هناك الكثير، سواء كان ذلك من العائلة أوالأصدقاء أو ربما من عالم المنتديات من لهم فضل كبير على ما وصلت إليه الآن ، ولكنك تبقى صفحة مميزة واثر خالد في حياتي القصيرة .
كنت مثالاً لي أحتذي به وإن لم أسر على خطاك حينها لعجزي عن اللحاق بك ، فأنت الفنان والمثابر واللاعب والخطاط والرسام وغيرها ، ولا أنسى فقد كان بيتكم ملاذاً لأطفال الحي يفرغون طاقاتهم فيه سواء بلعب الكرة أو بالتجمعات أو ممارسة الهوايات المختلفة .
كتاريخ اتذكر أول مسرحية لي على الخشبة وقد كانت من تأليف والدي واخراجه ولكن الحقيقة الكامنة هي أن أول عمل لي قدمته كمسرحي كان في ( الدالية ) ، داليتكم وأنت كنت صاحب الفكرة ، وأنت من زججت بي لعلمك بحبي للمسرح منذ الطفولة .
كانت تلك الأمسية المسرحية مبهرة في طريقة عرضها ، حضر فيها جمهور غفير من نساء الحي والأطفال وكان الأبطال نحن أبناء الفريق الذي يلعب الكرة أحياناً وينشئ الأمسيات الثقافية أحياناً أخرى .
الغريب في الأمر أن كل تلك الهوايات التي كانت لديك وكان من الممكن أن تبدع فيها تقاسمناها عنك وكأنك تركتها لنا هدية .
هل تذكر أول قصة كتبتها وقمت أنت برسم أحداثها ؟ اتذكر ذلك وكأنها بالأمس ، كنت في الصف الثالث وانت في الصف الخامس عندما علمت بقصتي أخذت بدفتر وقمت بالكتابة والرسم لتصبح قصة كما في قصص المكتبة الخضراء .
لا تعلم يا عبدالله كم كنت مزهواً بنفسي في تلك الليلة وأنت ترسم البطل بعصاه وهو يطل على العصابة من خلف التل ، لا تعلم ماهو الأثر الكبير الذي خلفته تلك الليلة على ضوء فانوس وأنت ترسم بكل اخلاص لتظهر قصتي الساذجة بمظهر جميل وجذاب حسب امكانياتك .
تلك القصة وتلك الأمسية المسرحية هي من جعلت مني قاصاً ومسرحياً يشار إليه الآن .
من السهل أن تدعي الانتصار والغلبة .
ومن الأسهل أن تدعي المرارة عندما تسقط عيناك على اسمي يضيء شاشة جوالك وكأن الذكريات هي ما كانت في أواخر الأيام لا بداياتها .
- دائما أحكي لهم كم أنت عظيم ومبدع .
كانت تلك جملك الأخيرة لي ، اظن يداك فوق رأسك الآن في محاولة لنفض غبارها عنك .
دمت ودام الشوك منك
لا أدري إن كنت تتذكر تلك الحادثة أم طواها النسيان كما طوتك الأيام ؟ ولكن هذه الحادثة غيرت الكثير من نظرتي إليك .
كنا أربعة متجهين بـ ( سياكلنا ) إلى تاروت لإصلاح سيكلي المعطوب وبعد رجوعنا إلى قريتنا الهادئة أحاطت بنا عصابة من الأشقياء .
عباس وخالد كانا أول الفارين من الطوق المحكم حولنا ، بقينا أنا وأنت بمفردنا بمواجهتهم .
قلبي الصغير كاد أن يتوقف من شدة الرعب وأنا ارى نظراتهم تكاد تسلخني ، لكني كنت أشعر بنوع من الآمان وأنت بجانبي . بحركة مفاجئة استدرت بدراجتك في الاتجاه الأخر وغادرت وأنت تطلب مني أن افعل مثلك .
ربما هي الشجاعة من خانتني أن افعل كما فعلت وربما سرعة التصرف لم تكن بالشكل المطلوب هي من اعاقتني حيث أمسك أحدهم دراجتي وقبض علي .
نظرة سريعة في الطرف الذي كان فيه خالد وعباس يقفان من البعيد يراقبان المشهد ، شعرت بالخذلان لحظتها . لم يكن لي من مناص إلا أن أجري برجلي في اتجاه هروبك . وجريت بأقصى ما يمكن تصاحبني ضحكات الأشقياء .
دخلت الحارة الغريبة وأنا أناديك فلربما تكون هنا أو هنا .
- حسن ... حسن
ليظهر لي أربعة اغراب في عمرك وعمر خالد لا اعرفهم ولكن نظراتهم كانت تشع بأمل ما أحسست به .
- ويش فيك ؟
- شلة حاصروني واخذوا سيكلي .
وشرعت في البكاء المر ، لا اعلم لماذا بكيت لحظتها ولا أعلم هل شعرت بالاطمئنان أم أنها كانت متاهة أخرى بالنسبة لي .
قال كبيرهم :
- ولا يهمك .. وينهم ؟
أشرت باتجاه ملعب الهدف الذي عرفت اسمه فيما بعد وساروا معي . عندما وصلت كانت الشلة مازالت في مكانها وخالد وعباس مازالا لم يبرحا مكانهما ، بينما أنت لم تكن هناك .
- هرب مثلهما
قلت في نفسي بنوع من الحسرة التي تلاشت في لحظة المواجهة بين فريق الحماية وبين الأشقياء .
- رجعوا سيكل اللصبي .
- وإذا ما رجعناه ؟
فكانت الإجابة سريعة للغاية بصفع أحدهم من كبير الغرباء . وكانت الاستجابة اسرع في عودة سيكلي لي من جديد .
اشرت بنوع من الفخر تجاه المتفرجان من البعيد إن هلما فقد انتهى الحصار .
اثناء عودتنا كان السؤال الذي يراودني أين أنت ؟ وجاءني الجواب عندما رأيتك قادماً من البعيد ومعك ابناء الحي والأقارب وقد حشدت الحشود لنصرتي .
اينما تكون الآن يا حسن وأينما كان الأغراب الأربعة الذين ظهروا من العدم لن انساكم ما حييت .