هي لحظة لا أكثر ، تمدنا بالطاقة الدافقة أو تسلبها منا فنصبح عاجزين ، مترهلين من الداخل وكأن عظام الروح أصبحت رخوة .
عظام الروح !!!
كان المكان خالياً لا يشبه أبداً يوم أمس ، حزيناً بعض الشيء ، الشجر بدا وكأنه قد فقد كل ما يملك فأصبح عارياً ، يشبه روحي لحظتها .
تعثرت في خطواتي الرتيبة كلما عثرت عيناي على إحداهن ظناً أنها قد تكون هي ، البحث مازال مستمراً ومساندة مهند تدعمني لوجستياً ولكن بدون فائدة ، اليأس أخذ طريقه في قلبي رغم كل المحاولات لانعاشه ، تصفيته و تنقيته من الشوائب الغريبة .
مر الظهر لا يهم إن كان سريعاً أم بطيئاً ، لا فرق عندي لحظتها ولكنه مر ، جلست في المقهى الجامعي يائساً بعد تعب ، وقبل أن ارتشف كوب القهوة وكأني لمحتها ، انتفضت يدي حتى كاد الكوب أن يقع ارتشفته على عجل بدون أن أتحسس حرارته وكأني استخسر ما دفعته وجريت خلف الطيف تلاحقني نظرات الجميع.
إحساسي الداخلي يخبرني بسراب الفكرة ، بخطأ في الاتصال ولكن المتعلق بـ ( القشاية ) يجعله يمطر السماء شهباً إن أمكن ، تسارعت خطواتي ناحية طيفي ذو الشعر القصير وبسرعة خاطفة سبقتها مع لمحة جانبية من طرفي الأيمن ، جانبية مخيبة فلم تكن هي .
- ولو كانت هي ، شو كنت بتعمل ؟
- بصراحة ما ادري ، يمكن ابتسم ببلاهة كالعادة واقول وين شفتك ؟
- عندك الجرأة ؟
- هم ما ادري . بس اظن ... لا ما اظن ... ما ادري
متى تصبح الأيام متشابهة ؟ هل بتشابه الأحداث ؟ أظن أن الفراغ أصبح قاتماً رغم ما يحفل برنامج الرحلة من زخم كبير .
فهد يبشرني بأن مسئولي الجامعتين يبحثان أمكانية عرض مسرحيتي في مسرح الجامعة الذي يقبع تحت الصيانة . لا اعلم لماذا لم استقبله بفرح غامر مثلما هي كل مرة ، لهذا السبب أنا هنا ، لكي اعرض المسرحية .
- صحيح ؟ وين مهند
- في قاعة الفنون التشكيلية . بنروح رحلة في النهر
- اقدر اعتذر ؟
- اكيد بيرفضوا . وثاني شي وين بتروح
- بأنام
- البارحة نايم نومة اهل الكهف ، على فكرة شوف لك حل مع الشخير ماعرفت أنام منك ، تعال وفرفش
اعترف بجمال الرحلة ، اظن أن حكايتي مع الحظ هي وهمية أنا من اقنع نفسي بالعجز والكأبة وقلة الحيلة وسوء الحظ وكل الصفات السيئة والرديئة .
نحن من نجعل من أنفسنا ضحايا من لا شيء ، من وهم نصنعه أحياناً لأنفسنا ، ربما هي حالة من الكبت العاطفي أن اعشقها من خلال نظرة واحدة ، وكأنني صدقت حكاية الحب من النظرة الأولى كما هو في عالم الأفلام .
مددت يدي لتنساب على صفحة ماء النيل البارد ، ارتعشت ، وابتسمت وفي النهاية حملت بكفي قليلاً منه ورشقت مهند به عقاباً ما صنعه بي .
توالت الضحكات حتى اهتز القارب من فعل طيشنا وربانه يترجانا أن نهدأ قليلاً ولكن لافائدة ، فحالما تهدأ حركتنا في جهة ننحني كلنا في اتجاه فوج سياحي ياباني بتحيتهم حتى يميل القارب الصغير .
حالما ارسى القارب كنت اخر النازلين ، نظرت بغرابة جهة فهد الذي تجمع حوله شباب وشابات وكأنهم يعرفونه ، لم التفت إليهم وإن كان الفضول يتملكني حينها . تمنيت في أعماق قلبي أن يناديني وبالفعل حدث ما تمنيته ، وبسرعة متناهية كنت اقترب منهم إلا أن تبعثرت من جديد عندما لمحتها بينهم .
نظراتها هي ذاتها تحرقني كما العدسات الحارقة ، ارتجفت أوصالي فبدوت كموجة برد أصابتني حينها .
قدمني فهد إليهم
- مخرج وممثل ومؤلف .
خرج صوتها كموسيقى :
- كنت افتكرك فنان تشكيلي
شعرت بالغصة ، وكأنها تغمز من قناة الفتيات المسترجلات ، فابتسمت ابتسامة باهتة :
- تقدري تحطيها في قائمة سبع صنايع والبخت ضايع
ضحكت كضحكة فجر انبلج من ليل طويل ، كل ماحولها لم يكن موجوداً بما فيهم فهد ، لم يكن إلاها ، كانت احاديثهم متحلقة حولي وحول مسرحية الضوء الأسود ولكن ضحكتها شغلتني كثيراً
- امتى حتعرضوا المسرحية ؟
- حتحضري ؟
- إن شاء الله
