( 17 )
قبيلة الشيروكي المتواجدة في جزر الغموض هي بقية باقية من القبيلة الأصلية ، حافظت على الكثير من عاداتها وتقاليدها الأصلية بما فيها تسمية المولود الذي يختلف عما هو متعارف عليه في بقية العالم فالمولود قد يسمى لمعنى أو مكان أو قديس أو اسم لسلف يمثل قدوة ذو معنى لعائلته ولكن في القبيلة الأمر مختلف في منحاه فالتسمية تتم عما ينبأ له أو ما هو قادر على عمله مثلما كان اسم فاضل الجابر الذي سمي لتفوقه في علم الجبر فكان اسمه فضيل ( أي بقية ) الجبر وكان ذلك عندما وجده والده وأخواله بارعاً في عد الخراف والثيران وهو في سن سبعة أشهر أما بالنسبة لمالك القلاف فقد جاء اسمه عندما وجده والده ذات مرة يبني سفينة فسماه والده مالك السفينة النجار ( أي القلاف في لغة الشيروكي ) لأنه ملك السفينة التي بناها .
ولكن السؤال الذي حير الجميع هو سبب تسمية AMA بهذا الاسم فالذي اطلق عليه كان هو ساحر القبيلة بعدما قرأ مجموعة من التعاويذ لتحفظه من الأرواح الشريرة أثر حادثة فقدان أخويه فاضل الجابر ومالك القلاف .
ولكن الأمر لم يخلو من محاولة تفسير معنى الاسم فهناك من قال أنها مشتقة من Agitator Murderous Aweless التي تعني القاتل المشاغب الجريء وذلك في حادثة مشهورة عندما كانت معلمتهم سحر رباني ( زوجة المشعوذ حكيم ) تعلمهم أصول الحكمة والشجاعة وبينما كان الطلبة منسجمين مع معلمتهم في الدرس المميز هجم عليهم فجأة حيوانٌ قارض صغير الحجم شرس الملامح يشبه في شكله الفأر فأصاب الجميع الهلع والفزع والخلع فأختبأت المعلمة ذات الخمسين عاماً في الخزانة الحديدية التي صنعت خصيصاً لهذا الغرض بينما قفز الطلبة فوق الطاولات والكراسي إلا الفتي الذي لم يسميه والده بعد فقد هجم بكل شجاعة وجرأة على الفأر وقتله قتلة نكراء ولم يكتفي بقتل الفأر المسكين بل قام بسلخه والتمثيل به ومن ثم تعليقه على باب القرية ، فأعجبت به معلمته والتي كانت قبل ذلك منزعجة منه بسبب كثرة مشاغباته ، ومن هذا المنطلق فهناك احتمالية كبيرة لسبب هذه التسمية العجيبة والغريبة التي تحدث لأول مرة في قبيلة الشيروكي .
وهناك احتمالية أخرى لسبب التسمية تختلف في مضمونها عن الأولى فقد جاءت التسمية أيضاً مختصرة عن Amentia Malfic Addle-plot والتي تعني الفضولي الخبل الذي يضر وهذه أيضاً لها أساس من الصحة عندما ترك ساحر القبيلة حكيم النار المقدسة ذات مرة في الخيمة وذهب لقضاء حاجة على وجه العجل فوكل عليها أحد الحراس الذي استغرق في نومه فصدف أن مر الطفل الصغير أبن زعيم القبيلة والذي لم تتم تسميته بعد عند الخيمة المقدسة فشم رائحة الخشب المحترق فأصابه الفضول فدخل الخيمة فأعجب بمنظر النار وقد ظنها زينة أو حلاوة فمد يده إليها فاحترقت يده ففزع وصرخ فسقطت جمرة على جدار الخيمة فاشتعلت النيران في كل مكان وكادت أن تحدث مصيبة عظيمة في ذلك اليوم ، ومما يدل على صحة من اتجهوا إلى هذا الرأي وجود حرق في يده اليمنى وأسفل بطنه .
ولكن سواء كان أساس اسمه القاتل المشاغب الجريء أو الفضولي الخبل الضار كل ذلك لا يهم فهاهو AMA يستعد هذه الليلة لتنصيبه زعيماً لقبيلة الشيروكي خلفاً لوالده الفارس النبيل وبمباركة ساحر القبيلة حكيم .
وقفت مجنونة تنظر بفخر ناحية أبنها وتلألأت دموعها من مقلتيها وانفجرت مثل نهر صغير عندما اقترب ولدها من الساحر المبجل حكيم ، حلم حياتها قارب أن يكون حقيقة بعد أن كادت أن تنطفئ الشمعة في ولديها فاضل الجابر ومالك القلاف ، لحظات قليلة ويكون AMA زعيم قبيلة الشيروكي الجديد خلقاً لوالده .
الكل في حالة ترقب فقد كانت رحلة AMA نحو البعيد ذات هدف ألا وهي النار المقدسة التي تحدث مشعوذ القبيلة عنها وقد أوكل المهمة إلى الزعيم المستقبلي كاختبار رجولة ورغم اعتراض الأم المثكولة بابنيها إلا أن الفارس النبيل حث أبنه على الذهاب بدون الاستماع لقلب والدته التي اثقلها الخوف ونست شجاعة أبناء الشيروكي المعروفة والمشهورة عنهم . كانت هناك شكوك كثيرة حول صدق الزعيم الشاب في حصوله على النار المقدسة خاصة أن النار لم تكن بحوزته عندما قدم رغم ادعائه بملكيتها . وهاهي الليلة ستكشف صدقه من كذبه وفي حال فشله فسوف يستبعد تماماً من زعامة القبيلة وبما أنه الابن الأخير فهذا يعني أن الزعامة سوف تتجه إلى غيره ، وبالطبع سيكون اختيار الزعيم المرتقب مرهوناً بحكمة المشعوذ حكيم والذي بلا شك سوف يختار أحدهم من شباب القبيلة .
تقدم AMA نحو كوة الأخشاب المصفوفة بعناية والتي تشكل شكل الهرم بما يذكرهم بحضارة الأسلاف البائدة ، كان الجميع ينتظر ما تسفر عنه الأمور ، نظر حكيم إلى الزعيم القادم بشكل مريب :
- لا أرى معك النار المقدسة يا AMA !
- ستراها عما قريب
قالها وأخرج حصاتين صغيرتين من جيبه .
- هل هذه هي النار المقدسة ... يبدو أنها خامدة
قالها المشعوذ ضاحكاً دون أن يخفي قلقه :
- سترى .
أخذ AMA يضرب الحجارة ببعضها كما علمته ملكة المنبوذين فظهر الشرر منهما ، زاد الضربات بالقرب من بعض الأوراق اليابسة كما أوصى بعض من رجاله ، لحظات قليلة والنار تشتعل في الأوراق اليابسة لتمتد إلى الأخشاب الهرمية تصاحبها صيحات فرح وابتهاج من قبل الرجال المحيطين .
تغيرت ألوان حكيم وهو يرى النار تضطرم في الخشب المتقد وشعر بالخطر الشديد فهاهو الشاب اليافع يمتلك سر النار دون سواه وهذا يعني أن مركزه في خطر .
تقدم AMA ناحية المشعوذ العجوز ونكس رأسه أمامه دلالة الخضوع فوضع عليه عصاته من خشب الخيزران وتمتم ببضع كلمات منتهياً برفع يد الزعيم الجديد .
عادت الصرخات تعلو المكان ورقص الرجال حول النار المقدسة في بهجة وسرور إلا أن AMA وقف على المنصة الخشبية وصرخ بأعلى صوته إلى أن هدأ الجميع وتطلعت الرقاب تجاهه في معرفة ما سيقوله زعيم القبيلة :
- ها أنتم تعلمون أن الأرواح المقدسة أعطتنا سر النار ، هذه العطية لها ثمن ...
بلع حكيم ريقه بصعوبة وجالت في ذهنه أفكاراً شتى حول ماهية الثمن الذي تطلبه منهم الأرواح المقدسة هل هي رقبته أم عزله ، بلا شك فيه أن AMA عرف كيف يلعب لعبته وهاهو الآن ينتظر كالبقية ما تسفر عنه الأمور التي لم يكن يخطط لها أن تظهر بهذا الشكل .
- الأرواح المقدسة تطلب منا أن نساعد خدامها الماكثين في البعيد .. إنهم في حاجة ماسة لمقاتلينا ننصرهم لكي تهدأ أرواحهم وأجسادهم ... هل أنتم معي في نصرتهم ؟
هتف الجميع بأصواتهم الجهورية دلالة الانصياع التام لزعيمهم الشاب وعلم حكيم أنه وجب عليه التصرف حيال هذا الأمر الخطير .
لحظة التصادم هي ذاتها لحظة الهزة الأرضية التي اجتاحت الغابة وجعلت جميع البيوت الطينية في القرية الإمبراطورية والقريبة من الغابة تتهاوى عن بكرة أبيها . لحظات والغبار يملأ المكان ولم يستطع الوزغ الذي أطل برأسه من المكان لمعرفة من أنتصر في التصادم الرهيب هل هي بتول محمد أم الناي الحزين ، كل أمنيات قلبه أن يكون رجل الكهف ذو الشعر الكثيف هو صاحب الانتصار ليكون في مأمن هو وعائلته من جوع بتول وشراهتها .
بعد ساعة من الزمان انجلى الغبار فتطلعت عينا الوزغ بكل فضول لمعرفة من هو المنتصر في هذه المعركة الأسطورية فبلع ريقه وأصبحت عينه اليمنى مع اليسرى لصيقة عندما نظر إلى بتول محمد وهي حاملة صخرة كبيرة وقد لمعت عيناها ببريق وحشي تهم بإلقائها على رجل الكهف المضرج بدمائه والساقط على الأرض فاقداً للوعي فعلم الوزغ أن حياته أنتهت وإن رحل ، هذا إن كان بإمكانه الرحيل من هذا الجحيم .
وكأن الأرض أنشقت فقد ظهرت زمردة من العدم وألقت بنفسها على جسد الناي الحزين تفديه بنفسها وهي لا تعلم من هو الوحش الأخر الذي يهم بقتل رجلها .
شعرت زمردة بفقدانه فهو لم يأتي في موعده فعلمت أن هناك خطب ما فأوجست خوفاً من أن يكون رجال الإمبراطور أبو حسام قد قبضوا عليه ولكن الزلازل الذي حدث جعلها تتوجس أكثر وتشعر أن هناك معركة قائمة بين عملاقين ، شعرت بالحب الجارف تجاه هذا الرجل الوحشي صاحب الشعر الكثيف إلا من عينيه ، شعرت أنه أستطاع إرجاع أنوثتها الغائبة عنها منذ زمن طويل أثر الجري وراء زيف حضارة أضاعت من المرأة كل شيء ، كانت تشعر وهي تطبخ وتنظف وتفرم البصل أن سعادتها الحقيقية تكمن هنا بعيداً عن المسلسلات المصرية والأمريكية التي شحنتها مع بقية نساء العالم بما هو غير حقيقي . ولذلك فالدفاع عن هذا الرجل الذي لا ينطق غير أسمه ولا يفقه غير لغة بطنه هو أمر محتم وواجب على كل امرأة تؤمن بهذه القضية الكبيرة ، فلمت ملابسها وخرجت لا تلوي على شيء فهالها أن رأت رجلها وسيدها ملقى على الأرض مضرجاً بدمائه بينما الوحش الأخر يهم بإلقاء الصخرة العملاقة عليه وسحقه من الوجود فلم تترد لحظة واحدة وكأن حلمها الذي وجدته أخيراً سيتبخر حالما يموت رجل الكهف .
العينان الوحشيتان اللتان كانتا تلمعان ببريق القتل والدمار والهمجية انطفأتا حالما استوعبت بتول الماثلة أمامها فهي ذاتها التي جعلت حالتها السابقة على ما هي عليه ، وبصوت أجش تصاحبه جشوة وكأنها خارجة من وليمة دسمة
- دبدوبتي
حالما سمعت ~ زمردة ~ هذا الصوت عرفت صاحبته فتغيرت ألوانها وتذكرت السيدة همس 2007 والبصل الإمبراطوري والعذاب والسخرية والمرمطة فعزمت على أن تنتحر قبل أن تفرقها هذه الخبلة عمن تحب ولكن وقبل أن تخطو أي خطوة متوقعة ضمتها بتول نحمد إلى صدرها وأجهشت بالبكاء :
- دبدوبتي .. افتقدتك ..
لم تحر ~ زمردة ~ جواباً فتغير حالة هذه العملاقة من الوحشية إلى الوداعة وإجهاشها بالبكاء مع تلكم الكلمات الصادقة جعلها تتحسس مدى الحب في كلماتها وبطريقة لا شعورية مسحت ~ زمردة ~ خصلات شعرها الخشنة بنعومة مما جعل بتول تسترخي رويداً رويداً وتغط في النوم .
فكرت المناضلة الحقوقية السابقة بالهرب مع رجلها رجل الكهف طالما الفرصة سانحة ولكن البسمة التي تعلو محيا هذه المشوهة والسعادة البادية على وجهها والفم العريض ذو الأسنان المتفرقة جعلها تشعر بتأنيب الضمير فيما لو فكرت بهكذا تفكير .
الليلة الفائتة كانت ليلة مثيرة بمعنى الكلمة ، فسنابسي الهوى عاش ألذ فترة في حياته فقد أطبق على مطبوخ الكرورو بكل نهم وشهية وما جعل شهيته مفتوحة بهذا الشكل العجيب ما يحيط به من جمال ففتيات الأمازون رغم شهرتهن القاتلة إلا أنهن بحق كن أجمل مخلوقات الله في هذه المعمورة ، فالدلال والغنج والجمال والرقة والعذوبة والنعومة كلها صفات ملتصقة فيمن يطلق عليه أمازونية ، إضافة إلى الموسيقى الحالمة التي تعزفها جواري الأمازونيات وغنائهن الذي يشبه صوت الكناري في عذوبته ورقته .
كل تلك العوامل جعلت سنابسي الهوى غارقاً في عالم أخر لدرجة أنه لم يشعر في لحظة واحدة بفقدان مرافقه أحمد علي الذي كان الحذر في كل خطوة يخطوها شعاراً يتخذه إلا أن سحر الأمازونيات وكيدهن كان أقوى من حذره هذه المرة فقد أستطعن استدراجه بقليل من الغنج لتناول كوكتيل العنب بالتفاح الذي قدمه له عاشق المسرح بنفسه مع ابتسامات من هنا وهناك من ملكة الأمازونيات بنفسها . أحمد علي لا يستطيع أن ينكر كم هي هذه الأزهار ساحرة فاتنة فرغم عمرها الذي يربو على الخمسين عاماً إلا أنها كانت محافظة على جمالها فلا تجد التجاعيد طريقاً لوجهها النظر ولا أي تشققات في جسدها البض الطري الناعم وهذا عكس ما سمع عنها فهي مقاتلة شرسة فكيف يستقيم الحال عما سمعه وعما يراه الآن ؟
شرب أحمد علي العصير دفعة واحدة وهو يتأمل في جمال عيني أزهار بريه التي كانت تبادله النظرات بكل مرح وغنج إلى أن بدأت الدنيا تغيب وتسود فعلم أن هناك مكيدة حاكها كل من عاشق المسرح وأزهار بريه ضده فحاول أن يقف ويمسك بتلابيبه إلا أن مفعول البنج كان أقوى منه بكثير فترنح وسقط أرضاً وضاعت محاولاته في الصراخ فقد شل فكه وعجز لسانه عن إتيان حركة أو صوت أو همسة .
علل الأمر على أن أحمد علي تناول كمية كبيرة من الأفيون ولهذا فقد سقط هذه السقطة ، نظرت أزهار بريه تجاه سنابسي الهوى الذي كان مشغولاً في النظر تجاه عازفات العود مأخوذاً بجمالهن الباهر ، ابتسمت ابتسامة رضا وأمرت معاوناتها بحمل هذا الضخم ووضعه في العربة المخصصة والاتجاه به على وجه العجل إلى جزيرة الأمازونيات واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطعام الوشق بدون أنتظار الملكة .
ارتشفت سما شاي العصرية بلذة مصطنعة وهي تتأمل ملامح أبو حسام المقيد بالسلاسل والأغلال والذي بدأت عليه علامات الضعف والترهل وقد بدأت شعيرات لحيته تتشابك مع بعضها بسبب وضعها طوال تلك الفترة في جبيرة الجبس ، كانت كل ملامح اليأس بادية على محياه فقد أحسن الطبيب اختيار المكان المناسب لنفيه ولربما لو فكر بقتله لما استطاع أن يتمكن منه مثل هذه الطريقة الفعالة فسما لديها حساباتها الخاصة بها حسب المصلحة وحسب الظروف المحيطة وبما أن أبو حسام المتجبر قد أزيح بهذه السهولة فلا يمكن بحال أن تتعاطف معه لتعيد له عرشه المغتصب . لابد أن سما الآن سوف تفكر بطريقة من الطريقتين إما أن تعلن ولاءها المطلق للطبيب زهدي أو أنه سوف تفكر بأخذ مكانه مادام أبو حسام غائب عن ساحة المنافسة .
- إلى أين ذهبت عزيزي أبو حسام
قطعت سما عليه أفكاره المتلاحقة مع رشفة طويلة من الشاي الأسود المر الخالي من السكر . ابتسمت وأردفت :
- لابد أنك تفكر فيما سوف أفعله بك ؟
عادت لرشفتها الطويلة والهازئة :
- معك حق . هل تتذكر يا عزيزي عندما صرحت لك برغبتي بالزواج منك ؟ كانت فرصة عمرك وأضعتها ، لو كنت وافقت في ذلك الوقت لما حصل هذا الآن .
نظرت إليه وهو منكس رأسه وتتساءل في قرارة نفسها فيما يفكر فيه الآن :
- لم أكن لأقف في طريق نزواتك في حال زواجنا فأنا ملمة بطبيعتك
ضحكت ضحكة مجللة مما جعل قلب أبو حسام يرجف بقوة لدرجة أنه شعر أنها تسمعه بوضوح :
- ها أنت ترى الآن ، تغيرت المعادلة وأصبحت سجيني وعليك أن تتحمل نزواتي .
نظر إليها بهلع عند سماع كلمة نزوات فهو بات يعرف ما تفكر فيه ، صفقت سما منادية للحرس وأمرتهم باصطحاب أبو حسام حيث يفترض ، أطلق أبو حسام صرخة رعب مما سيجري له .
عن بعد كان ميلاد يراقب ما يجري ليرى ما تسفر عنه الأمور .
هذه الليلة كانت ليلة أسطورية بمعنى الكلمة في الجزيرة الإمبراطورية ، فقد أضاءت القلعة وما حولها احتفالاً بزواج الخليفة زهدي من زينب عبدالله ، ليلة لم يعش مثلها أهالي الجزيرة من قبل فقد كان زهدي باذخاً فيها بشكل كبير مما أنهك همس 2007 والطاقم المساعد لها في شواء اللحوم وقلي الأسماك وشتى أنواع المأكولات لضيوف الخليفة من كبار الشخصيات ، أما أهالي الجزيرة فكان لهم نصيب أيضاً من هذا الكرم وإن لم يكن مساوياً في الكم والكيف مقارنة بضباط الجيش والمسئولين .
دمعت عينا همس 2007 أثناء فرم البصل وهي تتذكر أبنتها التي جنت وتسعرت وتوحشت بسبب فرامة البصل وقاشرته المسماة ~ زمردة ~ فلعنت اليوم الذي جاءت فيه هذه السمينة وقلبت كيان أبنتها الصغيرة الرقيقة ( حسب تصورها ) . كان الأحتفالاً مقرراً له أن يتم أسبوعاً كاملاً فيجميع أنحاء الجزيرة الإمبراطورية ومطلوب من كل مواطن إمبراطوري ( حسب التسمية السابقة ) أن يظهر فرحته بهذه المناسبة فخرجت العجائز ترقص وتمرح وكأنهن شابات صغيرات في السن وخرج الكهول بعكاكيزهم يرقصون العرضة والليوه والدبكة ، أما ألأطفال فحدث ولا حرج فقد كان أسبوعاً حافلاً فقد أجزت المدارس الإمبراطورية (حسب التسمية السابقة ) واستعدت جميع المعلمات بأطفالهن في أوبريتات غنائية بمناسبة زواج الخليفة وحمل الأطفال صوره مع قرينته الجميلة .
الشعراء كان لهم نصيب في هذه المناسبة فقد أقيمت الأمسيات الشعرية والمسابقات في مدح زهدي وقرينته وما أثار الإعجاب خروج طفل صغير أرتجل أبياته الطفولية التي عبر فيها عن حبه لزهدي حيث قال :
زهدي زهدي زهوده *** الناس بحبك محسوده
وعلى أثر ذلك فاز الطفل بجائزة الشعر حيث أطلق عليه لقب شاعر الغليون وجائزته عبارة عن غليون من خشب التيك .
أخذ زهدي نفساً عميقاً ونظر إلى نفسه في المرآة متأملاً شكله وهندامه أخذ شماغه الأسود وعقاله السميك الذي كان يحتفظ فيه في سفراته المتعددة ليتذكر أصله وفصله كلما ضاقت به الدنيا وجرفته نحو منحدر لا رجعة فيه .
سيضفي هذا المنظر هيبة علي هيبته رغم أن العروس ليست بتلك السهولة فالمعركة معها ستكون حامية وكل منهما له أساليبه وأدواته . لن يكون سهلاً ناعماً .. لا سيكون ناعماً كنعومة جلد الثعبان سيعطيها الشمس بيد والقمر في اليد الأخرى ولكنه لن يكون ناعساً سيأخذ حذره في كل مرة سيعين عبدالله الخميس جاسوساً عليها هذه هي فرصته ليثبت ولاءه له ولكنه لن يطمئن له فربما بأساليبها الماكرة تستطيع كشفه وتستميله لجانبها وتحول جانبه ولذلك فيتعين عليه أن يضع شخصاً يراقب عبدالله الخميس نفسه وأيضاً الجاسوس الذي يراقبه سيضع عليه جاسوساً أخر وهكذا .
طرق عبدالله الخميس الباب على مولاه :
- الموكب جاهز يا مولاي
أومأ الخليفة برأسه دلالة الفهم فلبس البشت الأسود وأنطلق لليلة عمره .
مرت ثلاثة أيام على وصول فاضل الجابر لجزيرة الحشاشين ومع ذلك لم يكن يستطيع الظهور بالشكل الرسمي أو العلني فاضطر أن يختبئ خلف الصخور البحرية هو ومن معه حيث وجدوا لهم فجوات صغيرة باتوا لياليهم فيها واستمدوا ببعض الطحالب كغطاء يحميهم شر البرد فقد رحلوا من جزيرة المنبوذين بدون أمتعة أو أغطية لأنهم لا يملكونها ومن المفترض :
- لو صدق وعد الثوار فسوف يكونوا الآن قد وصولوا ونفذوا اتفاقياتهم معنا وهذا يعني عند رجوعنا سوف نجد الدفء وللذك يجب علينا أن نرجع إليهم محملين بالأنباء الجيدة لا أن نرجع لهم بالخيبة ونتدثر البطانية و كأنها العار .
هكذا قال فاضل الجابر جملته يحث فيها جماعته على الصمود :
- يوم واحد فقط منذ الآن وسوف ندخل من الجهة الخلفية للجزيرة ، سترون مناظر لأول مرة تروها إياكم والانبهار بها فهي من مخرجات الشيطان اعتبروها فراغاً ، سواداً أو منظراً كئيباً لكن إياكم والوقوف برهة واحدة فاغرين الفاه .
أومأ الرجال بحماسة وتلحفوا بالطحالب واستغرقوا في نومهم .
بعد رحيل بحراوي وصديقه الحلاق عنها أول فكرة خطرت ببالها هو الموت ، zamob العروس المحبة لزوجها ، كانت قد عاشت أجمل أيام حياتها قبل الرحلة المشئومة ، شعرت أنها امتلكت الدنيا وما فيها عندما التقت ببحراوي أول مرة ، حدث ذلك في المطار حيث كان يعمل وحيث كانت هي مسافرة ، تأخرت على الرحلة وأقفلت أبواب الطائرة وكانت على وشك الإقلاع كما قال لها الموظف ، انتابتها العصبية فهذه الرحلة مهمة بالنسبة إليها فغداً سيكون اختباراً في الجامعة ولا مجال للتأخير ، ضاعت محاولاتها في أقناعه تارة بالغضب الجارف وتارة بالاستعطاف ، وتارة بالنحيب وعودة للغضب الثائر ولكن بدون جدوى ، اتجهت عيناها تبحث عن والدها لتصب عتبها عليه بسبب التأخير فالتقت عيونهما ، كان بدوره مشغولاً مع مسافر ولكنه استشعر مشكلتها ، اتجه إليها بهدوء تصاحبه ابتسامته الرائعة التي عشقتها فيما بعد ، حالما وصل إليها وبدون أن يتكلم مد يده إليها فأعطته التذكرة ، تفحص الأوراق واتجه للكابينة وأجرى مكالمته وأخذ حقيبتها وأنهى الإجراءات وودعها . لم ينتظر حتى أن تشكره ، غادر لخدمة مسافر أخر بينما وقفت مذهولة به .
سافرت تحمل شخصه معها أينما كانت . في الأسبوع الثاني من سفرها وفي ذات الموعد اتجهت إليه مباشرة تصاحبها ابتسامة :
- الأهم أنك أبليت في الاختبار جيداً .. يعني ( فتح وجهي ) للرؤساء لابد أن تكون نتيجته ممتاز على الأقل
- كيف أستطيع شكرك .. أنقذتني
- كما قلت لك ... شكري هو الممتاز
ضحكت ضحكة كما الفجر :
- النتيجة لم تظهر بعد :
- حسن آنسة zamob على ما أظن .. كيف أخدمك هذه المرة بدون عصبية وبدون انتحاب
قالها ضاحكاً ترافقه ضحكة خفيفة منها :
- لن أثق في تخليص أوراقي إلا معك يا سيد
- بحراوي
- اسم غريب
- لدرجة أني فكرت بتغييره
- لكنه جميل
قالتها مستدركة وقد أحمر وجهها . تعرف عليه والدها فيما بعد وخلال فترة قصيرة تقدم لخطبتها .
ذرفت دمعة وهي تستحضر الذكريات وبما أنه لم يتعرف عليها كإنسانة مشوهة فهذا يعني أن ما تبقى لها في الحياة قد انتهى ولم يتبقى إلا الموت مع ذكريات كانت ذات يوم جميلة . وجدت حبلاً ملقى في الطريق وضعت حول رقبتها
يتبع