الجمعة، 27 نوفمبر 2015

ما بين المقهى والميناء



في العتمة الباردة يقف وحيداً متأملاً الطريق النائي . عروقه البارزة تتشح بالازراق وكأن لغة  الموت قد توسعت مداركها في جوفه .
خطوات مثقلة هي ما كان يمتلكها قبل الوصول إلى هذا الطريق النائي .
المقهى ليس ببعيد ، الضوء الشحيح الذي ينبعث من إحدى نوافذه يشي بأن الحياة مازالت تتموضع بين ثناياه وإن خبت الحياة فيه ما بعد الحرب ، ولكنه مازال صامداً رغم وحشة الطريق .
خطوات قليلة هي ما يحتاجه للوصول إليه ، خطوات قليلة ليجتث بعدها كل ما تعلق به من رائحة العفن وشوائبه . خطوات فلربما يجد ما بعدها روحه التي سقطت في وحل القتل ودسائس التخوين ولعبة الموت .
وكأنه صوت أم كلثوم قد بلغ مسمعه من خلف خشب السنديان العتيق ، أصاخ السمع قليلاً ، صوتها الرنان ممتزجاً بصوت تصادم الفناجين وصوت أجش يغني وحيداً .
التمعت عينيه بدموع الوحشة والغياب ، حن لصوته كثيراً ، لزمجرته ولغنائه مع صوت معذبته و
لم يكمل وشرع في العودة إلى الطريق المهجور فهناك بقايا ميناء في الأفق قد يجد ضالته فيها .

* الصورة من تصويري في ميناء العقير القديم 

السبت، 5 سبتمبر 2015

الأغلال





ما سأقوله قد يكون شائكاً بعض الشيء للبعض لأنه قد يتجه بهم في التفكير بمنحى أخر غير ما أريد توصيله ،
الإنسان بشكل عام إلا ما رحم ربي هو أسير لفكر أخر لدرجة أن القرآن وصف هذه الحالة بالأغلال
فتارة تتمحور هذه الأغلال بالآباء أي السلف او تتمحور في ما يسمى بالكبار سواء كانوا مفكرين أو علماء
في كلنا الحالتين البشرية تقع تحت طائلة الأثنين بشكل أو أخر وإن اختلفت المسميات
المصيبة في موضوع الأغلال انك لا تشعر بوجودها حول عنقك وتظن أو نظن أننا مبرؤون منها وهي فقط تقع على الأخر مهما كان توجهه ، ولربما أتجه البعض ليقتنع انه مفكر بينما لا يعلم أنه مجرد مردد لفكرة سابقة أعاد صياغتها . ذات مرة قام أحدهم باستعراض اكتشاف اكتشفه حول المغريات المادية والجنسية التي اطلقها رب العالمين لترغيب المؤمنين بقتل أنفسهم في المعارك لينالوا حور العين وغيرها وهي محاولة رخيصة من نبي الإسلام ( ص ) تجاه أتباعه ، جاءه سؤالي بافتراض أن الأمر حقيقي وأنك أنت الإله فماهي المغربات البديلة التي من المفترض أن ترغب بها المؤمنين بك ؟ كانت مناقشة طويلة وصل فيها محاوري أني لو قرأت للكاتب الفلاني والكاتب العلاني ، هذا يعني أن فكرتك العبقرية لم تكن وليدة فكرك وإنما أنت كنت مجرد ببغاء رددت لي ما احتواه عقلك الباطن من قراءة كتاب لذاك المفكر .
هو سلف معاصر حصر الحرية الفكرية فيهم فأصبح الناس أسيري فكرهم وهم من يتغنون بالحرية لدرجة أن كلامهم مقدس ، فذات مرة استشهد لي احدهم بكلام مفكر كقاعدة فكرية لينطلق بها فكرته بدون ان يتعب نفسه في نقد الفكرة ذاتها التي قد تكون مجرد نظرية فلسفية لا أكثر
اغلال السلف السابق لا تقل خطورة عن السلف المعاصر إن صحت التسمية فهي ليست مقدسة فقط بل ربما يتم سفك الدم من أجلها وشواهد ما يجري في البلدان في الوقت الحالي خير مثال على ذلك
هذا والله أعلم

الجمعة، 3 أبريل 2015

عيناك







لا أعلم إن كنت أصبت أم أني أخطأت
بين نهار ونهار في الحب وقعت
يأتيني الليل أغنية والفجر ماء
عيناك عمق لا أدري إن كنت غرقت
أم كانت روحي هائمة بين الضفاف
أم كان رمشك يؤرجحني حتي سقطت

الأربعاء، 1 أبريل 2015

جرة



نعقت الغربان عندما سكب ماء الورد من الجرة المكسورة 
صوت الماء كأن كولولة العجائز
رائحتة نتنة 
كيف ظننته ماء ورد ؟
يا لغبائي

الجمعة، 20 مارس 2015

سالو







إلى محمد مبارك ,، إلى روح محمد اليوسف


- سالو
- ماذا تعني بسالو ؟
لم أحر جواباً فأنا لا أعلم معناه ، سمعته كاقتراح من أحدهم عندما طرحت فكرتي عليه ذات مرة فاعجبني  ، نظر إلي المعلم بعمق ثم أردف
- وإن يكن ، لا باس به فكرة سالو أفضل من السابقة ويمكن تطبيقها على المسرح ، غداً ذكرني لأدرج فقرتك من ضمن الحفل .

غادرت منتصراً بشكل لم أتوقعه ، كنت قبلها بساعة واحدة فقط أشعر بخذلان مخيف بعدما رفض العريف الأول في الكشافة إدراجي في ضمن قائمة الممثلين الذين اختارهم بعناية لفقرتهم المعروفة باسم مدرسة المشاغبين فلا شكلي يوحي بمشاغب إضافة لصغر سني مقارنة بـ ( الجحول ) التي ستمثل في هذا المشهد .
غادرتهم حزيناً ، وفي ذات الوقت ركبني عناد بوجوب ارتقاء خشبة المسرح في يوم الحفل وكان لي ما أردت .
اتذكر خشبة المسرح والتي بنيت من طاولات المدرسة  وبعض الأخشاب بشكل سريع وهي تنتصب شامخة في الساحة المفتوحة .
نظرت إليها بزهو وأنا أتخيل تصفيق الجمهور يعلو ويعلو . سيشيرون إلي كنجم ، سيضحكون على فقرتي ، سيندم فريق الكشافة لعدم اختياري معهم .
حقيقة الأمر لا أدري إن كانت تلكم الأفكار قد جالت في عقلي الصغير، ولكنها بالتأكيد لم تبتعد كثيراً . 
- من أستعين بهم ؟ 
من أستعين به يجب أن يكون مؤمناً بما أفعله ، أو أقلاً يجب أن تكون لديه القابلية للتجربة ، بالتأكيد كان صديقي محمد مبارك هو أفضل خياراتي خاصة بعد رحيل أمين اليوسف إلى سيهات أو كما أحببنا أن نسميها الهجرة ولذلك بدون تردد مررت عليه في صفه وشرحت له الموضوع باقتضاب 
- أظننا نحتاج إلى بروفات .
نظرت إليه وبجواره محمد اليوسف الذي كان يستمع لما نقول .
-حسناً ايها المحمدان ، البروفة في منزلنا .
لم يكن من الصعوبة إيجاد دور صغير لمحمد اليوسف الذي شعرت بتحمسه للفكرة رغم أني لم أكن أتصور انه هو من سيفعل ذلك ، بالطبع كنت مزهواً بذلك .
ما أن أتت الساعة الواحدة ظهراً وربما كانت هي بضع لقيمات التي تناولها كل منا في منزله إلا والبروفة تستمر من الواحدة وحتى الخامسة مساء .
اتفقنا على أدق التفاصيل المضحكة .
لم يكن هناك مخرج بمعنى الكلمة ولا مؤلف ، ولكننا كلنا كنا ممثلين 
- اشعر بكلماتها سخيفة هي لمن 
هكذا سأل محمد اليوسف ، تنهدت وشعرت بخطر يهدد المشهد 
- أغنية لعبدالحليم 
- لم اسمع بها
- ولا أنا 
تدخل محمد المبارك :
- اعدها من جديد 
- بحياتك يا ولدي أمرأة عيناها ، عينا سنور ، صوتها كالملاس المكسور ، والشعر العربي المخبول يخرب في كل الدنيا ، فقط 

كنت أنا هو سالوالمغني ، ومحمد مبارك المنتج الذي يفلس بسبب رداءة صوت المغني الفاشل ، وأما محمد اليوسف فهو الملحن الذي كان هدفه إفشال الحفلة باي طريقة ، ما السبب ؟ لا نعرف ولم نفكر حتى في الأمر .

جاء اليوم التالي ، اليوم الموعود وكانت خيبته الأولى ، لم يحضر محمد اليوسف الأيسكريم من بقالة والده كما اتفقنا قبل مغادرة المنزل مساء أمس .
الإحباط الأخر وأيضاً محمد اليوسف وهو من أتى به لنا عندما أخبرنا أن أخوه الكبير إبراهيم وهو مقدم الحفل أخبره أن فقرتنا غير موجودة في الحفل والأستاذ نبيل غير موجود في المدرسة وربما لا يأتي .
موضوع الأيسكريم تم حله على ما أتذكر بالبيبسي أو اي عصير متوفر ، ولكن أسمنا الغير مدرج هو ما جعلنا نرتبك كثيراً .
فقرات الحفل تتوالى والأستاذ نبيل لم يظهر . للحظة كدنا أن نلملم بقايا كرامتنا ونعود إلى صفوف الجمهور وكأن الأمر لم يكن .
أكثر ما كنت أخشاه نظرات المحمدين التي قد تشي بأمر واحد :
- ألم نقل لك  ؟ أين نحن من المسرح .
ذلك لم يحدث ، كانا المحمدان طاقة من الأمل المتجدد ، ليعود محمد اليوسف بالبشرى 
- جاء الأستاذ نبيل ، كان في الدمام
مباشرة ذهبت إليه ، أظنه لم يتذكرني ، وبعد برهة وضع رأسه على يده ونادى 
- إبراهيم ، ضع فقرتهم من ضمن الفقرات 
أجابه إبراهيم فوراً ، 
- ما اسمها .
رددنا بصوت واحد
- سالو 

لحظات قليلة ونحن نعتلي المسرح ، ثلاثتنا ، تألقنا لحظتها وتجلينا رغم الارتباك الذي بدا واضحاً في البداية 
لم نطبق ما اتفقنا عليه ، لم يضع محمد اليوسف لا العصير ولا الايسكريم فوق الكرسي ومع ذلك الجمهور ضحك كثيراً 
كانت مفاجأة أن الصبية الثلاثة في السنة الأولى من المرحلة المتوسطة ينالوا إعجاب الكثيرين من الحضور .
بعد انتهاء المشهد ناداني أحدهم 
- هيه ، سالو 
التفت إليه مبتسماً 
- ماذا يعني سالو ؟
قبل أن أجيب رد عليه صاحبه 
- هل يهمك أن تعرف معناه ؟ يكفي أنك استمتعت بمشاهدته ، أنت يا صغير ومن معك كنتم رائعين