جميع اللعنات والتبات انتابتني في تلك اللحظات وأنا أراها تغادر
فتباً لعينيها التي أسرتني وتباً لغبائي وحبي لاستعراض عضلاتي أمام جموع الفتيات
وتباً لك يا مهند لأنك من أوحى لي بالفكرة وتباً مرة أخرى لك عندما نبهتني متأخراً لمغادرتها ولم تتذكر من هي .
كانت الساعة التاسعة صباحاً عندما دخلنا ساحة جامعة عين شمس وفوراً ذهبنا إلى القاعة التي خصصت لنا لكي نعرض لوحاتنا لطلبة الجامعة ، لم أكن من ضمن التشكيليين ولكن كان واجباً علي أن أمد يد المساعدة لهم بعد أن تأكدنا أن لا وجود لعرض مسرحي لنا في الجامعة .
كنا حوالي ثلاثين طالباً من الجامعة بمختلف الهوايات ومختلف الجنسيات فالمسرح والتشكيل والموسيقى في طليعة الأنشطة الثقافية .نظر مهند تجاهي وهو يتأمل الساحات الخالية من الطلبة فقدومنا كان في وقت خاطئ نوعاً ما فنحن في فترة الأختبارات وهذا يعني مشغولية الطلبة والطالبات عنا في ما هو أهم ، ولكن ذلك لا يعني خلو المكان تماماً ، فقررنا أن نبداً تعارفنا بطريقة طفولية :
- صباح الخير
- صباح النور
- ممكن سؤال ؟
- تفضل
- فين مبنى القبول والتسجيل ؟
- ايه ؟ ايه يعني القبول والتسجيل ؟
مالم نكن نعلمه أنا ومهند أنه لايوجد في الجامعات المصرية مثل هذا المسمى فالطالب الذي يتخرج من الثانوية يقدم اوراقه للتعليم العالي ( إن صحت التسمية ) ويكتب خياراته سواء التخصص أو الجامعة المطلوبة وعلى أساس المعدل والقرب يتم تحويله للجامعة المطلوبة .
- يعني المكان اللي عاوزين الجامعة تقبلنا فيه .
هنا تختلف الإجابات من شخص لأخر ولكن النتيجة واحدة .
- عموماً احنا طلاب من جامعة قطر وعندنا معرض فنون تشكيلية سوف يتم افتتاحه في الغد ليتكم تشرفونا .
وهكذا كان الموال في كل مرة وكان اختيارتنا انتقائية حيث أكبر تجمع للفتيات نذهب إليه .
حتى لحظة أن صادفتني مع زميلتها ، شعرها الكستنائي القصير ووجهها الدائري الطفولي الملامح مع أحمر شفاه وردي اللون وتنورة بنفسجية وبلوفر شتوي رقيق ، لم أستطع أن اشيح نظري عنها وكانت هي كذلك ترافقها إبتسامة رقيقة وهي تحاول أن تلملم من هنا وهناك اسئلتي المبعثرة لتفهم ما يجري
- معرضنا بكره ، انتظر جيتك ...
- إن شاء الله
- وعد ؟
- وعد
في اليوم التالي وكعادتنا أنا ومهند أخذنا جولتنا بسؤالنا الغبي لنتعرف على اكبر عدد ممكن إلى أن صادفنا فتيات ( مسترجلات من شبرا ) اللاتي وكأنهن لم يصدقن أن احتك بهن رجل حتى تشبثن فيه ، أما أنا وبما أن الاسم الذي أمامي فتاة فهذا يعني الاستظراف وخفة الدم وكل حيل الممثل ليستحوذ على الانتباه .
وقمت بدور المرشد السياحي في المعرض التشكيلي .
- هذه اللوحة تتبع الرسم المكعبي ، شوفوا المكعبات في كل مكان
وهكذا أخذت دوري في استعراض معلوماتي مستغلاً جهلهن وقد نسيت كل من حولي بما فيهم مهند الذي كان يقوم بالتصوير الفوتغرافي هنا وهناك .
بينما كنت منهمكاً مع نيفين ( الفتاة الرقيقة والوحيدة بين المسترجلات ) في شرح لوحة ما جاءني مهند على عجل وهو يخاطبني بلهجته السورية :
- ... فيه بنت مازكرها .. بس كأنا شفناها ابل هيك
- وين ؟
- كأنها مشيت
كان الأمر عادياً فكم فتاة عزمناها على المعرض رغم التفاتاتي قبل دخول نيفين وشلتها إلى حيز الادراك لدي بحثاً عن صاحبة الابتسامة الرقيقة والتي ظننت أنها لن تأتي وإلا كان قلبي سيحدثني بلاشك .
انتهى اليوم الأول على خير وقمنا بفعاليتنا المختلفة إلى أن جاء الليل وقد تواعدت مع بعض الأصدقاء لكي نستطلع عن كثب قصر البارون الغامض
لا اعلم أين ذهبوا ولا اذكر ما الذي دعاني أن افتح الكاميرا لاشاهد الافتتاح ومجريات المعرض .
كنت شامخاً ببذلتي الرمادية وربطة العنق الكحلية وحولي الفتيات المسترجلات عدا نيفين الرقيقة وأنا اشرح لهن اللوحة تلو اللوحة بدون كلل أو ملل أو ارتباك حتى حانت اللحظة القاتلة عندما استدارات الكاميرا في الجهة الأخرى وكانت هي .
كانت تتطلع في جهتي علني التفت تجاهها ، وقفت برهة غير قصيرة وهي تتطلع تجاهي بينما كنت منهمكاً في غبائي ، ابتسمت ابتسامة رقيقة وإن كان بها نوعاً من الحرج وغادرت .
صرخت بأعلى صوتي :
- اللعنة علي ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق