الأربعاء، 4 مارس 2009

القاعة ( 2 )





ما أصعبها ، عندما لا تلتقي النظرات عمداً ، كنت أشعر بوجودكِ ، تلفت بين الوجوه الحاضرة في القاعة المضيئة بألوان الفرح والبهجة ، ولكني لم أجرؤ على الالتفات للخلف . أخذت نفساً عميقاً كعادتي وأغمضت عيني .


( فلاش باك  ) رسالتي كانت عالقة بين الوهم والحقيقة ، خجلى ، شعرت بغربتها . ربما كنت بحاجة إلى شجاعة نادرة تجتاحني في مثل هذه المواقف ، ربما كنت بحاجة لكسر حاجز الخوف بضغطي على زر الإرسال ، اقفلت النافذة وتنهدت بحسرة .


كنت تتهادين في خطواتك مع علو التصفيق ، تخترقين الصفوف ونظراتي تحفكِ من الخلف بكثير من الفرح . شيء ما سبب لي الاضطراب أو أخل بالتوازن ، تصفيقي الرتيب المصطنع وإيقاع قلبي المرتفع وعندما عدتِ إلى مقعدك أشحت بنظري للجالس بجانبي ورسمت ابتسامة أشعرتني بحزن غريب يجتاحني .


( فلاش باك  ) مازال ذلك المقعد الشاغر يذكرني بكأس الشاي الأخير ، وسيجارتي التي كنت أنفث دخانها إلى أعلى بعيداً عن وجهك ,وبعيداً عن وجوه الحاضرين الذين تحلقوا معك يتبادلون أحاديث الوداع .كانت لدي الرغبة في الحديث عن غيابك الأخير ، فتشت في ذاكرتي بحثا عن الكلمة / المفتاح ولكن كالعادة فشلت .


بعد نهاية الحفل ، وقفت أمام البوابة أنتظر خروجكِ ، بحثت في ذاكرتي عن بقايا الشجاعة التي أترنم بها ، وجميع المفردات التي اكتسبتها ، بحثاً دءوباً عن سر الابتسامات والنظرات المختلفة . ولكن حالما لاح طيفكِ عن بعدٍ ، ضاعت خزعبلاتي ونكست رأسي ، وزاغت نظراتي في أماكن متفرقة عداكِ .وقفتِ لحظات ... ورأيت طيفك يتجه إلى الباب الخارجي تصحبكِ صرخة انطلقت داخلي تشتت في جوٍ رطبٍ خانق .

القاعة ( 3 )




ماذا يحدث عندما تتغلل أصوات الطبول في جسدك ؟ عندما تنساب معها كجدول صغير يتحول تلقائياً إلى شلال من الطاقة لينصهر الجسد متوحداً مع عالم أخر . بعيداً عنها رغم قربك منها ؟كان قلبي كبوصلة فقدت قدرتها على تمييز الاتجاهات بفعل الرقص على الطبول الإفريقية ، اندمجت في الرقص لحد الإنهاك حتى أنني أشعر وكأني محارب يرقص ( الاجبيكور ) استعداداً لمعركة ضروس في وقت ما وفي مكان ما .


بدأت فكرة وجودك معي في قاعة الرقص بالتلاشي ، فإيقاع الطبول هيمن على جسدي ، كل ذرة تتحرك مع كل ضربة ، مغمضاً عيناي ، منتظراً للطبول أن تتوقف في أي لحظة .


( فلاش باك  ) نظرة سريعة على أرقام الهواتف وأسماء أصحابها في الدليل مفكراً ما سوف أفعله بها ، من سبقني أخذ دور معلق المباريات ، ومن كان قبله ألقى بهذه الأسماء والأرقام خطبة نارية لأحد الزعماء . ولكن ماذا عني ؟ ماذا عنكِ ؟ ماذا أهديك لحظتها ؟ كل نظرات التلاميذ متجهة صوبي تنتظر أن أبدع شيئاً من خلال أرقام جامدة وأسماء لا تعنيني .أخذت نفساً عميقاً كأني أشحذ قوتي بكِ ، وأطلقت صوتي مغنياً .


كانت دورتي سريعة ، رشيقة مع انسجام كامل في حركة اليدين والرجلين لأبدو كمحارب إفريقي يدور حول غنائمه ، متحاشياً الاصطدام بمن حولي من الطلبة عن طريق سماع تنفسهم الذي أخذ بالعلو ، أخذ قلبي يستعيد سيطرته من جديد ليرشدني إلى جهة ما وكأنها أنت ِ . عادت فكرة وجودك هنا معي في الظهور ، في نفس القاعة ، تؤدين رقصة ما ، مجرد طيفك أشعلني ، اضطربت لحظتها وفقدت توازني ، عندها فقط وبحركة غير إرادية فتحت عيناي لحظة توقف الطبول وجمود الحركة .


( فلاش باك  ) وأنا أغني كنت أتحاشى النظر إليكِ . كان صوتي بلا شك سيضطرب ، سيفضحني غنائي الشجي لحظتها ، ولكن كانت أغنيتي لك ، كل رقم أنطقه ، كل أسم أشدو به ، يترجمه قلبي باسمكِ . وتعالى التصفيق ، كان الجميع يصفق إلاكِ .


لم تكن لحظة الجمود عن الحركة هي التي أتعبتني ، ولكن أن تتوقف الحركة وأنا أنظر إلى عينيك ولا أستطيع إزاحتها ! منهكاً حد الانهيار ... هي المرة الأولى التي تلتقي فيها عيوننا بدون أن نشيحها بعيداً ، بدونا كالأغراب في انتظار أن تعاود الطبول إيقاعها من جديد لنعاود الرقص ونغلق العيون .




القاعة ( 1 )





بحثت عنك بين الوجوه الحاضرة . تزداد دقات قلبي والتفت كلما سمعت يداً تفتح باب القاعة المظلمة رغم علمي أنك لن تأتين إلا أني مازلت أتمسك بأمل واهن يشدني إليك

انتهى العرض وأضيئت القاعة وعدت أبحث مجدداً عنكِ .


( فلاش باك  ) كانت يدي غارقة بالبلل وأنا امسك يدكِ ، لم اعلم حينها سبب هذا العرق الكثيف هل كان بفعل الجيانغ جونغ الأخير أم بسبب قربي منك ، وعندما أرسلت ومضتي القصيرة في الحلقة الدائرة للمجموعة وصلتني ضغطة يدكِ الكهربائية ، سريعة ومقتضبة ، خجولة ومرتبكة . حاولت فك الطلاسم ولكن ......


عدت أجدد البحث بين الوجوه . كل الوجوه تبتسم لي كلما نظرت إليها باحثاً . لا اعرف مغزى هذه الابتسامة إن كانت شفقة أو استهزاء بمشاعري تجاهك اقتربت خطوات من خلفي ، التفت هلعاً وكانت الخيبة من جديد . نكست رأسي وأغمضت عيني ورأيتكِ


( فلاش باك  ) كم ملعقة سكر أضفتها الآن ؟ ومازال طعم القهوة مراً . لو كنتِ هنا لطلبت منك وضع إصبعكِ فيها .... فهذا يكفيني . ابتسمت ابتسامة بلهاء وأنا أتخيل ملامح وجهكِ عند سماعك مثل هذا الطلب الغريب .


فتحت عيني متمنياً أن يصبح الخيال حقيقة وفوجئت بالقاعة خالية من كل الوجوه . وكإنسان آلي ارتديت معطفي واتجهت إلى الباب الخارجي حيث كان هناك من ينتظرني هواء بارد .... وسيارتي .