الخائفين ، دهش زهدي من دخولها المفاجئ ولم يعرف ما يجري :
- ماذا هنالك يا عزيزتي ؟
ابتسمت المضيفة الحسناء ابتسامة واسعة :
- هؤلاء الرجال من الموهوبين في الرسم وقد جئت بهم ليرسموك .
- يرسموني ؟
- بورتريه .
- لماذا .
- منذ الآن سوف يتم تعليق صورك في كل مكان في الشارع في الأزقة في المنازل في المحلات .. لن يبقى مكاناً واحداً إلا وصورة الخليفة المعظم زهدي تزينه .
ابتسم زهدي وعلم أن هذه الحسناء داهية لا يشق لها غبار وإن لم يفعل ما يمكن فلربما تنقلب عليه فأخذ يفكر بسرعة :
- هل تعلمين ما ينقص الخليفة يا عزيزتي ؟
نظرت إليه بعمق كمن تحاول استكشاف ما يفكر فيه :
- ماذا ؟
- زوجة .
- هل تريد مني أن أبحث لك عن زوجة ؟
- ولماذا تبحثين وهي موجودة أمامي ؟
- ولكني غير موافقة .
اتسعت عينا زهدي وعلم أن شراً سيصيبه :
- ترفضين الزواج بي ؟
- لم أقل أني ارفض .
استراح زهدي قليلاً وعلم أن شروطاً في طريقها إليه :
- ما هي شروطك ؟
- لن اكون مجرد زوجة . بل شريكة في الحكم لي ما لك .
بدون تفكير أجاب زهدي :
- موافق ... عما قريب سأنشر خبر زواج الخليفة وأمرهم بتعليق صورة الخليفة وزوجته في كل مكان بالجزيرة .

الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 13






( 13 )

الوجوه الجديدة حسب الظهور :

الفارس النبيل

مجنونه

سديم

ذاكرة الرمل




تقدم A.M.A جنوده عند وصوله قبيلة الشيروكي وقد بان التعب على محياه ولكنه بذل جهداً كبيراً في إظهار الجلد والشجاعة والعزم ،الرحلة لم تكن بتلك السهولة التي كان يتصورها فما بعد الصحراء الكبرى وجد الجميع بحراً شاسعاً أمامهم فركبوا قواربهم المعدة لهذا الغرض ترافقهم تعويذات ساحر القبيلة حكيم لحمايتهم من السقوط في الهوة الساحقة فقد كانوا يظنون أن ما بعد أرضهم هوة ساحقة تسقط فيها الأجسام الترابية وتحلق من خلالها الأجسام النورانية .
في رحلة السير تعرضوا لهجوم الحيتان المتوحشة والتي فقد فيها A.M.A بعضاً من رجاله في معركة شرسة ولكنهم في النهاية استطاعوا النجاة والوصول إلى بر الأمان رغم عدم توقعهم بوجود أماكن أخرى تشبه عالمهم .
ولم تكن العودة سهلة أيضاً فالصواعق كانت تملأ السماء مما جعل الجميع يرفض مغادرة الشاطئ إلا بعد انتهاءها ، وصادف وجود عاصفة من الغبار أثناء عودتهم مما جعلهم معرضين للغرق ولكنهم في النهاية وصلوا إلى بداية الصحراء ، هناك التحم الجميع في معركة أسطورية مع بعض الذئاب الشرسة وبالطبع كانت الغلبة الساحقة للمقاتلين الأشداء بل أصبح لحم الذئاب وجبة فاخرة في تلك الليلة المتعبة .
كان في استقبالهم ساحر القبيلة المهيب الذي كان يتطلع إلى الجنود بكثير من الفضول بعينيه اللوزيتين الحادة وقد أصفر لون وجهه أكثر من ذي قبل ، ترجل A.M.A من جواده الملون وجثا على ركبته اليمنى علامة خضوع للأب الروحي للقبيلة :
- لا أرى النار المقدسة يا A.M.A .
- جئنا بها وهي في مكان أمين يا حضرة الساحر المبجل .
- أنبأتني الأرواح بذلك ، سعيد بتقدمك ، سوف نقيم الليلة حفلاً لكم بمناسبة رجوعكم ولتتويجك زعيماً لقبيلة الشيروكي بعد أن تشعل النار المقدسة .
ابتسم A.M.A ابتسامة رضا ونظر تجاه أبيه الفارس النبيل الذي بادله الابتسامة بكل فخر فهاهو أبنه سيصبح خليفته في زعامة القبيلة .
قبيلة الشيروكي قبيلة من الهنود الحمر كانوا مجرد أفراد هاربين من بطش الغزاة الأسبان في قارب صغير عندما هبت عليهم عاصفة شديدة كادت أن تغرقهم جميعاً لولا دخولهم النفق المضيء فوجدوا أنفسهم في مكان غريب لم يروه من قبل ، تكاثر أفراد القبيلة بعد ذلك وأصبحوا امتداداً لقبيلتهم الأم بجميع الطقوس والعادات ، كانوا يظنون أنهم الوحيدون في هذا المكان ، بل كانوا واثقين من ذلك فقد اخبرهم السحرة تلو السحرة أنها نهاية الأرض وما بعد البحر لا يوجد إلا هاوية سحيقة . حدث النار القادمة من السماء قلب الموازين فسر النار لا يمتلكه ساحر القبيلة ومصدر النار الوحيد كانت الصواعق ، فعندما تضرب الصواعق يستبشر من في القبيلة فيذهبون إلى الغابة للحصول على النار من الأشجار المصعوقة ويحاولون جعلها تطول أكثر فترة ممكنة بإضرامها بواسطة الحطب مما جعلهم يستعينون بحراس للنار ولكن وجود القبيلة في مكان مكشوف في الطبيعة يجعلها عرضة للأمطار والرياح التي تساعد على إطفاءها مهما كانت درجات الحماية ، حاول الشيريكيون وضع النار في خيمة خاصة ولكن الحريق الكبير الذي كاد أن يقضي على القبيلة جعلهم يتراجعون عن الفكرة من أساسها مع خطبة كبيرة وعريضة ألقاها على مسامعهم الساحر الكبير حكيم عن غضب الأرواح بسبب عصيان القبيلة لتعاليمها وانتشار الفسق والفجور وعظائم الأمور .
ما أن دخل A.M.A الخيمة حتى استقبلته أمه العجوز مجنونه - والتي سميت بهذا الاسم بسبب فقدان أبنيها - واحتضنته بقوة والدموع تبلل محياها وهي تشير إليه بمدى خوفها عليه ، أمسك الأبن المحب بيد أمه البكماء وقبلها برفق واشار لها أن لديه خبر مهم سوف يخبرها لاحقاً . لحظات والزعيم السابق كان في خيمة أبنه الذي احتضنه بشدة فقد كان يائساً من عودته فهو الابن الثالث الذي يتعرض لمثل هذه الاختبارات القاسية تحت مسمى اختبارات الرجولة التي من خلالها يتحدد كونه زعيماً للشيروكي من عدمه ، فبعد ابنيه فاضل الجابر و مالك القلاف اللذان ذهبا في اختبار الرجولة ولم يعودا مما جعل الفارس النبيل زعيم القبيلة الذي بلغ من العمر عتياً يتيقن بذهاب الزعامة لمن يختاره ساحر القبيلة حكيم خلفاً له .
- أبي ؟
- ليس الآن . ارتح في خيمتك وسنعاود الحديث فيما بعد
- فاضل الجابر لم يمت
تدفقت الدموع بشدة من عيون الوالدين اللذان عقدت الدهشة لسانهما لهول ما سمعاه فأخذت مجنونه تلوح بيديها تطلب منه أن يعيد كلامه بلغة الإشارة فهي وإن كانت تجيد لغة الشفاه لمعرفة ما يقوله الطرف الآخر إلا أنها كذبت نفسها أو أنها أرادات أن تكون القراءة صحيحة .
- يا أمي .. أبنك فاضل الجابر مازال حياً .
ما أن تأكدت مجنونه من المعلومة التي نطق بها أبنها حتى سقطت على الأرض مغشياً عليها .

وضع izaq يديه على بطنه وطلب من رفيقيه التوقف قليلاً ، تأفف نسيم من ذلك الأمر ونظر تجاه بحراوي يستشيره ولكن izaq سقط من طوله على الأرض :
- لو أرى سما نفسها أمامي لن أتزحزح من مكاني
ما أن قال izaq جملته هذه حتى انغرس سهم في باطن قدمه مما جعله يصرخ بأعلى صوته ، هلع كل من نسيم و بحراوي ولم يعرفا ما يفعلانه فلاذا بالفرار ظناً منهما أن رجال سما هم من اطلقوا السهم على izaq الذي ما أن رأى رفيقيه يهربان حتى حاول اللحاق بهما ولكن السهم المغروس والألم الشديد جعله يظن أن الموت أقترب منه . لحظات بسيطة وفتاة في مقتبل العمر تقترب منه ، نظر izaq إليها بكل رجاء ألا تقتله وهو ينظر لجعبة السهام في يدها ، حاول أن يستعطفها ولكن ركلة بمؤخرة قدمها على أنفه جعله يسقط ويتحير في شعوره بالألم أين يكمن في الأنف أم في القدم ، حاول النهوض مجدداً لكي يحاول الفرار ولكن الفتاة عاجلته برفسة في خاصرته فسقط على الأرض . أخرجت الفتاة سكيناً لتقطع حلقه من الوريد للوريد ولكن صوتاً جاء من الخلف :
- كفى يا سديم .
- دعيني اقتله فلابد أنه أحدهم .
- لا يبدو من شكله أنه أحدهم بل هو أقرب لذلك المغفل هاني بن محمد (اللي طاح بكبدنا )
ما أن سمع izaq اسم هاني حتى جثم عند رجلي سديم التي حاولت ركله بدون فائدة بعدما تمسك برجليها الاثنتين حتى كادت أن تسقط :
- أرجوك أخبريني أين هو هاني بن محمد .. أين هو .. هل ما زال على قيد الحياة ؟
ابتسمت الفتاة الأخرى :
- ألم أقل لك يا سديم .. الطيور على أشكالها تقع
- وما ذنبنا يا ذاكرة الرمل أن يقع في حظنا هؤلاء المغفلين .
- لا عليك .. سوف نجد حلاً للتخلص منهما .. هيا بنا الآن إلى المخبأ .
قالت ذاكرة الرمل جملتها وأخذت izaq من شعره وجرته بكل قوة وهو يمشي على رجل واحدة .

كان جميع القادة في الخيمة الإمبراطورية وقد جلس زهدي على عرش الإمبراطور وبجانبه زينب عبدالله ، تجاهل زهدي نظرات القادة وهم يتطلعون إليه باستغراب ، كان الجنود منتشرين بكثافة في الخيمة حسب أوامر زهدي مما جعل الموقف متفجراً بالحذر ، استلهم الطبيب البيطري شجاعته بالضغط على يد المضيفة الحسناء التي بادلته الضغط الخفيف تشجيعاً له ليمضي قدماً فيما خطط له :
- الإمبراطور العظيم أبو حسام يبلغكم السلام .
جال بعينيه في وجوه القادة ليعرف ردة فعلهم فلما رأى الفضول لمتابعة حديثه ابتسم ابتسامة خفيفة :
- وهو يبلغكم أنه ذاهب في رحلة طويلة الأجل ليتأمل في هذه الحياة الفانية .
تعالت الهمهمات من الجميع وبلع ميلاد صوته الذي كان يتسمع الاجتماع من خلال شق صغير في الخيمة وعلم أن هناك ما يتم تدبيره ، فأرهف سمعه عله يعلم ما يجري .
- وقد أبلغني أن اخبركم لكي لا تتم الفوضى في الإمبراطورية بقراره بوجوب وجود خليفة له في غيابه .
نظر القادة إلى بعضهم البعض في محاولة استشفاف من يكون هذا الخليفة ومنى كل واحد منهم نفسه .
- وكما ترون فإن هذه المهمة الصعبة في الاختيار أخذت من الإمبراطور جهداً كبيراً وفي النهاية ........
وقف زهدي وأخرج ورقة مختومة عليها بالختم الإمبراطوري ليزيل الشكوك :
- قرر اختياري لأكون خليفته إلى أن يرجع هل هناك من اعتراض ؟
ساد الصمت في أرجاء الخيمة ونظر زهدي في الوجوه متفحصاً عمن يكون متردداً أو لديه الرغبة في الاعتراض فوجد ثلاثة من القادة لم يرتح إليهم منذ البداية وقد شعر بوجود خطر من بقاءهم ، ابتسم قليلاً وجلس على كرسيه مسترخياً :
- وبعد أن انتهينا من مهمة الخليفة يؤسفني أن أبلغكم من خلال ما قاله لي أبو حسام الذي وصلته تقارير خطيرة بوجود خونة من بيننا .
بلع الجميع ريقهم وعلموا أنها نهايتهم قد حلت فأخذوا بالبكاء والانتحاب الصامت . ماسكاً بيد زينب عبدالله ومشيراً بيده اليسرى إلى القادة الثلاثة والذين بدت عليهم علامات الاستسلام والخنوع والشيخوخة المبكرة ، فاقتادهم الجنود إلى الخارج حيث كان في انتظارهم اشتباه المقيدة بالأصفاد وبجانبها آلاء المنتحبة والمذهولة مما يجري وأخيراً أبو حسام فوق حمالة خاصة مستغرقاً في النوم . خرج زهدي وأشار للجنود باقتيادهم إلى منجم الفحم وقبل أن يتحركوا استوقفهم واضعاً يده على أبو حسام متوجهاً بكلامه لجندي الحراسة :
- قل لرئيسة المنجم أن تتوخى الحذر من هذا اللئيم فقد حاول اغتيال الإمبراطور العظيم وامتصاص دمه الطاهر ، وخذ هذه القارورة لتسقيه كلما استيقظ من نومه وأوصيها بوضعه في زنزانة خاصة خوفاً من أن ينقل العدوى للعبيد .
هلع الجندي عند سماعه كلمة العدوى :
- هل هو مريض يا سيدي الطبيب ؟
استشاط الطبيب غضباً ولكنه مسك أعصابه وابتسم :
- لو لم يكن مرضه معدي هل ستجده بهذه الحالة ؟ لا تخف لن يعديك ما دام هو مغطى بالجبس .
- شكراً يا سيدي
- والأهم منذ اليوم اسمي ليس السيد الطبيب وإنما خليفة الإمبراطور أو الخليفة ... مفهوم
قال الكلمة الأخيرة وهو يصر على أسنانه ، ادى الجندي التحية وأمر الجنود بالمسير ومن حيث لا يشعرون كان ميلاد في أثرهم .

نظرت zamob جهة البحر وهي في حالة يأس شديد من حالتها التي بلا شك لن تستطيع الشفاء منها ولو عرضت نفسها لمئات عمليات التجميل فالتفحم والتشوه أخذ من وجهها وبقايا جسدها كل شيء ، فكرت بالانتحار وجزمت على ذلك وبما أنها لا تجيد السباحة فبلا شك فإن هذه المياه هي المناسبة لهذه الفكرة ، أرخت عضلاتها عند مرور خاطر الانتحار ومشت خلالها ببطء وهي تتلمس المياه الباردة التي انتفى خلالها الشعور بسبب تلف الخلايا العصبية الموصلة ، أخذت تمشي وهي تنتظر أن تهبط فجأة في المياه العميقة ولكن بدون فائدة ترجى ، مشت ومشت بدون أن يصل الماء إلى عنقها ، فكرت بالرجوع ولكن رؤية الضفة الأخرى جعلها تقرر المضي في السير فلربما وجدت بصيصاً من أمل .

ما أن دخل الناي الحزين الكهف حتى امتلأت خياشيمه برائحة الطبيخ النفاذة التي اعدتها ~ زمردة ~ فهجم على القدر ورفعه وانزوى في زاوية وأخذ يلتهم الطعام بكل شراهة ، ابتسمت ~ زمردة ~ وعلمت أن السيطرة على هذا الوحش ليست بالمسألة الصعبة فما أن تتحرك حاسة الجوع لديه والمتمثلة في معدته التي لا تشبع حتى يصبح هذا الوحش المسمى بالناي الحزين سهل الانصياع .
تقدمت خطوات بسيطة لتشاركه الطعام ولكن عينا الناي الحزين لمحت تقدمها فزمجر بشراسة محذراً إياها بمجرد التفكير أن تقترب من طعامه ، تراخت ~ زمردة ~ وجلست في الركن المقابل ، و حالما انتهى من نهش اللحم من عظمة الفخذ حتى نظر تجاه أسيرته ورمى لها بقايا العظم ، شعرت ~ زمردة ~ بمزيج من الإهانة والإذلال فأخذت العظم لتلحس بقاياه فهي منذ يومين لم تتناول أي لقمة وما حصلت عليه حتى الآن مجرد قطعة عظم منهوشة كانت بين خيارين أحدهما مر إما أن تستسلم لرغبات رجل الكهف أو أنها تصبر على جوعها لتحارب بإستراتيجية جديدة وبالفعل قامت من مكانها واتجهت بكل قوة جهته والذي توقف عن الطعام وهو يراقب بحذر ما تفعله تلك الأنثى .
رمت ~ زمردة ~ بالعظم عند رجلي سيدها وغادرت إلى ركنها وانزوت على نفسها . نظر الناي الحزين جهتها مشدوهاً من هذا التصرف الذي لم يفهم معناه ولكن بعدها أكمل طعامه وكأن أمراً لا يعنيه .

استيقظت سماهر لتجد نفسها محاطة بثلة من الأمازونيات تتقدمهن القائدة الفذة ريان والتي ابتسمت بهدوء شديد :
- مرحباً بعودتك من جديد سموره العزيزة .
ثم أشارت إلى بَعْـثَرَة .., بالاقتراب :
- ألا تظنين أنها تحتاج إلى عناية خاصة .



يتبع

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 12


الوجود الجديدة في هذه الحلقة
الناي الحزين
رقعة بياض
وجه القمر

فتحت ~ زمردة ~ عينيها بهلع شديد وهي تتأمل المكان التي هي فيه ، كان المكان عبارة عن كهف متشبع بالمياه مما يدل على وجوده بالقرب من منبع الماء ومما يؤكد ذلك الظن سماعها لصوت خرير المياه ، كان المكان ضعيف الإضاءة بسبب كتل الأشجار الكثيفة التي تحيط بمدخله والذي على ما يبدو كان منفذ الضوء الوحيد . حاولت ان تتأمل المكان ولكن غياب نظارتها جعلها تصاب بصداع نصفي ، قامت من مكانها تتحسس المكان الخالي من الحياة فتعثرت بكومة من العظام مما جعلها تصاب بالرعب الشديد قفد تيقنت أن من خطفها ما هو إلا من أكلي البشر ، مباشرة اتجهت ناحية الضوء الضعيف الصادر من مدخل الكهف ولكن الجسم المهول الذي ظهر فجأة جعلها تتراجع خطوات متعثرة بالعظام المتفرقة ، بطريقة غريزية رفعت ~ زمردة ~ عظم ضخم من الأرض وصوبته تجاه الجسم المهول الذي يتقدم ناحيتها بثقة .
- ابتعد عني وإلا سوف أصرخ بأعلى صوتي .
لم يصدر من الجسم الهائل أي صوت ينم عن خوفه أو تراجعه بل استمر في الاقتراب منها ، رفعت العظم وهوت بكل قوتها على صاحب الكهف وكانت مفاجأتها أن العظم تفتت على جسمه الجبار ، ورغم ضعف نظرها إلا أنها أستطاعت أن تلمح كومة الشعر الهائلة والتي تغطي جسم رجل الكهف ، ما أن وصل رجل الكهف بمحاداتها حتى أوقع ثور بري عند قدميها واصدر صوتاً بدون لغة مفهومة مما جعلها ترتبك حائرة ماذا يطلب منها . جثت على ركبتيها تتحسس الجسم الحيواني الذي اسقطه بالقرب منها فعلمت أنه ثور وليس إنسان فاطمأنت أن العظام المبعثرة هي مجرد لحيوانات ربما يقتات منها رجل الكهف .
اقترب رجل الكهف منها وأخذ يتشممها ثم مد لسانه الطويل ولعقها فشعرت بالاشمئزاز ولكنها خافت من غضبه فبادرت بلعق يده وكتمت كمية كبيرة من اللعاب الذي كاد أن يتطاير من فمها بسبب < لوعة الكبد > التي انتابتها . شقت ابتسامة واسعة وجه رجل الكهف كثيف الشعر فصرخ بصوته الجهوري بلغة غير مفهومة ، لم تستوعب ما يريده الرجل بداية ولكنه ضرب على صدره :
- الناي الحزين
استغربت ~ زمردة ~ من رجل الكهف ومن مخارج حروفه الواضحة والمفهومة وهي من كانت تتوقع بعكس ذلك ففهمت أنه يعرفها بنفسها فقامت بضرب صدرها :
- ~ زمردة ~
هكذا انتهى التعارف الأول بين رجل الكهف الناي الحزين وبين أسيرته ~ زمردة ~ . اشار الناي الحزين ناحية الثور البري ففهمت أنه يطلب منها طبخ الثور فقامت ملبية لأوامر سيدها الجديد .

أصاب همس 2007 الحزن الشديد لما أصاب أبنتها الوحيدة بتول من كآبة وانطواء على النفس بسبب اختفاء الخادمة الجديدة قطاعة البصل والمدعوة ~ زمردة ~ فلعنت اليوم الذي أتت فيه هذه المنحوسة والناحسة والمتنحسة فأخذت بصلة من النوع الكبير وغرست أسنانها المتفرقة فيها وأخذت بالهامها وهي تفكر في حل لكي تخرج أبنتها من عزلتها .
لم يكن الانطواء والعزلة والاكتئاب فقط ما أصاب بتول كان هناك التوحش والتسعر كلما أقترب مخلوق منها لدرجة أن قطط المخيم كلهااختفت في يوم اكتشافها باختفاء دبدوبتها ~ زمردة ~ .
قررت همس 2007 استشارة مساعدها ميلاد الذي كان الطبيب الخاص للإمبراطور ابو حسام قبل عزله وتعينه مساعداً للست همس ، لم يكن حال ميلاد بأفضل من همس 2007 وابنتها فنظر للقادمة بنوع من الخمول ، جلست الست همس 2007 القرفصاء بجانبه :
- ما رأيك يا ميلاد في حال ابنتي .. كيف اخرجها من مأزقها هذا ؟
حاول ميلاد لملمة افكاره قليلاً :
- لما لا تستشيرين والد~ زمردة ~ المهرج ؟ فلربما خبأها في مكان ما
- ليس هنا
- هرب هو الآخر ؟
- يبدو أنك في عالم أخر .. ألم تعلم أن سنابسي الهوى أصبح سفير الإمبراطور في المؤتمر الذي يقام في جزيرة الحشاشين .. نحن لم نخبره باختفاء ابنته فقد كان لدينا أمل بالعثور عليهاإضافة إلى كونه كان مشغولاً في الفترة الأخيرة مع الإمبراطور .
ذهل ميلاد عند سماعه هذا الخبر وخاصة في تعيين سنابسي الهوى وهو الذي يعلم أشد العلم ماكان أبو حسام يفرط في الذهاب إلى المؤتمر السنوي فشعر بوجود أمراً خافياً على الجميع فقام من فوره واتجه إلى الخارج بدون أن ينبس كلمة واحدة .

كان الحصانين يركضان بأقصى سرعة ممكنة في محاولة للهرب من معسكر الأمازونيات الذي أعلن حالة الاستنفار القصوى وأخذ في ملاحقة الهاربين قبل أن يصلا إلى الغابة السوداء ، بالطبع لم يكن اي من jawad و سماهر يعلمان إلى أين هو الاتجاه الذي يمكن أن يبعدهما عن خطر المحاربات . فحاولا أن يستنبطا ما يمكن استنباطه من خلال التضاريس المتاحة أمامهما فانطلقا في الطرق الوعرة وهما في خوف شديد إلى أن تؤدي بهما إلى حتفهما ، وهذا ما حصل فقد وجدا انفسهما أمام هوة عميقة ومنحدر جبلي خطير لا يتسع إلا لشخص واحد مترجلاً بدون حصان . لم يكن هناك مجال للتراجع فوقع الحوافر القادمة من بعيد أصبح صوتها أقرب . ترجلا من جواديهما وأخذا في تسلق الصخور الحادة حتى وصلا إلى طريق يمكنهما المشي فيه وانطلقا بأقصى ما يمكنهما قبل أن تصل الفلول الحاشدة ويكونا في مرمى سهامهن .
وصلت مساعدة القائدة ريان إلى مكان ترجل الهاربين واستطلعت بنظرها المكان فعلمت أنهما في المنحدر الخطير ، أمرت أثنتين من المحاربات باللحاق بهما فنفذا أمرها بدون تردد
- حالما تلمحاهما اطلقا عليهما السهام بدون رحمة ...
أومأت المحاربتان رأسيهما وانطلقا في أثرهما . كانت الصخور الصغيرة تتساقط من الممر الضيق وقد أمسك jawad بيد المضيفة الحسناء التي دب الخوف في قلبها كلما رأت الهوة العميقة والتي يبدو أن لا نهاية لها . لحظات كادت أن تسقط بعدما تعثرت بحصاة بارزة لم تنتبه إليها ولكن يد jawad القوية رفعتها إلى أعلى وإن كاد هو أن يسقط بدلاً منها ، حالما وصلا لنهاية الممر الضيق كان بانتظارهما ممر أخر يطل على نهر مياهه الجاري تجري بسرعة مخيفة لتصب في الهوة . وقبل أن يقررا الاستمرار في المشي اخترق سهم المحاربات صدر سماهر حتى زاغت عيناها وسقطت في المياه ، جفل jawad بعد مشاهدته هذا المنظر فحاول أن يمسكها قبل أن تسقط ولكنه فشل في ذلك فاختل توازنه وسقط على أثرها

اقتربت رقعة بياض بخطوات بطيئة نحو الباب الخشبي المصنوع من خشب التيك المعتق والمزخرف بنقوش افريقية الطابع يدل على أساطير قديمة لتبعد عن صاحبة الدار الحسد ، مدت يدها المرتجفة لتطرق الباب فبانت عروقها البارزة والطافرة من جلدها الخشن والمتجعد بشكل مخيف ، بعد برهة قصيرة كانت وجه القمر ذات العيون الحادة تبرز من خلف الباب لتعرف من هو طارق منتصف النهار فكم كانت تكره القادمين في هذه الفترة حيث قيلولتها من بعد عمل شاق في معصرة المعسكر ، ابتسمت غصباً عندما وجدت العجوز والتي تعرفها منذ الصغر هي من أتت فرحبت بها بشدة رغم علامات الاستفهام والتي دلت عليها اتساع شديد في العينين .
برجلها اليمنى الخشبية المرتجفة شرعت رقعة بياض في الدخول للمنزل الغريب والذي يتحاشى الجميع وخصوصاً الأطفال من الاقتراب منه بسبب خوفهم الشديد من وجه القمر المتوحشة والذي لا يدل اسمها عليها كما يسمونها والتي دائماً تهددهم بتحويل جماجمهم اللينة إلى شوربة عظام .
حالما استراحت العجوز على المتكأ انطلقت وجه القمر إلى المطبخ القريب باحثة عن بعض العصيرات والفواكه لتقديمها ولكنها تذكرت ليلة الأمس عندما أطعمت قرودها الخمسة بكل ما تبقى لديها من فواكه . نظرت تجاه قردها المفضل سوسوتانتا ( ومعناه باللغة الافريقية القديمة المهبب ) بقليل من العتب :
- هل رأيت يا سوسوتانتا ؟ ألم اقل لك لا تفرط في تناول الطعام ؟ ها أنت الآن معرض لعدة أمراض من أهمها السمنة المفرطة ولن يفيدك لحظتها لا حساب ((bmi )) ولا حساب معدل استهلاك السعرات الحرارية ومرض السكري والضغط وغيرها .. والأهم أحراجي مع هذه العجوز التي لا اعرف لماذا جاءت في وقت حرج .
جاء صوت رقعة بياض مفاجئاً :
- أسمعك يا وجه القمر .. دعي عنك قردك المدلل والعصيرات وتعالي هنا .
اصفر وجهها رغم كتامة لونها فعلمت أن ما يطلق على هذه العجوز من إشاعات حول كونها كانت فرداً من منظومة المباحث الثورية صحيحاً فهي تمتلك قدرات سمعية غير طبيعية رغم تقدمها في السن واقترابها من مرحلة الخرف . دخلت وجه القمر على العجوز وجلست بجوارها لتستفهم منها حول سبب مجيئها .
اعتدلت رقعة بياض ونظرت إلى وجه القمر بتمعن بعينيها التي انطفأ بريقهما :
- يا عزيزتي جئتك في استشارة .
- إن كان في وسعي يا خالة .
- انا افكر في تزويج ابني ؟
- من ؟ المعتوه حسن علي !!! من هي المجنونة التي ستفكر مجرد التفكير أن توافق على الارتباط بمثله
تلعثمت العجوز ولم تحر جواباً فهي تعلم سوء سيرة أبنها كشخص عابث لا مبال ليس لديه هم سوى ثلاثة أمور في حياته النعال الزنوبا وردي اللون ، والبلوت مع رفقة السوء والمعسل .
- اعلم أنه من الصعب أن توافق عليه إحداهن . ولهذا جئتك أنت .
- لماذا ؟
- لأخطبك لأبني .
- أنا ؟
كانت مفاجأة غير متوقعة فهي وإن كانت تعلم أن لا أحد من شباب معسكر الثوار سوف يقدم على خطوة خطبتها بسبب سيرتها في الشراسة والجبروت إلا أنها كانت من المستحيل أن تفكر في الارتباط بمثل من هو حسن علي .
- أنت تعلمين يا خالة قصتي مع أبنك من أيام الروضة فهو يكرهني ويرتعب من اسمي فكيف بالله عليك أن أكون زوجته . هل هو على علم بذلك ؟
- في الحقيقة .. لا .. إنه لا يعلم حتى الآن . فهو في مهمة خاصة لجلالة ملكة الثوار ، وأنت تعلمين علم اليقين أن رجال المعسكر لدينا لا يؤخذ برأيهم في مثل هذه الأمور .
- ولماذا أنا ؟
- لأنك تستطيعين جعل حسن علي يمشي على العجين ما يلخبطوش كما يقولون ، وهذا ما يحتاجه إدارة منزل حازمة .
- ولكنه لن يكون سعيداً معي .
- جمالك يا وجه القمر لا يكمن في لون بشرتك ولا في القسوة الظاهرية التي تبدينها تجاه جيرانك ، بداخلك حزن ووحدة لا يشعرها إلا من يمتلك حاسة السمع الرهيفة مثلي ، اسمع نبضات قلبك بكل وضوح ، اعلم أنك متدفقة الإحساس وإن أظهرت بعكس ذلك . حسن يحتاجك أكثر من أي امرأة أخرى .
أطرقت وجه القمر برأسها قليلاً فقد استطاعت هذه العجوز أن تعرف خبايا نفسها :
- متى الزواج يا خالة .. أقصد يا عمة ؟
- حالما يصل سوف نزفك عليه .

كانت الجموع محتشدة في جزيرة المنبوذين تتطلع باهتمام بالغ ناحية ملكتهم المبجلة غادة والتي كانت في حالة من النشوة البالغة ، كانت الهمهمات تتناقل بين المنبوذين هنا وهناك ، رفعت غادة يدها إلى أعلى فصمت الجميع وبصوتها الوقور نطقت بالمفاجأة المرتقبة :
- أيها الشعب العظيم ناجية تسلم عليكم
سرت الهمهمات مرة أخرى بين الجموع حول من تكون منجية هذه وكأن غادة قد فهمت ما يجول في خاطرهم :
- هذا هو اسم منقذتنا منذ اليوم وقد اتصلت بي منذ قليل
نظرت إليهم وقد علت الدهشة وجوههم المشوهة فأردفت
- تعمدت ناجية أن تختفي لكي تعلم ماهو استعدادكم للموت في سبيلها والولاء إليها
كالنار في الهشيم سرى الحماس في أرواح المنبوذين فصرخوا بأعلى صوتهم :
- تعيش ناجية .. تعيش غادة
ابتسمت غادة ابتسامة رضا ورفعت يدها من جديد فحل السكون :
- أخبرتني ناجية أن غداً هو يوم ميلادها ، سوف نقيم الاحتفالات بمثل هذه المناسبة ليكون يوم ميلاد قداستها هو يوم عظيم لشعب المنبوذين
تعالى الهتاف من الجميع فالتفتت غادة ناحية مساعدها المذهول من الأمر وكأنه غير مصدق لما يجري :
- اختر بعض الرجال واحزموا امتعتكم .
مرة أخرى لم تتوقف المفاجأت فبدا الغباءيستفحل في وجه المساعد :
- لماذا يا مولاتي
- ستتجهون إلى جزيرة الحشاشين لحضور المؤتمر السنوي
- ولكنناغير مدعوين .
- منذ اليوم كل شيء تغير وسنفرض أنفسنا عليهم .

أخذ عاشق المسرح يذرع المكان جيئة وذهاباً في البهو الرئاسي في انتظار الرئيس يوسف ابريه الذي كان في اجتماع مطول وشعر بالإهانة الشديدة لعدم دعوته لهذا الاجتماع رغم أهميته كرجل أعمال وصاحب حظوة وامتياز لدى ضيوف المؤتمر ولكن الحقد الذي يغطي روح يوسف ابريه تجاهه هو من يجعله يتعامل معه بهذه الطريقة ، لم يكن حال عاشق المسرح في الحقد بأفضل من رئيس الجزيرة وخاصة عندما تفوق عليه في الانتخابات الرئاسية رغم الاستطلاعات العامة والتي تشير لتفوقه على منافسه بنقاط كثيرة تصل إلى 14 % ولكن أصله العرقي كان السبب في التصويت ليوسف ابريه في النهاية ، فعاشق المسرح من أصول عمالية متواضعة بعكس يوسف ابريه الذي كان ارستقراطيا مترفاً ، بدأ عاشق المسرح حياته عندما وصل إلى الجزيرة شحاذاً متسولاً ثم عامل نظافة بعد واسطات ورشاوي لكي لا يتم ترحيله من الجزيرة بسبب إقامته غير المشروعة ومن ثم جاءت فرصته بالزواج من أحد الممثلات الشهيرات في السابق والتي أصابها الأفول فوجدت في الشاب العشريني الذي كان متواجداً في معظم مسرحياتها أملاً في استرجاع شبابها فعقدت العزم على الزواج منه رغم تحذيرات من حولها أنه هو من سوف يستفيد منها لا هي ، ولكنها لم تصغي إليهم وتزوجته فأحترف المسرح وأصبح شريكاً معها ، فترات بسيطة وتموت الممثلة الشهيرة في ظروف غامضة ويرث عاشق المسرح كل أملاكها .
ما أن انتهى الاجتماع حتى دخل عاشق المسرح غاضباً وهو يلوح بيديه كعلامة احتجاج ، نظر إيه يوسف ابريه بهدوء شديد مصطنع :
- ما ورائك ؟
- كيف تتجاهلني بهذه الطريقة المهينة وأنت تعلم علم اليقين أن كل ضيوف الجزيرة لا غنى لهم عني وعن النوادي الليلية التي أملكها .
ابتسم يوسف ابريه مجدداً :
- لم أتجاهلك كان هذا اجتماعاً أمنياً
ضحك عاشق المسرح بعصبية :
- اجتماعاً أمنياً في حضور بائع المعجنات ؟؟؟ قل كلاماً غير هذا
- Aziz هو المسؤول عن التغذية في المؤتمر ونخشى من عمليات إرهابية تقوم على أساس تسميم الحضور .
انكمش عاشق المسرح فهو يعلم علم اليقين مدى قوة الحجة لدى خصمه ، فأخذ يحاول للعودة للموضوع الأساسي :
- ومتى سوف يتم اجتماعنا إذن ؟
- لن يكون هناك اجتماعاً معك في الوقت الحالي فجميع الأوامر أعطيتها الوزراء تستطيع مراجعتهم بهذا الشأن .
زمجر عاشق المسرح وخرج غاضباً هو يتوعد بالنيل من يوسف ابريه في أقرب فرصة .

في جزيرة الإمبراطور وقف زهدي على رأس أبو حسام الذي كان ينظر إليه برعب شديد وهو يرى ابتسامة الطبيب تتسع ، نظر إليه زهدي بشيء من السخرية ونادى زينب عبدالله الواقفة خلفه :
- أين الخشخاش يا حلوتي
- فرمتها جيداً
- جيد .. أبو حسام يحتاج ألى بعض منها لكي ينام ويعيش في عالم الأحلام فأمامه مشوار طويل لمنجم الفحم .
ما أن سمع أبو حسام هذا الخبر الصاعقة حتى غاب عن الوعي وعلم بهلاكه ما أن يقع بيد سما المتجبرة .


يتبع

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

سقوط






إلى غادة رفيقة قصتي


ظلام يتشعب بسرعة .....

أظنها كانت أغبى خطة وضعتها في حياتي وإن بدت لي عبقريتها لحظتها ... بجرأتها غير المعتادة .
لماذا بصقت زهرة حينها رغم تحذيري لها بعدم التفوه أو الإتيان بأي حركة تنم عن وجودنا في أعلى السطح ؟ لماذا أفشلت خطتي العبقرية ؟ كان كل شيء يسير كما خططت له ، أنا وزهرة على مشارف السلالم ، وأنتِ تصعدين السلم بكل هدوء بدون أن تلتفتي هنا أو هناك كعادتك وهذا ما جعلني أثق في نجاح خطتي .
كنت على وشك إطلاق إشارة النزول عندما بصقت ما في فمها ... كانت تضحك
وكانت الالتفاتة المباغتة جهتنا
خطوتين إلى الوراء فقط هو ما أحتاجه كي أختفي .

ظلام
أظنه كان ظلام

قطرات من الدم تنزل من فمي ... شعرت بنواحكِ قادم من أعلى السطح أما زهرة فقد ولت هاربة إلى منزلهم ، أظنها علمت الثمن الذي ادفعه الآن من جراء خروجها على ما اتفقنا عليه .


عودة النور

كان الضوء شحيحاً حتى في بهرجته المتراقصة وأنا متربع على الأرض أراقب قطرات الدم الممزوجة باللعاب الساخن عندما رأيت عينيكِ المحمرتين تراقبني بذهول .
هل كنتِ تتوقعين موتي ؟
عدت أدراجكِ وكأني فهمت ما تنوين فعله .
ربما هو الخوف ، وربما مازال الجسد ساخناً ولذلك لم أشعر بما ينتابني ، ولكني في النهاية وقفت مستعرضاً عضلاتي الهزيلة :

- عودي .. أنا بخير .. أخوك سوبرمان

لحظتها تمنيت رجوعك ، تمنيت أن تحتضنيني . لماذا لم تحتضنيني ؟ أظن أن هناك الكثير من الخوف سوف يزول لحظتها .


عودة الظلام ......



الاثنين، 1 نوفمبر 2010

جزر الغموض - 11





الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :

حسن علي
ماضي

اقترب ابو قدس من المجموعات المسلحة فاصطفوا جميعاً في صف واحد على شكل سبعة دلالة على مقدمة الرمح و الذي اشتق اسم المجموعة منه . صرخت مجموعة الرماح بأعلى صوت مرحبة بالقائد العام أبو قدس ، ترجل القائد وأخذ يبحث بعينيه الباردتين عن قائد المجموعة حسن علي ( أبن المرحوم ابو حسن ) بدون أدنى فائدة ، هز رأسه حسرة وأستدعى أحد الجنود :
- أذهب ونادي على حسن علي .
- ولكنه في الحمام يا سيدي .
قالها الجندي بارتباك واضح مما جعل أبو قدس يبتسم ابتسامة صفراء تحولت إلى الغضب الواضح في عينيه :
- أذهب إلى ( العشة ) وستجده هناك يشرب المعسل ويلعب البلوت . قل له عمك أبو قدس يطلبك في الحال
رفع الجندي يده إلى أعلى دلالة الطاعة وهم بالانصراف ولكن أبو قدس استوقفه :
- طبعاً حالما يعلم هذا المغفل أنني موجود سيركض حافياً بدون شعور منه .. لا تنسى أن تحمل نعاله الزنوبا وراءه .
- سوف افعل يا سيدي
الكل يتساءل عن سر تمسك حسن علي بالنعال الزنوبا وردي اللون ومع أنه تدرج في المناصب العليا في الجيش الثوري بسبب واسطة عمه أبو قدس ووالده مساعد القائد العام السابق أبو حسن إلا انه كان يرفض ارتداء الحذاء الأسود ثقيل الوزن ويفضل مكانه النعال الزنوبا حتى لو أدى ذلك إلى أن ينال العقاب من قائده المباشر حينها ، تكهنات كثيرة حول السبب الرئيسي فمنهم من قال أن أمه هي التي أوصته عليه ففيه ريحة المرحوم والدها والذي ورثته منه أباً عن جد أبو جد أبو جد أبو جد اللي خلفوه ومنهم من قال أن النعال هي أول علقة نالها في حياته بسبب محبوبته التي رآها ذات يوم في إحدى الأسواق فتعلق قلبه بها فما كان ردة فعلها بعد أن وجدته يلاحقها في كل مكان كالأبله إلا أن أخرجت نعال زنوبا اشترته لاستخدامها الشخصي داخل المنزل وأخذت في تسطيره حتى تعبت وهو ما زال يضحك من الدهشة فيئست منه ورمت النعال على وجهه وانصرفت .
أقاويل كثيرة قيلت عليه وعلى النعال الوردي ولكن تبقى حقيقة واحدة أن حسن علي لا ينام ليله إلا وهو محتضن عشقه لدرجة أنه ذات يوم جلس من نومه ولم يجده بجواره فقامت قيامته وأخذ يدور في أنحاء الغرفة كالمجنون بحثاً عنه وعندما لم يجده أخذ يدور في أنحاء الحوش ومن ثم عند الجيران وأخذ ينوح ويلطم على خده ويعفر التراب على وجهه حتى أشفق عليه صديقه الذي أخذه من عنده وهو نائم كمقلب ولكن حسن علي لم يعتبر الأمر مزحة فأخذ سكين وهم بطعن صديق طفولته ولولا المعجزة بظهور أبو قدس فجأة كمن انشقت الأرض عنه لكان الصديق في خبر كان ، لحظتها تحول اللون الأحمر القاني في عينيه إلى لون اصفر دلالة الخوف والرعب .
قصته مع عمه قصة أخرى لا يعرفها أحد ، ولكن الثابت أن عمه له مهابة في قلبه وحب وطاعة لا يكنها هذا الإنسان إلا إياه ولا أحد سواه حتى والده قبل موته كان لا يضع له حساباً مثل عمه وأما أمه العجوز والتي كانت دائماً تغدق عليه بالحنان والحب وتلبي طلباته السخيفة أحياناً ( كـ أمايوه .. ابغى اشرب ماي ) فتزحف على بطنها أو متكئة على رجليها المبتورتين حتى تصل إلى ما يطلبه منها وهو يلعب مع رفاق السوء أو يتناول الحشيش و الأفيون مع لعبة البلوت التي أدمن عليها .

وصل الجندي إلى العشة وكما كان متوقعاً فقد جلس حسن علي متربعاً ومتوسطاً المحيطين به يلعب لعبته المفضلة و ( لي ) المعسل في فمه ، نظر حسن علي إلى الجندي بنظرة احتقار وفكر في تهزئته وإذلاله فلابد أن قدومه لسبب سخيف كتناوش ما بين الجنود أو أن أحدهم يريد الذهاب إلى الحمام :
- ماذا تريد يا ماضي ؟ ألم أنبهك أن تقف عريفاً على الجنود لا يتحرك أحدهم من المكان ، والجندي المؤدب هو الذي تسمح له بالذهاب إلى الحمام .
تلعثم ماضي وبلع ريقه وزادت صعوبة تنفسه ( فهو مشهور بمرض الربو ) وزاغت عيناه عندما نظر إلى عيني قائده المباشر :
- تمام يا أفندم ... كل شيء تمام والنظافة من الإيمان
- ما بك كأنك ( تقط خيط وخيط ) هل هناك طارئ يجعلك تأتي لي في هذه اللحظة أيها المزعج .. أقسم إن كان أمراً سخيفاً لأصلبنك كما كنت تفعل بي سابقاً عندما كنت قائدي المباشر
بلع ماضي ريقه وتحسس رقبته وهو يتذكر ما كان يفعله به عندما كان رئيسه ولولا الواسطات والمحسوبيات والفساد الإداري في الفترات الأخيرة والتي طغت على معسكر الثوار لكان هذا المدعي بنفسه من الهالكين :
- العفو يا حضرة القائد .
- لا .. لم أعلمك هكذا . عليك أن تقول بالحرف الواحد ما علمتك إياه
- نعم ... العفو يا مولاي القائد المعظم الذي يشرفني أن يرفسني و يبصق على وجهي وكأنه ماء ورد .. يا سيدي لم أتي إلى هنا إلا لأمر ضروري .
- ما هو يا ماضي ؟
- عمك أبو قدس يطلبك في الحال .
ما أن سمع حسن علي هذا الاسم حتى تغيرت ملامحه وتبدل حاله من عملاق متجبر إلى قزم صغير يرثى لحاله :
- ولماذا لم تقل ذلك من البداية
وقبل أن يبرر ماضي كان حسن علي يركض حافياً كما توقع عمه بذلك لا يلوي على شيء .وحالما وصل إلى مكان الجنود توقف عند عمه يلهث وهو زائغ النظرات :
- هل هذا ما وصيته عليك يا حسنوه .
تلعثم القائد الشاب وزاغت عيناه :
- كان مجرد قسط من الراحة .
- قسط من الراحة ؟؟؟
زمجر أبو قدس وهو يقول هذه الكلمات الخارجة من بين أسنانه :
- والله لولا أنني وعدت أمك العجوز أن لا أبرحك ضرباً بعد ضربي الأخير لك لكنت الآن في عداد الأموات لاحقاً بوالدك لذي يتعذب في قبره بسببك . ولولا أني أخشى من شماتة الأعداء والمنافسين لصلبتك على جذوع الأشجار عقاباً وردعاً لأمثالك . أسمع يا حسنوه .
حاول حسن علي الانتصاب عندما سمع اسمه فبان جسمه مشوهاً بسبب وجود كرش صغيرة في كل الجوانب :
- نعم سيدي
- - غداً تأخذ سريتك وتتجه إلى جزيرة المنبوذين ، ستقابل ملكتهم أظنك تذكر اسمها
- أجل اسمها ... اسمها على ما اظن أم السادة .
لم يتمالك أبو قدس نفسه من ضربه على قفاه من شدة الغضب :
- اسمها غادة يا مغفل
- نعم غادة كنت أريد قول ذلك
- وماذا ستفعل عندما تقابل أم السادة ؟ أقصد غادة
- اسلمهم الصناديق وأعود ادراجي .
عاد أبو قدس إلى صفعه على قفاه من جديد :
- هل ترانا جمعية خيرية ؟
- لم أقصد ذلك ... دعني أتذكر .. آه نعم تذكرت نعطيهم الصناديق ونطلب منهم أن يعطونا شيء .. بصراحة نسيت ما هو الشيء
- الحديد .. الحديد يا حسنوه .. لا اعلم كيف استطيع أن أثق بك .. يبدو أنني سوف أسند المهمة لماضي .
ما أن سمع حسن علي هذه الجملة حتى أصفر وجهه وعرف أن نهايته قد أقتربت فجثا على ركبتيه وقبل قدم عمه :
- أعدك أنني لن أنسى بعد اليوم .. اعطني فرصة .. أرجوك
قال كلمته الأخيرة وشرع في ذرف الدموع بشكل هستيري حتى رق قلب أبو قدس من جديد فرفعه وأخذه إلى حضنه وقبله قبلة أبوية :
- يا حسونه يا ولدي أنت تعرف المصاعب التي نواجهها ونحن في مرحلة حرجة تحتاج إلى تركيز كامل فأبعد عنك الفكر بالبلوت والمعسل وخذ الأمر بشكل جدي . هيا اذهب إلى جنودك واطلب منهم الاستعداد للرحيل في الفجر .


وقفت غادة بين الشموع المشتعلة وهي ترتعد بشدة مما أوقع الفزع في قلب مساعدها المخلص فاضل الجابر الذي اخذ الدود يتقافز من عينيه وأسنانه تبعاً للحالة المفزعة التي يمر بها وهو يرى مليكته بهذه الحالة المرعبة التي لم يرها من قبل ومع حذره من أن تنتقل العدوى لمليكته إلا أنه حاول أن يمسكها من يدها ولكن ملكة المنبوذين نهرته على فعلته:
- لماذا فعلت ذلك ؟
- ماذا فعلت أيتها الملكة المبجلة ؟
- قطعت الوحي عني .
- وحي
- بمخلصتنا
- هل اتصلت بك روحياً
- نعم ... ولكنها لم تكمل كلامها فحالما أمسكت يدي حتى انقطع الاتصال بيننا
نظر فاضل الجابر إلى ملكته بكثير من الخشوع والتبجيل والحسرة والندم :
- وماذا قالت لك مخلصتنا .
- ستعود
- ألم تمت ؟
- كيف تموت التي على يديها خلاصنا .. هكذا تقول الأساطير .
- ومتى ستعود .
- حالما تسنح لها الفرصة وترى تفانينا في ولائنا تجاهها .
- وكيف نثبت لها تفانينا ؟
- أخبرتني بيوم مولدها .
- وماذا نفعل ؟
- اذهب الآن وبشر الشعب العظيم بقرب الخلاص فمخلصتنا ستكون بجانبنا في اللملمات الصعبة .
- هل ستعاودين الاتصال بها .
- كلما استطعت .. لا تضيع الكلام اذهب واجمع شعب المنبوذين في الحال لأبشرهم بنفسي .


أخذت zamob نفساً عميقاً قبل أن تغمر وجهها في الماء البارد ، أزالت بعض بقايا اللحم المتفحم من وجهها الذي لم تستطيع التعرف على ملامحه فأخذت تنتحب بصمت خيفة أن يلفت صوتها انتباه الحيوانات في هذا المكان المجهول والمخيف فالظلام بدأ ينتشر في المكان وهي تشعر بالوحدة المخيفة ، حاولت أن تتذكر ماذا حدث لها وكيف وصلت إلى هذا المكان ولكنها عجزت عن ذلك ، كانت هناك أصواتاً تزن في أذانها ، أصوات لا تستطيع حتى تحديد لغتها ولكنها كانت متداخلة ، خائفة ، مرعوبة ، ومفعمة بالأمل البعيد ، شعرت بالانتماء إليها رغم خوفها ، أحست أنها تنتمي لها وإن لم تكن رأتها من قبل . غطست وجهها في الماء وشعرت بحرقة النار تملأ خدودها التي كانت في ذات يوم بلون الورد ، كان سقوطها من أعلى الجبل أمراً مريعاً وكادت أن تلقى حتفها لولا كتلة ألشجار الكثيفة والتي خففت من حدة سقوطها بشكل أشبه بالمعجزة . ، رفعت رأسها وهي تشهق بقوة كمن تعرضت لعملية اختناق حادة ،لم تكن المشكلة الوحيدة التي تعاني منها العروس الجديدة هو احتراق الوجه وبعض بقايا الجسم وإنما حتى الرؤية كانت شبه ضبابية بسبب تعرض قرنية العين للحرارة الشديدة مما جعل لون العينين يتحول من اللون العسلي إلى اللون الأزرق الباهت المخضر ، بالطبع هي لم تكن رأت عيناها بهذه الصورة الجديدة ولكن حسب معرفتها من خلال دراستها الطبية استنتجت ما وصل إليه حالها ، رفعت الحجر الحاد وأخذت بنزع قطع الشوك التي غرست في أنحاء متفرقة من جسدها .



ترجلت سما من على حصانها الأصهب ووقفت شامخة تنظر بإمعان تجاه الأشجار الكثيفة في الغابة الصغيرة محاولة أن تصطاد بنظرها ما يريب ، تنفست بعمق وابتسمت ابتسامتها المتوحشة وتقدمت بثبات واضح مخترقة وسط الغابة مستشعرة وجود Renad خلف الكتل المتشابكة ويدها تقبض بشدة على جعبة الأسلحة التي في حزامها .
كان الصمت مطبقاً في الغابة ولا يسمع غير خطوات سما الهادئة ، وصلت إلى جدول صغير التقطت حصاة ورمتها بلطف في المياه الجارية ، تلفتت يمنة ويساراً باحثة ما بين الأشجار العالية :
- Renad
نادت بهدوء تشوبه ابتسامة ساخرة .
- أين أنتِ يا صغيرتي ؟ هيا اظهري نفسك ، ليس هناك سوانا . الجنود ذهبوا إلى المنجم ، هل تعلمين لماذا كانوا معي ؟ كانوا سيشعلون النار في الغابة من جميع الاتجاهات بحيث لايكون لديك مخرج . ولكني صرفتهم . أظن أننا نستطيع أن نتفاهم .
الصمت المطبق يجعل المرء يشعر بالتوتر الشديد خاصة عندما يعلم أن هناك من يراقبه ولكن هذه الحالة لم تكن تنطبق على سما . اخرجت من جيبها لفافة حشيش وأشعلتها وأخذت نفساً عميقاً منها وأخرجت الدخان بشكل حلقات .
- ألا تشعرين بالرغبة في معرفة ما حدث لأهلك ؟
عاد ت إلى ابتسامتها من جديد :
- ليتك كنت هناك ، ليتك سمعت والدتك ماذا كانت تقول عنك .................
لم تكمل كلامها فقد سمعت أزيزاً يمر بمحاذاتها ، وبسرعة متناهية أبعدت رأسها عن السهم المعدني الذي اخترق الهواء بكل قوة ليستقر في جذع الشجرة ، وبسرعة متناهية أخرجت من جيبها كرة معدنية ألقتها في جهة مصدر السهم لتنفجر بعد لحظات من رميها لتسقط الشجرة ومن عليها . اقتربت من الشجرة الساقطة ولم تجد شيئاً :
- آه يبدو أنك تمرنت جيداً للقاء اليوم ، أصبحت أكثر سرعة وأكثر خفة ، لا يغرنك السهم الذي أصاب كتفي عند المنجم ، كبوة حصان كما يقولون ، ولكني اعترف ببراعتك ، هل أنتِ خائفة ؟ لماذا لا تظهرين نفسك ، حسناً لن العب معك العاب نارية فقط اظهري نفسك ، كلي أذان صاغية لك ولطلباتك .
سهم أخر يرتفع أزيزه ويستقر بجوارها، وقبل أن تتحرك هذه المرة وجدت Renad واقفة أمامها وهي تصوب سهمها ناحيتها :
- حركة واحدة وسهمي في صدرك أيها الجبانة .
ابتسمت سما ورفعت يدها دلالة الاستسلام .
- كما قلت لك جئت في سلام .
- أين والدي
- في أمان .
- كاذبة
قالتها بصوت مرتفع وغاضب وهي تطلق سهمها تجاه صدرها ، ولكن المرأة الضخمة تحاشت سهمها بكل مرونة وأخرجت من حزامها نجمة معدنية صوبتها تجاه المقاتلة الشرسة فأصابت يدها مما جعل القوس يسقط من يدها ، وقبل أن تتحرك كانت سكيناً حادة تستقر في يدها لتثبتها في الشجرة .
- أوه يا عزيزتي ، مازلت تحتاجين إلى المران أكثر من هذا ، ولكن للأسف فات الأوان .. بكل بساطة لا وقت لدي اضيعه معك .. سوف تموتين
قالتها بكل برود وأخرجت كرة البارود ولكن رجل Renad الخاطفة كانت أسرع هذه المرة فسقطت سما على وجهها وتسقط معها الكرة المتفجرة ، ثوان قليلة وصوت الانفجار يهز الغابة الصغيرة .
تقدمت سما بخطوات متعثرة ناحية الشجرة الساقطة لتبحث عن أثر لـ Renad ولكن كان الدخان كثيفاً إضافة لبداية حلول الظلام ، تفحصت حزامها وأخرجت سكينها الحادة واستعدت للبحث عن المقاتلة الشرسة ، ولكن صوت دوي قادم من المنجم جعلها تتراجع خطوات لتقفل راجعة للمنجم فقد كانت إشارة من الجنود إليها تحثها على الرجوع بسرعة لأمر هام وضروري .


ما أن حل الظلام حتى خرجت سماهر من خيمتها وهي تحمل كيساً بين يديها تتبعها جارية أخرى ، خطت خطوات واسعة متجهة إلى خيمة jawad ولكن الصوت الأنثوي الحازم الذي جاء من خلفها جعلها تتوقف ، التفتت بكل هدوء مصطنع :
- نعم سيدتي ريان بماذا أخدمك ؟
- إلى أين أنت متجهة ؟
- إلى jawad .
- لم ؟
- لأداء مهمتي . أليست الأوامر الموجهة لي أن استخلص منه ما يمكن استخلاصه حتى يتحقق الهدف ؟
- أجل ، ولكن في هذه الساعة ؟
- هل هناك ساعات معينة ومحددة ؟
- لا
- هل أستطيع أن اذهب إليه الآن ،فقد وعدته بإمتاعه متعة لن ينساها مدى عمره ، حتى وهو في فم الوشق العظيم
قالت جملتها وهي تبتسم ابتسامة عريضة مما جعل ريان تتحير إن كانت سماهر صادقة في كلامها أم هو مجرد خداع :
- ولماذا هذه الجارية معك ؟
- ما الغرابة في ذلك ؟
- لم تجيبي على سؤالي لماذا الجارية معك ؟
- لأنها تجيد المساج والتدليك وفنون الهمز واللمز
نظرت مساعدة القائدة بشك مريب إليها ولكن وجدت كلامها معقولاً لحد ما فأشارت لهما بالانصراف ، حالما خطت ريان مبتعدة حتى تنفست سماهر الصعداء وانطلقت إلى الخيمة حيث كان jawad ينتظرها بفارغ الصبر ، حالما دخلتا نظر jawad إلى الجارية المرافقة فوجدها قريبة من مواصفاته من حيث البنية والشكل فابتسم ابتسامة عريضة تجاها:
- بهذه المناسبة السعيدة وتعرفنا على بعضنا ما رأيك أن نشرب نخب التعارف .
- ألا تود أن ادلك ظهرك
- بعد الاحتفال .. بعد الاحتفال .
قالها وهو يعطيها كأساً من شراب الرمان المعطر وحالما شربته الجارية حتى وقعت على الأرض بسبب البنج وعلى الفور قامت سماهر بخلع ملابس الجارية بعد أن طلبت من jawad أن يدير ظهره ففعل ما أمرته به المضيفة الحسناء على مضض ومباشرة وبعد أن غطتها بالبطانية اعطته ملابسها :
- البس بسرعة
قام بتنفيذ الأوامر بسرعة متناهية وهو يتحرق شوقاً ليرى ما يجري خلفه :
- هل كل شيء جاهز ؟
- الملابس في خيمتي .
- لماذا لم تحضريها معك ؟
- وأين سنبدل ؟
- معك حق هيا بنا .
مباشرة خرجت الجاريتان من خيمة jawad واتجهتا قبل أن تلحظهما عيون ريان ومن معها ، وعلى الفور بدلا ملابسهما بملابس الجنديات وخرجا من الجهة الخلفية من الخيمة كي لا يلحظهما أحد .

كانت الحارستان تنظران بذهول شديد تجاه الجنديتان القادمتان لبوابة المعسكر ، شهرت الحارسة الأقرب رمحها ناحية الجواد البني :
- إلى أين أيتها الجندية ؟
- لدينا أوامر بالخروج من المعسكر .
- في هذا الوقت ، أنت تعلمين أن هذا الأمر ممنوع
تدخل jawad بعد أن رقق صوته :
- قولي ذلك لمساعدة القائدة .
- ولماذا أقول لها ها هي قادمة
التفت الاثنان ناحية ما أشارت إليه الحارسة فهالهما منظر ريان وهي قادمة نحوهما والشرر يخرج من عينيها فارتعبت سماهر وعلمت أن نهايتهما قد حانت ولكن jawad رفس الحارسة بقوة ووكز الحصان الذي صهل بفعل الوكز وانطلق الجوادان بأقصى سرعة . لحظات وصفارات الإنذار تعلو معسكر الأمازونيات وثلة من الجنديات في أثر الهاربين .


أخذ أبو حسام يحاول أن يرى ما يفعله الطبيب البيطري بمكتبه الإمبراطوري ولكن بدون فائدة فقد كان الجبس عائقاً صلباً فأخذ ينادي عليه ولكن زهدي لم يعره أي أهتمام وهو يبحث في الأدراج لعله يجد ما يبحث عنه ، استمر أبو حسام بالمنادة حتى ارتفع صوته من شدة الغضب فتوقف زهدي عن البحث واتجه ناحية الإمبراطور المسجي على السرير والمربوط بالحبال والحديد :
- ماذا يا أبو حسام .. أرى صوتك قد ارتفع .
- ماذا تريد من مكتبي .
- إن كان يهمك الأمر فأنا أبحث عن هذا .
أظهر زهدي الختم الإمبراطوري فأحمرت عينا أبو حسام وعلم أنه وقع في مكدية لا يمكن الخلاص منها فحاول أن يصرخ ولكنه قبل أن يفعل قام زهدي إدخال قطعة قماش في الفتحة الصغيرة :
- لا تخف يا أبو حسام .. لن يدوم حالك أكثر من هذا .
في هذه اللحظة دخلت زينب عبدالله واقتربت بخفة ودلال من الطبيب وهمست في إذنه :
- أظنني وجدت لك هذا .
وأخرجت نبتة طويلة من جيبها ، ابتسم زهدي ونظر ناحية ابو حسام :
- أظنك تعرفت إلى نبتة الخشخاش يا عزيزي أبو حسام
قالها وخرج برفقة زينب عبدالله بعد أن ختم الأوراق بالختم الإمبراطوري واتجها إلى الخطة الثانية حيث كان أحمد علي يراقب آلاء وهي تتجه إلى السجن الذي تتواجد فيه اشتباه ، حالما وصلت إلى زنزانتها وقفت مبتسمة :
- سيدي يسلم عليك يا اشتباه .
- سيدك ؟
- أبو حسام .. هو من بعثني إليك وطلب مني أن اعطيك عشائك لهذه الليلة .
قبل أن ترتسم على اشتباه أي ملامح للاستغراب ظهر أحمد علي من الفراغ وأمسك بيد آلاء بقوة :
- ماذا تفعلين هنا أيتها الخائنة ؟
نظرت آلاء إلى أحمد علي وقد ارتعبت أشد الرعب من هذه المفاجأة غير المتوقعة ولكنها هدأت نفسها فقد كانت تعلم أنها تنفذ أمر الإمبراطور الذي أبلغه إياها طبيبه الخاص :
- أنفذ أمر الإمبراطور .
أخذ أحمد علي الصحن وكبه على الأرض فظهرت رسالة كانت مخبئة بداخله فأصفر وجه الخادمة وعلمت أن في الأمر مكيدة ، تقدم سنابسي الهوى الذي كان يراقب الأمر من قرب والتقط الرسالة وأخذ في قراءتها :
- هذا يثبت كلام الطبيب .
زاعت عيناها وعلمت أن نهايتها قد قربت فأخذت بالنحيب :
- اقسم لكم إني بريئة .
من الخلف سمع الجميع ضحكات زهدي الذي كان برفقته زينب عبدالله :
- كل المجرمين يقولون ذلك .
التفت زهدي ناحية أحمد علي واعطاه الخطاب :
- هذا أمر من الإمبراطور بنقل هذه الخائنة وهذه السجينة لمنجم الفحم في الحال .
بلع أحمد علي ريقه وهو يتصور سما المرعبة :
- الآن ؟
- لن تذهب يا أحمد علي فأنت وسنابسي الهوى لديكما مهمة أخرى وإنما سيذهب بهما الحراس الآخرون .
كانت ملامح الشك تسيطر على وجه سنابسي الهوى وهو يرى الأحداث الأخيرة ولكن زهدي لم يهمله لشكه وظنونه فأخرج ورقة أخرى
- هذا أمر من الإمبراطور بتعيينكما سفراء الإمبراطور في المؤتمر الذي سيقام في جزيرة الحشاشين .
ما أن سمع سنابسي الهوى هذا الخبر حتى جالت صور الحسناوات في الكابريهات والكازينوهات والمسارح التي اشتهرت بهاجزيرة الحشاشين فقفز من مكانه فرحاً ونسى شكوكه وظنونه وعلم أن هذا الطبيب هو فأل خير عليه :
- متى نستطيع الرحيل ؟
- منذ الليلة عليكما الرحيل .

يتبع