الخميس، 28 أكتوبر 2010

جزر الغموض - 10


( 10 )

كان المنظر باعثاً للضحك أكثر منه رثاء لمنظر شخص مريض ولكن سنابسي الهوى لم يستطيع أن يظهر ضحكته الشهيرة كمهرج عجوز أمام سيده ومولاه بسبب علمه بما قد يحصل لو ظهرت تلك الابتسامة وفسرت بتفسير يليق بقطع الرقاب ، كان أبو حسام مغطى بالجبس الأبيض من راسه إلى أخمص قدميه ولم تظهر منه إلا عينيه وفمه وفتحة للتنفس .
نظر أبو حسام من خلال فتحات الجبس لمهرجه العجوز :
- اسمع يا عجوز النحس هذا الخبر لن يسمع به أحد غير ثلاثتنا والخادمة ست آلاء ، سوف تكون ممثلي في المجلس البرلماني تنقل لي الصورة بما يحصل وتنقل لهم أوامري .... مفهوم ؟
- بالطبع يا مولاي الإمبراطور ، سوف انفذ ما تقول بالحرف الواحد .
- جيد .
نظر الإمبراطور ناحية طبيبه الخاص :
- والآن أيها الطبيب ؟
نظر إليه زهدي كمن يحاول التفكير في هذا الأمر الجلل :
- سوف ننقلك إلى السرير بعد بضع تشطيبات فثقل الجبس سوف يؤثر على عمودك الفقري ولذلك وجب عليك عدم الحركة ليل نهار .
- وماذا عن الطعام ؟ الحمام ؟ !!!!
- لن تتناول طوال هذه الفترة إلا السوائل لضمان ألا يخرج من جسمك إلا البول فقط وسوف نمد لك قصبة طويلة لمدك بالعصيرات والماء والشوربة الباردة .
- وماذا عن المعسل والجراك ؟
- هل هذا وقته يا مولاي ؟ نحن في غمار موضوع أهم من المعسل والجراك .
شعر أبو حسام بالحنق فقد شعر أنه تعرض لمقلب كبير بسبب هذه الإصابة فشعر بالحنق والكره :
- ليس هناك ما هو أهم من المعسل والجراك أيها الطبيب مفهوم ؟
ارتبك زهدي وشعر بخطورة الموقف :
- بالطبع يا مولاي .. سوف نمد لك ( لي ) خاص لهذه المسألة الضرورية .
تنفس أبو حسام بعمق وأغمض عينيه ليتسنى للطبيب أن يبنى على وجهه مجسم الجبس ، فأخذ زهدي يتفنن في وضع الجبس تارة يزيد الكتلة من هنا ويطلب من الإمبراطور الوقوف ويسأله إن كان يشعر بثقل أكثر في جهة ما فعندما يشير إليه بثقل في الجهة اليمنى من رأسه يقوم بوضع كميات كبيرة من الجبس في الجهة اليسرى ويطلب منه الوقوف مجدداً ويسأله السؤال ذاته حتى وصل الإمبراطور لمرحلة أنه لا يستطيع رفع نفسه عندها طلب من الطبيب أن يستلقي على السرير بعد أن اكتمل بناء الجبس من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين :
- كم ستطول مدة الجبيرة يا دكتور ؟
ابتسم زهدي قليلاً :
- ربما شهر أو أربعين يوماً .
- ماذا ، هل تظنني قادراً على احتمال الحكة طوال هذه المدة ؟
- الحكة أم الشلل يا مولاي
سكت أبو حسام محاولاً اقناع نفسه بمدى صواب الفكرة ونظر ناحية مهرجه الخاص سنابسي الهوى :
- ألم يأتي أحمد علي من مهمته ؟
- حتى الآن يا مولاي
- لماذا تأخر فأنا أحتاجه .
- انت تعلم وعورة طريق المنجم .
- اسمع يا دكتور كما اتفقنا ، عليكما بإبلاغ جميع الجنود والرعية بإني معتكف لا أريد إزعاجي من أي طرف كان .
تنحنح سنابسي الهوى:
- وماذا عن الطعام والخادمات اللاتي يقمن بخدمتك ؟
- احضر الطعام بنفسك وأما الخدم .... ماذا ترى يا دكتور خاصة أنني لابد أن احتاج تصفيف شعري أو ادخال عصا رفيعة داخل الجبس اللعين لازالة الحكة ؟
- يؤجل كل موضوع حتى يستقر الجبس على ما هو يا مولاي ، أما بالنسبة لشعرك فلا تخف فسوف يغطيك الجبس ولن يكون مكاناً حتى للمشط . وانصحك بعد المخالفة فمخالفة واحدة منك تخليني من أي مسئولية تجاه تصرف أحمق من قبلك .
نظر أبو حسام بدهشة ناحية طبيبه فهي المرة الأولى التي يتكلم معه أحد ما بهذه الطريقة ويصفه بالحمق ، حاول أن يستوعب ذلك الأمر بدون فائدة ولكنه قرر أن يتغاضى عن الإهانة فقد يكون في كلامه حق فهو الآمر والناهي .
- يا سنابسي الهوى
- لبيك مولاي
- لا تدع أي خادمة مهما علا شأنها وقربها مني أن تدخل علي وأنا بهذه الحالة ، اصدر أوامراً للحرس بعدم دخول أي كان مقر اعتكافي عداك أنت والطبيب
- أمرك يا مولاي
وكأنه تذكر أمراً مهماً :
- استثني آلاء من ذلك فهي تدخل كما تشاء .
شعر زهدي بالخطر العظيم الذي سيقابل مخططه إن لم يتخلص من العجوز الشمطاء بأسرع ما يمكن .


كان واضحاً نظرات الهلع والفزع التي صدرت من عيون jawad وسماهر عندما التقت لأول مرة ، ابتسمت ريان قليلاً في محاولة لاستنتاج ما يمكن استنتاجه :
- هل تعرفان بعضكما ؟
تلعثم jawad قليلاً ولكنه تدارك الموقف عندما شعر بما ترمي إليه المحاربة الجميلة ، ابتسم ابتسامة حاول بقدر ما يستطيع أن تقنعها بالخجل الذي ينتابه :
- كأني رأيت هذا الجمال من قبل ولكن أين ؟؟؟.
عادت ريان وابتسمت ثم التفتت إلى سماهر :
- وأنت يا جميلتي ، هل هو منظر الرجل الفحل ما جعلك تجزعين ؟
زاغت عينا سماهر قليلاً وادركت كم هي مفضوحة نظراتها إن لم تستخدم سعة حيلتها التي اشتهرت بها أيام الثانوية مع معلماتها فتصنعت الخجل واحمرار الوجه :
- لا تحرجيني اكثر من ذلك يا ستي .
اقتربت من أذنها وهمست بغنج :
- ارجوك لا تقولي له هذا . متشوقة لأكون بين احضانه ولكنها طبيعة الأنثى يتمنعن وهن راغبات .
حالما سمعت ريان هذه الجملة الحقيرة ( من وجهة نظرها ) ، ابتسمت ابتسامة مصطنعة شقت وجهها الجميل واقتربت من أذن سماهر هامسة في أذنها كفحيح الأفعى :
- يتمنعن هذه في بيتكم يا دلوعة ماما و بابا ، هنا لا ترغبين بشيء إلا ارضاء سيدك الوشق أيتها التافهة .
اصفر وجه سماهر عندما سمعت سياط لسانها وسلاطته ولكنها ابتسمت ابتسامة واسعة وأومأت برأسها دلالة الطاعة واقتربت من jawad المبهوت واستندت على كتفه بكل غنج :
- ماذا يا سيدتي هل ستجلسين هنا معنا تراقبين ما يفعله المحبون ؟
نظرت ريان إليها بعمق محاولة أن تستشف ما ترمي إليه هذه الدلوعة ، ابتسمت ابتسامة عريضة كعادتها :
- وهل هذا معقول أن اقف حاجزاً ما بين المحبين ؟ عن إذنكما
حالما خرجت مساعدة القائدة العتيدة من باب الخيمة والتي اوصت بمضاعفة الحراسة حول خيمة الفحل الجديد حتى انزوت سماهر على نفسها وتقوقعت وأجهشت بالبكاء ، ارتبك jawad ولم يعرف ما يفعله ، اقترب منها في محاولة للتخفيف من حدة الخوف الذي ينتابهما وربت على كتف المضيفة الحسناء التي ظهرت خصلات بيضاء في شعرها بسبب الهم والغم :
- لابأس عليك لا بأس .
- أنت لا تعلم ماهو المصير الذي ينتظرك ؟
- اعلم .
نظرت إليه سماهر وقد توقفت عن النحيب الصامت :
- تعرف ماذا سوف يفعل بك بعد أن أنتهي منك ؟
- أجل ... الحيوان المتوحش ، لقد رأيت كل شيء ليلة البارحة . علينا أن نهرب من هنا
- ولكن كيف ؟ ألم تسمعها وهي تطلب زيادة الحراسة حول الخيمة ؟


نظرت همس 2007 بعيونها المحولة تجاه ~ زمردة ~ بغضب واضح :
- هل هذا ما توصلت إليه ؟ ألم اعطك التعليمات من قبل
نظرت إليها ~ زمردة ~ بتحدٍ واضح :
- إللي في خيلك اركبيه ياست همس 2007 ، لست العاملة الوحيدة في مطبخك ، أما أن اكون كل شيء طبخ ونفخ وكنس وفرم ... مستحيل .. كفاية تقطيع بصلك الامبراطوري .
- هل تستهترين بتقطيع البصل الإمبراطوري ؟
شعرت ~ زمردة ~ بمغص في بطنها حالما سمعت هذه الجملة وتخيلت ماذا سوف يحل بها وقبل تصرخ المرأة العجوز قالت ~ زمردة ~
- ماذا هل ستنادين بتولتي الحلوة ؟
نظرت همس 2007 إليها بحولان حاد وكأنها تتأمل قاع التنور القريب وفي ذات الوقت جهة السكاكين الحادة مما جعل ~ زمردة ~ تحتار في ايهما تنظر إليه ثم ابتسمت العجوز :
- هل تظنين أن بتول هي سلاحي الوحيد هنا ؟؟؟ بتولوووه ذات الثلاث واوات لا شيء أمام سلاحي السري ، فهل لديك الاستعداد التام أن تتحملي عواقب مخالفتك للتعليمات .
بلعت ~ زمردة ~ ريقها وايقنت بجدية ما تقوله العجوز وحملت صينية البصل المقطع واتجهت به للخارج لكي تغسله في جدول الماء الصغير والقريب من المطبخ .
كانت الصينية ثقيلة جداً على ~ زمردة ~ وكادت أن تقسط أثناء المشي أكثر من مرة ولكنها تحاملت على نفسها واستمرت في المشي حتى وصلت بقرب الجدول الصغير ، تعثرت وسقطت الصينية وتناثر البصل في كل مكان وسقطت معها نظارتها السميكة ، أخذت ~ زمردة ~ تتحس المكان بحثاً عن نظارتها غير شاعرة بعيون وحشية تراقبها من خلف السياج المغطى بورق الشجر الكثيف.
في لحظة شعرت ~ زمردة ~ بخطوات خفيفة وحذرة وسريعة تأتي تجاهها فخمنت أنه أحد الحراس جاء يتحرش بها كما حدث لها أول أمس عندما غسلت البصل لأول مرة في هذا المكان ،ولكن اليد ذات الشعر الكثيف والتي استقرت على كتفها الأيسر جعلتها تتأكد خطأ ما اتجهت إليه ، ربما هو نظرها الضعيف وربما هو سرعة صاحب اليد كثيفة الشعر ما جعلها غير قادرة على تمييز ملامحه . لحظات قصيرة ولم يكن عند الجدول إلا صينية وحولها قطع البصل ونظارة سميكة .


كان بحراوي ينظر من خلف القضبان لمسيرة الجنود وهم متجهون نحو الغابة الصغيرة بقيادة سما فعلم أن المنجم حراسته ضئيلة بقدر قد يسمح لهم بالهرب إن استغلوا الفرصة بشكل صحيح ، نظر ناحية الكابتن izaq الذي بدأ شاحب الوجه غائر العينين اشيب الشعر وخفيفه ، فالهموم على هذا الشاب العشريني أكبر من قدرته على التحمل فقد كان من ذو نعومة اظفاره مدللاً من والديه ولم يتعرض لمتاعب الزمان وغدره إلا الآن والآن فقط .
- هيه .. يا كابتن ..
نظر إليه الكابتن izaq بشيء من عدم المبالاة . ولكن نسيم القريب أيضاً من باب السجن والذي لاحظ حركة الجنود اقترب من بحراوي ونظر إليه بنظرة كمن يعرف فيما يفكر :
- هل لديك طريقة للهرب ؟
ما أن سمع izaq بكلمة هرب حتى عادت أوصاله للحياة وعاد الشعر الأبيض يصطبغ تدريجياً بالأسود وشعره المتساقط يرتفع تدريجياً من الأرض ليستقر على صلعته :
- ماذا قلتم ؟ هرب ؟ هل سنهرب من هذا المكان ؟
نظر إليه بحراوي بقدر كبير من الغضب :
- ما رأيك أيضاً أن تخبر الحارس بأننا سوف نهرب ؟ هل من الممكن أن اطلب منك إخفاض صوتك .
اطبق izaq على فمه في انتظار التعليمات من بحراوي :
- هل تستطيع إدعاء المرض ؟
هز izaq رأسه نافياً فماكان من بحراوي إلا أن ضربه بقبضة يده على خده الأيمن بقوة بالغة فصرخ izaq من الألم صرخة مفزعة ولم يتوانى بحراوي عن ذلك فقط بل عالجه بركلة في خاصرته اليسرى مما جعل الصراخ اقرب للنحيب منه للعواء .
اقترب الحارس بقليل من الحذر :
- ماذا تفعلان ؟
ولكن بحراوي استمر في ضرب izaq بكل قسوة والأخير يصرخ ويتلوى محاولاً فهم ما يجري ، اقترب الحارس شاهراً رمحه من خلال القضبان :
- إن لم تتوقفا عن فعل ذلك فسوف اسقط عليكما عذاباً لم ولن تريا مثله ... و
وقبل أن يكمل الحارس كلامه أطبق نسيم على رقبته وأخرج مشرطه الخاص وذبحه بسرعة متناهية . توقف بحراوي عن ضرب izaq ومباشرة امسك بجثة الحارس قبل أن يتهاوى وبحث في جيوبه حتى وجد مفتاح السجن ،
تفاجأ الحرس قليلو العدد بفتح بوابة السجن وخروج العشرات من العبيد كموج هادر وبصوت أقرب للرعد ، حاول الحرس ايقافهم ولكن كل تلك المحاولات فشلت أمام مدهم المرهب .

كانت سما تقترب من الغابة عندما سمعت صوت الحرس المفزوعة فعلمت أن هناك خطب ما بالقرب من المنجم فندمت على ذلك فأمرت جميع الجنود بالتوجه نحو المنجم وحل المشكلة أما هي فسوف تتولى بنفسها مسألة Renad


حاول أن يتذكر ما جرى ولكنه فشل ، شعر بيديه مكبلتين بفعل التراب ، استجمع قوته وحرر يده حتى استطاع أن يحفر إلى أعلى ليحرر جسده وهو يتساءل عما جرى له وأين رفاقه ، تذكر رعبه الشديد من ذلك المنبوذ فاضل الجابر وأخذ يتذكر الوخزة التي أصابته في عنقه والتي سقط على أثرها في النهر الصغير ذو الرائحة الغريبة قبل أن يخرج من جزيرة المنبوذين ، بعد ذلك لا شيء يتذكره غير الظلام ، ما يشعره بالغرابة أنه يعلم أنه تحت باطن الأرض ولكنه ومنذ استيقاظه لا يشعر بالاختناق بل يشعر أنه يتنفس من جميع أنحاء جسده وكميات كبيرة من المخاط تحيطه . هذا الشعور أصابه بالفزع فلا شك أنه أصيب بنوع من الجراثيم أو الفطريات التي جعلته مثل المنبوذين بمعنى أن الجندي المحارب وأحد أذرع الملكة نبع المقربين والمشهور باسم ابو حسن اصبح الآن أحد المنبوذين . حالما تحرر من قبره نظر في صفحة الماء وعلم أنه حياته السابقة قد ولى عهدها .


وأخيراً وصل أحمد علي للمعسكر الإمبراطوري ومباشرة اتجه إلى خيمة الإمبراطور أبو حسام وهو متشوق للقاء سيده ومولاه ومعتمده ورجاه فلابد من وجود ضحايا جدد لقطع رقابهم أو ارسالهم للمنجم رغم أنه يتمنى في داخل نفسه ألا يعود لتلك المتوحشة في الوقت القريب .
قبل أن يصل إلى الخيمة سمع صوتاً يناديه من بعيد ، التفت جهة الصوت وكان الطبيب المتحذلق هو من يناديه ، قطب جبينه حالما رأى زهدي وأيقن بمصيبة في داخل نفسه :
- جئت في الوقت المناسب يا أحمد علي
- ماذا ؟
تطلع زهدي بعمق جهة الجلاد وأخذ يتلفت بحذر في جميع الاتجاهات :
- مؤامرة
تطلع أحمد علي جهة الطبيب بشيء من الاستغراب :
- ماذا تقصد ؟
- هناك من يريد النيل من حياة أبو حسام إن لم نتصرف بسرعة .
- من هو ؟
- قصدك من هي ؟


يتبع

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

طيران - 1


- تستطيع أن تطير ... فقط ثق بي
- إن لم استطع فهذا يعني .....
أومأ برأسه

قفزت



بعيدة تلك الهاوية
بعدٌ يجعلني قادرٌ على التأمل
إعادة الترميم

التراجع ؟


يتلاشى

كل ما حولك يتلاشى

خطوط الضوء ، السماء بمحتواها

والزنبقة التي كانت في فمك يوم قفزت

مازلت مفرطاً بالأمل



من أين جاءت تلك الزنبقة ؟
لا أتذكر وجودها
نعم .. رأيتها ذات يوم - ولادتي
كان لونها كلون أمي


كيف أصبح لونها أحمر ؟




كنت خاشعاً أتلو صلواتي عندما أهدتني الزنبقة
لم يكن هناك ضوء
ولا سماء
كان صوتها يملأ المكان
وكل لحظةٍ من زمن
تعقبها صلوات ...
طائرٌ ... كنت هناك



لم تكن تطير
كنت تسبح في سجن
محمية طبيعية كما يقولون
معي .....
ستنال حريتك
لا تنسى أن كل ما حولك
كان يتلاشى .........



صرخة
لا سماء ولا زنبقة
مجرد ضوء شحيح
وسقوط على الأرض الموحشة

فقط ثق بي

أبحث عنها .... لا أجدها

الأحد، 24 أكتوبر 2010

قصصي الخرافية - 1


فقدتها ... مثلما فقدتكِ ، كان مجرد حدس داخلي يقول لي بأن هذا هو الفجر الأخير وأننا لن نلتقي .
لم يكن بيني وبينها إلا لغة العيون ، تحكي لي وأحكي لها من طرف العين الخفي وعندما تلتقي ترتبك ، تجفل ، تبتعد ، تبحث لها عن مأوى أخر تلجأ إليه في الوسط المحيط من الأصدقاء .وفي ذات الوقت تبدأ في سرد قصة ، قصة ليس لها نهاية ، ربما هي قصتي معكِ وربما تلك القصص الخرافية التي طالما حكيتها لكِ .


هل هي أنتِ ؟ أو أنكِ كنت مجرد حلم وهاهو يتحقق ؟ ربما ، لن أستطيع الجزم بذلك ، فصورتك الزمنية أصبحت مشوشة ولم يتبقى في ذاكرتي سوى نظراتك المشعة والتي رأيتها مرة أخرى فيها ، ذات الإشعاع المنبثق منها والذي أخترق قلبي من الوهلة الأولى حتى كدت أن أسقط من السلالم البيضاء عندما رأيتك فيها .

كنت على وشك إطلاق صرخة قائلاً

- وأخيراً وجدتك

ولكنني تطلعت لنفسي بغرابة وأوقفت جموحي بعدما ابتعدت خطواتها ترافقها ابتسامة مخفية وغامضة ، شعرت حينها أنها قد تكون أدركت مدى ارتباكي أو أنها قد عرفتني بطريقة ما .

واختفت عن ناظري ووقفت حائراً ، نسيت هدفي من الصعود على السلم .. أين كنت متجهاً ؟ إلى من ؟ وجدت نفسي أقف بكل حيرة تائهاً ، لا أعرف ماذا أفعل .

عندما التقيت بك والتقت فيها عيوننا لم نستطع إخفاء ابتسامتنا ، كلمة عابرة جرت وراءها كلمات لم تتوقف . بدأت في اكتشافكِ بفرحة كانت قصيرة لأنها كانت مجرد لحظة وابتعدت خطواتك لأقف بعدها حائراً عند السلالم البيضاء اتسأل في في قرارة نفسي إلى أين كنت متجهاً ؟ وهل كنت أصعد السلم ؟ أم كنت للتو نازلاً منه ؟ وعندما اختفيتِ بحثت عنك بعيون يملؤها الخوف أن أفقدكِ .

كنت أشعر لأول وهلة أني أعرفكِ مسبقاً ، ولكن أين ؟ هل كنتِ ذات يوم حلم ما يتحقق لي الآن ؟ ورؤيا سابقة آن لها الأوان أن تصبح حقيقة ؟

كانت أختي تنظر بغرابة نحونا ونحن نتبادل الحديث في لقاءنا الثاني ، كنت أشعر بنظراتها المتسألة عن نوع الألفة التي جمعتنا منذ الوهلة الأولى . لم تكوني تدركين الرسائل السرية التي أوصلتها لي عينا أختي الأصغر سناً . كنتِ تتحدثين حينها عن عائلتك ، عن أمك ، وكنت مستمعاً بارعاً لأحاديثك الشيقة ولكني في نفس الوقت كنت أراود نفسي بأن المس يدكِ الصغيرة القابضة على السياج الذي يطل على ساحة الفندق ، كنت أبحث عن عذر لتلك الفكرة التي طرأت على ذهني الطفولي ، ولكن العيون التي كانت تراقبنا حالت دون استمراري في التفكير بذلك . وعدت أبتسم من جديد لفكرة أخرى بأن أدعوكِ لتناول مرطب ما من البقالة المجاورة للتخلص من العيون الفضولية ولكني كنت خائفاً من فعل ذلك وها أنا الآن بعد مرور عشرين سنة أكثر جبناً من أن أقترب منها وأبادلها الحديث كما فعلت معكِ كنت أشعر بالفشل معها بعكسك فقد سحرتك بخيالي المتنامي وحكاياتي الخرافية التي قمت ببطولتها لكي آسركِ في عالمي . كانت جالسة في بهو الفندق وكنت جالساً خلفها من الجهة اليمنى ، لمحت عينيها اللامعتين عندما تحدثت مع صديقتها الجالسة معها . عادت لي صورتكِ مرة أخرى فأغمضت عيني وبدأت في تذكر قصصي الخرافية التي لم تنتهي ، بعدها فتحت عيني تجاهها فوجدتها صامتة ، مبهوتة ، تنظر إلى الفراغ وابتسامتها العذبة قد تلاشت وكأن قصصي الخرافية معكِ كانت مفاجأة لها ، وماهي إلا لحظات حتى التفتت بشكل مفاجئ تجاهي فجفلت ، وابتعدت عيناي نحو كرسي قريب في فزع واضح . شعرت حينها أن قصتي معك قد وصلتها وكأنها تعرفكِ أو تعرفني .

وبقيت في مكانها على ذلك الكرسي الخشبي رغم الحاح صديقتها بالذهاب معها إلى السوق ، وبقيت أنا أنظر إلى جهتها ونظراتها نحو الفراغ وكأنها تستحثني أن أكمل حكاياتي الخرافية التي وعدتك بإكمالها قبل السفر .

لم أنهض من مكاني ولم تتحرك هي ولكننا أغمضنا عيوننا وشرعت في إكمال الحكاية حتى انتهيت منها ففتحت عيني فوجدتها تنظر إلى الفراغ كالمعتاد ولكن ابتسامتها كانت تشق وجهها الطفولي البريء .

من قام أولاً ؟ أنا أم هي ؟ ولماذا ؟ لا أتذكر .

هل استدعتك أمك كالعادة ؟ أم قمت ملبياً لنداء أمي لغرض ما ؟ أيضاً لا أتذكر .

ولكن في كلتا الحالتين وقفت لفترة من الزمن منتشياً بفضل بطولاتي في قصصي الخرافية والتي جعلتك تذهلين وأنت تبحثين عن ذلك الحزام الخفي الذي يمدني بقوة لا مثيل لها . مشيت بخطوات شبه واثقة أدور في أنحاء الفندق باحثاً عنكما من جديد .

وعندما حل الليل الأخير كنت واقفاً خلف السياج المطل على نافذتكِ أراقبكِ وأنت تحاولين النوم ، وتلتقي العيون فنبتسم معاً وأرى في عينيكِ إلحاح شديد لرؤيتي مرة أخرى قبل السفر .

كنت أنظر إليها في ذلك الليل الأخير وهي تتكلم مع صديقاتها وعندما التقت عيوننا المرتبكة من خلف السياج استعدنا في ومضة سريعة ذكريات الأمس البعيد ترافقها ابتسامة جزعة بأننا لن نلتقي مرة أخرى .

وقفت طويلاً خلف السياج أنتظر الفجر المحمل بالألم , وعندما أويت إلى فراشي لم أذق النوم لحظتها .. كنت أتقلب باستمرار مع أتساع العينين بأقصى ما يمكن .

حانت اللحظة ولم أستطع ترك الفراش .. سمعت صوت المؤذن وجبنت وأنا أتخيل حقائب السفر .. حاولت المقاومة وبعد جهد جهيد وبشجاعة متأخرة تجولت بنظري وأنا أرى باب الغرفة مشرعاً .. ليس فيها إلا بقية من بعض القصص الخرافية التي وزعتها هنا .... وهناك .


6 / 8 / 2003
الغردقة

السبت، 23 أكتوبر 2010

جزر الغموض - 9





( 9 )

الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :

نبع

جزيرة الثوار ، الجزيرة الصعبة بالنسبة لإمبراطور الشر ( أبو حسام ) كما يطلق عليه الثوار هذا الاسم ، جزيرة ذات أشجار كثيفة متلاصقة ومرتفعة ، من لا يعرف الجزيرة يتوه فيها بسبب تشابه الأماكن والمناظر ، ولذلك فقد كانت هي المخبأ المثالي لكل من يخرج عن طاعة إمبراطور الشر ، كانت بدايتها بهروب عدد قليل من خدمة أبو حسام إلى هذا المكان ، كان هروبهم خوفاً وقد حاول رجال الإمبراطور القبض عليهم بدون فائدة فالأشجار كانت عبارة عن متاهات طبيعية من يدخل فيها لا يستطيع الخروج منها إلا بشق الأنفس ، ومع مرور الوقت زاد عدد الهاربين من بطش الإمبراطور ، كانت الغابة ذات ثروة هائلة من الحيوانات والنباتات مما شكل للهاربين اكتفاء ذاتي من ناحية الغذاء ولكن من ناحية الأمن والأمان كان ذلك عبئاً كبيراً لهم مع توالي الهجمات المستمرة عليهم من الجنود فلم يكونوا يستطيعون الاستقرار في مكان ثابت لذلك فقد كان مسلسل الهروب مستمراً إلى أن جاء الوقت الذي أتت فيه هاربة جديدة تدعي نبع ، استطاعت بمهاراتها وقوة شخصيتها أن تجمع الهاربين من حولها وتنظيمهم تنظيم عسكري ليتحول الهروب إلى ثورة وتمرد وهجوم بين فينة وأخرى على معسكرات الجنود ، لحظتها انقلبت المعادلة وأصبحت جزيرة الإمبراطور هي من تحتاج إلى الحراسات المشددة ووضع حداً لهجمات الثوار بقيادة الملكة نبع .

ترجل الرجال من الأحصنة وتقدم ابو قدس تجاه ملكة الثوار الجالسة على عرشها وحولها رجالها المخلصين ، نظرت إليه بنظرة عميقة كمن فهمت ماذا جرى وقبل أن يؤدي الرجل تحيته المعتادة بادرت بقولها :
- أين صديقك الضخم .
سكت ابو قدس قليلاً حينها تقدم أحد الجنود وهمس في أذن الملكة فتغير لون وجهها :
- ألهذه الدرجة كان رعديداً ... يخاف لدرجة التعرق ؟ يا لفرحتي .. يا لخجلي .. لابد أن أبو حسام سيشمت بي وبجنودي بسبب هذا .... هل استطاع المنبوذين فرض شروط ما عليكم لتسليمكم الحديد .

نظر ابو قدس نظرة دهشة واستغراب وتيقن من تمكن الملكة من فن الفراسة وبعد النظر :
- هو كذلك يا مولاتي .
- أليس هذا عاراً ؟
- هو كذلك ... لديهم سلاح خطير جعلنا نتراجع عن غرورنا وثقتنا بأنفسنا ؟
- ما هو هذا السلاح ؟
- الوباء .. المرض .. الجذام ..؟
- هل تخشى المرض ؟
- بصراحة .. أجل مولاتي .. وهذا ما قضى على المرحوم
- لا تقل مرحوم ... أنه عار .
- اعتذر سيدتي
- أيها الجبان .. كان معك حق يا مالك القلاف لم يكن من المفترض إرسال صاحب القلب الضعيف مع صاحبه العار لهذه المهمة
ابتسم مالك القلاف ابتسامة انتصار ونظر تجاه ابو قدس الذي يحاول كبت قهره وغضبه :
- نعم يا مولاتي .. بصراحة أنا أعذر أبو قدس.. عفواً .. اقصد الجنرال ابو قدس على خوفه من مرض الجذام لأنه يخشى على مركزه الذي سوف يفقده لو أصيب به .. فتخيلي الذين كان يقاتلهم يصبح منهم ... أو ربما يخشى على المنبوذين من الانقراض .
- لم يكن لدينا ما يكفي من السهام .
قالها ابو قدس وهو يصر على أسنانه بقدر المستطاع ، ولكن مالك القلاف ضحك ضحكة مجلجلة :
- أفهم من ذلك أنك جئت تتزود بالسهام والنبال والرماح والمنجنيق لكي تبيد المنبوذين عن بكرة أبيهم .
- لا ... بل جئت لاقترح على الملكة أن تستجيب لطلباتهم .
نظرت نبع تجاه مساعدها الأول نظرة استنكار فما كانت تتوقع أن يكون بهذا الضعف كما وصفه مالك ذات مرة
- طلبك مرفوض .. مالك ..
- نعم مولاتي .
- جهز نفسك للقيام بالمهمة التي فشل فيها الجنرال.
- أمرك مولاتي .
ضغط الجنرال الذي اهينت كرامته على نفسه وعلى كبريائه وحاول أن يخرج الحروف المتقطعة بكل هدوء وسلاسة .
- مولاتي .. أتمنى أن تعيدي النظر في اقتراحي .
- لماذا ؟
- الحكمة أحياناً قوة .. أنتِ من علمنا ذلك .
- الحكمة تفسر في هذا الموقف ضعفاً .
- كم سيستغرق تجهيز جيشاً لمهاجمة المنبوذين .
شعر مالك القلاف بأن الفرصة السانحة له قد تطير من يديه فتدخل مباشرة :
- ثلاثة أيام ... أستطيع تجهيز الجيش في ثلاثة أيام
ابتسم ابو قدس ابتسامة الواثق فقد شعر بمدى ارتباك خصمه ومنافسه على قلب الملكة
- مع افتراض أنك استطعت تجهيز الجيش بالرماح والسهام والمنجنيق في هذه الفترة القياسية ولن نأخذ بالاعتبار المسافة التي سوف نستغرقها للوصل إلى هناك فسيكون الأوان قد فات .
نظرت الملكة إليه بشيء من الاستغراب
- لماذا ؟
- لسنا وحدنا من رأى الطائرة وهي تسقط .. أبو حسام أرسل بعضاً من رجاله إلى هناك ...
- ماذا يعني ؟
- لابد أنه سيفكر بنفس طريقتنا ...
- ماهي شروط المنبوذين
- بعض من الطعام والملابس .. سعر زهيد لحماية أنفسنا وتسليحنا بشكل أسرع بدلاً من مواجهة لا نعرف نتيجتها .
سكتت الملكة نبع كمن يفكر في كلام القائد العسكري
- معك حق يا أبو قدس ... الحكمة قوة ... نفذ ما اقترحته في الحال وبأقصى سرعة ممكنة
حاول مالك القلاف الاعتراض ولكن نظرة واحدة من الملكة المهابة جعلته يخرس على مضض .


كانت ~ زمردة ~ منهمكة في تقطيع البصل وخلطه مع اللحم المفروم تمهيداً لتكوينه شطائر لحم الهامبرجر ، سال لعابها وهي تتخيلها مشوية أو مقلية وعليها قطرات من الكاتشاب والمايونيز ، كم كانت تعشق الاثنين مع بعضهما البعض وليتها تتذوق شيئاً من هذا فكل شطائر اللحم سوف تكون من نصيب أبو حسام وحاشيته . وهاهي الآن بعد أن وكلت لها الست همس 2007 معظم أعباء المطبخ من تقشير وتكنيس وطبخ وفرم بدلاً من عمال المطبخ القدامى ، فكرت أن تحتج وتذكر هذه المرأة البغيضة بأن أبو حسام قد وكل لها مهمة واحدة فقط وهي تقشير وتقطيع البصل وهذا يعد انتهاكاً لأوامر الإمبراطور الصريحة ولكن عينا الست المتعاكسة اي كل عين في اتجاه والتي لايعرف المرء اين تنظر هذه المرأة جعلتها تتراجع عن فكرة الاحتجاج إضافة إلى بتولة أ بتولوووه ذات الثلاث واوات التي ربما رفسة واحدة من قدمها تأتي بأجلها ، ولذلك فقد صبرت على مضض واستسلمت لفكرة بقائها أسيرة المطبخ .
نظرت تجاه القادم نحوها فوجدته سنابسي الهوى ينظر إليها بإشفاق واضح ، اقتربت يده من شعرها محاولاً لمس خصلاته الحلزونية ولكنها جفلت بعيداً ونظرت إليه شزراً . نكس الرجل رأسه وجلس في قبالتها وأخذ سكيناً ملقاة وأخذ في فرم البصل ، نظرت إليه باحتقار واضح وغضب شديد :
- ماذا تفعل ؟
- اساعدك على فرم البصل .
صرخت بأعلى صوتها :
- لا أريد مساعدتك .. اغرب عن وجهي ..
ذرف سنابسي الهوى الدموع عند سماعه هذا الكلام القاسي ، حاول لملمة الكلمات ولكن صوته خانه فقام من مكانه ومشى بضع خطوات عرجاء ، وقبل أن يصل إلى بوابة المطبخ دخل أحد العمال القدامى واصطدم به فسقط الرجل العجوز أرضاً ، هبت ~ زمردة ~ بدون شعور في حركة غير إرادية في محاولة لمساعدة أبيها ولكنها تعثرت بصحن البصل الكبير وسقطت على وجهها ، وعندما رفعت رأسها لتنظر ما يجري كان منظرهامضحكاً فقد كانت بصلة من الحجم الكبير تملأ فاها . ضحك العامل من المنظر وأخذ صحن البصل وقام بنثره عليها فأخذ الجميع ممن دخل ليعرف ما يجري بالضحك عليها ، أصابت ~ زمردة ~ الهستيريا فأخذت بالصياح والعويل فما كان من الرجل إلا أن رفسها برجله في خاصرتها ليكتم صرختها في داخلها مع تعالي الضحكات من كل صوب ، أسودت الدنيا في عينيها وهي ترى أبيها يحاول أن يرفعها ولكن حجمها الضخم حال دون ذلك .
فجأة سمع الجميع وقع خطوات ضخمة غاضبة تأتي مسرعة ، لحظات وبان وجه بتول العبيط يطل من الباب وحالما رأت ~ زمردة ~ في هذا المنظر وبالقرب منها العامل وسنابسي الهوى حتى انفجرت من الغيظ :
- من الذي ضرب دبدوبي ؟
قبل أن تستوعب ~ زمردة ~ ما يجري ومع كل نظرات الخوف التي ملأت أعين الجميع كانت بتول تجثم على صدر العامل وسنابسي الهوى معاً وتكيلهما الضربات تلو الضربات . هرعت ~ زمردة ~ ناحية بتول لتنقذ والدها من موت محقق :
- كفى بتول ... هذا الرجل لا دخل له .
زمجرت بتول بقوة وهي تتوقف عن ضرب سنابسي الهوى وتشير ناحية العامل :
- وماذا عن هذا ؟
نظرت تجاه العامل الذي أخذ يويلول كالنساء وهو يترجاها بعدم الشكوى ، شعرت في تلك اللحظة أن بتول تلك ليست نقمة لهذه الدرجة وقد تكون نعمة إن أحسنت استغلالها ، ابتسمت ابتسامة خفيفة :
- اتركيه بتولة .. فلديه شغل كثير في تفريم البصل وتقطيعه وتقشيره وخلطه مع اللحم المفروم .

في جزيرة المنبوذين وحالما ابتعد A.M.A ورجاله اتجهت غادة إلى قمة الجبل لتتأكد من سلامة المنقذة القادمة من السماء ، كان الصعود شاقاً بسبب اللزوجة وبعض الرذاذ الآتي من هنا وهناك بفعل الضباب الذي بدأ في التشكل على قمة الجبل ، ووقع ماكانت تخشاه الملكة ، انزلقت رجلها وكادت أن تسقط من علٍ ولكن يد فاضل الجابر كانت بالمرصاد ، لم تكن غادة تعرف بالفعل هل هي فرحة أم مرعوبة وخاصة أن بعض الدود المنبثق من يده بدأ يتسلق يدها ، شعر فاضل بما يعتمل في قلب ملكته فقرب فمه من يدها في ذات الوقت وهو يرفعها ليقوم بشفط الدود واحدة تلو الأخرى .
- ليس سيئاً طعمها .
قالها مبتسماً ، حتى في النهاية وبمساعدة البعض تمكن من وضعها على الطريق الصحيح .
بعد ساعة استطاع الجميع الوصول إلى قمة الجبل وقد اختفى صوت الصواعق نهائياً ، كان الضباب كثيفاً لدرجة حجب الرؤية من مسافة قريبة ، أخذ الجميع يتلمس الهواء متحسسين موقع الساري التي علقت فيه المنقذة zamob حتى استطاعت الملكة الوصول إليه وكم كانت الصاعقة على الجميع عندما اكتشفوا أن منقذتهم قد اختفت .


لم يستطع jawad من النوم تلك الليلة بل فقد معها كل مشاعر الفرح بنجاته من السقوط وتبخرت كل شهواته بنيل ما لذ وطاب من النساء الجميلات ، اكتشف مدى قبحه وفظاعته فهو مجرد فريسة لحيوان مخيف بعد أن تنال نساء هذه الجزيرة الغرض من وجوده . حاول أن يركز فكره في طريقة الهرب ولكنه لم يستطيع فصراخ الرجل مازال يشل عقله عن مجرد التفكير ، شعر بالرعب الشديد وهو يفكر في نهايته المرتقبة .
جفل عندما شعر بحركة بالقرب منه نظر بهلع فوجد ريان واقفة عند رأسه مبتسمة ابتسامتها العذبة التي لم يرى غيرها إلا ليلة البارحة ، حاول بجهد جهيد أن يبادلها الابتسامة ولكنه فشل فقد بدت ابتسامته مشوهة ، شعرت ريان أن هناك خطب ما في الضحية الجديدة ، اقتربت منه برفق وحنان ومسدت شعره ولمست بيديها الناعمتين خدوده النحيفة فكانت ردة فعله مثلما توقعت المحارية العتيدة فقد جفل jawad لا إرادياً فاقتربت منه ولصقت وجهها بالقرب من وجهه وحدقت بعينيها اللوزيتين ناحيته :
- ما بك أيها الفحل ؟ هل هناك ما أزعجك ؟
تلعثم jawad قليلاً وأدرك أنه مكشوف إن لم يستخدم ذكائه في الخروج من هذا المأزق :
- حلم .. حلم مزعج
- يبدو أن علينا أن ننسيك هذا الحلم المزعج
ابتسمت بعد جملتها الخيرة وصفقت بيديها طالبة من الحارسات أن يأتينها بإحدى الجواري الجميلات لكي تنسي الضيف همومه .
خرجت ريان من البواية وطلبت مضاعفة الحراسة الشديدة على خيمته فهناك ما يريب ، اتجهت المحاربة إلى مقر القيادة حيث كانت أزهار تراجع بعض الأوراق ، نظرت إليها القائدة :
- ما يزعجك يا عزيزتي
- هل تظني أن المنوم لم يؤثر على الضحية ؟
- لماذا ؟
- لاحظت عليه أنه متغير بعض الشيء بل كان مفزوعاً وكأنه رأى ما حدث ليلة البارحة .
- هل شددتي الحراسة عليه ؟
- نعم
- من المؤسف أن الوشق قد تناول غذائه البارحة وهذا يعني ان عليه أن ينتظر أسبوعاً أخر .
- من من الجواري سوف ترسليها إليه ؟
- ما رأيك بالجارية الجديدة ؟
- من سماهر ؟
- نعم .. أظن أن بعض التطبيقات العملية سوف تصقلها .. خاصة أن معلمتها بعثرة قد مدحتها .
- ولكن ألا تظني أنهما يعرفان بعضهما البعض فلا شك أنهما من ذات الطائرة التي سقطت .
- هذا أفضل .. هذا سيزيل الشك من قلبه إن كان موجوداً .
نظرت أزهار ناحيتها ثم اقتربت منها وهي تتشمم عطرها الأنثوي الجميل :
- على فكرة جاءتني دعوة من جزيرة الحشاشين لقضاء سهرة من النوع الخاص أثناء المؤتمر ، ما رأيك أن نذهب معاً لنريح اعصابنا هناك قليلاً .
- ومن سيتولى الإشراف على الجزيرة
- أي واحدة من المساعدات .
- اذهبي وحدك ، سوف أراقب هذا المسمى jawad أخشى أن يحاول الهرب .
- كما تشاءين يا حلوتي .


في جزيرة الإمبراطور وقف زهدي ينظر بشغف تجاه المضيفة الحسناء زينب عبدالله وهو يطبب جروح رأسها ، كانت نظراته حادة وشهوانية :
- هل اقول مبروك
امتقع لون وجه المضيفة الحسناء فشعر الطبيب الإمبراطوري بذلك :
- لا يبدو عليك السعادة أيتها المحظية ؟
- وهل من يكون عبداً لأحدهم يكون سعيداً بعبوديته .
- افهم أنك ترفضين واقعك ؟
احتارت زينب عبدالله في الجواب فباغتها زهدي :
- ومن يحررك من هذا .. ماهو أجره ؟


يتبع

نضال ... عتمة الفقد






حزن كان يغلف عينيه في أخر مرة التقيته
مستنداً يتطلع إلى التلفزيون تارة وأخرى تجاهنا
كنت لحظتها اعلم أنه مصاب بالفشل الكلوي وإن لم يعلن عنه ولكني لم أخبره بمعرفتي .
- ويش فيك نضال ؟ على فكرة ضعفت
ابتسم ابتسامته البعيدة وكأنني اتذكرها من جديد ذات يوم
- تدري نضال ، انت جميل .. عيبك لسانك .. فنان جميل لا يليق به لسان مكة والفاظها
ضحك وابتسم تلك الابتسامة وكأنه يقول لي :
- لم تفهم بعد
أخذ يبحث عن جمل قصيرة تشرح لي بما يتوافق معي
ولكني لم اقتنع ، البتة
الآن بدأت اقتنع نضال ، لأني اعلم بنظافتك في عالم مليء بالوسخ
الآن يا نضال بدأت افهم
كنت اتمنى أن ارجع دائرة زمنية وأنت تنظر ناحية نص محاكمة السيد X وهو في يد عبدالباقي واعطيك إياه واحتضنك .
كانت نظرتك متلصصة يا صديقي وكأن هناك فضول لما في يده . كنت اشعر بنظرة الفنان التي داخلك ، كنت اعلم .. صدقني كنت اشعر بك .. الآن ندمت لأني لم احرك ساكناً
ماذا سافعل غداً عندما ارتقي خشبة الجمعية لأوجه تلاميذي قبل العرض وأنا أنظر لمكانك حيث تقف في أخر مرة رأيتك تجري بروفة مع عبدالله الجفال ؟
ماذا سافعل ؟ اقبل الخشبة ؟ أم أبلها بالدموع المتراكمة ؟
قل لي بالله عليك
يا من احبك الجميع بلا استثناء


كن في رحمة الله

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

المنبه

ما هذا الصوت ؟؟؟ إنه ليس غريباً على مسمعي ॥ هل هو صوت سيارة إطفاء ؟ .. لا إنه رنين متواصل .. ربما يكون صوت جرس الباب أو رنين الهاتف أو …

- (( يا ألهي إنه صوت المنبه ))






سيقتلني المدير بلا شك إذا تأخرت هذه المرة أيضا …كم الساعة الآن ؟ ॥


- (( الثامنة إلا خمس )) !!!!



فات الأوان يلزمني نصف ساعة على الأقل للوصول إلى مقر العمل ॥ وعندما أصل حتماً سيستقبلني المدير بحفاوته المعهودة ودروسه في الموعظة والتوبيخ التي أسمعها كل صباح منه كم اكره هذا المدير ! ،


- (( أين المنشفة ؟ ))

إنني أنسى أين أضع أغراضي ..

- (( هاهي أخيراً ))


لكن هذه المرة لن اسكت سأرد عليه وبكل قوة ماذا لو تأخرت نصف ساعة هل ستنقلب الدنيا ؟ هل سيتعطل العمل لهذه الدرجة ؟ نصف ساعة فقط وبضع دقائق ، حتى لو كانت ساعة كاملة لن يحدث شيء ..

- (( اللعنة جميع الجوارب متسخة ))



.. وهل هذا جديد ! فكل ما في العالم متسخ و أهمها ضمائرنا إنها مثل هذا الجورب ..
-(( كفاني فلسفة ))
أتمنى أن يكون المدير خليّ البال هذا الصباح
- (( ومنذ متى كان خليّ البال ؟! ))
المشكلة أنه يعاني من المزاجية المتقلبة خاصة في الصباح .. إن المزاجية تفتك بشعوب العالم
- (( كم أكرهه ))
إنني في بعض الأحيان أحس وكأنني أتحدى هذا المدير ، فبدلاً من أن أصحو مبكراً صرت أواصل السهر حتى أتأخر في الاستيقاظ ومن كثرة اللوائح المعلقة في كل مكان بعبارة ممنوع التدخين صرت من أكثر الموظفين إدماناً على السجائر
-(( هل هذا وقت إشارات المرور ॥ افتحي بسرعة )) ..



المشكلة أنني أحتاج هذا المدير .. ربما بكلمات استعطاف يرق لحالي .. أنا من منطقة بعيدة أو بالأحرى من قرية صغيرة ولديّ التزامات
-(( ومن قال لك ألا تواصل دراستك ؟ )) ..
هذا هو الحال .. والآن ماذا ؟ كاتب صغير في الوزارة .. لا يعقل أن أظل هكذا بهذا الراتب الضعيف وأمام هذا المدير الفج لابد أن أجد حلاً
- (( كما توقعت ))
المدير في استقبالي




- (( صباح الخير ))
ما هذه الشتائم أنا لم اقل غير كلمة صباح الخير ..
- (( أنا أسف للتأخير ॥ ولكن هناك ظروف ))
أعرف أنك سترد هذا الرد .. فقد سمعت هذه الاسطوانة منك مثلما تسمع أنت اسطوانتي .. أعرف أنك لا تصدقني
- (( أنا أسف مرة ثانية ))
إنني أكرهك من كل قلبي ..
- (( أرجوك أن تسامحني هذه المرة وأعدك ))
دعني أكمل على الأقل .. أين حرية الفكر والرأي ؟ .. لقد فاض الكيل سأتكلم وسأقول له
- (( هذه آخر مرة صدقني ))
اللعنة لماذا لم أقلها
- (( شكراً يا سيدي ॥ شكراً ))
أشعر إنني مثل المتهم الذليل .. على العموم مرت على خير .. أعتقد أنه بهذا الانتصار أستحق أن أشرب سيجارة
- (( وتباً لهذه اللافتات ))




أعتقد كما يقولون أن أفضل اكتشاف اكتشفه الإنسان والذي يضر بصحته هو هذه اللفافة من التبغ .. اسمع صوت أقدام تأتي من ناحيتي .. أوه لا إنه صوت أقدام المدير المميزة والتي تشبه دقات الساعة .. لأسرع وأرمي لفافة التبغ العزيزة
- (( مرحباً يا سيدي )) ॥
والعكس صحيح
- (( لاشيء ॥ إنني أتأمل فقط عبارة ممنوع التدخين .. إنها رائعة )) ..
يا للنفاق !!
-(( حسناً ॥ سأذهب إلى عملي مباشرة ))
أُف .. مرت على خير ولم ير السيجارة عندما رميتها .. أعتقد أنه بإمكاني أن أغفو قليلاً .. ولكن أخشى أن يأتي المدير فجأة .. ما العمل ؟؟
-(( سؤال وجيه )) ..
ما هذا الصوت إنه صياح وعويل .. ماذا ؟
-(( حريق )) ॥




حريق هنا في المبنى ؟ وفي نفس الطابق ؟ .. ما السبب ؟ .. هل هو بسبب الكهرباء ؟ .. أو بفعل فاعل ؟ .. أو ربما بسبب …… السيجارة التي رميتها ؟!!! .. ولكن هناك شيء مهم نسيته
-(( إنني محاصر وسط النيران )) ..
ولكن ما هذا الصوت ؟ .. يبدو وكأنه صوت سيارة الإطفاء .. أو جرس الباب .. وربما يكون صوت
-(( المـــنبه )) ؟؟ .






السبت، 2 أكتوبر 2010

جزر الغموض - 8






( 8 )
الوجوه الجديدة في هذه الحلقة :

يوسف آل ابريه
عاشق المسرح
Aziz
حكيم

جزيرة الحشاشين أشهر جزر الغموض على الإطلاق فهي منتجع و ملتقى الجميع في جميع المناسبات ،الأصدقاء منهم والأعداء ( ماعدا المنبوذين ) ، ففيها أكبر كازينو للقمار وفيها ما لذ وطاب من أصناف المخدرات . جزيرة حيادية مستقلة لم تدخل في صراعات سياسية منذ ما يقارب الستين سنة بعد حرب الجزر العالمية والتي انتهت باستقلال هذه الجزيرة وكسبها احترام الجزر المجاورة .
رئيسها يتم عن طريق الانتخابات الذي يمارسه الشعب بكل حرية وبدون أي ضغوط ، هموم الشعب قليلة وتنحصر في كيف يحصلون على أكبر مساحة من الحرية الشخصية في تناول الأفيون أو مناقشاتهم الساخنة وجدلياتهم التي لا تنتهي حتى أن البعض يسمي جزيرتهم بجزيرة السفسطائيين .
أشهر قاطني الجزيرة رئيسها الحالي يوسف آل ابريه الذي اشتهر باشعاره الحماسية والغزلية والبوذيات والزهيريات ، يخاف منه الجميع ولا يخاف إلا أمراً واحداً ، مكان مهجور اسمه دير سنابس هذا المكان تعرض فيه يوسف آل ابريه عندما كان صغيراً لمحنة جعلته يخاف بل يصاب بالرعب عندما يذكر له اسم هذا المكان ، رغم أنه في بعض الليالي المظلمة يتجه بجواده البني ناحية الدير المهجور ويقف هناك بخشوع يتذكر فيها محنة الطفولة وما جرى له .
ماذا جرى له لا يستطيع أحدهم أن يؤكد هذا الأمر ولكنه كان صعباً للغاية على طفل صغير لدرجة أنه كان يسير أثناء نومه متجهاً للدير قبل أن ينتبه والداه لذلك ويحبسانه في غرفة مقفلة بإحكام .
هذه الطفولة البائسة جعلت من يوسف آل ابريه رجلاً سليط اللسان وفصيحه .
اشهر ثاني رجل في هذه الجزيرة هو عاشق المسرح صاحب أكبر كازينو للقمار وصاحب أكبر مسرح في الجزر بأجمعها ويتولى التمثيل بنفسه كترحيب خاص لرواده المشاهير من الجزر الأخرى . عاشق المسرح من المشهورين أيضاً بسلاطة لسانه حتى أنه ذات مرة وقف أمام رئيس الجزيرة وعيره :

فإذا زُلزلت الأرض تحت رجليك وادلهمت السماء في عينيك, اجمع شتاتك واشحذ همتك واطلب المدد أو استأجر القويَ الأمينَ فوالله لا مأوى لك مني ولا مهرب لك عني. أنا كالليل إذ يغشاك وكالنهار إذا أسناك وكالدهر إذا أفناك. بي عُرفتَ ودعيت وبي علوتَ وسموت, أنا أعطيك وأمنع, أنا أُنْزِلْك وأرفع. أنا علمتك منطق القوافي وأسررتُ لك بما يذيب قلوب الكاعبات الحسان. لك أن تنحو نحوي وتذهب مذهبي فتفلح, ولك أن تنازعني فتكون من الخاسرين **

فما كان من رئيس الجزيرة إلا أن استشاط غضباً وارعد وأزبد وأصابعه في شعره قد اغرز وظل يتوعد و يتوعد لأن يجعل ليله كالحاً أو أسود .

ثالث رجل في هذه الجزيرة هو Aziz صاحب أكبر مطعم معجنات في الجزيرة لا يرتاد مطعمه إلا المشاهير حتى أن البيتزا التي يصنعها بنفسها يصل سعرها لعشرة أضعاف سعرها في السوق العادية

كانت الجزيرة على وشك تحقيق أهم حدث عالمي في الجزيرة فقد قررت أن تستضيف في مؤتمر عالي المستوى عن أهمية التوازن البيئي وسبل تطوير الموارد البشرية من العبيد والعمال لتناسب الأوضاع الراهنة حيث الكساد الاقتصادي والتضخم الذي ارتفع بطريقة مفاجئة حيرت قاطني الجزر .
وبذلك فقد كان العمل على قدم وساق في انتظار موفد جزيرة الإمبراطور وموفد الثوار وموفدة الأمازونيات الذين سوف يقطنون الجزيرة الساحرة بما فيها من متع وترفيه ، ولا ننسى الصفقات السرية بين الوافدين بما يحقق مصالحهم السرية .


بينما كانت آلاء تقوم بغسل رجلي أبو حسام في الطشت وتدليكهما وإضافة الزيوت العطرية والطيارة لإضافة المزيد من الراحة والسرور كان أبو حسام ينظر بحنق تجاه زهدي الذي بلع ريقه وشعر في حلقه ما هو أقرب للحريقة
- ماذا تقصد
- الشرخ بدأ يمتد في ضلوعك وربما يصل إلى العمود الفقري إن لم نعالجه ، للأسف الشديد الأربطة الطبية التي وضعتها لك لم تأتِ بنفعها بسبب حركتك الكثيرة والصعبة وهذا النوع من الإصابة يحتاج إلى راحة .
- ولا يوجد عندك غير هذه الطريقة ؟
- للأسف هذه هي الطريقة الوحيدة للمحافظة على حياتك
- ولكنك عندما تجبس الجسم بأكمله سيجعلني غير قادراً على الحركة
- وما وظيفة الخدم إذن يا مولاي ؟
- وأعدائي ؟
- فترة وتنتهي يا مولاي .
- ألا يمكن أن نؤجل هذا ألأمر للغد
- إن كنت سوف تتحمل نتيجة قرارك بدون أن تحملني جزءاً من المسئولية فافعل ماشئت ، ولكني احذرك الشرخ أصبح في وضع خطر وربما حركة واحدة أخرى خاصة مثل حركتا الصفع والرفس اللتان مارستهما بحق مجندتك الخائنة ربما تصيبك بشلل كامل . عندها حتى أعدائك لن يشمتوا بك بل يرثون لحالك .
ابتسمت آلاء ابتسامة تشع بالطيبة :
- أعدك أيها الطبيب أن اجعله ينام كالطفل هذه الليلة بدون حركات وبدون تشنجات
نظرت من أعلى حيث كان أبو حسام ينظر إليها بإبتسامة رقيقة فهذه المرأة خلال اليومين الفائتين استطاعت أن تجمع حنانات الدنيا بأكملها وتصبه في قلبه دفعة واحدة فنسى خلالها ذكريات الطفولة البائسة حيث كانت والدته تضربه بمخمة السعف على رأسه أو الملاس على ظهره بدون رحمة أو شفقة . ارفقت آلاء ابتسامتها :
- سوف أحكي لك يامولاي هذه الليلة قصة ليلى والذئب هل سمعتها ؟
قاطعها زهدي الذي بات يضيق صدره من هذه المرأة العجوز الخرفانة ( على حسب كلامه ) وشعر أنها خطرة على مخططاته إن لم يتخلص منها .
- هذه الوعود لا تنفع فحركة نوم هادئة قد تصبح لياليه صاخبة بالألم .
نظر أبو حسام إلى البعيد فكلام الطبيب منطقي ولكن هذه سيجعله خلال الشهر والنصف التي هي مدة الجبس عرضة لأن يغتال أو أن يطمع الرجال من حوله في أخذ الملك منه .
- وكيف استطيع المحافظة على هذا السر ؟
ابتسم زهدي ابتسامة تنم عن التفكير وفي ذات الوقت لنجاحه السريع الذي لم يتوقعه :
- نستطيع أن نجعلك في هذه الخيمة لايدخل عليك إلا من تثق بهم وبولائهم
- وماذا اقول للناس ؟
- الإمبراطور معتكف .
- معتكف !!! ماذا تعني ؟
- يكتب كتاباً عن سيرته الذاتية ولا يريد إزعاجا من أحد والأوامر يتلقاها الشعب عن طريق الخواص .

في الغابة الصغيرة والقريبة من منجم الفحم تقدم بضعة من الجنود بحذر شديد شاهرين رماحهم وسيوفهم لاقتناص رامي السهام المجهول الذي رمي قائدة المنجم سما منذ ساعات قليلة .
كان المكان موحشاً ورغم اعتدال الجو إلا أنه كان خانقاً ولم تشفع له نسمات هواء الغابة في أي تغيير . صوت العصافير قد اختفى وكأنها تنبأت بحدوث مصاب خطير ، كل تلك العلامات لم تخف على الجنود الذين شعروا بتوتر يرهق أعصابهم .
شعر أحد الجنود بالعطش فشرع يغرف من ماء الغدير الصغير وقد وضع سلاحه بجانبه ، أغمض الجندي عينيه ليرتاح قليلاً من التوتر الذي أصابه وحالما نظر في صفحة الماء هاله ما رأى فتراجع خطوات متسارعة وهو ينتشل سلاحه في محاولة لشهره ، خطوة متراجعة واحدة إضافية والجندي معلق من رجله في أعلى الشجرة ، وقبل أن يستوعب الأمر اخترق صدره سهم مدبب فضي اللون . انطلقت صرخة الجندي تسبقها حشرجة الموت من رئتيه ، تراكض الجنود في البحث عن زميلهم وسقط أحدهم في حفرة ملغومة بالرماح الخشبية فتمزق جسده قطعاً صغيرة ، ولم يكن زميله المجاور بأحسن حال منه فقد سقطت قطعة من الشجر العملاق عليه حالما لامس خيط رفيع مربوط بين الشجر والصخور .

مرت ساعات طوال منذ انطلاق الحرس نحو الغابة الصغيرة والمشهورة بـ osteocranium فأخذت سما المصابة في كتفها بسهم Renad الفضي تذرع المكان بعصبية واضحة متناسية الألم الذي أصابها ، كان عدد الحراس قليل ولذلك فهي لا تستطيع أن تغامر بإرسال فوج أخر خوفاً من استغلاله من قبل بعض السجناء فتقع محاولة هرب غير محددة المخاطر .
سجن العمل عبارة عن كهف بالقرب من المنجم رطب ولزج بسبب كميات كبيرة من البخار الساخن الذي يخرج من باطن الأرض مما يجعل الحياة في داخل الكهف في الصيف أشبه بالجحيم بينما يعتدل الحال في الشتاء القارس ، وفي الصيف تكثر الوفيات وأمراض الرئة بين العمال والعاملات اللاتي يقمن في زنزانة مجاورة في نفس الكهف .
دخلت سما كهف السجن فوجدت العمال الجدد متقوقعين على بعضهم البعض في حالة من الشرود وعدم الإدراك لما يجري بينما العمال القدم كانوا في زاوية من الكهف يستعدون للولوج في فرشهم البالية متناسيين ما حدث من أحداث وهجوم من المحتمل أن يكونوا الثوار هم من قام به .
نظرت رئيسة المنجم ناحية العمال الجدد أو ما تسميهم بالعبيد فلفت نظرها izaq الذي كان ينظر إليها بفضول أو محاولاً أن يستدر عطفها رغم محاولات بحراوي في ثنيه عن هذه الفكرة والذي حالما رأها تنظر جهتهم تقوقع على نفسه وشعر بالويل والثبور من أفكار زميله فالتحف بالبطانية الرثة التي يتشارك فيها مع نسيم والذي كانت رائحة العرق الصادرة منه نفاذة لأبعد حد فتجلد وتصبر واحتسب أمره وأخذ يحاول السرحان في زوجته الفقيدة ولكن بدون فائدة .
كرهت سما بلاهة izaq الشديدة فاقتربت منه بخطوات سريعة فما كان من الكابتن إلا أن ابتسم ابتسامة واسعة فها هي سما جاءت إليه لتعتذر منه عما جرى له بعدما اكتشفت أنه هو قائد الطائرة وربما سمعت من البعض أنه ماهر في القيادة ففكرت أن تستعين بخبرته في هذا المجال ولكن ركلة سريعة في خاصرته اليمنى جعلته يدرك أن حساباته كانت خاطئة ، نظرت إليه مع ضغط الحروف بشكل واضح :
- إن نظرت إلي مجدداً بهذه الطريقة صلبتك على جذع الشجر ... فاهم ؟
أومأ izaq بإيجاب وقد أستوعب الدرس جيداً فاستدار ناحية الجدار يتطلع للرسومات الفحمية وهو يحبس دمعته غصباً ، زعقت سما بأعلى صوتها منادية أحد الحراس ، جاء الحارس مهرولاً :
- ما الذي جعل العبيد متجمعين هنا عند مقدمة الزنزانة ؟
تلعثم الحارس قليلاً :
- لم يكن لدينا وقت ؟
- وقت ! لماذا ؟
- ظنناه هجوماً من الثوار فارتبكت حساباتنا .
- حساباتكم ؟ من أنتم بالضبط ؟
ارتبك الحارس وحار فيما يقوله فشدته سما من شعره :
- يبدو أنك نسيت أنني هنا الآمرة والناهية ، أنا من تضع الحسابات والخطط .
- معذرة سيدتي لم تكن تلك الكلمة في محلها .
- عقاباً لك سوف تذهب الآن وحيداً وتأتي لي بأخبار الجنود الذين ذهبوا إلى osteocranium الآن .
حالما سمع الحارس هذا الآمر تغيرت ألوان وجهه وغابت ملامحه فتصفد العرق من جبينه بغزارة مفرطة ولكنه غصب نفسه وابتسم ابتسامة عريضة :
- شرف لي خدمتك يا مولاتي والموت في سبيل المنجم العظيم .
- اذهب الآن .
قبل أن يلبي الحارس أوامر رئيسة العمال سمع الجميع صراخ قادم من الغابة فهلع الجمع فخرجت سما من الكهف لتفاجأ بمنظر غريب فقد كان أحد جنود الفوج يركض كالمجنون وقد تعرى جسده إلا ما ندر و اخترق عينيه اليمنى سهم وفي مؤخرته سهم وفي أذنه اليسرى سهم أخر .
كان المنظر مرعباً سقط على أثره أشجع الفرسان ولكن سما تماسكت جيداً ولم تظهر أي خوف فطلبت من الجندي المفزوع أن يتقدم ويهدأ ويحكي لها ما حدث ومن هم المهاجمون ؟ وكم عددهم ؟
- لا اعرف يا سيدتي .
- ماذا تقصد
- كأنها مجموعة من الأشباح
- كأنها !!! من هي ؟
- التي تصطادنا ؟
- أنثى ؟
- صيادة
حالما سمعت سما هذه المعلومة حتى ابتسمت ابتسامتها الخبيثة :
- Renad


كانت الدهشة تعلو وجه A.M.A وهو يرى النار تشتعل من بين يدي غادة ففتح فاه وصرخ بأعلى صوته :
- وويلاه .
فنظر إليه الجميع بدهشة عما يفزعه فتعجبوا أنه ليس الوحيد الذي تراجع من الخوف بل كل جنود A.M.A فعلوا مثله . فتقدم منه فاضل الجابر ليهدئ من روع أخيه .
- اهدأ يا أخي .
- لكنها تستطيع أن تشعل النيران ساحر القبيلة حكيم لا يستطيع أن يفعل مثلها .. لابد أنها من الأرواح الطيبة .
حالما سمع المقاتلون هذه الجملة خروا سجداً ناحية ملكة المنبوذين فهم فاضل الجابر أن يمنعهم من فعل ذلك وإفهامهم حقيقة النار ولكن يد غادة منعته منذ لك .
- هل تريد أن تقول أن حكيم لا يعرف كيف يشعل النار المقدسة ؟
- نعم يا سيدة الأرواح الطيبة فعلم النار لا تختص به إلا الأرواح الطيبة وليس خدم الأرواح
- إذن اذهب ورجالك إلى قبيلتكم وقل لهم أن سر النار سوف يصبح ملكهم إن أرضوني
سقط الجميع ساجدين لما أمرتهم به سيدتهم المبجلة وانطلقوا على خيولهم الملونة ملبين أوامرها وراغبين في رضاها وقد استنشقت أرواحهم عبير سحرها .

شعر ميلاد بالغصة وهو يقرأ خطاب اعفائه من منصبه كمعالج قضى ردحاً من الزمن في هذه الوظيفة المرموقة ، نظر تجاه سنابسي الهوى الذي سلمه الخطاب :
- ما الذي فعلته كي يعفيني من منصبي .
نظر إليه سنابسي الهوى بكثير من الشفقة رغم أنه هو أول من تنكر له بعدما استلم ابو حسام منصبه الجديد :
- وجد طبيباً حقيقياً .
- ماذا تقصد بالحقيقي ؟
- طبيب .. شهادته في الطب .
- هل عرض عليكم الشهادة أم ماذا ؟
- أنت تعرف لا علم لي .. ولادخل لي .. أنا هنا لأنفذ أوامر الإمبراطور .
- تسليمي الإعفاء ؟
- لا .. وإنما تسلم المريضة التي عندك وتسليمها للطبيب فقد أصبحت من أولوياته .
نظر ميلاد بحنق جهة خطاب الإعفاء وجهة الخيمة الزرقاء التي عاش فيها أجمل ايام حياته وشعر بان هناك ما ليس على ما يرام .


تململ jawad في فراشه الوثير بعدما شعر بصداع رهيب في راسه ومد يده متوقعاً أن تمسد جسد إحدى الجواري من حوله ولكنه فوجئ باختفائهن جميعاً ، فتح عينيه في الظلام فوجد حارستين عند بوابة خيمته فكر أن يستعلم منهما عما يجري وأين الجواري اللاتي أعتاد وجودهن بجواره ولكن صوتاً من خلف الخيمة جعله يلتفت إليه فنظر من خلال شق صغير وهاله ما رأى ، فقد كانت مجموعة من نساء الأمازونيات يحملن المشاعل وفي الخلف كان رجلاً بديناً مقيداً بالحبال والأصفاد يجررنه بقسوة بالغة فعلم أن هناك أمر جلل ، حفر حفرة صغيرة وانسل من تحت التراب إلى الخارج بدون أن تشعر به حارستا البوابة واتجه متعقباً الجمع الغفير .
كانت نساء الأمازونيات متحلقات حول حفرة كبيرة ينظرن إلى الرجل البدين الذي لم يكن مستوعباً لما يجري فأخذ يضحك ببلاهة شديدة :
- هل هذه لعبة أخرى سيداتي الجميلات ؟
ولكن الصمت المطبق جعله يعلم أن المسألة تتعدى اللعب والغنج الذي اعتاده ، لحظات قليلة وصوت الطبل يزمجر في المكان بقوة تصم منها الآذان ، فهلع jawad مما يرى وأخذ ينظر ما تسفر عليه الأمور وهو مختبئ خلف أحد الصخور .
تراجع الرجل البدين خطوات في خوف واضح ولكن صوت بوابة حديدية من خلفه جعله يلتفت فاصفر وجهه عندما رأى حيواناً يشبه الأسد في شكله واقفاً أمامه مستعداً للانقضاض عليه فعلم أن نهايته قد حانت .
حاول الرجل البدين الهرب وتسلق الحفرة ولكنه فشل فأخذ يستنجد بهن :
- يا سيدة ريان انقذيني من هذا الوحش ، يا سيدة أزهارأرجوك قولي لي ماذا فعلت ؟ انقذيني .. أقلاً انظروني حتى أرى أبني الذي لم يولد بعد .
كانت تلك كلماته الأخيرة فقد انقض الوشق عليه وجره من رجليه واخذ في افتراسه وجميع الأمازونيات ينظرن بخشوع متوحش ما يفعله سيدهم بفريسته .
أغمضت سماهر عيناها رعباً وهي غير مصدقة في الورطة التي وقعت فيها وحاولت أن تستملك الشجاعة عندما نظرت إليها معلمتها بعثرة ...، فابتسمت ابتسامة صفراء باهتة وأغمضت عيناها تتظاهر بالخشوع .
أدرك jawad الخطر العظيم الذي يحدق به ومصيره الذي سوف يكون عليه إن لم يحاول الهرب من هذا المكان فقفل راجعاً إلى الخيمة وهو يفكر بطريقة للهرب




يتبع

** مؤلف هذه الكلمات الصديق العزيز صادق حسن